الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
بإهلاك حرثهم بإرسال ريح من عنده لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
بإرسال ريح الظلم الكفريّ على حرثهم الأخرويّ.
لطائف:
إن قيل: الغرض تشبيه (ما أنفقوا) في ضياعه، بالحرث الذي ضربته الصر، وقد جعل ما ينفقون ممثلا بالريح، فما وجه المطابقة للغرض؟ أجيب: بأن هذا من التشبيه المركب وهو ما حصلت فيه المشابهة بين ما هو المقصود من الجملتين، وإن لم تحصل المشابهة بين أجزائيهما، والمقصود تشبيه الحال بالحال ويجوز أن يراد: مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح، أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح فتحصل المشابهة.
قال ناصر الدين في (الانتصاف) : والأقرب أن يقال أصل الكلام- والله أعلم- مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم فأصابته ريح فيها صر فأهلكته، ولكن خولف هذا النظم في المثل المذكور لفائدة جليلة. وهو تقديم ما هو أهم. لأن الريح التي هي مثل العذاب، ذكرها في سياق الوعيد والتهديد أهم من ذكر الحرث. فقدمت عناية بذكرها، واعتمادا على أن الأفهام الصحيحة تستخرج المطابقة برد الكلام إلى أصله على أيسر وجه. ومثل هذا، في تحويل النظم لمثل هذه الفائدة، قوله تعالى: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما
…
[البقرة: 282] الآية. ومثله أيضا: أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، والأصل: أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت. وأن أدعم بها الحائط إذا مال، وأمثال ذلك كثيرة والله الموفق.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (3) : آية 118]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ أي أصحابا يستبطنون أمركم من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون. قال الزمخشريّ: بطانة الرجل ووليجته خصيصه وصفيّه الذي يفضي إليه بشقوره ثقة به. شبّه ببطانة الثوب. كما يقال:
فلان شعاري- انتهى- ومن أمثال العرب في سرار الرجل إلى أخيه ما يستره عن
غيره: أفضيت إليه بشقوري- بضم الشين وقد تفتح- أي أخبرته بأمري، وأطلعته على ما أسره من غيره: وفي القاموس وشرحه: البطانة الصاحب للسر الذي يشاور في الأحوال، والوليجة وهو الذي يختص بالولوج والاطلاع على باطن الأمر. وقال الزجاج: البطانة الدخلاء الذين ينبسط إليهم ويستبطنون، يقال: فلان بطانة لفلان أي مداخل له موانس. وهؤلاء المنهي عنهم، إما أهل الكتاب، كما رواه ابن جرير وابن إسحاق عن ابن عباس: أنهم اليهود. وذلك لأن السياق في السورة، والسباق معهم. وقد كان بين الأنصار وبين مجاوريهم من اليهود ما هو معروف من سابق الرضاع والحلف. وإما المنافقون لقوله بعد: وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا [آل عمران: 119]
…
إلخ. وهذه صفة المنافقين كقوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [البقرة:
14]
…
إلخ- وربما كان يغتر بعض المؤمنين بظاهر أقوال المنافقين ويظنون أنهم صادقون فيفشون إليهم الأسرار. وإما جميع أصناف الكفار وقوفا مع عموم قوله تعالى: مِنْ دُونِكُمْ كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: 1] . ومما يؤكد ذلك ما رواه ابن أبي حاتم أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة نصرانيا، حافظ كاتب. فلو اتخذته كاتبا؟ فقال: قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين.
قال الرازيّ: فقد جعل عمر رضي الله عنه هذه الآية دليلا على النهي من اتخاذ النصرانيّ بطانة.
وقال الحافظ ابن كثير: ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين، واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب.
وقال السيوطيّ في (الإكليل) : قال الكيا الهراسيّ: في الآية دلالة على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في شيء من أمور المسلمين- انتهى-.
ووجه ذلك، كما قال القاشانيّ، أن بطانة الرجل صفيه وخليصه الذي يبطنه ويطلع على أسراره، ولا يمكن وجود مثل هذا الصديق إلا إذا اتحدا في المقصد واتفقا في الدين والصفة، متحابين في الله لغرض. كما قيل في الأصدقاء: نفس واحدة في أبدان متفرقة. فإذا كان من غير أهل الإيمان، فبأن يكون كاشحا أحرى.
ثم بيّن نفاقهم واستبطانهم العداوة بقوله: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا أي لا يقصرون بكم