الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافه. ويروى: أن يحلف وهو غضبان: ويروى غير ذلك، كما ساقها ابن كثير، مسندة.
وقد ظهر- للفقير- أن لا تنافي بين هذه الروايات. لأنّ كل ما لا عقد للقلب معه من الأيمان فهو لغو بأي صورة كانت وحالة وقعت. فكل ما روي في تفسير الآية فهو مما يشمله اللغو. والله أعلم.
والمراد من المؤاخذة: إيجاب الكفّارة. كما بيّن ذلك في آية المائدة: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ. وَاللَّهُ غَفُورٌ، يعني: لعباده فيما لغو من أيمانهم فلم يؤاخذهم به حَلِيمٌ، يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة تربّصا بالتوبة. والجملة تذييل للحكمين السابقين. فائدته الامتنان على المؤمنين، وشمول مغفرته وإحسانه لهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، اشتملت هذه الآية على حكم الإيلاء، وهو لغة، الامتناع باليمين. وخصّ في عرف الشرع: بالامتناع باليمين من وطء الزوجة. ولهذا عدى فعله بأداة (من) تضمينا له معنى: يمتنعون من نسائهم. وهو أحسن من إقامة (من) مقام (على) . وجعل سبحانه للأزواج مدّة أربعة أشهر يمتنعون فيها من نسائهم بالإيلاء، فإذا مضت فإمّا أن يفيء وأما أن يطلق.
وقد اشتهر عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهم أنّ الإيلاء إنما يكون في حال الغضب دون الرضا، كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم «1» مع نسائه. وظاهر القرآن مع الجمهور. وقد تناظر في هذه المسألة محمد بن سيرين ورجل آخر. فاحتجّ على محمد بقول عليّ كرّم الله وجهه، فاحتجّ عليه محمد بالآية فسكت. وقد اتفق الأئمة
(1)
أخرج البخاريّ في: الصوم، 11- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم الهلال فصوموا» . عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا. فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا أو راح.
فقيل له: إنك حلفت أن لا تدخل شهرا. فقال: «إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما» .
على أن المولى إذا فاء إلى المواصلة لزمته كفارة يمين، وإنما ترك ذكرها هنا لأنها معلومة من موضع آخر في التنزيل العزيز. فعموم وجوب التكفير ثابت على حالف.
قال العلّامة صديق خان في (تفسيره) : اعلم أن أهل كل مذهب قد فسّروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم، وتكلفوا بما لا يدل عليه اللفظ ولا دليل آخر، ومعناها ظاهر واضح وهو أنّ الله جعل الأجل لمن يولي (أي: يحلف من امرأته) أربعة أشهر ثم قال مخبرا لعباده بحكم هذا المولي بعد هذه المدّة فَإِنْ فاؤُ، أي: رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أي: لا يؤاخذهم بتلك اليمين، بل يغفر لهم ويرحمهم وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ، أي: وقع العزم منهم عليه والقصد له فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ، لذلك منهم عَلِيمٌ، به. فهذا معنى الآية الذي لا شكّ فيه ولا شبهة. فمن حلف أن لا يطأ امرأته- ولم يقيد بمدة، أو قيّد بزيادة على أربعة أشهر- كان علينا إمهاله أربعة أشهر. فإذا مضت فهو بالخيار: إما رجع إلى نكاح امرأته، وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها. أو طلقها، وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء. وأمّا إذا وقّت بدون أربعة أشهر: فإن أراد أن يبر في يمينه اعتزل امرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة. كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آلى من نسائه شهرا. فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر. وإن أراد أن يطأ امرأته قبل مضي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة. وكان ممتثلا لما صح
عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «من حلف على يمين فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه» .
قال الحراليّ: وفي قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المضارة والمضاجرة بين الأزواج في أمور لا تأخذها الأحكام، ولا يمكن أن يصل إلى علمها الحكام، فجعلهم أمناء على أنفسهم فيما بطن وظهر.
ولذلك رأى العلماء أنّ الطلاق أمانة في أيدي الرجال، كما أنّ العدد والاستبراء أمانة في أيدي النساء. فلذلك انتظمت آية تربّص المرأة في عدتها بآية تربّص الزوج في إيلائه.
قال الإمام ابن كثير: وقد ذكر الفقهاء وغيرهم- في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهر- الأثر الذي رواه مالك عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه
…
وأرّقني إلّا خليل ألاعبه
فو الله! لولا الله، أني أراقبه
…
لحرّك من هذا السرير جوانبه..!