الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر: حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا حِجْرٌ حَرَامٌ أَلَا تِلْكَ الدَّهَارِيسُ «1» وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ:" وَيَقُولُونَ حِجْراً" وَقْفٌ مِنْ قَوْلِ الْمُجْرِمِينَ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل:" مَحْجُوراً" عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَاذُوا أَوْ يُجَارُوا، فَحَجَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ" حُجْرًا" بِضَمِّ الْحَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى كَسْرِهَا. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ قَالُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، قَالَهُ قَتَادَةُ فِيمَا ذَكَرَ الماوردي. وقيل: هو من قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمَلَائِكَةِ. وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتِعَاذَةٍ وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ من يخافه قال: حجزا مَحْجُورًا، أَيْ حَرَامًا عَلَيْكَ التَّعَرُّضُ لِي. وَانْتِصَابُهُ عَلَى مَعْنَى: حَجَرْتُ عَلَيْكَ، أَوْ حَجَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ، كَمَا تَقُولُ: سَقْيًا وَرَعْيًا. أَيْ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ إِذَا رَأَوُا الْمَلَائِكَةَ يُلْقُونَهُمْ فِي النَّارِ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكُمْ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَحَكَى معناه المهدى عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ:" حِجْراً" مِنْ قَوْلِ الْمُجْرِمِينَ." مَحْجُوراً" مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، أَيْ قَالُوا لِلْمَلَائِكَةِ نعوذ بالله منكم أن تتعرضوا لنا. فنقول الْمَلَائِكَةُ:" مَحْجُوراً" أَنْ تُعَاذُوا مِنْ شَرِّ هَذَا اليوم، قاله الحسن.
[سورة الفرقان (25): الآيات 23 الى 24]
وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ قَصَدْنَا فِي ذَلِكَ إلى ما كان يعمله المجرمين مِنْ عَمَلِ بِرٍّ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ. يُقَالُ: قَدِمَ فُلَانٌ إِلَى أَمْرِ كَذَا أَيْ قَصَدَهُ، وَقَالَ مجاهد:" قَدِمْنا" أَيْ عَمَدْنَا. وَقَالَ الرَّاجِزُ:
وَقَدِمَ الْخَوَارِجُ الضُّلَّالُ
…
ألى عباد ربهم فقالوا
إن دمائكم لنا حلال
(1). البيت للمتلمس، والنخلة القصوى: واد. والدهاريس: الدواهي. يقول لناقته: هذا الذي حننت إلبه ممنوع. وبعده:
أمي شآمية إذا لا عراق لنا
…
قوما نودهم إذ قومنا شوس
وَقِيلَ: هُوَ قُدُومُ الْمَلَائِكَةِ، أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى فَاعِلُهُ «1» . (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أَيْ لا ينفع بِهِ، أَيْ أَبْطَلْنَاهُ بِالْكُفْرِ. وَلَيْسَ" هَباءً" مِنْ ذَوَاتِ الْهَمْزِ وَإِنَّمَا هُمِزَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَالتَّصْغِيرُ هُبَيٌّ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ، وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يقول: هبي «2» فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ. وَوَاحِدُهُ هَبَاةٌ والجمع أهباء. قال الحرث بْنُ حِلِّزَةَ يَصِفُ [نَاقَةً]: فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْعِ وَالْوَقْ- عِ مَنِينًا كَأَنَّهُ أَهْبَاءُ «3» وَرَوَى الْحَرْثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ شُعَاعُ الشَّمْسِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْكُوَّةِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْهَبَاءُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْكُوَّةِ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ شَبِيهٌ بِالْغُبَارِ. تَأْوِيلُهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أحبط أعمالهم حنى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ. فَأَمَّا الْهَبَاءُ الْمُنْبَثُّ فَهُوَ مَا تُثِيرُهُ الْخَيْلُ بِسَنَابِكِهَا مِنَ الْغُبَارِ. وَالْمُنْبَثُّ الْمُتَفَرِّقُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْهَبْوَةُ وَالْهَبَاءُ التُّرَابُ الدَّقِيقُ. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ لَهُ إِذَا ارْتَفَعَ هَبَا يَهَبُو هَبْوًا وَأَهْبَيْتُهُ أَنَا. وَالْهَبْوَةُ الْغَبَرَةُ. قَالَ رُؤْبَةُ: تَبْدُو لَنَا أَعْلَامُهُ بَعْدَ الْغَرَقِ فِي قَطْعِ الْآلِ وَهَبَوَاتِ الدُّقَقِ «4» وَمَوْضِعٌ هَابِي التُّرَابِ أَيْ كَأَنَّ تُرَابَهُ مِثْلُ الْهَبَاءِ فِي الرِّقَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَا ذَرَتُهُ الرِّيَاحُ مِنْ يا بس أَوْرَاقِ الشَّجَرِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّهُ الْمَاءُ الْمُهْرَاقُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الرَّمَادُ، قَالَهُ عُبَيْدُ «5» بْنُ يَعْلَى. قَوْلُهُ تَعَالَى:(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا). تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى" قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ"«6» . قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْكُوفِيُّونَ يُجِيزُونَ" الْعَسَلُ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ" وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَعْنَى فُلَانٌ خَيْرٌ مِنْ فُلَانٍ أَنَّهُ أَكْثَرُ خَيْرًا مِنْهُ وَلَا حَلَاوَةَ فِي الْخَلِّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: النَّصْرَانِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْيَهُودِيِّ، لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمَا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَزْيَدَ في الخير. لكن يقال: اليهودي شر
(1). كذا في الأصل، وعبارة ابن عطية:" أسنده إليه لأنه عن أمره".
(2)
. قال النحاس: والتقدير عنده هبي.
(3)
. قوله" خلفها" أي خلف الناقة. والرجع: رجع قوائمها. والوقع: وقع خفافها. والمنين: الغبار الدقيق الذي تثيره. [ ..... ]
(4)
. الدقيق: ما دق من التراب، والواحد منه الدقى كما تقول الجلى والجلل.
(5)
. كذا في الأصل، وفى" روح المعاني": يعلى بن عبيد.
(6)
. راجع ص 9 من هذا الجزء.