المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النمل (27): آية 35] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٣

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 32 الى 33]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 34]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 37]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 38]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 39]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 40]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 43]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 44]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 47]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 48]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 49]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 50]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 53]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 54]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 55]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 58]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 59]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 60]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 61]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 62]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 63]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 64]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 67]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 70]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 71]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 72]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 73]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 74 الى 77]

- ‌سورة الشعراء

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 69 الى 77]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 192 الى 196]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 204 الى 209]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 210 الى 213]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 214 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 221 الى 223]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 224 الى 227]

- ‌سورة النمل

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النمل (27): آية 17]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 29 الى 31]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النمل (27): آية 35]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة النمل (27): آية 44]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 54 الى 61]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 62 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 69 الى 71]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 72 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 87 الى 90]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 91 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 20 الى 22]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 23 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28): آية 29]

- ‌[سورة القصص (28): آية 30]

- ‌[سورة القصص (28): آية 31]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة القصص (28): آية 43]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة القصص (28): آية 46]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28): آية 56]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 59 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 62 الى 67]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 68 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة القصص (28): آية 78]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 79 الى 80]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 85 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 28 الى 35]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 38]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 44]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 45]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 48]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 49]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 50 الى 52]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 61 الى 62]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 69]

الفصل: ‌[سورة النمل (27): آية 35]

[سورة النمل (27): آية 35]

وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)

فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) هَذَا مِنْ حُسْنِ نَظَرِهَا وَتَدْبِيرِهَا، أَيْ إِنِّي أُجَرِّبُ هَذَا الرَّجُلَ بِهَدِيَّةٍ، وَأُعْطِيهِ فِيهَا نَفَائِسَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأُغْرِبُ عَلَيْهِ بِأُمُورِ الْمَمْلَكَةِ، فَإِنْ كَانَ مَلِكًا دُنْيَاوِيًّا أَرْضَاهُ الْمَالُ وَعَمِلْنَا مَعَهُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يُرْضِهِ الْمَالُ وَلَازَمَنَا فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ وَنَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ عَظِيمَةٍ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَفْصِيلِهَا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَتِ الرُّسُلُ الْحِيطَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَصَغُرَ عِنْدَهُمْ مَا جَاءُوا بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِمِائَتَيْ غُلَامٍ وَمِائَتِي جَارِيَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَصِيفَةً مُذَكَّرِينَ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ زِيَّ الْغِلْمَانِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ غُلَامًا مُؤَنَّثِينَ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ زِيَّ النِّسَاءِ، وَعَلَى يَدِ الْوَصَائِفِ أَطْبَاقُ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ، وَبِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ نَجِيبَةً تَحْمِلُ لَبِنَ الذَّهَبِ، وَبِخَرَزَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَثْقُوبَةٍ، والأخرى مثقوبة ثقبا معوجا، وبقدح لا شي فِيهِ، وَبِعَصًا كَانَ يَتَوَارَثُهَا مُلُوكُ حِمْيَرَ، وَأَنْفَذَتِ الْهَدِيَّةَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا. وَقِيلَ: كَانَ الرَّسُولُ وَاحِدًا وَلَكِنْ كَانَ فِي صُحْبَتِهِ أَتْبَاعٌ وَخَدَمٌ. وَقِيلَ: أَرْسَلَتْ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهَا يُقَالُ لَهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَضَمَّتْ إِلَيْهِ رِجَالًا ذَوِي رَأْيٍ وَعَقْلٍ، وَالْهَدِيَّةُ مِائَةُ وَصِيفٍ وَمِائَةُ وَصِيفَةٍ، وَقَدْ خُولِفَ بَيْنَهُمْ فِي اللِّبَاسِ، وَقَالَتْ لِلْغِلْمَانِ: إِذَا كَلَّمَكُمْ سُلَيْمَانُ فَكَلِّمُوهُ بِكَلَامٍ فِيهِ تَأْنِيثٌ يُشْبِهُ كَلَامَ النِّسَاءِ، وَقَالَتْ لِلْجَوَارِي: كَلِّمْنَهُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ يُشْبِهُ كَلَامَ الرِّجَالِ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْهُدْهُدَ جَاءَ وَأَخْبَرَ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ عليه السلام أَنْ يُبْسَطَ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى تِسْعِ فَرَاسِخَ بِلَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ الدَّوَابِّ رَأَيْتُمْ أَحْسَنَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ رَأَيْنَا فِي بَحْرِ كَذَا دَوَابَّ مُنَقَّطَةً مُخْتَلِفَةً أَلْوَانُهَا، لَهَا أَجْنِحَةٌ وَأَعْرَافٌ وَنَوَاصِي، فَأَمَرَ بِهَا فَجَاءَتْ فَشُدَّتْ عَلَى يَمِينِ الْمَيْدَانِ وَعَلَى يَسَارِهِ، وَعَلَى لِبَنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْقَوْا لَهَا عَلُوفَاتِهَا، ثُمَّ قَالَ: لِلْجِنِّ عَلَيَّ بِأَوْلَادِكُمْ، فَأَقَامَهُمْ- أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّبَابِ- عَنْ يَمِينِ

ص: 196

الْمَيْدَانِ وَيَسَارِهِ. ثُمَّ قَعَدَ سُلَيْمَانُ عليه السلام عَلَى كُرْسِيِّهِ فِي مَجْلِسِهِ، وَوُضِعَ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ عَنْ يَمِينِهِ وَمِثْلُهَا عَنْ يَسَارِهِ، وَأَجْلَسَ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَأَمَرَ الشَّيَاطِينَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ أَنْ يَصْطَفُّوا صُفُوفًا فَرَاسِخَ، وَأَمَرَ السِّبَاعَ وَالْوُحُوشَ وَالْهَوَامَّ وَالطَّيْرَ فَاصْطَفُّوا فَرَاسِخَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَ الْمَيْدَانِ وَنَظَرُوا إِلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَرَأَوُا الدَّوَابَّ الَّتِي لَمْ تَرَ أَعْيُنُهُمْ أَحْسَنَ مِنْهَا تَرُوثُ عَلَى لَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، تَقَاصَرَتْ إِلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَرَمَوْا مَا مَعَهُمْ مِنَ الْهَدَايَا. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِفَرْشِ الْمَيْدَانِ بِلَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا عَلَى طَرِيقِهِمْ مَوْضِعًا عَلَى قَدْرِ مَوْضِعِ بِسَاطٍ مِنَ الْأَرْضِ غَيْرَ مَفْرُوشٍ، فَلَمَّا مَرُّوا بِهِ خَافُوا أَنْ يُتَّهَمُوا بِذَلِكَ فَطَرَحُوا مَا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَلَمَّا رَأَوُا الشَّيَاطِينَ رَأَوْا مَنْظَرًا هَائِلًا فَظِيعًا فَفَزِعُوا وَخَافُوا، فَقَالَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ: جُوزُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى كُرْدُوسٍ كُرْدُوسٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ وَالْوُحُوشِ حَتَّى وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ سُلَيْمَانُ نَظَرًا حَسَنًا بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَكَانَتْ قَالَتْ لِرَسُولِهَا: إِنْ نَظَرَ إِلَيْكَ نَظَرَ مُغْضَبٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَلِكٌ فَلَا يَهُولَنَّكَ مَنْظَرُهُ فَأَنَا أَعَزُّ مِنْهُ، وَإِنْ رَأَيْتَ الرَّجُلَ بَشًّا لطيفا فاعلم أنه نبى مرسل فتفهم قول وَرُدَّ الْجَوَابَ، فَأَخْبَرَ الْهُدْهُدُ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَكَانَتْ عَمَدَتْ إِلَى حُقَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَتْ فِيهَا دُرَّةً يَتِيمَةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ، وَخَرَزَةً مُعْوَجَّةَ الثَّقْبِ، وَكَتَبَتْ كِتَابًا مَعَ رَسُولِهَا تَقُولُ فِيهِ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَمَيِّزْ بَيْنَ الْوُصَفَاءِ وَالْوَصَائِفِ، وَأَخْبِرْ بِمَا فِي الْحُقَّةِ، وَعَرِّفْنِي رَأْسَ الْعَصَا مِنْ أَسْفَلِهَا، وَاثْقُبِ الدُّرَّةَ ثَقْبًا مُسْتَوِيًا، وَأَدْخِلْ خَيْطَ الْخَرَزَةِ، وَامْلَأِ الْقَدَحَ مَاءً مِنْ نَدًى لَيْسَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا مِنَ السَّمَاءِ، فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ أَعْطَاهُ كِتَابَ الْمَلِكَةِ فَنَظَرَ فِيهِ، وَقَالَ: أَيْنَ الْحُقَّةُ؟ فَأَتَى بِهَا فَحَرَّكَهَا، فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ سُلَيْمَانُ. فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: صَدَقْتَ، فَاثْقُبِ الدُّرَّةَ، وَأَدْخِلِ الْخَيْطَ فِي الْخَرَزَةِ، فَسَأَلَ سُلَيْمَانُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ عَنْ ثَقْبِهَا فَعَجَزُوا، فَقَالَ لِلشَّيَاطِينِ: مَا الرَّأْيُ فِيهَا؟ فَقَالُوا: تُرْسِلُ إِلَى الْأَرَضَةِ، فَجَاءَتِ الْأَرَضَةُ فَأَخَذَتْ شَعْرَةً فِي فِيهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: تُصَيِّرُ رِزْقِي فِي الشَّجَرَةِ،

ص: 197

فَقَالَ لَهَا: لَكِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: مَنْ لِهَذِهِ الْخَرَزَةِ يُسْلِكُهَا الْخَيْطَ

؟ فَقَالَتْ دُودَةً بَيْضَاءَ: أَنَا لَهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَتِ الدُّودَةُ الْخَيْطَ فِي فِيهَا وَدَخَلَتِ الثَّقْبَ حَتَّى خَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ تَجْعَلُ رِزْقِي فِي الْفَوَاكِهِ، قَالَ: ذَلِكَ لَكَ. ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَ الْغِلْمَانِ [وَالْجَوَارِي «1»]. قَالَ السُّدِّيُّ: أَمَرَهُمْ بِالْوُضُوءِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَحْدُرُ الْمَاءَ عَلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ حَدْرًا، وَجَعَلَ الْجَوَارِيَ يَصْبُبْنَ مِنَ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى، وَمِنَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَمَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِهَذَا. وَقِيلَ: كَانَتِ الْجَارِيَةُ تَأْخُذُ الْمَاءَ مِنَ الْآنِيَةِ بِإِحْدَى يَدَيْهَا، ثُمَّ تَحْمِلُهُ عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ، وَالْغُلَامُ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنَ الْآنِيَّةِ يَضْرِبُ بِهِ فِي الْوَجْهِ، وَالْجَارِيَةُ تَصُبُّ عَلَى بَطْنِ سَاعِدِهَا، وَالْغُلَامُ عَلَى ظَهْرِ السَّاعِدِ، وَالْجَارِيَةُ تَصُبُّ الْمَاءَ صَبًّا، وَالْغُلَامُ يَحْدُرُ عَلَى يَدَيْهِ، فَمَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِهَذَا. وَرَوَى يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَرْسَلَتْ بِلْقِيسُ بِمِائَتَيْ وَصِيفَةٍ وَوَصِيفٍ، وَقَالَتْ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيَعْلَمُ الذُّكُورَ مِنَ الْإِنَاثِ، فَأَمَرَهُمْ فَتَوَضَّئُوا، فَمَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمْ فَبَدَأَ بِمِرْفَقِهِ قَبْلَ كَفِّهِ قَالَ هُوَ مِنَ الْإِنَاثِ، وَمَنْ بَدَأَ بِكَفِّهِ قَبْلَ مِرْفَقِهِ قَالَ هُوَ مِنَ الذُّكُورِ، ثُمَّ أَرْسَلَ الْعَصَا إِلَى الْهَوَاءِ فَقَالَ: أَيُّ الرَّأْسَيْنِ سَبَقَ إِلَى الْأَرْضِ فَهُوَ أَصْلُهَا، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ فَأُجْرِيَتْ حَتَّى عَرِقَتْ وَمَلَأَ الْقَدَحَ مِنْ عَرَقِهَا، ثُمَّ رَدَّ سُلَيْمَانُ الْهَدِيَّةَ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا صَرَفَ الْهَدِيَّةَ إِلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا رَسُولُهَا بِمَا شَاهَدَ، قَالَتْ لِقَوْمِهَا: هَذَا أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ. الثَّانِيَةُ- كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الهدية ويثبت عَلَيْهَا وَلَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَكَذَلِكَ كَانَ سُلَيْمَانُ عليه السلام وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَإِنَّمَا جَعَلَتْ بِلْقِيسُ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ أَوْ رَدَّهَا عَلَامَةً عَلَى مَا فِي نَفْسِهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ سُلَيْمَانَ مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا، لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي كِتَابِهِ:" أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" وَهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ فِدْيَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُ هَدِيَّةٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْبَابِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ بِسَبِيلٍ، وَإِنَّمَا هِيَ رِشْوَةٌ وَبَيْعُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَهِيَ الرِّشْوَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ. وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ لِلتَّحَبُّبِ وَالتَّوَاصُلِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وهذا ما لم يكن من مشرك.

(1). الزيادة من" قصص الأنبياء" للثعلبي.

ص: 198

الثَّالِثَةُ- فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُشْرِكٍ فَفِي الْحَدِيثِ" نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ" يَعْنِي رِفْدَهُمْ وَعَطَايَاهُمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَبِلَهَا كَمَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّبْلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّسْخِ فِيهِمَا، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ فِيهَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ، وَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ مَنْ يَطْمَعُ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ بَلَدِهِ وَدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَبِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَتْ حَالَةُ سُلَيْمَانَ عليه السلام، فَعَنْ مِثْلِ هَذَا نَهَى أَنْ تُقْبَلَ هَدِيَّتُهُ حَمْلًا عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ تَأْوِيلٍ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. الرَّابِعَةُ- الْهَدِيَّةُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَهِيَ مِمَّا تُورِثُ الْمَوَدَّةَ وَتُذْهِبُ الْعَدَاوَةَ، رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الْغِلُّ وَتَهَادُوا تَحَابُّوا وَتَذْهَبُ الشَّحْنَاءُ". وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" تَهَادُوا فَإِنَّهُ يُضَعِّفُ الْوُدَّ وَيَذْهَبُ بِغَوَائِلِ الصَّدْرِ". وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ بُجَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَكُنْ بِالرَّضِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" تَهَادُوا بَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ السَّخِيمَةَ" قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْتُ يُونُسَ عَنِ السَّخِيمَةِ مَا هِيَ فَقَالَ: الْغِلُّ. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَصَلَهُ الْوَقَّاصِيُّ عُثْمَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَفِيهِ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ. وَمِنْ فَضْلِ الْهَدِيَّةِ مَعَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ أَنَّهَا تُزِيلُ حَزَازَاتِ النُّفُوسِ، وَتُكْسِبُ الْمُهْدِيَ وَالْمُهْدَى إِلَيْهِ رَنَّةً فِي اللِّقَاءِ وَالْجُلُوسِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:

هَدَايَا النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ

تُوَلِّدُ فِي قُلُوبِهِمُ الْوِصَالَا

وَتَزْرَعُ فِي الضَّمِيرِ هَوًى وَوُدًّا

وَتُكْسِبُهُمْ إِذَا حَضَرُوا جَمَالَا

آخَرُ:

إِنَّ الْهَدَايَا لَهَا حَظٌّ إِذَا وَرَدَتْ

أَحْظَى مِنْ الِابْنِ عِنْدَ الْوَالِدِ الْحَدِبِ

الْخَامِسَةُ- رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْهَدِيَّةِ" وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقِيلَ: يُشَارِكُهُمْ على وجه

ص: 199