المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القصص (28): الآيات 76 الى 77] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٣

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 32 الى 33]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 34]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 37]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 38]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 39]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 40]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 43]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 44]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 47]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 48]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 49]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 50]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 53]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 54]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 55]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 58]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 59]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 60]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 61]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 62]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 63]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 64]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 67]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 70]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 71]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 72]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 73]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 74 الى 77]

- ‌سورة الشعراء

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 69 الى 77]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 192 الى 196]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 204 الى 209]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 210 الى 213]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 214 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 221 الى 223]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 224 الى 227]

- ‌سورة النمل

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النمل (27): آية 17]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 29 الى 31]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النمل (27): آية 35]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة النمل (27): آية 44]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 54 الى 61]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 62 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 69 الى 71]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 72 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 87 الى 90]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 91 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 20 الى 22]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 23 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28): آية 29]

- ‌[سورة القصص (28): آية 30]

- ‌[سورة القصص (28): آية 31]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة القصص (28): آية 43]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة القصص (28): آية 46]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28): آية 56]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 59 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 62 الى 67]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 68 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة القصص (28): آية 78]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 79 الى 80]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 85 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 28 الى 35]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 38]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 44]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 45]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 48]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 49]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 50 الى 52]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 61 الى 62]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 69]

الفصل: ‌[سورة القصص (28): الآيات 76 الى 77]

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أَعَادَ هَذَا الضَّمِيرَ لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ، يُنَادَوْنَ مَرَّةً فَيُقَالُ لَهُمْ:" أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" فَيَدْعُونَ الْأَصْنَامَ فَلَا يَسْتَجِيبُونَ، فَتَظْهَرُ حَيْرَتُهُمْ «1» ، ثُمَّ يُنَادَوْنَ مَرَّةً أُخْرَى فَيَسْكُتُونَ. وَهُوَ تَوْبِيخُ وَزِيَادَةُ خِزْيِ. وَالْمُنَادَاةُ هُنَا لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ؟ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ الْكُفَّارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ" لَكِنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ مَنْ يُوَبِّخُهُمْ وَيُبَكِّتُهُمْ، وَيُقِيمُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي مَقَامِ الْحِسَابِ. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ:" وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ" حين يقال لهم:" اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ" وَقَالَ:" شُرَكائِيَ" لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُمْ نَصِيبًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أَيْ نَبِيًّا، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: هُمْ عُدُولُ الْآخِرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِبَادِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً" وَشَهِيدُ كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولُهَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهَا. وَالشَّهِيدُ الْحَاضِرُ. أَيْ أَحْضَرْنَا رَسُولَهُمُ الْمَبْعُوثَ إِلَيْهِمْ. (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أَيْ حُجَّتُكُمْ. (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) أَيْ عَلِمُوا صِدْقَ مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ. (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أَيْ ذَهَبَ عَنْهُمْ وَبَطَلَ. (مَا كانُوا يَفْتَرُونَ) أَيْ يَخْتَلِقُونَهُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنَّ مَعَهُ آلِهَةً تعبد.

[سورة القصص (28): الآيات 76 الى 77]

إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)

(1). في نسخة، فيظهر حزنهم.

ص: 309

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) لَمَّا قَالَ تَعَالَى:" وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها" بَيَّنَ أَنَّ قَارُونَ أُوتِيهَا وَاغْتَرَّ بِهَا وَلَمْ تَعْصِمْهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ كَمَا لَمْ تَعْصِمْ فِرْعَوْنَ، وَلَسْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِأَكْثَرَ عَدَدًا وَمَالًا مِنْ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ، فَلَمْ يَنْفَعْ فِرْعَوْنَ جُنُودُهُ وَأَمْوَالُهُ، وَلَمْ يَنْفَعْ قَارُونَ قَرَابَتُهُ مِنْ مُوسَى وَلَا كُنُوزُهُ. قَالَ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ ابْنَ عَمِّ مُوسَى لَحًّا، وَهُوَ قَارُونُ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَمُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ قَاهِثَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ عَمَّ مُوسَى لِأَبٍ وَأُمٍّ. وَقِيلَ: كَانَ ابْنَ خَالَتِهِ. وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ. وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَاعُولَ أَعْجَمِيًّا لَا يَحْسُنُ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ وَانْصَرَفَ فِي النَّكِرَةِ، فَإِنْ حَسُنَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ انْصَرَفَ إِنْ كَانَ اسْمًا لِمُذَكَّرٍ نَحْوَ طَاوُسٍ وَرَاقُودٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَوْ كَانَ قَارُونُ مِنْ قَرَنْتُ الشَّيْءَ لَانْصَرَفَ. (فَبَغى عَلَيْهِمْ) بَغْيُهُ أَنَّهُ زَادَ فِي طُولِ ثَوْبِهِ شِبْرًا، قَالَهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ. وَفِي الْحَدِيثِ" لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا" وَقِيلَ: بَغْيُهُ كُفْرُهُ بِاللَّهِ عز وجل، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: بَغْيُهُ اسْتِخْفَافُهُ بِهِمْ بِكَثْرَةِ مَالِهِ وَوَلَدِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: بَغْيُهُ نِسْبَتُهُ مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكُنُوزِ إِلَى نَفْسِهِ بِعِلْمِهِ وَحِيلَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَقِيلَ: بَغْيُهُ قَوْلُهُ إِذَا كَانَتِ النبوة لموسى والمذبح والقربان في هرون فمالي! فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ بِهِمْ مُوسَى الْبَحْرَ وَصَارَتِ الرِّسَالَةُ لِمُوسَى وَالْحُبُورَةُ لِهَارُونَ، يُقَرِّبُ الْقُرْبَانَ وَيَكُونُ رَأْسًا فِيهِمْ، وَكَانَ الْقُرْبَانُ لِمُوسَى فَجَعَلَهُ مُوسَى إِلَى أَخِيهِ، وَجَدَ قَارُونُ فِي نَفْسِهِ وَحَسَدَهُمَا فَقَالَ لِمُوسَى: الْأَمْرُ لَكُمَا وَلَيْسَ لِي شي إِلَى مَتَى أَصْبِرُ. قَالَ مُوسَى: هَذَا صُنْعُ اللَّهِ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقَنَّكَ حَتَّى تَأْتِيَ بآية، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجئ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَصَاهُ، فَحَزَمَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْقُبَّةِ الَّتِي كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيهَا، وَكَانُوا يَحْرُسُونَ عِصِيِّهِمْ بِاللَّيْلِ فَأَصْبَحُوا وَإِذَا بِعَصَا هرون تَهْتَزُّ وَلَهَا وَرَقٌ أَخْضَرُ- وَكَانَتْ مِنْ شَجَرِ اللَّوْزِ- فَقَالَ قَارُونُ: مَا هُوَ بِأَعْجَبَ مِمَّا تَصْنَعُ مِنَ السِّحْرِ." فَبَغى عَلَيْهِمْ" مِنَ الْبَغْيِ وَهُوَ الظُّلْمُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ قَارُونُ غَنِيًّا عَامِلًا لِفِرْعَوْنَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ وَكَانَ مِنْهُمْ وَقَوْلٌ سَابِعٌ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ

ص: 310

تَعَالَى بِرَجْمِ الزَّانِي عَمَدَ قَارُونُ إِلَى امْرَأَةٍ بَغِيٍّ وَأَعْطَاهَا مَالًا، وَحَمَلَهَا عَلَى أَنِ ادَّعَتْ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ زَنَى بِهَا وَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا، فَعَظُمَ عَلَى مُوسَى ذَلِكَ وَأَحْلَفَهَا بِاللَّهِ الَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى إِلَّا صَدَقَتْ. فَتَدَارَكَهَا اللَّهُ فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أنك برئ، وَأَنَّ قَارُونَ أَعْطَانِي مَالًا، وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ، وَأَنْتَ الصَّادِقُ وَقَارُونُ الْكَاذِبُ. فَجَعَلَ اللَّهُ أَمْرَ قَارُونَ إِلَى مُوسَى وَأَمَرَ الْأَرْضَ أَنْ تُطِيعَهُ. فَجَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ لِلْأَرْضِ: يَا أَرْضُ خُذِيهِ، وَهِيَ تَأْخُذُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ يَسْتَغِيثُ يَا مُوسَى! إِلَى أَنْ سَاخَ فِي الْأَرْضِ هُوَ وَدَارُهُ وَجُلَسَاؤُهُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مَذْهَبِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُوسَى: اسْتَغَاثَ بِكَ عِبَادِي فَلَمْ تَرْحَمْهُمْ، أَمَا إِنَّهُمْ لَوْ دَعَوْنِي لَوَجَدُونِي قَرِيبًا مُجِيبًا. ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يُخْسَفُ بِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةً، فَلَا يَبْلُغُونَ إِلَى أَسْفَلِ الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْفَرَجِ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ الْوَلِيدِ بن مسلم، عن مروان ابن جَنَاحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ قَالَ: لَقِيَ قَارُونُ يُونُسَ فِي ظُلُمَاتِ الْبَحْرِ، فَنَادَى قَارُونُ يُونُسَ، فَقَالَ: يَا يُونُسُ: تُبْ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ عِنْدَ أَوَّلِ قَدَمٍ تَرْجِعُ بِهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ يُونُسُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ التَّوْبَةِ. فَقَالَ: إِنَّ تَوْبَتِي جُعِلَتْ إِلَى ابْنِ عَمِّي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنِّي. وَفِي الْخَبَرِ: إِذَا وَصَلَ قَارُونُ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ نَفَخَ إِسْرَافِيلُ فِي الصُّوَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَ اسْمُ الْبَغِيِّ سَبَرَتَا، وَبَذَلَ لَهَا قَارُونُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ. قَتَادَةُ: وَكَانَ قَطَعَ الْبَحْرَ مَعَ مُوسَى وَكَانَ يُسَمَّى الْمُنَوِّرَ مِنْ حُسْنِ صُورَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ نَافَقَ كَمَا نَافَقَ السَّامِرِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ) قَالَ عَطَاءٌ: أَصَابَ كَثِيرًا مِنْ كُنُوزِ يُوسُفَ عليه السلام. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مَرْوَانَ: إِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ الْكِيمْيَاءَ. (مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ)" إِنَّ" وَاسْمَهَا وَخَبَرَهَا فِي صِلَةِ" مَا" و" ما" مفعولة" آتَيْناهُ". قَالَ النَّحَّاسُ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ

يَقُولُ مَا أَقْبَحَ مَا يَقُولُ الْكُوفِيُّونَ فِي الصِّلَاتِ، إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِلَةُ الَّذِي وَأَخَوَاتُهُ" إِنَّ" وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ، وَفِي الْقُرْآنِ" مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ". وَهُوَ جَمْعُ مِفْتَحٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يُفْتَحُ

ص: 311

بِهِ. وَمَنْ قَالَ مِفْتَاحٌ قَالَ مَفَاتِيحُ. وَمَنْ قال هي الخزائن فواحدها مفتح بالفتح. (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْمَعْنَى لتنئ الْعُصْبَةَ أَيْ تُمِيلُهُمْ بِثِقَلِهَا، فَلَمَّا انْفَتَحَتِ التَّاءُ دَخَلَتِ الْبَاءُ. كَمَا قَالُوا هُوَ يَذْهَبُ بِالْبُؤْسِ ومذهب البؤس. فصار" لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ" فَجَعَلَ الْعُصْبَةَ تَنُوءُ أَيْ تَنْهَضُ مُتَثَاقِلَةً، كَقَوْلِكَ قُمْ بِنَا أَيِ اجْعَلْنَا نَقُومُ. يُقَالُ: نَاءَ يَنُوءُ نَوْءًا إِذَا نَهَضَ بِثِقَلٍ. قَالَ الشاعر «1» :

تنوء بأخراها فلأيا قيامها

وتمشي الهوينى عَنْ قَرِيبٍ فَتَبْهَرُ

وَقَالَ آخَرُ:

أَخَذْتُ فَلَمْ أملك ونوت فَلَمْ أَقُمْ

كَأَنِّيَ مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مُقَيَّدُ

وَأَنَاءَنِي إِذَا أَثْقَلَنِي، عَنْ أَبِي زَيْدٍ. وَقَالَ أبو عبيدة: قوله" لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ" مَقْلُوبٌ، وَالْمَعْنَى لَتَنُوءُ بِهَا الْعُصْبَةُ أَيْ تنهض بها. أبو زيد: نوت بِالْحِمْلِ إِذَا نَهَضْتُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّا وَجَدْنَا خَلَفًا بِئْسَ الْخَلَفْ

عَبْدًا إِذَا مَا نَاءَ بِالْحِمْلِ وَقَفْ

وَالْأَوَّلُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَالسُّدِّيِّ. وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. كَمَا يُقَالُ: ذَهَبْتُ بِهِ وَأَذْهَبْتُهُ وَجِئْتُ به وأجأته ونوت بِهِ وَأَنَأْتُهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَهُ عِنْدِي مَا سَاءَهُ وَنَاءَهُ فَهُوَ إِتْبَاعٌ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ وَأَنَاءَهُ. وَمِثْلُهُ هَنَّأَنِي الطَّعَامَ وَمَرَّأَنِي، وَأَخْذُهُ مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّأْيِ وَهُوَ الْبُعْدُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ينأون عنا وما تنأى مودتهم

فالقلب فِيهِمْ رَهِينٌ حَيْثُمَا كَانُوا

وَقَرَأَ بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ:" لَيَنُوءُ" بِالْيَاءِ، أَيْ لَيَنُوءُ الْوَاحِدُ مِنْهَا أَوِ الْمَذْكُورُ فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قُلْتُ لِرُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ فِي قَوْلِهِ:

فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ

كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ

إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ الْخُطُوطَ فَقُلْ كَأَنَّهَا، وَإِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ السَّوَادَ وَالْبَلَقَ فَقُلْ كَأَنَّهُمَا. فَقَالَ: أَرَدْتُ كُلَّ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْعُصْبَةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي يَتَعَصَّبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا: الْأَوَّلُ- ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا مِنَ الثلاثة إلى العشرة.

(1). هو ذو الرمة. يريد تنيئها عجيزتها إلى الأرض لضخامتها وكثرة لحمها في أردافها. [ ..... ]

ص: 312

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعُصْبَةُ هُنَا مَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: مَا بَيْنَ الْعَشْرَةِ إِلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى خَمْسَةٍ. ذَكَرَ الْأَوَّلَ الثَّعْلَبِيُّ، وَالثَّانِيَ الْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَالثَّالِثُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا. السُّدِّيُّ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ. وَقَالَهُ قَتَادَةُ أَيْضًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَرْبَعُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سَبْعُونَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ إِنَّ الْعُصْبَةَ سَبْعُونَ رَجُلًا، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ عَنْهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقِيلَ: سِتُّونَ رَجُلًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالتِّسْعَةِ وَهُوَ النَّفَرُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَشَرَةٌ لِقَوْلِ إِخْوَةِ يُوسُفَ" وَنَحْنُ عُصْبَةٌ" وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ خَيْثَمَةُ: وَجَدْتُ فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ قَارُونَ وَقْرُ سِتِّينَ بَغْلًا غَرَّاءَ محجلة، وأنها لتنوء بها من ثِقَلَهَا، وَمَا يَزِيدُ مِفْتَحٌ مِنْهَا عَلَى إِصْبَعٍ، لِكُلِّ مِفْتَحٍ مِنْهَا كَنْزُ مَالٍ، لَوْ قُسِمَ ذَلِكَ الْكَنْزُ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَكَفَاهُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتِ الْمَفَاتِيحُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ. وَقِيلَ: مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ لِتَخِفَّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تُحْمَلُ مَعَهُ إِذَا رَكِبَ عَلَى سَبْعِينَ بَغْلًا فِيمَا ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِيلَ: عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلًا. وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنَّ مَفَاتِحَهُ أَوْعِيَتُهُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفَاتِحِ الْخَزَائِنُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) أَيِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: الْقَوْمُ هُنَا مُوسَى. وقاله الْفَرَّاءُ. وَهُوَ جَمْعٌ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ:" الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ" وَإِنَّمَا هُوَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (لَا تَفْرَحْ) أي لا تأشر ولا تبطر. (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي البطرين، قاله مجاهد والسدي. قَالَ الشَّاعِرُ: وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذَا الدَّهْرُ سَرَّنِي وَلَا ضَارِعٌ فِي صَرْفِهِ «1» الْمُتَقَلِّبِ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لَا تَفْرَحْ بِالْمَالِ فَإِنَّ الْفَرِحَ بِالْمَالِ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ. وَقَالَ مُبَشَّرُ «2» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لَا تَفْرَحْ لَا تُفْسِدْ. قَالَ الشَّاعِرُ «3» :

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمَانَةً

وَتَحْمِلُ أخرى أفرحتك الودائع

(1). ويروى: ولا جازع من صرفها المتحول.

(2)

. التصحيح من النسخة الخيرية.

(3)

. أنشده أبو عبيدة لبيعس العذري.

ص: 313

أَيْ أَفْسَدَتْكَ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَفْرَحَهُ الدَّيْنُ أَثْقَلَهُ. وَأَنْشَدَهُ: إِذَا أَنْتَ

الْبَيْتَ. وَأَفْرَحَهُ سَرَّهُ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْفَرِحِينَ وَالْفَارِحِينَ سَوَاءٌ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْفَرَّاءُ فَقَالَ: مَعْنَى الْفَرِحِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي حَالِ فَرَحٍ، وَالْفَارِحِينَ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَزَعَمَ أَنَّ مِثْلَهُ طَمِعٌ وَطَامِعٌ وَمَيِّتٌ وَمَائِتٌ. وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل:" إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" وَلَمْ يَقُلْ مَائِتٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: مَعْنَى" لَا تَفْرَحْ" لَا تَبْغِ" إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ" أَيِ الْبَاغِينَ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: لَا تَبْخَلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْبَاخِلِينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) أَيِ اطْلُبْ فِيمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا الدَّارَ الْآخِرَةَ وَهِيَ الْجَنَّةُ، فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَصْرِفَ الدُّنْيَا فِيمَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي التَّجَبُّرِ وَالْبَغْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ: لَا تُضَيِّعْ عُمْرَكَ فِي أَلَّا تَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي دُنْيَاكَ، إِذِ الْآخِرَةُ إِنَّمَا يُعْمَلُ لَهَا، فَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ عُمْرُهُ وَعَمَلُهُ الصَّالِحُ فِيهَا. فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ شِدَّةٌ فِي الْمَوْعِظَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ لَا تُضَيِّعُ حَظَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ فِي تَمَتُّعِكَ بِالْحَلَالِ وَطَلَبِكَ إِيَّاهُ، وَنَظَرِكَ لِعَاقِبَةِ دُنْيَاكَ. فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِيهِ بَعْضُ الرِّفْقِ بِهِ وَإِصْلَاحُ الْأَمْرِ الَّذِي يَشْتَهِيهِ. وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ الْمَوْعُوظِ خَشْيَةَ النَّبْوَةِ مِنَ الشِّدَّةِ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. قُلْتُ: وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ قَدْ جَمَعَهُمَا ابْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: احْرُثْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَدًا، وَاعْمَلْ لِآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا وَعَنِ الْحَسَنِ: قَدِّمِ الْفَضْلَ، وَأَمْسِكْ مَا يُبَلِّغُ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِلَا سَرَفٍ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِنَصِيبِهِ الْكَفَنَ. فَهَذَا وَعْظٌ مُتَّصِلٌ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَنْسَ أَنَّكَ تَتْرُكُ جَمِيعَ مَالِكَ إِلَّا نَصِيبَكَ هَذَا الَّذِي هُوَ الْكَفَنُ. وَنَحْوَ هَذَا قَوْلُ الشاعر:

نصيبك مما تجمع الدهر كله

رداء ان تُلْوَى فِيهِمَا وَحَنُوطُ

وَقَالَ آخَرُ:

وَهِيَ الْقَنَاعَةُ لَا تَبْغِي بِهَا بَدَلًا

فِيهَا النَّعِيمُ وَفِيهَا رَاحَةُ الْبَدَنِ

انْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا

هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْنِ وَالْكَفَنِ

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَبْدَعَ مَا فِيهِ عِنْدِي قَوْلُ قَتَادَةِ: وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ الْحَلَالَ، فَهُوَ نَصِيبُكَ مِنَ الدُّنْيَا وَيَا مَا أَحْسَنَ هَذَا. (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) أَيْ أَطِعِ اللَّهَ وَاعْبُدْهُ كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْكَ.

ص: 314