الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ يَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ كُلَّهُنَّ خَيْرَاتٍ". قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ:" نَعَمْ". قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَوَارَى. ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَالَ مُبَشَّرُ ابن عُبَيْدٍ، وَكَانَ عَالِمًا بِالنَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ: الْحَاجَّةُ الَّتِي تُقْطَعُ عَلَى الْحَاجِّ إِذَا تَوَجَّهُوا. وَالدَّاجَّةُ الَّتِي تُقْطَعُ عَلَيْهِمْ إِذَا قَفَلُوا. (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رحيما).
[سورة الفرقان (25): آية 71]
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً) لَا يُقَالُ: مَنْ قَامَ فَإِنَّهُ يَقُومُ، فَكَيْفَ قَالَ مَنْ تَابَ فَإِنَّهُ يَتُوبُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَهَاجَرَ وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَ وَزَنَى بَلْ عَمِلَ صَالِحًا وَأَدَّى الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا، أَيْ فَإِنِّي قَدَّمْتُهُمْ وَفَضَّلْتُهُمْ عَلَى مَنْ قَاتَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَحَلَّ الْمَحَارِمَ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ الْأُولَى فِيمَنْ تَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلِهَذَا قَالَ:" إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ" ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ مَنْ تَابَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَتْبَعَ تَوْبَتَهُ عَمَلًا صَالِحًا فَلَهُ حُكْمُ التَّائِبِينَ أَيْضًا. وَقِيلَ: أَيْ مَنْ تَابَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُحَقِّقْ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، فَلَيْسَتْ تِلْكَ التَّوْبَةُ نَافِعَةً، بَلْ مَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَحَقَّقَ تَوْبَتَهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَهُوَ الَّذِي تَابَ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا، أَيْ تَابَ حَقَّ التَّوْبَةِ وَهِيَ النَّصُوحُ وَلِذَا أَكَّدَ بِالْمَصْدَرِ. فَ" مَتاباً" مَصْدَرٌ مَعْنَاهُ التَّأْكِيدُ، كَقَوْلِهِ:" وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً" أَيْ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ حقا فيقبل الله توبته حقا.
[سورة الفرقان (25): آية 72]
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" أَيْ لَا يَحْضُرُونَ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ وَلَا يُشَاهِدُونَهُ. وَالزُّورُ كُلُّ بَاطِلٍ زُوِّرَ وَزُخْرِفَ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ وَتَعْظِيمُ الْأَنْدَادِ. وَبِهِ فَسَّرَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ. عكرمة: لعب
كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى بِالزُّورِ. مُجَاهِدٌ: الْغِنَاءُ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا. ابْنُ جُرَيْجٍ: الْكَذِبُ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: الْمَعْنَى لَا يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ، مِنَ الشَّهَادَةِ لَا مِنَ الْمُشَاهَدَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْكَذِبُ فَصَحِيحٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إِلَى الْكَذِبِ يَرْجِعُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَعِبٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِيهِ قِمَارٌ أَوْ جَهَالَةٌ، أَوْ أَمْرٌ يَعُودُ إِلَى الْكُفْرِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْغِنَاءُ فَلَيْسَ يَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْحَدِّ. قُلْتُ: مِنَ الْغِنَاءِ مَا يَنْتَهِي سَمَاعُهُ إِلَى التَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ كَالْأَشْعَارِ الَّتِي تُوصَفُ فِيهَا الصُّوَرُ الْمُسْتَحْسَنَاتُ وَالْخَمْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُحَرِّكُ الطِّبَاعَ وَيُخْرِجُهَا عَنِ الِاعْتِدَالِ، أَوْ يُثِيرُ كَامِنًا مِنْ حُبِّ اللَّهْوِ، مِثْلَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: ذَهَبِيُّ اللَّوْنِ تَحْسَبُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ النَّارَ تُقْتَدَحُ خَوَّفُونِي مِنْ فَضِيحَتِهِ لَيْتَهُ وَافَى وَأَفْتَضِحُ لَا سِيَّمَا إِذَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ شَبَّابَاتٌ «1» وَطَارَاتٌ مِثْلَ مَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَهِيَ: الثَّانِيَةُ- فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَجْلِدُ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَيُسَخِّمُ وَجْهَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَيَطُوفُ بِهِ فِي السُّوقِ. وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ غير مبرز فحسنت حال قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" الحج"«2» فتأمله هناك. قوله تعالى: (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) قد تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي اللَّغْوِ «3» ، وَهُوَ كُلُّ سَقْطٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ واللهو وغير ذلك مما قاربه، وتدخل فِيهِ سَفَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَذِكْرُ النِّسَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا أُوذُوا صَفَحُوا. وَرُوِيَ عَنْهُ: إِذَا ذُكِرَ النِّكَاحُ كفوا عَنْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّغْوُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا. وَهَذَا جَامِعٌ. وَ" كِراماً" مَعْنَاهُ مُعْرِضِينَ مُنْكِرِينَ لَا يَرْضَوْنَهُ، وَلَا يُمَالِئُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يُجَالِسُونَ أَهْلَهُ.
(1). الشبابة (بالتشديد): نوع من المزمار (مولد).
(2)
. راجع ج 12 ص 55 طبعه أولى أو ثانية.
(3)
. راجع ج 3 ص 99 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.