الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِلَّا مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَاسْمُهُ حَزْقِيلُ وَابْنَتُهُ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ ذَا مُوسَى الْعَجُوزُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ عليه السلام. وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا خَرَجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ أَظْلَمَ عَلَيْهِمُ الْقَمَرُ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ عليه السلام لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَلَّا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا. قَالَ مُوسَى: فَأَيُّكُمْ يَدْرِي قَبْرَهُ؟ قَالَ: مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا عَجُوزٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ، قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي، قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَثَقُلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا حُكْمَهَا، فَدَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ، فَاحْتَفَرُوهُ وَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَهُ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا، فَإِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ فِي رِوَايَةٍ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَعْطِهَا فَفَعَلَ، فَأَتَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ، فَقَالَتْ لَهُمْ: أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ فَأَنْضَبُوهُ وَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ عليه السلام، فَتَبَيَّنَتْ لَهُمُ الطَّرِيقُ مِثْلَ ضَوْءِ النَّهَارِ. وَقَدْ مَضَى فِي" يُوسُفَ"«1» . وَرَوَى أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" حَاجَتَكَ" قَالَ: نَاقَةٌ أُرَحِّلُهَا وَأَعْنُزًا أحبلها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فَلِمَ عَجَزْتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ فَذَكَرَ لَهُمْ حَالَ هَذِهِ الْعَجُوزِ الَّتِي احْتَكَمَتْ عَلَى مُوسَى أَنْ تَكُونَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ.
[سورة الشعراء (26): الآيات 69 الى 77]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَاّ رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
(1). راجع ج 9 ص 270 طبعه أو ثانية.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) نَبَّهَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى فَرْطِ جَهْلِهِمْ إِذْ رَغِبُوا عَنِ اعْتِقَادِ إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ وَهُوَ أَبُوهُمْ. وَالنَّبَأُ الْخَبَرُ، أَيِ اقْصُصْ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّدُ خَبَرَهُ وَحَدِيثَهُ وَعَيْبَهُ عَلَى قَوْمِهِ مَا يَعْبُدُونَ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُلْزِمًا لَهُمُ الْحُجَّةَ. وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْفِيفِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوَ آدَمَ. وَإِنْ شِئْتَ حَقَّقْتَهُمَا فَقُلْتَ:" نَبَأَ إِبْراهِيمَ". وَإِنْ شِئْتَ خَفَّفْتَهُمَا فَقُلْتَ:" نَبَا ابْرَاهِيمَ". وَإِنْ شِئْتَ خَفَّفْتَ الْأُولَى. وَثَمَّ وَجْهٌ خَامِسٌ إِلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يُدْغَمَ الْهَمْزَةُ فِي الْهَمْزَةِ كَمَا يقال رأاس للذي يبيع الرؤوس. وَإِنَّمَا بَعُدَ لِأَنَّكَ تَجْمَعُ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ كَأَنَّهُمَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَحَسُنَ فِي فَعَّالٍ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا مُدْغَمًا. (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) " أي أي شي تعبدوا (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) وَكَانَتْ أَصْنَامُهُمْ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَخَشَبٍ. (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) أَيْ فَنُقِيمُ عَلَى عِبَادَتِهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَقْتًا مُعَيَّنًا بَلْ هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا هُمْ فِيهِ. وَقِيلَ: كَانُوا يَعْبُدُونَهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، وَكَانُوا فِي اللَّيْلِ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ. فَيُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ نَهَارًا وَبَاتَ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ لَيْلًا. (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) قَالَ الْأَخْفَشُ: فِيهِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: هَلْ يَسْمَعُونَ مِنْكُمْ؟ أو هل يسمعون دعاءكم، قال الشاعر «1»:
الْقَائِدُ الْخَيْلَ مَنْكُوبًا دَوَابِرُهَا
…
قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتُ الْقِدِّ وَالْأَبَقَا
قَالَ: وَالْأَبَقُ الْكَتَّانُ فَحُذِفَ. وَالْمَعْنَى، وَأُحْكِمَتْ حَكَمَاتِ الْأَبَقِ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْأَبَقُ بِالتَّحْرِيكِ الْقِنَّبُ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَرَأَ:" هَلْ يسمعونكم" بضم الياء، أي أهل يُسْمِعُونَكُمْ أَصْوَاتَهُمْ (إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) أَيْ هَلْ تَنْفَعُكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ وَتَرْزُقُكُمْ، أَوْ تَمْلِكُ لَكُمْ خَيْرًا أَوْ ضَرًّا إِنْ عَصَيْتُمْ؟! وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ لِتَقْرِيرِ الْحُجَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَنْفَعُوكُمْ وَلَمْ يَضُرُّوا فَمَا مَعْنَى عِبَادَتِكُمْ لَهَا. (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) فَنَزَعُوا إلى التقليد
(1). هو زهير بن أبى سلمى. والبيت من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان. وأحكمت: جعلت لها حكمات من القد. والحكمات جمع حكمة وهي ما تكون على أنف الدابة. ودوابرها: مؤخر حوافرها. ومنكوب: أي أصابت الحجارة دوابرها وأدمتها.