المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الشعراء (26): الآيات 105 الى 122] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٣

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 32 الى 33]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 34]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 37]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 38]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 39]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 40]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 43]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 44]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 47]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 48]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 49]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 50]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 51 الى 52]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 53]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 54]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 55]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 58]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 59]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 60]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 61]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 62]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 63]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 64]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 67]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 70]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 71]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 72]

- ‌[سورة الفرقان (25): آية 73]

- ‌[سورة الفرقان (25): الآيات 74 الى 77]

- ‌سورة الشعراء

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 69 الى 77]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 192 الى 196]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 197 الى 203]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 204 الى 209]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 210 الى 213]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 214 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 221 الى 223]

- ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 224 الى 227]

- ‌سورة النمل

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة النمل (27): آية 17]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 29 الى 31]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النمل (27): آية 35]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة النمل (27): آية 44]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 50 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 54 الى 61]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 62 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 69 الى 71]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 72 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 87 الى 90]

- ‌[سورة النمل (27): الآيات 91 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 20 الى 22]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 23 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28): آية 29]

- ‌[سورة القصص (28): آية 30]

- ‌[سورة القصص (28): آية 31]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة القصص (28): آية 43]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة القصص (28): آية 46]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28): آية 56]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 59 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 62 الى 67]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 68 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة القصص (28): آية 78]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 79 الى 80]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28): الآيات 85 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 20 الى 25]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 28 الى 35]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 38]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 44]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 45]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 48]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 49]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 50 الى 52]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 61 الى 62]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة العنكبوت (29): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة العنكبوت (29): آية 69]

الفصل: ‌[سورة الشعراء (26): الآيات 105 الى 122]

وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ حِينَ شَفَعَ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ الرَّجُلَ لَيَقُولُ فِي الْجَنَّةِ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَصَدِيقُهُ فِي الْجَحِيمِ فَلَا يَزَالُ يَشْفَعُ لَهُ حَتَّى يُشَفِّعَهُ اللَّهُ فِيهِ فَإِذَا نَجَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ:" فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ". وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا اجْتَمَعَ مَلَأٌ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فِيهِمْ عَبْدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا شَفَّعَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، وَإِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ لَيَشْفَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ شَافِعُونَ مُشَفَّعُونَ. وَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ الرَّجُلَيْنِ كَانَا صَدِيقَيْنِ فِي الدُّنْيَا، فَيَمُرُّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ لَهُ أَخُوهُ: وَاللَّهِ مَا بَقِيَ لِي إِلَّا حَسَنَةً وَاحِدَةً أَنْجُو بِهَا، خُذْهَا أَنْتَ يَا أَخِي فَتَنْجُو بِهَا مِمَّا أَرَى، وَأَبْقَى أَنَا وَإِيَّاكَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ. قَالَ: فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِهِمَا جَمِيعًا فَيَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تَقَدَّمَ وَالْحَمْدُ لله.

[سورة الشعراء (26): الآيات 105 الى 122]

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)

إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)

ص: 118

قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) قَالَ" كَذَّبَتْ" وَالْقَوْمُ مُذَكَّرٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى كَذَّبَتْ جَمَاعَةُ قَوْمِ نُوحٍ، وَقَالَ:" الْمُرْسَلِينَ" لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا فَقَدْ كَذَّبَ الرُّسُلَ، لِأَنَّ كُلَّ رَسُولٍ يَأْمُرُ بِتَصْدِيقِ جَمِيعِ الرُّسُلِ. وَقِيلَ: كَذَّبُوا نُوحًا فِي النُّبُوَّةِ وَفِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ مَجِيءِ الْمُرْسَلِينَ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: ذَكَرَ الْجِنْسَ وَالْمُرَادُ نُوحٌ عليه السلام. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْفُرْقَانِ"«1» . (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ) أَيِ ابْنُ أَبِيهِمْ وَهِيَ أُخُوَّةُ نَسَبٍ لَا أُخُوَّةُ دِينٍ. وَقِيلَ: هِيَ أُخُوَّةُ الْمُجَانَسَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ" وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْأَعْرَافِ"«2» . وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ يَا أَخَا بَنِي تَمِيمِ. يُرِيدُونَ يَا وَاحِدًا مِنْهُمْ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ:

لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ

فِي النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانًا

(أَلا تَتَّقُونَ) أَيْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أَيْ صَادِقٌ فِيمَا أُبَلِّغُكُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ:" أَمِينٌ" فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَفُوا أَمَانَتَهُ وَصِدْقَهُ مِنْ قَبْلُ كَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي قُرَيْشٍ. (فَاتَّقُوا اللَّهَ) أَيْ فَاسْتَتِرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ عِقَابِهِ. (وَأَطِيعُونِ) فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ من الايمان. (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أَيْ لَا طَمَعَ لِي في مالكم. (إِنْ أَجْرِيَ) أَيْ مَا جَزَائِي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ). (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) كُرِّرَ تَأْكِيدًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ" أَيْ نُصَدِّقُ قَوْلَكَ." وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ" الْوَاوُ لِلْحَالِ وَفِيهِ إِضْمَارُ قَدْ، أَيْ وَقَدِ اتَّبَعَكَ." الْأَرْذَلُونَ" جَمْعُ الْأَرْذَلِ، الْمُكَسَّرُ الْأَرَاذِلُ وَالْأُنْثَى الرُّذْلَى وَالْجَمْعُ الرُّذْلُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ في شي مِنْ هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ عَلِمْنَاهُ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكُ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ،

(1). راجع ص 1 3 من هذا الجزء.

(2)

. راجع ج 7 ص 235 طبعه أولى أو ثانية.

ص: 119

" وَأَتْبَاعُكَ الْأَرْذَلُونَ". النَّحَّاسُ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، وَهَذِهِ الواو أكثرها تتبعها الأسماء والافعال بقد. وَأَتْبَاعٌ جَمْعُ تَبَعٍ وَتَبِيعٍ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

لَهُ تَبَعٌ قَدْ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ

عَلَى مَنْ يُدَانِي صَيِّفٌ وَرَبِيعُ

ارْتِفَاعُ" أَتْبَاعُكَ" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالِابْتِدَاءِ وَ" الْأَرْذَلُونَ" الْخَبَرُ، التَّقْدِيرُ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَإِنَّمَا أَتْبَاعُكُ الْأَرْذَلُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ:" أَنُؤْمِنُ لَكَ" وَالتَّقْدِيرُ: أَنُؤْمِنُ لَكَ نَحْنُ وَأَتْبَاعُكَ الْأَرْذَلُونَ فَنُعَدُّ مِنْهُمْ، وَحَسُنَ ذَلِكَ الْفَصْلُ بِقَوْلِهِ:" لَكَ" وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْأَرَاذِلِ فِي سُورَةِ" هُودٍ"«1» مُسْتَوْفًى. وَنَزِيدُهُ هُنَا بَيَانًا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ: الثَّانِيَةُ- فَقِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ بَنُوهُ وَنِسَاؤُهُ وَكِنَّاتُهُ وَبَنُو بَنِيهِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ أَمْ لَا. وَعَلَى أَيِ الْوَجْهَيْنِ كَانَ فَالْكُلُّ صَالِحُونَ، وَقَدْ قَالَ نُوحٌ:" وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" وَالَّذِينَ مَعَهُ هُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَلَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ قَوْلِ الْكَفَرَةِ شَيْنٌ وَلَا ذَمٌّ بَلِ الْأَرْذَلُونَ هُمُ الْمُكَذِّبُونَ لَهُمْ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَدْ أُغْرِيَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَامِّ بِمَقَالَةٍ رُوِيَتْ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: هُمُ الْحَاكَةُ وَالْحَجَّامُونَ. وَلَوْ كَانُوا حَاكَةً كَمَا زَعَمُوا لَكَانَ إِيمَانُهُمْ بِنَبِيِّ اللَّهِ وَاتِّبَاعُهُمْ لَهُ مُشَرِّفًا كَمَا تَشَرَّفَ بِلَالٌ وَسَلْمَانُ بِسَبْقِهِمَا لِلْإِسْلَامِ، فَهُمَا مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ أَكَابِرِهِمْ، فَلَا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ كَانُوا حَاكَةً وَلَا حَجَّامِينَ، وَلَا قَوْلَ الْكَفَرَةِ فِي الْحَاكَةِ وَالْحَجَّامِينَ إِنْ كَانُوا آمنوا بهم أَرْذَلُونَ مَا يُلْحِقُ الْيَوْمَ بِحَاكَتِنَا ذَمًّا وَلَا نَقْصًا، لِأَنَّ هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ الْكَفَرَةِ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ الْكَفَرَةُ حُجَّةً وَمَقَالَتَهُمْ أَصْلًا، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الصِّنَاعَاتِ لَيْسَتْ بِضَائِرَةٍ فِي الدِّينِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)" كَانَ" زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: وَمَا عِلْمِي بِمَا يَعْمَلُونَ، أَيْ لَمْ أُكَلَّفِ الْعِلْمَ بِأَعْمَالِهِمْ إِنَّمَا كُلِّفْتُ أَنْ أَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، وَالِاعْتِبَارِ بِالْإِيمَانِ لَا بِالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا اتَّبَعَكَ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءُ طَمَعًا فِي الْعِزَّةِ وَالْمَالِ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِمْ وَإِنَّمَا إِلَيَّ ظاهرهم. وقيل: المعنى إني

(1). راجع ج 9 ص 23 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.

ص: 120

لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ وَيُضِلُّكُمْ وَيُرْشِدُهُمْ وَيُغْوِيكُمْ وَيُوَفِّقُهُمْ وَيَخْذُلُكُمْ. (إِنْ حِسابُهُمْ) أَيْ فِي أَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ (إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) وَجَوَابُ" لَوْ" مَحْذُوفٌ، أَيْ لَوْ شَعَرْتُمْ أَنَّ حِسَابَهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ لَمَا عِبْتُمُوهُمْ بِصَنَائِعِهِمْ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ:" تَشْعُرُونَ" بِالتَّاءِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ لِلْكُفَّارِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ السميقع:" لو يشعرون" بالياء كأنه خبر عَنِ الْكُفَّارِ وَتَرَكَ الْخِطَابَ لَهُمْ، نَحْوَ قَوْلِهِ:" حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ". وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سُفْيَانَ عَنِ امْرَأَةٍ زَنَتْ وَقَتَلَتْ وَلَدَهَا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ هَلْ يُقْطَعُ لَهَا بِالنَّارِ؟ فَقَالَ:" إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ". (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ لِخَسَاسَةِ أَحْوَالِهِمْ وَأَشْغَالِهِمْ. وَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ طَرْدَ الضُّعَفَاءِ كَمَا طَلَبَتْهُ قُرَيْشٌ. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ مَا أَرْسَلَنِي أَخُصُّ ذَوِي الْغِنَى دُونَ الْفُقَرَاءِ، إِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ أُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ، فَمَنْ أَطَاعَنِي فَذَلِكَ السَّعِيدُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ) أَيْ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا وَعَيْبِ دِينِنَا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أَيْ بِالْحِجَارَةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: مِنَ الْمَقْتُولِينَ. قَالَ الثُّمَالِيُّ: كُلُّ مَرْجُومِينَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْقَتْلُ إِلَّا فِي مَرْيَمَ:" لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ" أَيْ لَأَسُبَّنَّكَ. وَقِيلَ:" مِنَ الْمَرْجُومِينَ" مِنَ المشتومين، قاله السدى. ومنه قول، أبى دواد «1» . (قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ ذَلِكَ لَمَّا يَئِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ. وَالْفَتْحُ الْحُكْمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يُرِيدُ السَّفِينَةَ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا. وَالْمَشْحُونُ الْمَمْلُوءُ، وَالشَّحْنُ مَلْءُ السَّفِينَةِ بِالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ وغيرهم. ولم يؤنث الفلك ها هنا، لان الفلك ها هنا وَاحِدٌ لَا جَمْعٌ. (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) أَيْ بَعْدَ إِنْجَائِنَا نُوحًا وَمَنْ آمَنَ. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

(1). كذا في جميع نسخ الأصل، وهنا سقط لعله بيت من الشعر أورده المؤلف شاهدا على أن الرجم معناه الشتم، كما أورد بيت الجعدي شاهدا على ذلك عند تفسير قوله تعالى:" وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ". راجع ج 9 ص 91

ص: 121