الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَرَسَ لَا يَنْفَلِتُ بِالرَّفْعِ وَالْجَزْمِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ أَرْبِطْهُ يَنْفَلِتُ، وَالرَّفْعُ بِمَعْنَى كَيْلَا يَنْفَلِتَ. وَأَنْشَدَ لِبَعْضِ بَنِي عُقَيْلٍ:
وَحَتَّى رَأَيْنَا أَحْسَنَ الْفِعْلِ بَيْنَنَا
…
مُسَاكَنَةً لَا يَقْرَفُ الشَّرُّ قَارِفُ
بِالرَّفْعِ لَمَّا حَذَفَ كَيْ. وَمِنَ الْجَزْمِ قَوْلُ الْآخَرِ:
لَطَالَمَا حَلَّأْتُمَاهَا لَا تَرِدْ
…
فَخَلِّيَاهَا وَالسِّجَالَ تَبْتَرِدْ «1»
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي" يُؤْمِنُونَ" خَطَأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بلا جازم، ولا يكون شي يَعْمَلُ عَمَلًا فَإِذَا حُذِفَ عَمِلَ عَمَلًا أَقْوَى، مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَهَذَا احْتِجَاجٌ بَيِّنٌ (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ. فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أَيِ الْعَذَابُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" فَتَأْتِيَهُمْ" بِالتَّاءِ، وَالْمَعْنَى: فَتَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فَأُضْمِرَتْ لِدَلَالَةِ الْعَذَابِ الْوَاقِعِ فِيهَا، وَلِكَثْرَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِهَا. وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ وَقَدْ قَرَأَ:" فَتَأْتِيَهُمْ": يَا أَبَا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة. فانتهزه وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ السَّاعَةُ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً أَيْ فَجْأَةً. (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) بِإِتْيَانِهَا. (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أَيْ مُؤَخَّرُونَ وَمُمْهَلُونَ. يَطْلُبُونَ الرَّجْعَةَ هُنَالِكَ فَلَا يُجَابُونَ إِلَيْهَا. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقَوْلُهُ:" فَيَأْتِيَهُمْ" لَيْسَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ:" حَتَّى يَرَوُا" بَلْ هُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ:" لَا يُؤْمِنُونَ" فَلَمَّا كَانَ جَوَابًا لِلنَّفْيِ انْتَصَبَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:" فَيَقُولُوا".
[سورة الشعراء (26): الآيات 204 الى 209]
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَاّ لَها مُنْذِرُونَ (208)
ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَتَى تَعِدُنَا بِالْعَذَابِ وَلَا تَأْتِي به! فنزلت" أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ".
(1). حلاها: منعها من ورود الماء. والسجال:) جمع سجل) وهى الدلو الضخمة المملوءة ماء. وتبترد: تشرب الماء لتبرد به كبدها. والبيت قاله بعض النسوة لبعض لما زرن امرأة قد تزوجت من رجل كان عاشقا لها.
(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا وَالْمُرَادُ أَهْلُ مَكَّةَ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِ. (ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ) مِنَ الْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ (مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ)." مَا" الْأُولَى اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ" أَغْنى " وَ" مَا" الثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ نَفْيًا لَا مَوْضِعَ لَهَا. وَقِيلَ:" مَا" الْأُولَى حَرْفُ نَفْيٍ، وَ" مَا" الثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِ" أَغْنى " وَالْهَاءُ الْعَائِدَةُ مَحْذُوفَةٌ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا أَغْنَى عَنْهُمُ الزَّمَانُ الَّذِي كَانُوا يُمَتَّعُونَهُ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ أَمْسَكَ بِلِحْيَتِهِ ثُمَّ قَرَأَ" أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ" ثُمَّ يَبْكِي وَيَقُولُ:
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ
…
وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمُ
فَلَا أَنْتَ فِي الْأَيْقَاظِ يَقْظَانُ حَازِمُ
…
وَلَا أَنْتَ فِي النُّوَّامِ نَاجٍ فَسَالِمُ
تُسَرُّ بِمَا يَفْنَى وَتَفْرَحُ بِالْمُنَى
…
كَمَا سُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ حَالِمُ
وَتَسْعَى إِلَى مَا سَوْفَ تَكْرَهُ غبه
…
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
قوله تعالى: (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ)" مِنْ" صِلَةٌ، الْمَعْنَى: وَمَا أَهْلَكْنَا قَرْيَةً. (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) أَيْ رُسُلٌ. (ذِكْرى) قَالَ الْكِسَائِيُّ:" ذِكْرى " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَحْصُلُ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَأَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَصْدَرِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ يَذْكُرُونَ ذِكْرَى، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ مَعْنَى" إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ" إِلَّا لَهَا مُذَكِّرُونَ. وَ" ذِكْرى " لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْإِعْرَابُ، لِأَنَّ فِيهَا أَلِفًا مَقْصُورَةً. وَيَجُوزُ" ذِكْرًى" بِالتَّنْوِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" ذِكْرى " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَيْ إِنْذَارُنَا ذِكْرَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ ذَلِكَ ذِكْرَى، وَتِلْكَ ذِكْرَى. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: لَيْسَ فِي" الشُّعَرَاءِ" وَقْفٌ تَامٌّ إِلَّا قَوْلُهُ" إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ" وَهَذَا عِنْدَنَا وَقْفٌ حَسَنٌ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ" ذِكْرَى" عَلَى مَعْنَى هِيَ ذِكْرَى أَيْ يُذَكِّرُهُمْ ذِكْرَى، وَالْوَقْفُ عَلَى" ذِكْرى " أَجْوَدُ. (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) فِي تَعْذِيبِهِمْ حَيْثُ قَدَّمْنَا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم: