الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَقُولُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنَّ عَبْدَكَ هَذَا اتَّخَذَنِي مَهْجُورًا فَاقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ". ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ، أَيْ يَهْدِيكَ وَيَنْصُرُكَ فَلَا تُبَالِ بِمَنْ عَادَاكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَدُوُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أبو جهل لعنه الله.
[سورة الفرقان (25): الآيات 32 الى 33]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) اخْتُلِفَ فِي قَائِلِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالثَّانِي- أَنَّهُمُ الْيَهُودُ حِينَ رَأَوْا نُزُولَ الْقُرْآنِ مُفَرَّقًا قَالُوا: هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى وَالزَّبُورُ" عَلَى دَاوُدَ"«1» . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" كَذلِكَ" أَيْ فَعَلْنَا" لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ" نُقَوِّي بِهِ قَلْبَكَ فَتَعِيهِ وَتَحْمِلُهُ، لِأَنَّ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى أَنْبِيَاءَ يَكْتُبُونَ وَيَقْرَءُونَ، وَالْقُرْآنُ أُنْزِلَ عَلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ، وَلِأَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَمِنْهُ مَا هُوَ جَوَابٌ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ أُمُورٍ، فَفَرَّقْنَاهُ لِيَكُونَ أَوْعَى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَيْسَرَ عَلَى الْعَامِلِ بِهِ، فَكَانَ كُلَّمَا نَزَلَ وَحْيٌ جَدِيدٌ زَادَهُ قُوَّةَ قَلْبٍ. قُلْتُ: فَإِنْ قِيلَ هَلَّا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَحَفِظَهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي قُدْرَتِهِ؟. قِيلَ: فِي قُدْرَةِ اللَّهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَلَا مُعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ" كَذلِكَ" مِنْ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ، أَيْ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَيَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى" كَذلِكَ" ثُمَّ يَبْتَدِئُ" لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ:" جُمْلَةً واحِدَةً" ثُمَّ يَبْتَدِئُ" كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ" عَلَى مَعْنَى أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ كَذَلِكَ متفرقا لنثبت به فؤادك. قال
(1). زيادة يقتضيها المقام.
ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَأَحْسَنُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَدْ جَاءَ بِهِ التَّفْسِيرُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن عُثْمَانَ الشَّيْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «1» " قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عز وجل فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ، فَنَجَّمَهُ السَّفَرَةُ الْكِرَامُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى مُحَمَّدٍ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ" فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «2» " يَعْنِي نُجُومَ الْقُرْآنِ" وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُمْلَةً وَاحِدَةً، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:" كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ" يَا مُحَمَّدُ. (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) يَقُولُ: ورسلناه ترسيلا، يقول: شيئا بعد شي. (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) يَقُولُ: لَوْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ سَأَلُوكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ مَا تُجِيبُ بِهِ، وَلَكِنْ نُمْسِكُ عَلَيْكَ فَإِذَا سَأَلُوكَ أَجَبْتَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النبوة، لأنهم لا يسألون عن شي إِلَّا أُجِيبُوا عَنْهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ نَبِيٍّ، فَكَانَ ذَلِكَ تَثْبِيتًا لِفُؤَادِهِ وَأَفْئِدَتِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا" وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً" وَلَوْ نُزِّلَ جُمْلَةً بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ لَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَعَلِمَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ الصَّلَاحَ فِي إِنْزَالِهِ مُتَفَرِّقًا، لِأَنَّهُمْ يُنَبَّهُونَ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَلَوْ نُزِّلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَزَالَ مَعْنَى التَّنْبِيهِ وَفِيهِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، فَكَانُوا يَتَعَبَّدُونَ بِالشَّيْءِ إِلَى وَقْتٍ بِعَيْنِهِ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ الصَّلَاحَ، ثُمَّ يَنْزِلُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَنْزِلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً: افْعَلُوا كَذَا وَلَا تَفْعَلُوا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ التَّمَامُ" جُمْلَةً واحِدَةً" لِأَنَّهُ إِذَا وُقِفَ عَلَى" كَذلِكَ" صَارَ الْمَعْنَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. قَالَ الضَّحَّاكُ:" وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً" أَيْ تَفْصِيلًا. وَالْمَعْنَى: أَحْسَنُ مِنْ مَثَلِهِمْ تَفْصِيلًا، فَحُذِفَ لِعِلْمِ السَّامِعِ. وَقِيلَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَمِدُّونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَى أهل الكتاب التحريف
(1). راجع ج 20 ص 129.
(2)
. راجع ج 17 ص 223.