الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ:" يُضَاعَفُ. وَيَخْلُدُ" بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى الْعَطْفِ وَالِاسْتِئْنَافِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ:" وَتَخْلُدُ" بِالتَّاءِ عَلَى مَعْنَى مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو" وَيُخْلَدُ" بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ اللَّامِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَهِيَ غَلَطٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ. وَ" يُضاعَفْ" بِالْجَزْمِ بَدَلٌ مِنْ" يَلْقَ" الَّذِي هُوَ جَزَاءُ الشَّرْطِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ لُقِيُّ الْأَثَامِ. قَالَ الشَّاعِرُ: مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا وَقَالَ آخَرُ: إِنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أَنْ تبايعا «1» تؤخذ كرها أو تجئ طَائِعَا وَأَمَّا الرَّفْعُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَقْطَعَهُ مِمَّا قَبْلَهُ. وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى، كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: مَا لُقِيُّ الاثام؟ فقيل له: يضاعف له العذاب. و (مُهاناً) معناه ذليلا خاسئا مبعدا مطرودا.
[سورة الفرقان (25): آية 70]
إِلَاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً) لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَامِلٌ فِي الْكَافِرِ وَالزَّانِي. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَاتِلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" النِّسَاءِ"«2» وَمَضَى فِي" الْمَائِدَةِ"«3» الْقَوْلُ فِي جَوَازِ التَّرَاخِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْتَدِلًّا بِهَذِهِ الْآيَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) قَالَ النَّحَّاسُ: مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ يُكْتَبُ مَوْضِعَ كَافِرٍ مُؤْمِنٌ، وَمَوْضِعَ عَاصٍ مُطِيعٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: أَنْ يُبَدِّلَهُمُ
(1). الشاهد في حمل يؤخذ غلى تبايع وإبداله منه. وأراد بقوله" الله" والمعنى إن على والله فلما حذف الجار النصب.
(2)
. راجع ج 5 ص 332 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.
(3)
. راجع ج 6 ص 273 طبعه أولى أو ثانية.
اللَّهُ مِنَ الشِّرْكِ الْإِيمَانَ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ الْحَسَنُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ التَّبْدِيلُ فِي الآخرة، وليس كذلك، إنما لتبديل فِي الدُّنْيَا، يُبَدِّلُهُمُ اللَّهُ إِيمَانًا مِنَ الشِّرْكِ، وَإِخْلَاصًا مِنَ الشَّكِّ، وَإِحْصَانًا مِنَ الْفُجُورِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ بِجَعْلِ مَكَانِ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ، وَلَكِنْ بِجَعْلِ مَكَانَ السَّيِّئَةِ التَّوْبَةَ، وَالْحَسَنَةُ مَعَ التَّوْبَةِ. وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُبَدَّلُ بِحَسَنَاتٍ". وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ غيرهما. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فِيمَنْ غَلَبَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، فَيُبَدِّلُ اللَّهُ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ. وَفِي الْخَبَرِ:" لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ أَنَّهُمْ أَكْثَرُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ" فَقِيلَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ:" الَّذِينَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ". رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ. وَقِيلَ: التَّبْدِيلُ عِبَارَةٌ عَنِ الْغُفْرَانِ، أَيْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ لَا أَنْ يُبَدِّلَهَا حَسَنَاتٍ. قُلْتُ: فَلَا يَبْعُدُ فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا صَحَّتْ تَوْبَةُ الْعَبْدِ أَنْ يَضَعَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ:" أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إني لا علم آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ فِي كِبَارِ ذُنُوبَهُ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا ها هنا" فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. وَقَالَ أَبُو طَوِيلٍ «1»: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَّةً وَلَا دَاجَّةً إِلَّا اقْتَطَعَهَا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ:" هَلْ أَسْلَمْتَ"؟ قَالَ: أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. قَالَ:" نَعَمْ.
(1). أبو طويل: كنية شطب المدود، رجل من كندة.