الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى ابن جرير أن أبا لبابة وأصحابه (ممن تخلفوا وتابوا وسيأتى ذكرهم) جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أطلقوا فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فأنزل الله (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) فلما نزلت أخذ الثلث من أموالهم فتصدق به عنهم.
وهذا النص- وإن كان سببه خاصا- عام فى الأخذ، يشمل خلفاء الرسول من بعده ومن بعدهم من أئمة المسلمين وفى المأخوذ منهم وهم المسلمون الموسرون، ومن ثم قاتل أبو بكر الصديق وسائر الصحابة مانعى الزكاة من أحياء العرب حتى أدّوا الزكاة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال: «والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأفاتلنهم على منعه» .
الإيضاح
(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) أي خذ أيها الرسول من أموال هؤلاء ومن غيرهم من سائر أموال المؤمنين على اختلاف أنواعها من نقد وأنعام وأموال تجارة، صدقة بمقدار معين فى الزكاة المفروضة أو بمقدار غير معين فى زكاة التطوع تطهرهم بها من دنس البخل والطمع والقسوة على الفقراء البائسين، وتزكى أنفسهم بها وترفعهم إلى منازل الأبرار بفعل الخيرات حتى يكونوا أهلا للسعادة الدنيوية والأخروية.
وقد نسبت التزكية إلى الله فى قوله: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً، وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ» لأنه الخالق الموفق للعبد لفعل ما تزكو به نفسه وتصلح.
ونسبت إلى رسول الله فى قوله: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» .
لأنه هو المربى للمؤمنين على ما تزكو به نفوسهم، ويعلوا قدرها باتباعهم سنته العملية والقولية وبيانه لكتاب الله، فهو القدوة الحسنة لهم.
ونسبت إلى الفاعل لها فى نحو قوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» وقوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» لأنه قد فعل ما كان سببا فى طهارة نفسه وزكاتها من صدقات ونحوها من أعمال البر.
وأما النهى عن تزكية النفس فى قوله: «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» وقوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ» فذاك فى تزكية النفس بدعوى اللسان فقط دون عمل يؤيدها.
(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي وادع أيها الرسول للمتصدقين واستغفر لهم، فإن دعاءك واستغفارك سكن لهم يذهب به اضطراب نفوسهم وتطمئن قلوبهم بقبول توبتهم، ويرتاحون إلى قبول الله صدقاتهم بأخذك لها ووضعها فى مواضعها.
والصلاة من الله على عباده رحمته لهم، ومن ملائكته استغفارهم كما قال تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» ومن المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم دعاؤهم له بما أمرهم به فى الصلاة بعد التشهد الأخير كالدعاء المأثور
(اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) .
(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي والله سميع لاعترافهم بذنوبهم، وسميع لدعائك سماع قبول وإجابة، عليم بندمهم وتوبتهم منها وإخلاصهم فى صدقاتهم وطيب أنفسهم بها، عليم بما فيه الخير والمصلحة لهم وهو الذي يثيبهم عليها.
وقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبى أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صلّ على فلان» فأتاه أبى بصدقته فقال «اللهم صلّ على آل أبى أوفى» .