الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى هذا إيماء إلى أن المراد بالصدقة ما يعمّ الفريضة وغيرها، وإلى أنه صلى الله عليه وسلم كان مواظبا على هذا الدعاء، ومن ثم قيل إن هذا الأمر للوجوب وهو خاصّ به صلى الله عليه وسلم.
فوائد الصدقات فى إصلاح المجتمع الإسلامى
الصدقات تطهّر أنفس الأفراد من أرجاس البخل، والدناءة والاثرة، والطمع والجشع، وتبعدهم عن أكل أموال الناس بالباطل من خيانة وسرقة وغصب وربا، وغير ذلك: فإن من يتعود بذل بعض ما فى يده أو ما أودعه فى خزائنه فى سبيل الله ابتغاء مرضاته ومغفرة ذنوبه- يكن أرفع نفسا من أن يأخذ مال غيره بغير حق، وإذا طهرت أنفس الأفراد وزكت بالعلم والتقوى وهما ثمرة الإيمان طهرت جماعة المؤمنين من أرجاس الرذائل الاجتماعية التي هى مثار التحاسد والتعادي والبغي والعدوان والفتن والحروب، فإن الأموال قوام الحياة المعيشية للفرد والمجتمع، فهى مثار التنازع والتخاصم، ومن ثم أوجب الدين على أصحاب الأموال من النفقات والصدقات ما يجعل الثروات وسيلة للسلام لا إلى الخصام.
وقد جمع الإسلام بين مصالح الروح والجسد للوصول إلى السيادة فى الدنيا والسعادة فى الآخرة، فهو وسط بين اليهودية المفرطة فى حب المال، والنصرانية الروحانية الزاهدة، فمن أهمّ مقاصده الإصلاحية فى الاجتماع البشرى هداية الناس إلى العدل فى أمر المال ليبتعدوا عن شر طغيان الأغنياء على الفقراء، ونصوص الدين فى هذا الباب هى الغاية التي لا يطمح مصلح فى التطلع إلى ما بعدها، وهى هادمة لمزاعم من يفتات على الإسلام من أرباب الجهل والهوى.
وقد فرضت الزكاة المطلقة فى أول الإسلام وكانت اشتراكية، والباعث عليها القلوب والضمائر لا إكراه الحكام، ثم جعلت معينة محدودة عند ما صار للإسلام دولة.
وسر الوضع الأول أن جماعة المسلمين فى مكة قبل الهجرة كانوا محصورين،
ومنهم الموسر والمعسر وصاحب الثروة وذو الفقر المدقع، فوجب أن يقوم أغنياؤهم بكفالة فقرائهم وجوبا دينيا إذا كانت الزكاة المعينة لا تكفيهم.
ولا شك أن الأسس الإصلاحية للمال التي وضعها الإسلام لا يتسنى لأقدر الأمم المالية فى العصر الحاضر أن تضع خيرا منها، انظر إليه تره حرّم الربا والقمار، لما أنهما يوجدان التنازع والتخاصم بين الناس وإن كان فيهما بعض المكاسب، وأوجب الحجر على السفهاء فى أموالهم صيانة لها عن الضياع فيما يضرهم ويضر أمتهم، وفرض النفقة الزوجية والنفقة على ذوى القرابة من ذوى الحاجة، وذم الإسراف والتبذير والبخل والجشع والتقتير ومدح القصد والاعتدال فى النفقة على النفس والعيال، وأباح الزينة والطيبات من الرزق بشرط اجتناب الإسراف حفظا للثروة من الضياع وبعدا عن الأمراض والأدواء البدنية، وجعل زكاة النقدين الواجبة هى ربع العشر أي 1- 40 وهو أوسط ربح تدفعه المصارف المالية لمودعى نقودهم فيها للاستغلال.
انظر إلى الثروة فى مصر نقدا وتجارة وتأمل مقدار ربع العشر الواجب فيها فى كل عام لفقرائها ومرافقها العامة، ثم قدّر فى نفسك إذا هى قامت بالواجب الديني عليها فى الزكاة، هل يكون فيها فقر مدقع أو شقاء بين أفراد الأمة، هل تتصور أن تنتشر فيها الأمراض المعدية أو يخيم على أفرادها الجهل، أو ترتكب فيها جنايات السرّاق وقطاع الطرقات وذوى الخيانة والغدر، أظن أن الجواب على ذلك: لا.
وقد جاء فى الكتاب والسنة الترغيب فى بذل المال فى سبيل البر وجعله علامة من علامات الإيمان الموجبة لثواب الرحمن والدخول فى غرفات الجنان، ولم يجىء مثل ذلك فى أي نوع من أنواع البر وضروب الإحسان.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) أي ألم يعلم أولئك التائبون من ذنوبهم أن الله هو الذي يقبل توبة التائبين من عباده، ولم يجعل ذلك لأحد من خلقه لا رسول ولا من دونه.
وفى الآية حضّ على التوبة والصدقة والترغيب فيهما.
(وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أي يتقبلها ويثيب عليها ويضاعف ثوابها كما وعد بذلك فى قوله: «إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ» .
(وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي إنه تعالى هو الذي يقبل التوبة إثر التوبة من المذنبين الذين ينيبون إلى ربهم، وأنه هو الرحيم بالتائبين الذي يثيبهم على ما قدموا من عمل، ويمنعهم الخوف أن يصرّوا على ذنب كما قال تعالى فى وصف المتقين «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»
وجاء فى الحديث «ما أصرّ من استغفر وإن عاد فى اليوم سبعين مرة» رواه الترمذي،
وروى الشيخان عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما تصدق أحدكم بصدقة من كسب حلال طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة، فتربو فى كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربىّ أحدكم فلوّه أو فصيله»
والحديث تمثيل لحال الصدقة المقبولة عند الله.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي وقل لهم أيها الرسول اعملوا لدنياكم وآخرتكم، لأنفسكم وأمتكم، فالعمل هو مناط السعادة، لا الاعتذار عن التقصير ولا دعوى الجدّ والتشمير، وسيرى الله عملكم خيرا كان أو شرا، فيجب عليكم أن تراقبوه فى أعمالكم وتتذكروا أنه عليم بمقاصدكم ونياتكم، فجدير بمن يؤمن به أن يتقيه فى السر والعلن ويقف عند حدود شرعه، وسيراه رسوله والمؤمنون ويزنونه بميزان الإيمان الذي يفرق بين الإخلاص والنفاق، وهم شهداء على الناس.
روى أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم يعمل فى صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان» .
وفى الآية إيماء إلى أن مرضاة جماعة المؤمنين القائمين بحقوق الإيمان تلى مرضاة الله ورسوله،
وفى حديث أنس رضى الله عنه قال: «مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا