الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره، ويدل على ذلك قوله:«وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً» والسراج: نوره من ذاته، والضياء والضوء ما أضاء لك، وشعاع الشمس مركب من ألوان النور السبعة التي ترى فى قوس السحاب فهو سبعة أضواء، وقد كشف ترقى العلوم الفلكية عن ذلك، وكان الناس يجهلونه عصر التنزيل، والتقدير: جعل الشيء أو الأشياء على مقادير مخصوصة فى الذات أو الصفات أو الزمان أو المكان كما قال:
«وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» وقال: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ» والمنازل: واحدها منزل، وهو مكان النزول، وهى ثمانية وعشرون منزلا معروفة لدى العرب بأسمائها.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه الآيات الدالة على وجوده، وهو خلق السموات والأرض على ذلك النظام المحكم- ذكر هنا أنواعا من آياته الكونية الدالة على ذلك وعلى أنه خلقها على غاية من الإحكام والإتقان، وهو تفصيل لما تقدم وبيان له على وجه بديع وأسلوب عجيب.
الإيضاح
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) أي إن ربكم الذي خلق السموات والأرض- هو الذي جعل الشمس مضيئة نهارا والقمر منيرا ليلا، ودبّر أمور معاشكم هذا التدبير البديع، فأجدر به وأولى أن يدبّر أمور معادكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
(وقدره منازل) أي وقدر سير القمر فى فلكه منازل ينزل كل ليلة فى واحد منها لا يجاوزها ولا يقصر دونها وهى ثمانية وعشرون يرى القمر فيها بالأبصار، وليلة أو ليلتان يحتجب فيهما فلا يرى.
(لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي لتعلموا بما ذكر من صفة النيرين وتقدير
المنازل حساب الأوقات من الأشهر والأيام لضبط عباداتكم ومعاملاتكم المالية والمدنية، ولولا هذا النظام المشاهد لتعذر العلم بذلك على الأميين من أهل البدو والحضر إذ حساب السنين والشهور الشمسية لا يعلم إلا بالدراسة، ومن ثم جعل الشارع الحكيم الصوم والحج وعدة الطلاق بالحساب القمري الذي يعرفه كل أحد بالمشاهدة، ولعبادتى الصيام والحج حكمة أخرى وهى دورانهما فى جميع فصول السنة، فيعبد المسلمون ربهم فى جميع الأوقات من حارة وباردة ومعتدلة.
وقد حث الشارع على الانتفاع بالحساب الشمسى بنحو قوله: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ» وقوله: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ» .
(ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي ما خلق الله الشمس ذات ضياء تفيض أشعتها على كواكبها التابعة لها فتنبعث الحرارة فى جميع الأحياء، وبها يبصر الناس جميع المبصرات ويقومون بأمور معايشهم وسائر شئونهم، وما خلق القمر ذا نور مستمد من الشمس تنتفع به السيارة فى سيرهم، وقدره منازل يعرف بها الناس السنين والشهور، ما خلق ذلك إلا مقترنا بالحق الذي تقتضيه الحكمة والمنفعة لحياة الخلق ونظام معايشهم فلا عبث فيه ولا خلل، فكيف يعقل بعد هذا أن يخلق هذا الإنسان ويعلمه البيان ويعطيه من كمال الاستعداد ما لم يعط غيره، ثم يتركه بعد ذلك سدى يموت ويفنى ولا يعود ويبعث، لتجزى كل نفس بما كسبت فيجزى المتقون بصالح أعمالهم، والمشركون والظالمون المجرمون بكفرهم وجرائمهم كما قال تعالى:«أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟» .
(يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي يبين الدلائل من حكم الخلق على رسوله مفصلة منوعة من كونية وعقلية لقوم يعلمون دلالة الأدلة ويميزون بين الحق والباطل باستعمال عقولهم فى فهم هذه الآيات فيجزمون بأن من خلق النيّرين على هذا النظام البديع لا يمكن أن يخلق الإنسان سدى.