الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
الكتاب: هو القرآن العظيم، والحكيم: ذو الحكمة، لاشتمال الكتاب عليها، والوحى: الإعلام الخفىّ لامرىء بما يخفى على غيره، والإنذار: الإخبار بما فيه تخويف، والتبشير: الإعلام المقترن بالبشارة بحسن الجزاء، والصدق: يكون فى الأقوال ويستعمل فى الأفعال، فيقال صدق فى القتال إذا وفّاه حقه، وكذب فيه إذا لم يفعل ذلك، ويطلق على الإيمان والوفاء وسائر الفضائل، وجاء فى التنزيل: مقعد صدق، ومدخل صدق، ومخرج صدق، وقدم صدق، ويراد بالقدم هنا السابقة والتقدم والمنزلة الرفيعة، سحر: أي يؤثّر فى القلوب ويجذب النفوس فهو جار مجرى السحر، ومبين: ظاهر.
الإيضاح
(الر) هذه الحروف تقرأ ساكنة غير معربة هكذا: ألف. لام، راء. والأخير منها غير مهموز، والحكمة فى مجيئها أول السورة تنبيه السامع إلى ما يتلى عليه بعدها لأجل العناية بفهمه حتى لا يفوته شىء مما يسمع، فهى من وادي حروف التنبيه نحو (ألا) و (ها) الداخلة على اسم الإشارة.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) أي تلك آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبينه لعباده كما قال جل شأنه: «الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» ذاك أنه كتاب أحكمت معانيه ومبانيه، وهو هاد لمتدبّره وواعيه.
(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) أي عجيب من أمرهم أن ينكروا إنزال الوحى على رجل من جنسهم ويتخذوه أعجوبة بينهم يتفكهون بها ويستغربون شأنها، كأن مشاركتهم له فى البشرية يمنع اختصاص الله إياه بما شاء من العلم، وهو بمعنى قوله تعالى حكاية عنهم «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا» وقوله:«لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً»
.
وهذه الشبهة التي تمسكوا بأذيالها قد سبق إليها أقوام الأنبياء قبلهم كما جاء فى قصة نوح وهود من سورة الأعراف «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ؟» .
وقد يكون وجه العجب كونه من أفنائهم من جهة المال كما جاء على لسانهم وحكاه الله عنهم «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» وحكى عنهم أنهم قالوا: العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا إلا يتيم أبى طالب.
فإن كانوا قد عنوا الأول، فهو عجب عاجب، لأن بعث الملك إنما يتسنى إذا كان المبعوث إليهم ملائكة كما قال تعالى منكرا عليهم ذلك «قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا» .
وإن كانوا أرادوا الثاني فهو أغرب منه، لأن مدار الاصطفاء للإيحاء هو التبريز فى إحراز الفضائل ونيل المكرمات، وللنبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك القدح المعلّى فقد شهر من بينهم بالأمانة والصدق وحسن السمعة وبلوغ الغاية فى الكمالات، ولله در القائل:
خلقت مبرّأ من كل عيب
…
كأنك قد خلقت كما تشاء
وكما قال الآخر:
ولو صوّرت نفسك لم تزدها
…
على ما فيك من كرم الطباع
وليس للتقدم فى حظوظ الدنيا ولا للسبق فى رياساتها مدخل فى ذلك لا بقبيل ولا دبير، ولا قليل ولا كثير، فليس الغنى سببا للقرب والزلفى عند الله كما قال تعالى:
«وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى» .
(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس كافة وأعلمهم بالتوحيد والبعث وسائر مقاصد الدين مع التخويف بعاقبة ما هم فيه من كفر وضلال.