الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن قص سبحانه قصص الأنبياء السالفين وما لا قوه من أقوامهم من العناد والجحود والاستكبار والعتو، وفى كل حال كان النصر حليف المؤمنين والخذلان نصيب الظالمين- قفّى على ذلك بذكر صدقه فيما قال ووعد وأوعد، وكون ذلك سنة الله فى المكذبين قبل، وسيكون ذلك فيهم من بعد وليس فى هذا سبيل للافتراء والشك وقد ساق ذلك بطريق التلطف فى الأسلوب، فوجه الكلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد قومه فجاء على نحو قولهم: إياك أعنى واسمعي يا جارة، وقد جاء مثل هذا فى قوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» وقوله:«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ» .
الإيضاح
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) المراد بالكتاب جنسه أي الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل، أي فإن كنت أيها الرسول فى شك مما قلناه فى تلك الشواهد من قصة هود ونوح وموسى وغيرهم فرضا وتقديرا، فاسأل الذين يقرءون كتب الأنبياء كاليهود والنصارى، فإنهم يعلمون أن ما أزلناه إليك حق لا يستطيعون إنكاره.
وقد جرت عادة العرب أن يقدّروا الشك فى الشيء ليبنوا عليه ما ينفى احتمال وقوعه فيقول أحدهم لابنه: إن كنت ابني فكن شجاعا، وجاء من هذا قول المسيح عليه السلام مجيبا ربه تعالى عن سؤاله إياه «أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ» فهو عليه السلام يعلم أنه لم يقله ولكنه يفرضه ليستدل على ذلك بأنه لو قاله لعلمه الله منه، ويجرى العلماء فى محاوراتهم بينهم وبين نظرائهم
أو بينهم وبين تلاميذهم على هذا النمط، فيشككونهم فيما لا شك فيه عندهم، ليبنوا على ذلك أحكاما أخرى فيقولون: إن كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة إلى متساويين أي إن كون الخمسة زوجا يستلزم ذلك، وهذا لا يدل على أن الخمسة زوج وهكذا ما فى الآية فهو يدل على أنه لو حصل الشك لكان الواجب هو فعل كذا وكذا، وليس فيها دليل على وقوعه.
(لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) الامتراء: الشك والتردد، أي لقد جاءك الحق الواضح بأنك رسول الله، وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ويجدون نعتك فى كتبهم، فلا تكونن من الشاكين فى صحة ذلك.
وهذا النهى وما بعده يدلان على أن فرض الشك والسؤال فيما قبلهما تعريض بالشاكين والمكذبين له من قومه ممن لم تستنر بصيرتهم بنبوته صلى الله عليه وسلم فأظهروا الإيمان بألسنتهم ولم يثبت فى قلوبهم فهم فى شك فيه.
(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي ولا تكونن أيها الرسول ممن كذب بآيات الله وحججه فى الأكوان مما يدل على وحدانيته وقدرته على إرسال الرسل لهداية البشر فتكونن ممن خسروا أنفسهم بالحرمان من الإيمان وما يتبعه من سعادة الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، فالشك والامتراء فيما أنزل إليك كالتكذيب بآيات الله جحودا بها وعنادا، كلاهما سواء فى الخسران، لحرمان الجميع من الهداية بها، والوصول إلى السعادة فى الدارين.
(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) أي إن الذين ثبتت عليهم كلمة ربك بعذابهم بحسب سننه تعالى فى خلقه بفقدهم الاستعداد للاهتداء لا يؤمنون لرسوخهم فى الكفر والطغيان، وإحاطة خطاياهم بهم، وإعراضهم عن آيات الله التي خلقها فى الأكوان، بما يرشد إلى وحدانيته وكمال قدرته.
(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي ولو جاءتهم كل آية من