الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربك لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم- أتبعه بذكر هذه الآيات للدلالة على أن قوم يونس آمنوا بعد كفرهم، وانتفعوا بذلك الإيمان.
الإيضاح
(فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها) أي فهلا كان أهل قرية من قرى أقوام أولئك الرسل آمنوا بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم، فنفعهم إيمانهم قبل وقوع العذاب الذي أنذروا به.
وخلاصة ذلك- إنه لم يؤمن قوم منهم بحيث لم يشذ منهم أحد.
(إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) يونس عليه السلام بعث فى أهل نينوى بأرض الموصل، وكانوا أهل كفر وشرك، فدعاهم إلى الإيمان بالله وحده وترك ما يعبدون من الأصنام فأبوا عليه وكذبوه، فأخبرهم أن العذاب مصبّحهم بعد ثلاث ليال- فلما كانت الليلة الثالثة ذهب عنهم من حوف الليل، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب، فلما أيقنوا بالهلاك طلبوا نبيهم فلم يجدوه فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا إلى ربهم وأخلصوا النية فرحمهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب.
والخلاصة- إن قوم يونس لما آمنوا قبل وقوع العذاب بهم بالفعل وكانوا علموا بقربه من خروج نبيهم- صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان فى الدنيا بعد ما أظلّهم وكاد ينزل بهم، ومتعناهم بمتاعها إلى زمن معلوم وهو الوقت الذي يعيش فيه كل منهم بحسب سنن الله فى استعداد بنيته ومعيشته.
وفى ذلك تعريض بأهل مكة وإنذار لهم، وحض على أن يكونوا كقوم يونس الذين استحقوا العذاب بعنادهم، حتى إذا أنذرهم نبيهم بقرب وقوعه وخرج من بينهم اعتبروا وآمنوا قبل اليأس وقبل أن ينزل بهم البأس.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) أي ولو شاء ربك أن يؤمن أهل الأرض كلهم جميعا لآمنوا بأن يلجئهم إلى الإيمان قسرا، أو يخلقهم مؤمنين طائعين كالملائكة لا استعداد فى فطرتهم لغير الإيمان.
وجاء فى معنى الآية قوله «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا» وقوله «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً» .
وخلاصة ذلك- أنه لو شاء ربك ألا يخلق الإنسان مستعدا بفطرته للخير والشر والإيمان والكفر، ومرجحا باختياره لأحد الأمور الممكنة على ما يقابله بإرادته ومشيئته- لفعل ذلك، ولكن اقتضت حكمته أن يخلقه هكذا يوازن باختياره بين الإيمان والكفر، فيؤمن بعض ويكفر آخرون.
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي إن هذا ليس بمستطاع لك ولا من وظائف الرسالة التي بعثت بها أنت وسائر الرسل الكرام كما قال تعالى «إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ» وقال «وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ» وقال «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» .
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي وما كان لنفس بمقتضى ما أعطاها الله من الاختيار والاستقلال فى الأفعال، أن تؤمن إلا بإرادة الله ومقتضى سننه فى الترجيح بين المتقابلين، فالنفس مختارة فى دائرة الأسباب والمسببات، ولكنها غير مستقلة فى اختيارها استقلالا تاما- بل مقيدة بنظام السنن والأقدار الإلهية.
(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أي وإذا كان كل شىء بإذنه وتيسيره ومشيئته التي تجرى بقدره فهو يجعل الإذن وتيسير الإيمان للذين يعقلون آياته ويوازنون بين الأمور، فيختارون خير الأعمال ويتقون شرها، ويرجّحون أنفعها على أضرها بإذنه تعالى وتيسيره، ويجعل الخذلان والخزي المرجح للكفر والفجور على الذين لا يعقلون ولا يتدبرون، إذ هم لخطل رأيهم وسلوك سبيل الهوى يرجحون الكفر على الإيمان والفجور على التقوى.