الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشرط القصر فى الصلاة والإفطار فى رمضان أن يكون السفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشى الأقدام بالاقتصاد فى البر وجرى السفينة والريح معتدلة فى البحر،
لحديث أنس أنه قال حين سئل عن قصر الصلاة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين» رواه أحمد ومسلم وأبو داود،
وقدره الشافعي بمسيرة يومين، وحقق المرحوم أحمد الحسيني بك فى كتابه [دليل المسافر] أن هذه المسافة تقدر بنحو 81 ك م عند الحنفية، وبنحو 89 ك م لدى الشافعية والمالكية والحنابلة، وعلى هذا فالمسافر من القاهرة إلى طنطا فما فوقها يقصر الصلاة عند الحنفية لأن المسافة بينهما 87 ك م وإلى المحطة التي تليها (شبر النملة) لدى المذاهب الثلاثة لأن المسافة بينهما 93 ك م.
كيفية صلاة الخوف
ثم بين سبحانه ما قبله من النص المجمل الوارد فى مشروعية القصر وبيان كيفيته عند الضرورة، وذكر هذا البيان فى القرآن واكتفى فيما عداه بالبيان بطريق السنة لمزيد الحاجة إليه، لما فيه من كثرة التغيير عن الهيئة الأصلية فقال:
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي وإذا كنت أيها الرسول فى جماعتك من المؤمنين وأردت أن تقيم بهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك بعد أن تجعلهم طائفتين، ولتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدوّ يحرسون المصلين خوفا من الاعتداء، وليحمل الذين يقومون معك فى الصلاة أسلحتهم ولا يدعوها وقت الصلاة، لئلا يضطروا إلى المكافحة عقبها مباشرة أو قبل إتمامها فيكونوا مستعدين لها.
(فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) أي فإذا سجد الذين يقومون معك فى الصلاة فليكن الذين يحرسونكم من خلفكم، إذ أحوج ما يكون المصلّى للحراسة حين السجود لأنه لا يرى من يهمّ به.
ويجب حينئذ أن يكون الباقون مستعدين للقيام مقامهم والصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم كما صلوا، وهو قوله:
(وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) أي ولتأت الطائفة الأخرى الذين لم يصلوا لاشتغالهم بالحراسة فليصلوا كما صلت الطائفة الأولى، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم فى الصلاة كما فعل الذين من قبلهم.
وحكمة الأمر بالحذر للطائفة الثانية أن العدوّ قلّما يتنبه أول الصلاة لبدء المسلمين فيها، إذ هو إذا رآهم صفا ظن أنهم قد اصطفوا للقتال واستعدوا للحرب والنزال، فإذا رآهم سجدوا علم أنهم فى صلاة، فيخشى أن يميل على الطائفة الأخرى عند قيامها فى الصلاة كما يتربص ذلك بهم عند كل غفلة.
وقد بين الله تعالى علة الأمر بأخذ الحذر والسلاح حتى فى الصلاة بقوله:
(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) أي تمنى أعداؤكم الذين كفروا بالله وبما أنزل عليكم لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم التي بها بلاغكم فى سفركم بأن تشغلكم صلاتكم عنها فيميلون حينئذ عليكم ويحملون حملة واحدة وأنتم مشغولون بالصلاة واضعون السلاح تاركون حماية المتاع والزاد فيصيبون منكم غرّة فيقتلون من استطاعوا قتله وينتهبون ما استطاعوا نهبه فلا تغفلوا عنهم.
وقد يعرض لبعض المحاربين أعذار يشق فيها حمل السلاح ومن ثم رخص فى تركه لصاحب العذر فقال:
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) أي ولا إثم عليكم فى وضع أسلحتكم إذا أصابكم أذى من مطر تمطرونه فيشق عليكم حمل السلاح مع ثقله فى ثيابكم، وربما أفسد الماء السلاح إذ يجعله يصدأ، أو إذا كنتم مرضى بالجراح أو غير الجراح من العلل، ولكن يجب عليكم فى جميع الأحوال أن تأخذوا حذركم ولا تغفلوا عن أنفسكم ولا عن أسلحتكم وأمتعتكم، فإن عدوكم لا يغفل عنكم ولا يرحمكم، والضرورات تقدر بقدرها.
(إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) بما هداكم إليه من أسباب النصر بأخذ الأهبة والحذر والاعتصام بالصبر والصلاة رجاء ما عند الله من المثوبة والأجر.
فهذا العذاب المهين هو عذاب غلب المسلمين وانتصارهم عليهم إذا قاموا بما أمرهم الله تعالى به، ويؤيده قوله تعالى «فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ» وقوله:«قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ» .
روى البخاري أن هذه الرخصة التي فى الآية نزلت فى عبد الرحمن بن عوف وكان جريحا، وروى أحمد والحاكم والبيهقي عن ابن عياش الزرقي قال «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عسفان فاستقبلنا المشركون وعليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا قد كانوا على حال لو أصبنا غرّتهم ثم قالوا يأتى عليهم الآن صلاة هى أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآيات (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) » الحديث،
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع «أن طائفة صفت مع النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة وجاه العدو (اتجاهه مراقبة له) فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة الثانية التي بقيت من صلاته فأتموا فسلم بهم»
وسميت هذه الغزوة ذات الرقاع، لأنها نقبت أقدامهم فلفوا على أرجلهم الرقاع والخرق.
وقد قال بهذه الصلاة أفقه الصحابة عليهم الرضوان على وابن عباس وابن مسعود وابن عمرو وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو موسى، ومن فقهاء الأمصار مالك والشافعي وغيرهما.
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) أي فإذا أديتم الصلاة على هذه الصورة فاذكروا الله تعالى فى أنفسكم بتذكر وعده بنصر من ينصرونه
فى الدنيا ونيل الثواب فى الآخرة، وبألسنتكم بالحمد والتكبير والدعاء وعلى كل حال تكونون عليها من قيام فى المسابقة والمقارعة، وقعود للرمى أو المصارعة، واضطجاع من الجراح أو المخادعة، فذكر الله مما يقوّى القلوب ويعلى الهمم، ويجعل متاعب الدنيا حقيرة ومشاقها سهلة، والثبات والصبر يعقبهما الفلاح والنصر كما قال تعالى فى سورة الأنفال «إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .
والخلاصة: إننا أمرنا بالذكر على كل حال نكون عليها فى الحرب كما يدل على ذلك السياق، فأجدر بأن نؤمر به فى حال السلم، إلى أن المؤالنين فى جهاد مستمر وحروب دائمة، فهم تارة يجاهدون الأعداء، وأخرى يجاهدون الأهواء، ومن ثم أمرهم الله بالذكر فى كثير من الآي كقوله «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ» لما فى ذلك من تربية النفس وصفاء الروح وتذكر جلال الله وعظمته، وأن كل شىء هيّن فى سبيله وابتغاء مرضاته.
وقد روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها جزاء معلوما، ثم عذر أهلها فى حال العذر، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدا ينتهى إليه ولم يعذر أحدا فى تركه، إلا مغلوبا على عقله فقال: فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم: أي بالليل والنهار فى البر والبحر، وفى السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال اه.
(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الاطمئنان: السكون بعد اضطراب وانزعاج: أي فإذا سكنت قلوبكم من الخوف وأمنتم بعد أن تضع الحرب أوزارها فأدوا الصلاة بتعديل أركانها ومراعاة شرائطها ولا تقصروا من هيئتها كما أذن لكم حال الخوف.
ثم علل وجوب المحافظة على الصلاة حتى فى وقت الخوف ولو مع القصر منها فقال (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) يقال وقت العمل يقته ووقته توقيتا إذا جعل له وقتا يؤدّى فيه: أي إن الصلاة كانت فى حكم الله فرضا مؤكدا فى أوقات