المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثلاثين جزءا جعلوهما أول الجزء الخامس، مراعاة للفظ دون المعنى - تفسير المراغي - جـ ٥

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة النساء]

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 24 الى 25]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 39]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 47]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 48 الى 50]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 55]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 56 الى 57]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 68]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 74 الى 76]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 77 الى 79]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 80 الى 82]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 83]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 85 الى 87]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 88 الى 91]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 92 الى 93]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌السبب فى شرع الهجرة فى صدر الإسلام

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 101 الى 103]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌صلاة القصر فى السفر وشرطها

- ‌كيفية صلاة الخوف

- ‌[سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 113]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 122]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 123 الى 126]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 135 الى 136]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 141]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: ثلاثين جزءا جعلوهما أول الجزء الخامس، مراعاة للفظ دون المعنى

ثلاثين جزءا جعلوهما أول الجزء الخامس، مراعاة للفظ دون المعنى إذ لو راعوه لجعلوا أول الخامس «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» .

‌الإيضاح

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي وحرم عليكم نكاح المتزوجات إلا ما ملكت الأيمان بالسبي فى حروب دينية تدافعون بها عن دينكم، وأزواجهن كفار فى دار الكفر، وقد رأيتم من المصلحة ألا تعاد السبايا إلى أزواجهن، فحينئذ ينحل عقد زوجيتهن ويكنّ حلالا لكم بالشروط المعروفة فى كتب الفقه وحكمة هذا أنه لما كان الغالب فى الحروب أن يقتل بعض أزواجهن ويفرّ بعضهم الآخر ولا يعود إلى بلاد المسلمين، وكان من الواجب كفالة هؤلاء السبايا بالإنفاق عليهن ومنعهن من الفسق- كان من المصلحة لهن وللمجتمع أن يكون لكل واحدة منهن أو أكثر كافل يكفيها البحث عن الرزق أو بذل العرض، وفى هذا ما لا يخفى من الشقاء على النساء.

والإسلام لم يفرض السبي ولم يحرمه، لأنه قد يكون من الخير للسبايا أنفسهنّ فى بعض الأحوال كما إذا استأصلت الحرب جميع الرجال من قبيلة محدودة العدد.

فإن رأى المسلمون أن من الخير أن تردّ السبايا إلى قومهن جازلهم ذلك عملا بقاعدة (درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح) فإن كانت الحرب لمطامع الدنيا وحظوظ الملوك فلا يباح فيها السبي.

وقوله: من النساء قيد جىء به لإفادة التعميم، وبيان أن المراد كل متزوجة لا العفيفات ولا المسلمات.

وقد جاء الإحصان فى القرآن لأربعة معان:

1) التزوج كما فى هذه الآية.

2) العفة كما فى قوله: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) .

ص: 5

3) الحرية كما فى قوله: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) :

4) الإسلام كما فى قوله: (فَإِذا أُحْصِنَّ) أي: أسلمن.

أخرج مسلم عن أبى سعيد الخدري أنه قال أصبنا سبيا يوم (أو طاس) ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فاستحللناهن.

وقال الحنفية إن من سبى معها زوجها لا تحل لغيره، إذ لا بد من اختلاف الدار بين الزوجين دار الإسلام ودار الحرب.

(كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أي كتب عليكم تحريم هذه الأنواع كتابا مؤكدا وفرضه فرضا ثابتا محكما لا هوادة فيه، لأن مصلحتكم فيه ثابتة لا يدخلها شك ولا تغيير (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي وأحل الله لكم ما وراء ذلكم مما هو خارج من مدلول اللفظ وإفادته ولا يتناوله بنص أو دلالة، فيدخل بطريق الدلالة فى الأمهات الجدات، وفى البنات بنات الأولاد، وفى الجمع بين الأختين الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها كما يؤخذ بعض المحرمات من آيات أخرى كتحريم المشركات، والمطلقة ثلاثا على مطلّقها فى سورة البقرة.

(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة، محصنين أنفسكم وما نعين لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منكما بالآخر، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليزدوجا وينتجا.

فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أىّ مذهب، فيتصل كل ذكر بأى امرأة وكل امرأة بأى رجل، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة فى سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة، إذ المصلحة تدعو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين، لتتكوّن بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما.

ص: 6

فإذا انتفى هذا المقصد انحصرت الداعية الفطرية فى سفح الماء وصبه، وذلك هو البلاء العام الذي تصطلى بناره الأمة كلها، فإن بعض الدول الأوربية التي كثر فيها السفاح وقل النكاح بضعف الدين وقف نموها وقل نسلها وضعفت حتى اضطرت إلى الاعتزاز بمخالفة بعض الدول الأخرى.

والاسترقاق المعروف فى هذا العصر فى بلاد السودان وبلاد الحجاز وبلاد الجراكسة غير شرعى، وهو محرم لأن أولئك اللواتى تسترفقن حرائر من بنات المسلمين الأحرار، فلا يجوز الاستمتاع بهن بغير عقد النكاح، والإسلام برىء من كل هذا، (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) أي وأىّ امرأة من النساء اللواتى أحللن لكم، تزوجتموها فأعطوها الأجر، وهو المهر بعد أن تفرضوه فى مقابلة ذلك الاستمتاع.

وسر هذا أن الله لما جعل للرجل على المرأة حق القيام وحق رياسة المنزل الذي يعيشان فيه وحق الاستمتاع بها- فرض لها فى مقابلة ذلك جزاء وأجرا تطيب به نفسها ويتم به العدل بينها وبين زوجها.

والخلاصة- إن أي امرأة طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تتفقون عليه عند العقد، فريضة فرضها الله عليكم، وذلك أن المهر يفرض ويعين فى عقد النكاح ويسمى ذلك إيتاء وإعطاء، ويقال عقد فلان على فلانة وأمهرها ألفا كما يقال فرض لها ألفا، ومن هذا قوله تعالى:«وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً» وقوله:

«ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً» فالمهر يتعين بفرضه فى العقد ويصير فى حكم المعطى، وقد جرت العادة بأن يعطى كله أو أكثره قبل الدخول، ولكن لا يجب كله إلا بالدخول، فمن طلق قبله وجب عليه نصفه لا كله، ومن لم يعط شيئا قبل الدخول وجب عليه كله بعده.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي ولا تضييق عليكم إذا تراضيتم على النقص فى المهر بعد تقديره أو تركه كله أو الزيادة فيه، إذ ليس الغرض

ص: 7

من الزوجية إلا أن يكونا فى عيشة راضية يستظلان فيها بظلال المودة والرحمة والهدوء والطمأنينة، والشارع الحكيم لم يضع لكم إلا ما فيه سعادة الفرد والأمة، ورقي الشؤون الخاصة والعامة.

(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) وقد وضع لعباده من الشرائع بحكمته ما فيه صلاحهم ما تمسكوا به، ومن ذلك أنه فرض عليهم عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب، وفرض على من يريد الاستمتاع بالمرأة مهرا يكافئها له على قبولها قيامه ورياسته عليها، ثم أذن للزوجين أن يعملا ما فيه الخير لهما بالرضا فيحطا المهر كله أو بعضه أو يزيدا عليه.

ونكاح المتعة (وهو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر) كان مرخّصا فيه فى بدء الإسلام، وأباحه النبي لأصحابه فى بعض الغزوات لبعدهم عن نسائهم، فرخص فيه مرة او مرتين خوفا من الزنا فهو من قبيل ارتكاب أخفّ الضررين، ثم نهى عنه نهيا مؤبدا، لأن المتمتّع به لا يكون مقصده الإحصان، وإنما يكون مقصده المسافحة، وللأحاديث المصرّحة بتحريمه تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، ولنهى عمر فى خلافته وإشادته بتحريمه على المنبر وإقرار الصحابة له على ذلك.

ومنع نكاح المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق، ولكن الفقهاء أجازوه إذا نواه الرجل ولم يشترطه فى العقد، وإن كان كتمانه يعد حداعا وغشا وعبثا بهذه الرابطة العظيمة التي هى أعظم الروابط البشرية، وإيثارا للتنقل فى مراتع الشهوات، إلى ما يترتب على ذلك من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة بين الزوجين حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج الإحصان والتعاون على تأسيس البيت الصالح والعيشة السعيدة.

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) المحصنات: هنا الحرائر خاصة بدليل مقابلتها بالإماء، والحرية كانت عندهم داعية الإحصان، كما كان البغاء من شأن الإماء، ومن ثم قالت هند للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التعجب: أو تزنى الحرّة؟ وعبر عن الإماء بالفتيات

ص: 8

تكريما لهن وإرشادا لنا إلى ألا ننادى بالعبد والأمة بل بلفظ الفتى والفتاة،

وقد روى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم «لا يقولنّ أحدكم عبدى أمي، ولا يقل المملوك ربى، ليقل المالك فتاى وفتاتى، وليقل المملوك سيدى وسيدتى، فإنكم المملوكون، والرب هو الله عز وجل» .

والمعنى- ومن لم يستطع منكم طولا فى الحال أو المآل نكاح المحصنات اللواتى أحلّ لكم أن تتغوا نكاحهن بأموالكم وتقصدوا بنكاحهن الإحصان لهن ولانفسكم فلينكح أمة من الإماء المؤمنات، والطّول (هو السعة المعنوية أو المادية) تختلف باختلاف الأشخاص، فقد يعجز الرجل عن التزوج بحرة وهو ذو مال يقدر به على المهر لنفور النساء منه لعيب فى خلقه أو خلقه، وقد يعجز عن القيام بغير المهر من حقوق المرأة الحره، فإن لها حقوقا كثيرة من النفقة والمساواة وغير ذلك، وليس للأمة مثل هذه الحقوق.

وقد قدّر الحنفية المهر بدراهم معدودة، فقال بعضهم: ربع دينار، وقال بعضهم:

عشرة دراهم.

وليس فى الكتاب ولا فى السنة ما يؤيد هذا التحديد،

فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن يريد الزواج «التمس ولو خاتما من حديد»

وروى أن بعض المسلمين تزوج امرأة وجعل المهر تعليمها شيئا من القرآن.

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي فأنتم أيها المؤمنون إخوة فى الإيمان بعضكم من بعض كما قال: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فلا ينبغى أن تعدوا نكاح الأمة عارا عند الحاجة إليه.

وفي هذا إشارة إلى أن الله قد رفع شأن الفتيات المؤمنات وساوى بينهن وبين الحرائر، وهو العليم بحقيقة الإيمان ودرجة قوته وكماله، فرب أمة أكمل إيمانا من حرة فتكون أفضل منها عند الله «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» .

(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الأهل هنا الموالي المالكون لهن، أي فإذا أحببتم نكاحهن ورغبتم فيه، لأن الإيمان قد رفع من قدرهن فانكحوهن بإذن موالهن

ص: 9

وقال بعض الفقهاء: المراد من الأهل من لهم عليهن ولاية التزويج ولو غير المالكين كالأب والجد والقاضي والوصي، إذ لكل منهم تزويج أمة اليتيم.

(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وأدوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن، إذ أن المهر هو حق المولى، لأنه بدل عن حقه فى إباحة الاستمتاع بها، وقال مالك: المهر حق للزوجة على الزوج وإن كانت أمة فهو لها لا لمولاها، وإن كان الرقيق لا يملك شيئا لنفسه لأن المهر حق الزوجة تصلح به شأنها ويكون تطييبا لنفسها فى مقابلة رياسة الزوج عليها، وسيد الأمة مخير بين أن يأخذه منها بحق الملك، أو يتركه لها لتصلح به شأنها وهو الأفضل والأكمل.

ومعنى قوله: (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالمعروف بينكم فى حسن التعامل ومهر المثل وإذن الأهل.

(مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أي أعطوهن أجورهن حال كونهن متزوجات منكم لا مستأجرات للبغاء جهرا وهن المسافحات، ولا سرّا وهن متخذات الأخدان والأصحاب.

وقد كان الزنا فى الجاهلية قسمين: سرى وعلنى، فالسرى يكون خاصا فيكون للمرأة خدن يزنى بها سرا ولا تبذل نفسها لكل أحد، والعلنى يكون عاما وهو المراد بالسفاح قاله ابن عباس.

وكان البغايا من الإماء ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن، ولا تزال هذه العادة متبعة إلى الآن فى بلاد السودان، فتوجد بيوت خاصة لشراب الذرة (المريسة) وفيها البغاء العلنى.

وروى عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرّمون ما ظهر من الزنا ويقولون إنه لؤم، ويستحلون ما خفى ويقولون: إنه لا بأس به، وقد نزل فى تحريم هذين النوعين قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ» .

ص: 10

وهذان النوعان فاشيان الآن فى بلاد الإفرنج والبلاد التي تقلدهم فى شرورهم كمصر والآستانة وبعض بلاد الهند.

وقصارى القول: إن الله فرض فى نكاح الإماء مثل ما فرض فى نكاح الحرائر من الإحصان والعفة لكل من الزوجين، لكن جعل الإحصان وعدم السفاح فى نكاح الحرائر من قبل الرجال أولا وبالذات فقال (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) لأن الحرائر ولا سيما الأبكار أبعد من الرجال عن الفاحشة وأقل انقيادا لطاعة الشهوة، إلى أن الرجال هم الطالبون للنساء والقوّامون عليهن.

وجعل قيد الإحصان فى جانب الإماء، فاشترط على من يريد أن يتزوج أمة أن يتحرى فيها أن تكون محصنة مصونة فى السر والجهر فقال (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) وذلك أن الزنا كان غالبا فى الجاهلية على الإماء وكانوا يشترونهن للاكتساب ببغائهن حتى إن عبد الله بن أبىّ كان يكره إماءه على البغاء بعد أن أسلمن فنزل فى ذلك:«وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا» .

إلى أنهن لذلّهن وضعفهن وكونهن مظنّة للانتقال من يد إلى أخرى- لم تمرّن نفوسهن على الاختصاص برجل واحد يرى لهن عليه من الحقوق ما تطمئنّ به نفوسهن فى الحياة الزوجية التي هى من شؤون الفطرة.

(فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أي إن الإماء إذا زنين بعد إحصانهن بالزواج فعليهن من العقاب نصف ما على المحصنات الكاملات وهن الحرائر إذا زنين، وهذا العقاب ما بينه سبحانه بقوله «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» فتجلد الأمة المتزوجة خمسين جلدة، وتجلد الحرة مائة.

والسر فى هذا ما قدمناه فيما سلف وهو كون الحرة أبعد عن داعية الفاحشة، والأمة ضعيفة عن مقاومتها، فرحم الله ضعفها، وخفف العقاب عنها، وقد قيدوا المحصنات

ص: 11

هنا بكونهن أبكارا، لأن من تزوجت تسمى محصنة بالزواج وإن آمت بطلاق أو بموت زوجها وحينئذ ترجم بالحجارة إذا زنت.

وفى الصحيحين وغيرهما عن عمر رضي الله عنه: أن الرجم فى كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز الأسلمىّ والغامديّة لاعترافهما بالزنا، لكنه أرجأ المرأة حتى وضعت وأرضعت وفطمت ولدها رواه مسلم وأبو داود (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) أي ذاك الذي ذكر لكم من إباحة نكاح الإماء عند العجز عن الحرائر جائز لمن خشى عليه الضرر من مقاومة دواعى الفطرة، والتزام الإحصان والعفة، ففى كثير من الأحيان تفضى هذه المقاومة إلى أعراض عصبية وغير عصبية إذا طال العهد على مقاومتها كما أثبت ذلك الطبّ الحديث.

(وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي وصبركم عن نكاح الإماء خير لكم من نكاحهن لما فى ذلك من تربية قوة الإرادة، وتنمية ملكة العفة، وتغليب العقل على عاطفة الهوى ومن عدم تعريض الولد للرقّ، وخوف فساد أخلاقه، بإرثه منها المهانة والذلة، إذ هى بمنزلة المتاع والحيوان، فربما ورث شيئا من إحساسها ووجدانها وعواطفها الخسيسة.

وروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه، وإذا نكح الحر الأمة فقد أرقّ نصفه، ورحم الله القائل:

إذا لم تكن فى منزل المرء حرة

تدبّره ضاعت مصالح داره

وسر هذا ما شرحناه من قبل من أن معنى الزوجية حقيقة واحدة مركبة من ذكر وأنثى، كل منهما نصفها، فهما شخصان صورة، واحد اعتبارا بالإحسان والشعور والوجدان والمودة والرحمة، ومن ثم ساغ أن يطلق على كل منهما لفظ (زوج) لاتحاده بالآخر وإن كان فردا فى ذاته ومستقلا فى شخصه.

(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فهو غفار لمن صدرت منه الهفوات، كاحتقار الإماء المؤمنات، والطعن فيهن عند الحديث فى نكاحهن، وعدم الصبر على معاشرتهن بالمعروف، وسوء

ص: 12