الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعين فى قوله «وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ» إما إزالة نورها وإما محو حدقتها، والوجه تارة يراد به الوجه المعروف، وتارة وجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد كما قال تعالى «أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ» وقال «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ» وقال «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» والأدبار واحدها دبر، وهو الخلف والقفا، والارتداد: هو الرجوع إلى الوراء، إما فى الحسيات وإما فى المعاني، ومن الأول الارتداد والفرار فى القتال، ومن الثاني قوله «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ» ونلعنهم: نهلكهم، كما لعنا أصحاب السبت، أي كما أهلكنا أصحاب السبت، وقيل مسخهم الله وجعلهم قردة وخنازير كما أخرجه ابن جرير عن الحسن.
المعنى الجملي
بعد أن نعى على أهل الكتاب فى الآية السالفة اشتراءهم الضلالة بالهدى بتحريفهم بعض الكتاب وإضاعة بعضه الآخر- ألزمهم هنا بالعمل بما عرفوا وحفظوا بأن يؤمنوا بالقرآن، ذلك أن إيمانهم بالتوراة يستدعى الإيمان بما يصدّقها، وحذّرهم من مخالفة ذلك، وتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي أيها اليهود والنصارى آمنوا بالكتاب الذي جاء مصدقا لما معكم، من تقرير التوحيد والابتعاد عن الشرك، وما يقوّى ذلك الإيمان من ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتلك هى أصول الدين وأركانه، والمقصد الأسمى من إرسال جميع الرسل، ولا خلاف بينهم فى ذلك، وإنما الخلاف فى التفاصيل وطرق حمل الناس عليها، وهدايتهم بها، وترقيتهم فى معارج الفلاح بحسب السنن التي وضعها الله فى ارتقاء البشر، بتعاقب الأجيال، واختلاف الأزمان.
انظر إلى الحكومات المختلفة المتعاقبة تجد أن رائدها العدل، ولكن الوسائل الموصلة إليه تختلف باختلاف الأمم والبيئة والزمان والمكان، فتغيير الحاكم الجديد لبعض ما كان عليه من قبله ليس ببدع ولا مستنكر إذا كان مقصده إقامة ميزان العدل فيما بين الناس، وحينئذ يسمى مصدقا لما قبله، لا مكذبا ولا مخالفا.
والقرآن قرر نبوة داود وسليمان وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام فيما جاءوا به ووبّخ المدعين اتباعهم على إضاعتهم بعض ما جاءوا به وتحريف بعضه الآخر، وعلى عدم الاهتداء والعمل بما هو محفوظ عندهم، حتى إن أكثرهم هدموا الأسس التي جاء بها الأنبياء، ومن أعظمها التوحيد، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) أي آمنوا قبل أن يحل بكم العقاب من طمس الوجوه والرد على الأدبار: أي من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التي توجهتم بها من كيد الإسلام، ونردها خاسرة إلى الوراء بإظهار الإسلام ونصره عليكم، وقد كان لهم عند نزول الآية شىء من المكانة والقوة والعلم والمعرفة.
وجعل بعضهم الرد على الأدبار حسيا فقال: نردهم على أدبارهم بالجلاء إلى فلسطين والشام، وهى بلادهم التي جاءوا منها.
وخلاصة المعنى- آمنوا قبل أن نعمّى عليكم السبيل بما نبصّر المؤمنين بشؤونكم ونغريهم بكم، فتردّوا على أدباركم بأن يكون سعيكم إلى غير الخير لكم.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أي آمنوا قبل أن تقعوا فى الخيبة والخذلان وذهاب العزة باستيلاء المؤمنين عليكم وإجلائكم من دياركم كما حدث لطائفة منكم، أو بالهلاك كما وقع بقتل طائفة أخرى وهلاكها.
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
(وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) المراد من الأمر الأمر التكوينىّ المعبر عنه بقوله عز من قائل «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» أي إنما أمره بإيقاع شىء ما