الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بالعدل والإحسان إلى اليتامى والمساكين، بين أنه ما أمر بهذه الأشياء لاحتياجه إلى أعمال العباد، لأن كل ما فى السموات والأرض ملكه فهو مستغن عنهم وقادر على إثابتهم على طاعته فيما شرعه لخيرهم ومصلحتهم، بل ليزدادوا بتدبرها إيمانا يحملهم على العمل بها والوقوف عند حدودها.
الإيضاح
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا، فهو وحده مدبر الأكوان، فلا يتعذر عليه الإغناء بعد الفقر ولا الإيناس بعد الوحشة إلى نحو هذا مما ينبىء بعظيم القدرة وكمال الجود والإحسان.
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) أي ولقد أمرنا من قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم من سالف الأمم كما أمرناكم بتقوى الله فى إقامة سننه وإقامة شريعته، فبالأولى ترقى معارفكم، وبالثانية تزكو نفوسكم وتنتظم مصالحكم الدينية والدنيوية.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي وإن تكفروا أنعم الله وتجحدوا فضله وإحسانه فاعلموا أنه سبحانه مالك الملك والملكوت لا يضره كفركم ومعاصيكم كما لا ينفعه شكركم وتقواكم، وقد وصاكم وإياهم بهما لرحمته لا لحاجته.
ثم زاد ما سلف توكيدا فقال:
(وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً) أي وكان الله غنيا عن كل شىء بذاته. محمودا بذاته
وكمال صفاته، فهو لا يحتاج إلى شكركم لتكميل نفسه «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»
ثم أعاد ما سلف لزيادة التوكيد فقال:
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي له سبحانه ما فيهما خلقا وملكا يتصرف فيهما كيفما شاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة، وكفى به قيّما وكفيلا يوكّل به أمر العباد فى أرزاقهم وأقواتهم وسائر شؤونهم.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) أي إن يرد إفناءكم واستئصالكم من الوجود وإيجاد قوم آخرين من البشر يحلون محلكم فى الحكم والتصرف فهو قادر على ذلك، لأن كل ما فى السموات والأرض فهو تحت قبضته وخاضع لسلطانه.
والخلاصة- إن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولأن مشيئته لم تتعلق بهذا الإفناء لحكم ومصالح أرادها سبحانه، لا لعجز عن ذلك، تعالى الله علوا كبيرا.
ومثل هذه الآية قوله تعالى «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» وقوله «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ» .
وفى هذه الآيات تهديد للمشركين الذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقاومون دعوته، وتنبيه للناس إلى التأمل فى سنن الله التي جرت فى حياة الأمم وموتها، وإن هذه السنن إذا تعلقت بها المشيئة وقعت لا محالة.