المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(3) ما هو إدراكات نفسية خفية تصل إلى مرتبة العلم - تفسير المراغي - جـ ٧

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة المائدة]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 96]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 97]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 98 الى 100]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 102]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 115]

- ‌تفسير المفردات

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الأنعام

- ‌مناسبة هذه السورة لما قبلها

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 9]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 10 الى 11]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 19]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 20 الى 24]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 26]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 30 الى 32]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 35]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 37]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 38 الى 39]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 55]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 59 الى 62]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 64]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 67]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 83]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 107]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 108 الى 110]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: (3) ما هو إدراكات نفسية خفية تصل إلى مرتبة العلم

(3)

ما هو إدراكات نفسية خفية تصل إلى مرتبة العلم كالفراسة والإلهام، وأكثر هذا النوع هواجس تلوح للنفس ولا يجزم بها الإنسان إلا بعد وقوعها. والأعمى والبصير: هنا الضال والمهتدى، والإنذار: العظة والتخويف، الطرد: الإبعاد، والغداة والغدوة كالبكرة: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشى: آخر النهار أو من المغرب إلى العشاء: وحسابهم: أي حساب إيمانهم وأعمالهم الباطلة. وفتنا: أي ابتلينا واختبرنا: ومن بيننا: أي من دوننا. منّ الله عليهم: أي أنعم عليهم بنعم كثيرة.

‌المعنى الجملي

كان الكلام فى الآيات السالفة فى بيان أركان الدين وأصول العقائد، وهى:

توحيد الله عز وجل، ووظيفة الرسل عليهم السلام، والجزاء على الأعمال يوم الحساب.

وهنا ذكر وظيفة الرسل العامة بتطبيقها على خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه، وأزال أوهام الناس فيها، وأرشد إلى أمر الجزاء فى الآخرة وكون الأمر فيه لله تعالى وحده على وجه يزيد عقيدة التوحيد تقريرا وتأكيدا، وبيانا وتفضيلا.

‌الإيضاح

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) أي قل أيها الرسول الذي بعث كما بعث غيره من الرسل مبشرا من أجاب دعوته بحسن الثواب، ومنذرا من لم يقبلها بسوء العقاب، لهؤلاء المكذبين لك بغير علم يميزون به بين شئون الألوهية وحقيقة النبوة، فيقترحون عليك من الآيات الكونية ما يعلمون أنه ليس فى مقدور البشر. فهم إما أن يقولوه تعجيزا، وإما أن يظنوا أن الإنسان لا يكون رسولا إلا إذا خرج من حقيقة البشرية وصار قادرا على ما لا يقدر عليه البشر وعالما بكل ما يعجز عن علمه البشر: لا أقول لكم عندى خزائن الله، أتصرف بما خزنه وحفظه فيها من أرزاق العباد وشئون المخلوقات. فكل هذا لله وحده يتصرف

ص: 130

فيه بما يشاء، فيعطى لعباده من خزائنه بحسب ما أوتى كل منهم من الاستعداد فى دائرة ارتباط الأسباب بالمسببات، ولا يقدر أحد أن يتجاوز ذلك إلى مالم يؤته ولم يصل إليه استعداده.

فالتصرف المطلق إنما هو لله القادر على كل شىء، وليس من موضوع الرسالة أن يكون الرسول المبلّغ عنه أمر الدين قادرا على ما لا يقدر عليه البشر من التصرف فى المخلوقات بالأسباب فضلا عن التصرف بغير سبب مما طلبه المشركون منه وجعلوه شرطا للإيمان به كتفجير الينابيع والأنهار فى أرض مكة، وإيجاد الجنات والبساتين فيها، وإسقاط السماء عليهم كسفا، والإتيان بالله والملائكة قبيلا.

فإن قال قائل: إن الله أثبت علم الغيب المتعلق بالرسالة للرسل عليهم السلام كقوله فى سورة الجن: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» فكيف أمره هنا أن يتنصل من ادعاء علم الغيب؟.

وجوابه- أن إظهار شىء خاص من عالم الغيب على يدى الرسل- لا يجعل ذلك داخلا فى علومهم الكسبية. فإن الوحى ضرب من العلم الضروري يجده النبي فى نفسه حينما يظهره الله عليه، فإذا حبس عنه لم يكن له قدرة ولا وسيلة كسبية للوصول إليه، يؤيد ذلك ما جاء فى فترات الوحى فى السيرة النبوية، وقد يكون توجه قلب الرسول إلى الله تعالى فى بعض الحوادث مقدمة لنزول الوحى فى الحكم الذي طلب من ربه بيانه- يرشد إلى ذلك قوله تعالى:«قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها» .

والخلاصة- إن الأنبياء لم يعطوا علم الغيب بحيث يكون إدراكه من علومهم المكتسبة، كذلك لم يعطوا التصرف فى خزائن ملك الله، فلم يمكّنهم مالم يمكّن البشر من أسبابه حتى يكون من كسبهم وعملهم، ولا هو أعطاهم ذلك على سبيل الخصوصية.

ونفى الدعاء الرسول من الأمرين يتضمن التبرؤ من ادعاء الألوهية أو ادعاء شىء من صفات الإله القادر على كل شىء، العليم بكل شىء، ويتضمن جهل المشركين حقيقة

ص: 131

الألوهية وحقيقة الرسالة، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلا من له التصرف فيما وراء الأسباب، وطلبوا منه الإخبار بما يكون فى الزمان المستقبل ولا يعلمه إلا من كان علم الغيب صفة له كسائر الصفات. فقد سألوه عن وقت الساعة، وعن وقت نزول العذاب بهم، وعن وقت نصر الله تعالى له عليهم.

وإذا علمت أن الأنبياء لم يؤتوا ذلك فأحر بمن دونهم منزلة عند الله من القديسين والأولياء المقرّبين ألا يكون لهم ذلك، فادعاؤه لهم جهل عظيم وإثم كبير، ولا ينبغى التحدث به لا بين العامة ولا بين الخاصة. كما يجب محوه من الأذهان لدى الجاهلين بسنن الله فى الأكوان.

ثم أمره أن يبين وظيفة الرسول فقال:

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) أي قل لهم: ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلا وحي الله الذي يوحيه إلىّ وتنزيله الذي ينزله علىّ، فأمضى لوحيه وأعمل بأمره، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة على صحة ما أقول وليس ذلك بالمنكر فى عقولكم، ولا بالمستحيل وجوده، فما وجه إنكاركم لذلك؟.

ثم وبخهم على ضلالهم فأمر رسوله أن يبين لهم أن الضال والمهتدى ليسا سواء فقال:

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي قل لهؤلاء المشركين المكذبين: هل يستوى أعمى البصيرة الضالّ عن الصراط المستقيم الذي دعوتكم إليه، فلم يميز بين التوحيد والشرك، ولا بين صفات الله وصفات البشر، وذو البصيرة المهتدى إليه، المستقيم فى سيره عليه بالحجة والبرهان حتى صار ذلك فى مرآة قلبه أوضح مما ترى العينان، وتسمع الأذنان.

والخلاصة- إنهما لا يستويان. كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.

(أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) فيما أذكر لكم من الحجج فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإسلام، وتعقلوا ما فى القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل؟ فهل يكون ذلك فى مقدورى

ص: 132

وقد لبثت فيكم عمرا من قبل عاطلا من هذه المعرفة، وتلك البلاغة الساحرة، وذلك البيان الخلاب؟

وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته، أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء فقال:

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي وأنذر بما يوحى إليك- المؤمنين بالله الذين يخافون أهوال الحشر وشدة الحساب وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله فى ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة: «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» يوم لا ولى ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله.

فهؤلاء المؤمنون هم الذين يرجى أن يتّقوا الله اهتداء بهداك وخوفا من إنذارك ويتحرّوا ما يؤدى إلى مرضاته، لا يصدهم عن ذلك اتكال على الأولياء ولا اعتماد على الشفعاء، علما منهم أن الشفاعة لله جميعا:«ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ» .

كما أنهم يستيقنون أن نجاتهم إنما تكون بإيمانهم وأعمالهم وتزكيتهم لأنفسهم لا بانتفاعهم بصلاح غيرهم أو شفاعة الشافعين لهم، كما هو حال المشركين الذين جهلوا أن مدار السعادة فى الدنيا والآخرة مرتبط بتزكية النفس وطهارتها بالإيمان الصحيح والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة لا على أمر خارج عن النفس لا تأثير له فيها.

والآية بمعنى قوله تعالى: «إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ» وقوله: «إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ» .

ثم نهى رسوله أن يطيع المترفين من كفار قريش فى شأن المؤمنين المستضعفين فقال:

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي ولا تطرد أيها الرسول هؤلاء المؤمنين الموحّدين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى أي أول

ص: 133

النهار وآخره، أو المراد عامة الأوقات إذ يقال هو يفعل كذا صباحا ومساء: إذا كان مداوما عليه.

والدعاء إما الصلاة، وقد كان فى أول الإسلام صلاتان إحداهما فى الصباح والأخرى فى المساء، وإما الأعم الشامل للدعاء الحقيقي والصلاة والقرآن المشتملين عليه.

وقوله: يريدون وجهه: أي يدعون ربهم فى هذين الوقتين مريدين بهذا الدعاء ابتغاء مرضاته تعالى: أي يتوجهون إليه وحده مخلصين له الدين، فلا يشركون معه أحدا ولا يرجون من غيره على الدعاء ثوابا. وهو كقوله:«إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً» .

روى أحمد وابن جرير والطبراني فى جماعة آخرين عن عبد الله بن مسعود قال: «مرّ الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمّار وخبّاب ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك: فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فأنزل الله فيهم القرآن:(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ- إلى قوله- أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: مشى عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وقرظة بن عمرو والحارث بن عامر فى أشراف الكفار من بنى عبد مناف إلى أبى طالب فقالوا له: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد فإنهم عبيدنا وعسفاؤنا.

(واحدهم عسيف، وهو الأجير) كان أعظم له فى صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه، فذكر ذلك أبو طالب للنبى صلى الله عليه وسلم (فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت يا رسول الله حتى تنظر ما يريدون بقولهم وما يصيرون إليه من أمرهم) . فأنزل الله: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ- إلى قوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) .

قال وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة. وصبيحا مولى أسيد،

ص: 134

ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين ومرثد بن أبي مرثد وأشباههم ونزلت فى أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: «وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا» الآية. فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر فأنزل الله: «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا» الآية.

والعبرة من هذا أن أول أتباعه كانوا كأتباع من تقدمه من الرسل صلوات الله عليهم من الضعفاء والفقراء، وأن أعداءه هم المترفون من الرؤساء والسادة كأعدائهم وأنهم كانوا يحتقرون السابقين إلى الإيمان ويذمونهم ويعدون أنفسهم معذورين بعدم رضاهم بمساواتهم بل قد اقترحوا على الرسل طردهم وإبعادهم كما فى هذه الآية وكما فى قوله فى سورة هود حاكيا قول الأشراف من قوم نوح عليه السلام:«وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ» وقوله لهم: «وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ» .

(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ) أي ما عليك شىء من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى، كما أنه ليس عليهم شىء من أمر حسابك على أعمالك، حتى يكون هذا أو ذاك سببا فى طردك إياهم بإساءتهم فى عملهم أو فى محاسبتك على عملك، فإن الطرد جزاء والجزاء إنما يكون على سيىء الأعمال ولا يثبت ذلك إلا بالحساب. والمؤمنون ليسوا بعبيد للرسل ولا أعمالهم الدينية لهم، بل هى لله يريدون بها وجهه لا أوجه الرسل، وحسابهم عليه تعالى لا عليهم، والرسل هداة مرشدون، لا أرباب مسيطرون:«فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» وإذا لم يكن للرسل حق السيطرة على الناس ومحاسبتهم على أعمالهم الدينية، فأجدر بالناس ألا يكون لهم هذا الحق على أنبيائهم.

(فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي لا تطرد هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى فتكون بطردك إياهم فى زمرة الظالمين معدودا من جنسهم، لأن الطرد لا يكون حقا إلا على الإساءة فى الأعمال التي يعملونها لمن له حق حسابهم وجزائهم عليها، ولست

ص: 135

أنت بصاحب هذا الحق حتى تجرى فيه على صراط العدل، فإن عملهم هو عبادة الله وحده، فحسابهم وجزاؤهم عليه كما قال نوح عليه السلام:«إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ» .

والخلاصة- إن هذه الآية الكريمة أفادت:

(1)

أن الرسول لا يملك التصرف فى الكون.

(2)

أنه لا يعلم الغيب.

(3)

أنه ليس بملك.

(4)

أنه لا يملك حساب المؤمنين ولا جزاءهم.

ثم بين أن مقال المشركين فى شأن المستضعفين ابتلاء من الله وفتنة فقال:

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي ومثل ذلك الفتن أي الابتلاء والاختبار، فتنا بعضهم ببعض: أي جعلنا بحسب سنتنا فى غرائز البشر وأخلاقهم- بعضهم فتنة لبعض تظهر به حقيقة حاله، كما يظهر للصائغ حقيقة الذهب والفضة بفتنتهما بالنار.

(لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟) أي لتكون العاقبة أن يقول المفتونون من الأقوياء فى شأن الضعفاء من المؤمنين: أهؤلاء الصعاليك من العبيد والموالي والفقراء والمساكين خصهم الله بهذه النعمة العظيمة من جملتنا أو من مجموعنا؟.

والخلاصة- إن ذلك لن يكون، لأنهم هم المفضّلون عند الله بما آتاهم من غنى وثروة وجاه وقوة، فلو كان هذا الدين خيرا لمنحهم إياه دون هؤلاء الضعفاء كما أعطاهم من قبل الجاه والثروة، وقد حكى الله عنهم مثل هذا بقوله:«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ» .

ثم رد عليهم مقالتهم الدالة على العتوّ والاستكبار بقوله:

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي إن المستحقّ لمنّ الله وزيادة نعمه إنما هو من يقدّرها قدرها، ويعرف حق المنعم بها فيشكره عليها، لا من سبق الإنعام عليه فكفر وبطر وعتا واستكبر.

ص: 136