الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إذا لم يكن له بد من الإيمان بأن القرآن من عند الله، ومن الاهتداء به، فأكمل الناس إيمانا بالدار الآخرة وما فيها من الجزاء وهو محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعرّض نفسه لمنتهى الظلم الذي يستحق عليه أشد العذاب.
الإيضاح
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله كالذين قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء، أو جعل لله شريكا أو ولدا.
(أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) كمسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة باليمامة، والأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن، وطليحة الأسدى الذي ادعى النبوة فى بنى أسد، ونحوهم من كل من ادعى ذلك أو يدعيه فى أي زمان كان.
(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) أي ومن ادّعى أنه قادر على إنزال مثل ما أنزل الله على رسوله كمن قال من المشركين: «لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا» فقد أثر عن النضر بن الحارث أنه كان يقول: إن القرآن أساطير الأولين، وإنه شعر لو نشاء لقلنا مثله.
ثم ذكر تعالى جدّه وعيده للظالمين لشدة جرمهم وعظيم ذنبهم فقال:
(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ثم لكل من سمعه أو قرأه، أي ولو تبصر إذ يكون الظالمون- سواء منهم من ذكروا فى الآية أو غيرهم- فى غمرات الموت وهى سكراته وما يتقدمها من شدائد وآلام تحيط بهم كما تحيط غمرات الماء بالغرقى- لرأيت ما لا سبيل إلى وصفه، ولا قدرة للبيان على تجلّى كنهه وحقيقته.
(وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) لقبض أرواحهم الخبيثة بالعنف والضرب كما قال:
«فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ» .
ثم حكى سبحانه أمر الملائكة لهم على سبيل التهكم والتوبيخ حين بسط أيديهم لقبض أرواحهم.
(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي أخرجوا أنفسكم مما هى فيه إن استطعتم، أو أخرجوها من أبدانكم.
قال صاحب الكشاف: هذا تمثيل لفعل الملائكة فى قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ليعنّفه عليه فى المطالبة ولا يمهله ويقول له:
أخرج مالى عليك الساعة، ولا أريم- لا أبرح- مكانى حتى أنزعه من أحداقك.
ويرى بعضهم أنه لا داعى للعدول عن الحقيقة إلى التمثيل، فربما تمثّل الملائكة للبشر بمثل صورهم، وتخاطبهم بمثل كلامهم، فهى إذا ممكنة على الحقيقة فلا معدل عنها.
(الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) أي تقول لهم الملائكة وقت الموت: اليوم تلقون عذاب الذل والهوان جزاء ظلمكم لأنفسكم بسبب ما كنتم تقولون مفترين على الله غير الحق كقول بعضهم ما أنزل الله على بشر من شىء، وقول بعض آخر: إنه أوحى إليه ولم يوح إليه شىء، وإنكار طائفة لما وصف الله به نفسه من الصفات، واتخاذ أقوام له البنين والبنات، واستكبار آخرين عن الاعتراف بما أنزل الله من الآيات، احتقارا لمن أكرمه الله بإظهارها على يده ولسانه ثم ذكر سبحانه ما يقوله لهم يوم القيامة بعد ذكر ما تقول لهم ملائكة العذاب فقال:
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي ولقد جئتمونا وحدانا منفردين عن الأنداد والأوثان والأهل والإخوان، مجردين من الخدم والأملاك والأموال، كما خلقناكم أول مرة من بطون أمهاتكم حفاة عراة غلفا ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله:«وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» لأن المراد لا يكلمهم تكليم تكريم ورضا.
(وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) أي إن ما كان شاغلا لكم من المال والولد والخدم والحشم والأثاث والرياش عن الإيمان بالرسل، والاهتداء بما جاء ولم ينفعكم كما