الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجب من كفر قومه به وبما أنزل عليه مع وضوح برهانه وإظهار إعجازه وكان يضيق صدره لذلك ويبلغ منه الحزن والأسف كل مبلغ كما قال فى سورة هود «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ» .
فبين الله أسباب ذلك ومناشئه من طباع البشر وأخلاقهم، ليعلم أن الحجة مهما تكن ناهضة فإنها لا تجدى إلا عند من كان مستعدا لها وزالت عنه موانع الكبر والعناد، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة:
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي إن علة تكذيبهم بالحق هى إعراضهم عن الآيات وإقفال باب النظر والاستدلال لإخفاء الآيات فى أنفسها وقوة الشبهات التي تحوم حولها، فلو أننا نزلنا عليك كتابا من السماء فى قرطاس فرأوه نازلا فيها بأعينهم ولمسوه عند وصوله إلى الأرض بأيديهم لقال الذين كفروا منهم: ما هذا الذي رأيناه ولمسناه إلا سحر بيّن فى نفسه، وإنما خيل إلينا أننا رأينا كتابا ولمسناه، وما ثمّ كتاب نزل ولا قرطاس رئى ولا لمس، وتلك مقالة أمثالهم فى آيات الأنبياء من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا
…
وإنما قال لمسوه بأيديهم، ليبين أن المراد باللمس المعنى الأول لا الثاني الذي بيناه فيما سلف، ومن ثمّ قال قتادة: فعاينوه ومسّوه بأيديهم. وقال مجاهد فمسّوه ونظروا إليه واللمس أقوى اليقينيات الحسية وأبعدها عن الخداع، لأن البصر يخدع بالتخيل، وجاء فى سورة الحجر:«وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ [حبست ومنعت] أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» .
(وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) كان لكفار مكة اقتراحان تقدموا بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فى مواطن مختلفة:
(1)
أن ينزل على الرسول ملك من السماء يكون معه نذيرا يرونه ويسمعون كلامه، وإلى هذا تشير الآية.
(2)
ينزل الملك عليهم بالرسالة من ربهم.
والاقتراح الأول مبنى على اعتقاد أن أرقى البشر عقلا وأخلاقا وآدابا وهم الرسل عليهم السلام ليسوا بأهل لأن يكونوا رسلا بين الله وبين عباده، لأنهم بشر يأكلون ويشربون كما جاء فى سورة المؤمنون «وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ. وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ» :
وقد رد الله تعالى الاقتراحين من وجهين:
(1)
(وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي ولو أنزلنا ملكا كما اقترحوا لقضى الأمر بإهلاكهم ثم لا يؤخرون ولا يمهلون ليؤمنوا، بل يأخذهم العذاب عاجلا كما مضت به سنة الله فيمن قبلهم، قال ابن عباس: ولو أتاهم ملك فى صورته لأهلكناهم ثم لا يؤخرون.
(2)
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي ولو جعل الرسول ملكا لجعل متمثلا فى صورة بشر ليمكنهم رؤيته وسماع كلامه الذي يبلّغه عن ربه، ولو جعله ملكا فى صورة بشر لاعتقدوا أنه بشر لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاته البشرية التي تمثّل بها، وحينئذ يقعون فى نفس اللبس والاشتباه الذي يلبسون على أنفسهم باستنكار جعل الرسول بشرا، ولا ينفكون يقترحون جعله ملكا