المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المعنى الجملي اعلم أنه سبحانه بعد أن حكى عن إبراهيم صلوات - تفسير المراغي - جـ ٧

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة المائدة]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 96]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 97]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 98 الى 100]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 102]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 115]

- ‌تفسير المفردات

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الأنعام

- ‌مناسبة هذه السورة لما قبلها

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 9]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 10 الى 11]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 19]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 20 الى 24]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 26]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 30 الى 32]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 35]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 37]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 38 الى 39]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 53]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 54 الى 55]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 59 الى 62]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 64]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 65 الى 67]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 83]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 107]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 108 الى 110]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: ‌ ‌المعنى الجملي اعلم أنه سبحانه بعد أن حكى عن إبراهيم صلوات

‌المعنى الجملي

اعلم أنه سبحانه بعد أن حكى عن إبراهيم صلوات الله عليه أنه أظهر حجة الله فى التوحيد، وعدد وجوه نعمه وإحسانه إليه، ذكر هنا أنه جعله عزيزا فى الدنيا، إذ جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من ذريته وأبقى هذه الكرامة له إلى يوم القيامة،

‌الإيضاح

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) أي ووهبنا لإبراهيم إسحاق نبيا من الصالحين، وجعلنا من ذريته يعقوب نبيا منجيا للأنبياء والمرسلين، وهدينا كلا منهما كما هدينا إبراهيم بما آتيناه من النبوة والحكمة وقوة العارضة والحجة.

وإنما ذكر إسحق دون إسماعيل لأنه هو الذي وهبه الله تعالى بآية منه بعد كبر سنه وعقم امرأته سارّة، جزاء إيمانه وإحسانه وكمال إسلامه وإخلاصه بعد ابتلائه بذبح ولده إسماعيل ولم يكن له ولد سواه على كبر سنه، ويقول المؤرخون إن معنى

ص: 180

(إِسْحاقَ) الضحاك، وأنه ولد وكانت سن أبيه مائة واثنتي عشرة سنة، وسن أمه تسعا وتسعين سنة، وأنه عاش ثمانين ومائة سنة.

(وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) أي وهدينا جده نوحا إلى مثل ما هدينا له إبراهيم وذريته، فآتيناه النبوة والحكمة وهداية الخلق إلى طريق الرشاد.

والمراد بذلك أن نسب إبراهيم من أشرف الأنساب، إذ قد رزقه الله أولادا مثل إسحاق ويعقوب وجعل أنبياء بنى إسرائيل من نسلهما، وأخرجه من أصلاب آباء طاهرين كنوح وإدريس وشيث، فهو كريم الآباء شريف الأبناء.

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً، وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) .

الضمير فى ذريته يعود إلى إبراهيم، لأن الكلام فى شأنه بذكر ما أنعم الله عليه من فضل، وإنما ذكر نوحا لأنه جده فهو كما قدمنا يرشد إلى فضل الله عليه فى أصوله وفروعه، ولأن الله جعل الكتاب والنبوة فى نسلهما معا كما جاء فى سورة الحديد:

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ» أي وهدينا من ذريته داود وسليمان إلخ. وقد ذكر الله فى هذه الآيات أربعة عشر نبيا لم يرتبهم بحسب أزمانهم ولا بحسب فضلهم، لأن الكتاب قد أنزل ذكرى وموعظة للناس لا تاريخا تفصل وقائعه مرتبة بحسب وجودها.

وقد التمس بعض العلماء حكمة لهذا الترتيب فقال: إن الله تعالى جعل الأنبياء ثلاثة أقسام يجمع بين كل قسم منها معنى مشترك:

(1)

داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون، وأولئك قد آتاهم الله الملك والإمارة والحكم والسيادة مع النبوة والرسالة، فداود وسليمان كانا ملكين غنيين، وأيوب كان أميرا غنيا محسنا، ويوسف كان وزيرا عظيما وحاكما متصرفا، ولكن هذين ابتليا بالضراء فصبرا كما ابتليا بالسراء فشكرا، وموسى وهرون كانا حاكمين ولم

ص: 181

يكونا ملكين، وقد ذكرهم القرآن على طريق الترقي فى هدى الدين فأفضلهم موسى وهرون ثم أيوب ويوسف ثم داود وسليمان، وقوله وكذلك نجزى المحسنين أي بالجمع بين نعم الدنيا والرياسة وبين هداية الدين وإرشاد الخلق.

(2)

زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وهؤلاء كانت لهم ميزة الزهد والإعراض عن لذات الدنيا والرغبة عن زينتها وسلطانها، ومن ثم خصهم بوصف الصالحين وإن كان كل نبى صالحا ومحسنا.

(3)

إسماعيل واليسع ويونس ولوطا، وهؤلاء لم يكن لهم من ملك الدنيا ما كان للقسم الأول، ولا من المبالغة فى الزهد ما كان للقسم الثاني، وقد قفّى على ذكرهم بالتفضيل على العالمين الذي جعله الله لكل نبى على عالمى زمانه، فمن كان منهم منفردا فى قوم كان أفضلهم على الإطلاق وإن وجد نبيان أو أكثر فى قوم كانوا أفضلهم وربما كانوا متفاضلين فى أنفسهم، فإبراهيم أفضل من لوط المعاصر له وموسى أفضل من أخيه هرون الذي كان وزيره، وعيسى أفضل من ابن خالته يحيى صلوات الله عليهم أجمعين اهـ.

(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) أي وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم لا كلهم، إذ أن بعض هؤلاء الأقربين لم يهتد بهدى ابنه أو أبيه أو أخيه، ألا ترى إلى أبى إبراهيم وابن نوح قال تعالى:«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» .

(وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقال اجتبى فلان فلانا لنفسه إذا اختاره واصطفاه، واجتباء الله العبد: تخصيصه إياه بفيض إلهى يحصل له منه أنواع من النعم بلا سعى منه كما يحدث للأنبياء والصديقين والشهداء: أي فضلنا كلا على العالمين واخترناهم وهديناهم إلى الصراط المستقيم.

(ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي ذلك الهدى الذي هدى به من تقدم ذكرهم من الأنبياء والرسل فوفقوا به لإصابة الدين الحق الذي به رضا ربهم

ص: 182

وشرف الدنيا وكرامة الآخرة- هو هدى الله الخاص وتوفيقه ولطفه الذي يوفق به من يشاء حتى ينيب إلى طاعته، ويخلص العمل له، ويقر بالتوحيد، ويرفض الأوثان والأصنام.

والهداية ضربان: ضرب ليس لصاحبه سعى فيه ولا هو مما ينال بالكسب وهو النبوة وهو ما أشير إليه بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» .

وضرب آخر ينال بالكسب والاستعداد مع اللطف الإلهى والتوفيق لنيل المراد.

ثم ختم سبحانه الآية بنفي الشرك وتقرير التوحيد فقال:

(وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ولو أشرك أولئك المهديون بربهم فعبدوا معه غيره لبطل أجر أعمالهم التي يعملونها، إذ توحيد الله تعالى هو المزكّى للأنفس، فضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدسّى لها والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه فائدة لعمل آخر يترتب عليه نجاتها وفلاحها به.

(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) المراد بالكتاب ما ذكر فى القرآن من صحف إبراهيم وموسى وزبور داود وإنجيل عيسى، والحكم: العلم والفقه فى الدين. وكل نبى آتاه الله العلم الصحيح والفقه فى أمور الدين وشئون الإصلاح وفهم الكتاب الذي تعبده به سواء أنزله عليه أم أنزله على غيره واختصّ بعضهم بإيتائه الحكم صبيا كيحيى وعيسى أي بإعطائه ملكة الحكم الصحيح فى الأمور.

وأما الحكم بمعنى القضاء والفصل فى الخصومات فلم يعطه إلا بعض الأنبياء.

أي إن أولئك الأنبياء الذين ذكرت أسماؤهم أوتوا الحكم والقضاء بين الناس لفصل الخصومات، وذلك مستلزم للعلم والفقه وتكون هذه العطايا الثلاث مرتبة بحسب درجات الخصوصية، فبعض النبيين أوتى الثلاث كإبراهيم وموسى وعيسى وداود، قال تعالى حكاية عن إبراهيم «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً» فهو قد دعا هذا الدعاء وهو رسول عليهم بعد محاجة قومه، وقال حكاية عن موسى:«فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» وقال عز اسمه: «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ

ص: 183

فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»

وقال فى داود وسليمان معا: «وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً» .

ومنهم من أوتى الحكم والنبوة كالأنبياء الذين كانوا يحكمون بالتوراة، ومنهم من لم يؤت إلا النبوة فقط.

والخلاصة- إن كل من أوتى الكتاب أوتى الحكم والنبوة، وكل من أوتى الحكم ممن ذكر كان نبيا، وما كل نبى منهم كان حاكما ولا صاحب كتاب منزل، وهذه هى مراتب الفضل بينهم صلوات الله عليهم.

(فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) أي فإن يكفر هؤلاء المشركون من أهل مكة بالكتاب والحكم والنبوة- فقد وكلنا برعايتها، ووفقنا للإيمان بها وتولى نصر الداعي إليها قوما كراما ليسوا بكافرين بها، فمنهم من آمن بها ومنهم من سيؤمن عند ما يدعى إليها.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله: «فإن يكفر بها هؤلاء» يعنى أهل مكة، فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين يعنى أهل المدينة والأنصار اهـ.

والذي عليه المعول- أن الموكلين بها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقا، فإن المهاجرين قد كانوا أول من آمن بها وكانوا بعد الهجرة فى المقدمة فى كل عمل وجهاد ولكن الأنصار هم المقصودون بالذات، لأن القوة والمنعة لم تكن إلا بهم، ومن ثم قال:«لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ» والأنصار لم يكونوا عند نزول هذه السورة مؤمنين.

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) الهدى ضد الضلال. ويطلق شرعا على الطريق الموصل إلى الحق وهو الطريق المستقيم الذي نطلبه فى صلاتنا وعلى سلوك ذلك الطريق والاستقامة فى السير عليه.

أي إن أولئك الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم فى الآيات السالفة، والذين وصفهم الله بإيتائهم الكتاب والحكم والنبوة- هم الذين هداهم الله هداية كاملة،

ص: 184

فبهداهم دون ما يخالفه من أعمال غيرهم، اقتد أيها الرسول فيما يتناوله كسبك وعملك مما بعثت به من تبليغ الدعوة وإقامة الحجة والصبر على التكذيب والجحود وإيذاء أهل العناد ومقلدى الآباء والأجداد وإعطاء كل حال حقها من مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال، كالصبر والشكر والشجاعة والحلم والزهد والسخاء والحكم بالعدل قال تعالى:«وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ» وقال: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ» .

والخلاصة- إن الله تعالى أمره بالاقتداء بهم فى الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة من الصبر على أذى السفهاء والعفو عنهم- وقد كان مهتديا بهداهم كلهم فكانت مناقبه وفضائله الكسبية أعلى من مناقبهم وفضائلهم، لأنه اقتدى بها كلها فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقا فيهم- إلى ما أوتيه دونهم، ومن ثم شهد له ربه بما لم يشهد به لأحد منهم فقال «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» .

وكذلك فضائله الموهوبة هى فيه أظهر وأعظم، فبعثته عامة للناس أسودهم وأحمرهم وبه ختمت النبوة والرسالة، وكمال الأشياء فى خواتيمها صلوات الله عليهم أجمعين.

(تنبيه) ذكر بعض العلماء أن الأنبياء المرسلين الذين ذكروا فى القرآن ويجب الإيمان بهم تفصيلا خمسة وعشرون هم الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم فى هذه الآيات، والسبعة الآخرون هم آدم أبو البشر وإدريس ولوط وصالح وشعيب وخاتم الجميع محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام.

وليس فى القرآن نص قطعى صريح فى رسالة آدم عليه السلام، بل مفهوم قوله:

«إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ» أن نوحا أول نبى مرسل أوحى الله إليه رسالته وشرعه، وكذلك حديث الشفاعة.

عن أنس بن مالك قال:

ص: 185

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شىء فاشفع لنا إلى ربك حتى تريحنا من مكاننا هذا، فيقول لهم آدم لست هناكم- ويذكر ذنبه الذي أصابه فيستحى من ربه عز وجل ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى الأرض فيأتون نوحا

» إلخ.

والخلاصة- إن الآية تدل على أن أول رسول شرع الله على لسانه الأحكام والحلال والحرام هو نوح عليه السلام.

ويرى بعض العلماء أن آدم كان على هدى من ربه ربّى عليه أولاده وبشرهم بالثواب وأنذرهم بالعقاب، وهذه هداية من جنس هداية الله للنبيين والمرسلين التي بلّغوها أقوامهم، ولا ندرى كيف هدى الله تعالى آدم إليها، فإن طرق الهداية متعددة، وقد تكون هى هداية الفطرة.

ونوح ومن بعده أرسلوا إلى من فسدت فطرتهم فأعرضوا عما دعوا إليه، وهذه هى الرسالة الشرعية التي يسمى من جاء بها رسولا دون الأولى.

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي قل أيها الرسول لمن بعثت إليهم: لا أسألكم على هذا القرآن الذي أمرت أن أدعوكم إليه وأذكّركم به أجرا من مال ولا غيره من المنافع، كما أن جميع من قبلى من الرسل لم يسألوا أقوامهم أجرا على التبليغ والهدى، وقد تكرر هذا الأمر له صلى الله عليه وسلم فى سور متعددة كقوله:«قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» .

(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) أي ما هو إلا تذكير وموعظة لإرشاد العالمين كافة لا لكم خاصة، وفى هذا تصريح بعموم بعثته صلوات الله عليه للناس جميعا أسودهم وأحمرهم.

ص: 186