الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
روح القدس: هو ملك الوحى الذي يؤيد الله به الرسل بالتعليم الإلهى والتثبيت فى المواطن التي من شأن البشر أن يضعفوا فيها، والكتاب: كل ما يكتب، والحكمة:
العلم الصحيح الذي يبعث الإنسان على نافع العمل مع الفقه لأسرار ما يعمل، والتوراة:
ما أوحاه الله إلى موسى من الشرائع والأحكام، والإنجيل: ما أوحاه إلى عيسى،
والخلق: التقدير أي جعل الشيء بمقدار معين، ويستعمل فى إيجاد الله الأشياء بتقدير معين فى علمه، والأكمه: من ولد أعمى، وقد يطلق على من عمى بعد الولادة أيضا، والسحر: تمويه وتخييل به يرى الإنسان الشيء على غير حقيقته، والحواريون واحدهم حوارىّ وهو من أخلص سرا وجهرا فى المودّة، وحواريو الأنبياء: المخلصون لهم، والمائدة: الخوان الذي عليه الطعام أو الطعام نفسه، ويستطيع أي يطيع ويرضى:
والعيد، تارة يراد به الفرح والسرور، وتارة يراد به الموسم الديني أو المدني الذي يجتمع له الناس فى يوم معين من السنة للعبادة أو لأمر من أمور الدنيا، وآية منك: أي علامة على صدقى فى دعوى نبوتى.
الإيضاح (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ؟) أي اذكر أيها الرسول يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم؟ أي أىّ إجابة أجبتم؟ أإجابة إيمان وإقرار؟ أم إجابة إنكار واستكبار؟ فهو سؤال عن نوع الإجابة لا عن الجواب ماذا كان، والمراد من سؤال توبيخ أممهم وإقامة الحجة على الكافرين منهم.
وهذا السؤال للرسل من وادي سؤال الموءودة فى قوله تعالى «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» فى أن كلا منهما وجه فيه السؤال إلى الشاهد دون المتهم للتوبيخ والإنكار على الفعل، وليوم القيامة مواقف، فى بعضها يشهد الرسل على أممهم، وفى بعض آخر يسأل الله الأمم كما يشاهد لدى قضاة التحقيق، فقد يسأل الخصم حينا والشهود حينا آخر، يرشد إلى ذلك قوله تعالى:«فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» .
ومن قبل أن الله تعالى يسأل كلا من الفريقين عما هو أعلم به، وكان الرسل صلوات الله عليهم على علم يقينى بما سئلوا عنه- كان جوابهم الآتي الدال على نفى العلم عن أنفسهم وتفويضه إلى علام الغيوب فى أول عهدهم بالسؤال- لأحد أمرين:
أو لهما ما اختاره ابن عباس من أنهم قالوا ذلك لنقصان علمهم بالنسبة إلى علمه تعالى، فالله يعلم ما أظهروا وما أضمروا وهم لا يعلمون إلا ما أظهروا، فعلمه أنفذ من علمهم.
وثانيهما أن ما يفاجئهم من هول ذلك اليوم. وفزعه يذهلهم عن الجواب، إذ ينسون أكثر الأمور، وهنالك يقولون لا علم لنا، فإذا عادت إليهم قلوبهم يشهدون لأممهم ونقل هذا عن الحسن ومجاهد والسّدّى، وذلك فى قوله تعالى:(قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) .
خلاصة هذا على رأى ابن عباس أن المراد نفى علم الإحاطة والشمول الخاص بالله تعالى بدليل قولهم أنت علام الغيوب أي كثير العلم بكثرة المعلومات.
وبعد أن ذكر سؤال الرسل وجوابهم إجمالا بين سؤال واحد منهم بالتفصيل وجوابه لإقامة الحجة على من يدعون اتباعه، ولكن قدم قبل هذا ما خاطب به هذا الرسول من بداية نعمته عليه وآياته التي كانت سببا فى فتنة الناس به فقال:
(إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) أي اذكر إنعامى عليك وعلى والدتك حين تأييدى إياك بروح القدس وتكليمك الناس فى المهد بما يبرىء أمك من قول الآثمين الذين أنكروا عليها أن يكون لها غلام من غير زوج يكون أبا له، وذلك قوله:«إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً» وكهلا حين بعثت فيهم رسولا تقيم عليهم الحجة بما ضلوا فيه عن الصراط السوي.
وفائدة هذا القصص تنبيه النصارى الذين كانوا عصر التنزيل إلى قبح مقالتهم وسوء معتقدهم، لأن طعن سائر الأمم كان مقصورا على الأنبياء، وطعن هؤلاء تعدى إلى جلال الله وكبريائه، إذ وصفوه بما لا يليق به من اتخاذ الزوجة والولد.
(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي واذكر نعمتى عليك بتعليمك وتوفيقك لقراءة الكتب والعلم النافع لك فى الدين والدنيا ولا سيما التوراة والإنجيل
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي، فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) أي واذكر نعمتى عليك إذ تجعل قطعة من الطين مثل هيئة الطير فى شكلها ومقادير أعضائها فتنفخ فيها بعد ذلك فتكون طيرا بإذن الله وتكوينه، فأنت تفعل التقدير والنفخ، والله هو الذي يكوّن الطير.
وفى قوله بإذنى إشارة إلى أن المسيح لم يعط هذه القوة دائما بحيث جعل السبب الروحي مطردا كالأسباب الجسمانية، بل كانت هذه الآية كغيرها لا تقع إلا بإذن من الله وتأييده.
(وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي، وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) جاء فى كتب العهد الجديد أنه أبرأ كثيرا من العمى والبرص وأحيا ثلاثة أموات:
(1)
ابن أرملة وحيد كانوا يحملونه على النعش، فلمس النعش وأمر الميت أن يقوم منه فقام، فقال الشعب: قد قام فينا نبى عظيم وافتقد الله شعبه إنجيل لوقا.
(2)
ابنة رئيس ماتت ودعاه لإحيائها فجاء بيته وقال للجمع تنحّوا فإن الصبية لم تمت لكنها نائمة فضحكوا عليه، فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها فقامت الصبية- إنجيل متى.
(3)
عازر الذي كان يحبه جدا ويحب أختيه مريم ومرثا كما يحبونه ففى إنجيل يوحنا أنه كان مات فى بيت عنيا ووضع فى مغارة فجاء المسيح وكان له أربعة أيام فرفع عينيه إلى فوق وقال: (أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لى، وأنا علمت أنك فى كل حين تسمع لى، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتنى) وما قال هذا: صرخ بصوت عظيم لعازر هلمّ خارجا، فخرج الميت إلخ. وتعيين كل فعل بالإذن للدلالة على أنه ما وقع شىء منها إلا بمشيئة الله وقدرته وتيسيره.
(وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي واذكر نعمتى عليك حين كففت عنك بنى إسرائيل
فلم يتمكنوا من قتلك وصلبك، وقد كانوا أرادوا ذلك، وقال الكافرون منهم ما هذا إلا ساحر، وما جاء به من البينات لم يكن إلا سحرا ظاهرا، وليس من جنس ما جاء به موسى، على أنه متله أو أظهر منه.
والخلاصة- أنهم لا يعتدّون بما جاء على يديه من الآيات وخوارق العادات، ولا يؤمنون به وإن جاء بآيات أخرى، إذ لم يكن طعنهم لشبهات تتصل بها بل كان عنادا ومكابرة، ومن ثم ادّعوا أن السحر صنعته، والتمويه وقلب الحقائق دأبه وعادته.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي، قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) الوحى فى اللغة: الإشارة السريعة الخفية، والإعلام بالشيء بسرعة وخفاء، والمراد به هنا ما يلقيه الله فى نفوس الأحياء من الإلهام كما فى قوله:«وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً» وقوله «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ» وهكذا ألقى الله فى قلوب الحواريين الإيمان به وبرسوله عيسى عليه السلام، أي واذكر نعمتى عليك حين ألهمت الحواريين أن يؤمنوا بك وقد كذبك جمهور بنى إسرائيل وجعلتهم أنصارا لك يؤيدون دعوتك وينشرون شريعتك، وقد حكى الله عنهم أنهم قالوا آمنا أي با لله وبرسوله عيسى عليه السلام وأشهدوا الله على أنفسهم أنهم مسلمون أي مخلصون فى إيمانهم مذعنون لأوامره وتاركون لنواهيه.
ثم ذكر كلاما منقطعا عما قبله ليبين ما جرى بينه عليه السلام وبين قومه عقب حكاية ما صدر من الحواريين من المقالة المعدودة من نعم الله عليه، فقال:
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) أي اذكر للناس وقت قول الحواريين لعيسى: يا عيسى هل يرضى ربك ويختار أن ينزل علينا مائدة من السماء إذا نحن سألناه أو سألته ذلك؟
وفسر بعضهم الاستطاعة بمعنى القدرة وقالوا إن هذا السؤال لا يصدر عن مؤمن صحيح الإيمان وأجابوا عن ذلك بعدة أجوبة:
(1)
إن هذا السؤال لأجل اطمئنان القلب بإيمان العيان لا للشك فى قدرة الله على ذلك، كما سأل إبراهيم صلى الله عليه وسلم رؤية كيفية إحياء الموتى ليطمئن قلبه بإيمان الشهادة والمعاينة مع إقراره بإيمانه بذلك الغيب.
(2)
إنه سؤال عن الاستطاعة بحسب الحكمة الإلهية أي هل ينافى الحكمة أن ينزل علينا مائدة من السماء، فإن ما ينافى الحكمة لا يقع وإن كان مما تتعلق به القدرة كعقاب المحسن على إحسانه وإثابة الظالم على ظلمه.
(3)
إن المراد هل تستطيع سؤال ربك.
(قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي قال لهم عيسى اتقوا الله أن تقترحوا عليه أمثال هذه المقترحات التي كان سلفكم يقترحها على موسى، لئلا تكون فتنة لكم فإن من شأن المؤمن الصادق ألا يجرب ربه باقتراح الآيات.
وقد يكون المعنى- اتقوا الله وقوموا بما يوجبه الإيمان من العمل والتوكل عليه تعالى عسى أن يوفقكم إلى ذلك.
(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي قالوا نطلبها لفوائد:
(1)
إننا نريد أن نأكل منها لأننا محتاجون إلى الطعام، فإن الجوع قد غلبنا ولا نجد طعاما آخر.
(2)
إننا إذا شاهدنا نزولها ازداد اليقين وقويت الطمأنينة، إذ ينضم علم المشاهدة باللمس والذوق والشم إلى علم السمع منك وعلم النظر والاستدلال.
(3)
أن نكون من الشاهدين على هذه الآية عند بنى إسرائيل الذين لم يحضروها، أو من الشاهدين لله بكمال القدرة ولك بالنبوة، وبذا يؤمن المستعد للإيمان ويزداد الذين آمنوا إيمانا.
(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي إن عيسى عليه السلام
لما علم صحة قصدهم وأنهم لا يريدون تعجيزه ولا اقتراح آية- دعا الله بهذا الدعاء وناداه بالاسم الكريم الدال على الألوهية والقدرة والحكمة إلى نحو أولئك من صفات الكمال، ثم باسم الرب الجامع لمعنى الملك والتدبير والتربية والإنعام.
أي يا الله يا مالك أمرنا ومتولى تربيتنا أنزل علينا مائدة سماوية يراها هؤلاء المقترحون بأبصارهم وتتغذي بها أبدانهم، وتكون عيدا خاصا بنا معشر المؤمنين دون غيرنا بأول من آمن منا وآخر من آمن، واجعلها علامة من لدنك ترشد القوم إلى صحة دعوتى وصدق نبوتى، وارزقنا منها ومن غيرها ما به تتغذى أجسامنا، فأنت خير الرازقين ترزق من تشاء بغير حساب.
ومن محاسن هذا الدعاء أنه أخر ذكر الفائدة المادية للمائدة عن ذكر فائدتها الدينية الروحية، بعكس ما فعله الحواريون، إذ قدموا الأكل على غيره من الفوائد الأخرى.
(قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) أي وعد الله عيسى بإنزال المائدة مرة أو مرارا لكنه رتب شرطا على هذا الوعد فقال:
(فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أي إن من يكفر منكم بعد نزول هذه الآية التي اقترحتموها، وجاءت بطريق لا لبس فيه ولا شك، فإنى أعذبه عذابا شديدا لا أعذب مثله أحدا من سائر كفار العالمين، لأن عقاب المخطئ أو الكافر يكون بقدر تأثير الخطيئة أو الكفر فى نفسه، والبعد فيه عن الشبهة والعذر، وأي شبهة أو عذر لمن يرى الآيات من رسوله تترى، ثم يقترح آية خاصة تشترك فى العلم بها حواسه جميعا وينتفع بها فى دنياه قبل آخرته، فيعطى ما طلب، ثم ينكص بعد ذلك كله على عقبيه ويكون من الكافرين.
وللعلماء فى الطعام الذي نزل فى المائدة آراء: فقيل هو خبز وسمك، وقيل خبز ولحم، وقيل كان ينزل عليهم طعاما أينما ذهبوا كما كان ينزل المنّ على بنى إسرائيل كما رواه ابن جرير عن ابن عباس.