الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يجعل الذين اجترحوا السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا أن يسوّى بين الطيب والخبيث فيجعل البرّ كالفاجر والمصلح كالمفسد، بل لا بد من الجزاء بالحق، لذلك جاءت هذه الآيات ترغيبا لعباده وترهيبا لهم، ووعدا ووعيدا.
الإيضاح
(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي اعلموا أن ربكم الذي لا يخفى عليه شىء من سرائر أعمالكم وعلانيتها وهو محصيها عليكم، شديد العقاب لمن دسّى نفسه بالشرك والفسوق والعصيان، وغفار لذنوب من أطاعه وأناب إليه رحيم به، فلا يؤاخذه بما فرط منه قبل الإيمان، ولا بما يعمله من السوء بجهالة إذا بادر إلى التوبة وأصلح عمله، بل يستر ذنبه ويمحوه فلا يبقى له أثر مع إيماله وعمله الصالح كما يستر الماء القدر القليل بما يغمره من الماء النقي الكثير.
وفى تقديم العقاب على المغفرة والرحمة إيماء إلى أن العقاب قد ينتهى بالمغفرة والرحمة، لأن رحمته تعالى سبقت غضبه كما ورد فى صحيح الحديث، ومن ثم يغفر كثيرا لمن ظلم نفسه، قال تعالى:«وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» .
وبعد أن أبان سبحانه أن الجزاء بيد الله العليم بكل شىء، ذكر وظيفة الرسول فقال:
(ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) أي ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم بالإنذار بالعقاب بين يدى عذاب شديد، والإعذار إليكم بما يقطع حججكم- إلا أن يؤدى الرسالة ثم إلينا الثواب على الطاعة، وعلينا العقاب على المعصية، ولا يخفى علينا المطيع لأوامرنا، والعاصي التارك للعمل بها، إذ لا يغيب عنا شىء من ضمائر الصدور وظواهر أعمال النفوس، فخليق بكم أن تتقونى ولا تعصوا أمرى.
وفى هذا وعيد شديد وتهديد لمن يخالف أوامر الله ويعصيه. كما أن فيه إبطالا لما عليه أهل الشرك والضلال من الخوف من معبوداتهم الباطلة والتماس الخلاص والنجاة من العذاب بشفاعتها.
والخلاصة- إن الرسول ليس عليه إلا البلاغ لدين الله وشرعه، وبعدئذ يكون المبلغون هم المسئولين عند الله، والله الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون من العقائد والأقوال والأفعال، وهو الذي يجازيهم بحسب علمه المحيط بكل ذرة فى الأرض والسموات، ويكون جزاؤه حقا وعدلا ويزيد بعد ذلك من إحسانه عليه وفضله، فاطلبوا سعادتكم من أنفسكم وخافوا منها عليها.
وما ورد من الشفاعة فى الآخرة فهو دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم يستجيبه الله فيظهر عقبه ما سبق به علمه واقتضته حكمته بحسب ما جاء فى كتابه، دون أن يكون مؤثرا فى علم الله ولا فى إرادته، فالحادث لا يؤثر فى القديم.
وبعد أن بين سبحانه أن الجزاء منوط بالأعمال أراد أن يبين ما يتعلق به الجزاء من صفات الأعمال والعاملين لها وأرشد إلى أن هناك حقيقتين مختلفتين يترتب على كل منهما ما يليق بها من الجزاء فقال:
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) أي قل أيها الرسول مخاطبا أمتك: لا يستوى الرديء والجيد من الأشياء والأعمال والأموال، فلا يتساوى الضار والنافع ولا الفاسد والصالح، ولا الحرام والحلال، ولا الظالم والعادل فلكل منها حكم يليق به عند الله الذي يضع كل شىء فى موضعه بحسب علمه.
(وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) أي ولو أعجبك أيها السامع كثرة الخبيث من الناس أومن الأموال المحرمة لسهولة تناولها والتوسع فى التمتع بها كأكل الربا والرشوة والخيانة.
والخلاصة- إنهما لا يستويان لا فى أنفسهما ولا عند الله، ولو فرض أن كثرة الخبيث أعجبتك وغرّتك، فصرت بعيدا عن إدراك تلك الحقيقة- وهى أن القليل من الحلال خير من كثير الحرام حسن عاقبة فى الدنيا والآخرة ألا ترى أن القليل الجيد من الغذاء أو المتاع خير من الكثير الرديء الذي لا يغنى غناءه ولا يفيد فائدته، بل ربما يضر ويؤذى صاحبه.