الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين.
وبعد؛ فهذا أثَر جديد من آثار شيخ الإسلام أبي العباس أحمد ابن تيمية النُّميري الحرَّاني ــ رحمه الله تعالى ــ يظهر لأول مرة، بعد أن ظل دهرًا طويلًا طيّ الجهالة والنسيان، لم يُعْرَف له أَثَر، ولم يُسمع له بوجود في خزائن الخافقين، إلى أن يسَّر الله العثورَ عليه في زُوَيَّة من زوايا إحدى الخزائن الهنديَّة متجلببًا غير جلبابه، فالحمد لله على ما وفَّق ويسَّر.
ونرى في حفظ الله لهذا الكتاب وغيره من كتب الشيخ تصديقًا لما قاله تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي (ت 744): «ولولا أن الله تعالى لطف وأعان ومنَّ وأنْعَم، وخَرَق العادة في حِفظ أعيان كتبه وتصانيفه= لما أمكن أحدًا أن يجمعها. ولقد رأيتُ مِن خَرْق العادة في حِفظ كتبه وجمعها، وإصلاح ما فسد منها، وردِّ ما ذهب منها ما لو ذكرته لكان عجبًا، يعلمُ به كل منصفٍ أن لله عناية به وبكلامه؛ لأنه يذب عن سنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم تحريف الغالِين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»
(1)
.
وكان من العناية الإلهية أن حَفِظَ لنا خُطبة هذا الكتاب ــ وهي عدة صفحات ــ في كتاب ابن عبد الهادي (العقود) كاملة؛ إذ سقطت من نسخة الكتاب الوحيدة، فبقيت لنا لِنُلحقها بمكانها.
وكتابنا هذا ردُّ كتاب معاصره برهان الدين النسفي الحنفي (ت 687)
(1)
«العقود الدرية» (ص 109 - 110).
في الجدل، ويعرف بـ «فصول في الجدل» ، أو «مقدمة في الجدل» أو «المقدمة البرهانية» . وهذا الكتاب يمثِّل مرحلة متأخرة من مراحل التأليف في (علم الجدل)، إذ مُزِج علم الجدل بكثير من مصطلحات ومباحث المنطق والفلسفة، وعُرف هذا المنهج بتطويل العبارة وإبعاد الإشارة، واستعمال الألفاظ المشتركة والمجازية في المقدمات، ووضع الظنيات موضع القطعيات، إلى غير ذلك من التمويهات.
وقد لقيت هذه الطريقة رواجًا عند بعض الفقهاء والمشتغلين بالطلب في القرن السابع وما بعده بقليل. والذي غرَّهم بهذه الطريقة، ودَفَعهم إلى الاشتغال بها: ظنُّهم أنها تضبط لهم قواعد الاستدلال، وتُدرِّبهم على إيراد الشبه والاعتراضات والرد عليها
…
حتى وصل الحال بكثير منهم أن اعتبروا هذا الجدل المُمَوَّه من أعلى درجات العلم الشرعي، وظنوا أنه يُمَكّنهم من تحرير المسائل أبلغ تحرير!
والواقع أنهم خالفوا بذلك منهج السلف في الجدل الصحيح والمناظرة المثمرة، فاستحسنوا ما ذمَّه السلف، وجعلوا الأصول والقواعد الصحيحة عُرضة للتشكيك، وأعطوا الطلاب سهامًا يُفَوّقونها إلى تلك المسلمات والقواعد. فكان من الواجب على مَن وهَبه الله علمًا وفقهًا أن يتصدى لهذا الانحراف بنقض هذه الطريقة وبيان فسادها. فأتى الشيخُ على هذه «المقدمة» من أولها إلى آخرها شرحًا ونقضًا، إذ يشرحها على طريقة أصحابها ــ المتكلمين ــ ثم ينقض عليهم بطريقتهم وطريقةِ أهل الجدل المحققين، فأظهر براعة عجيبة، وسعة معرفة بطرائق الجدليين بأنواعهم: المتقدمين والمتأخرين، والمتكلمين الممَوِّهين، والأصوليين المحققين
والفقهاء.
وهذا الأثر الجديد يكشف لنا وجهًا من تفنُّن شيخ الإسلام في العلوم وإحاطته العجيبة بها، وبراعته النادرة فيها، وهذا الفن الذي كتب فيه الشيخ وهو «الجدل على طريقة المتكلمين» فنٌّ نادر، لم يتعرَّض أحد لنقده وشرحه قبل الشيخ ــ فيما نعلم ــ.
حقًّا إن الناظر لأول وهلة ليظن أن هذا الفن هو فن الشيخ الذي برز فيه واعتنى به وانقطع له. لكنَّ هذا الظن سرعان ما يزول إذا علم الناظر مقدارَ توسُّعه في الفنون الأخرى، وأنه بغير هذا الفن أشهر، وكتبه في غيره أكثر وأكبر، واسمع الآن لما يقوله خَصم الشيخ وقرينه كمالُ الدين ابن الزملكاني:«كان إذا سُئل عن فن من العلم ظنَّ الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أنَّ أحدًا لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك»
(1)
.
فما هي إذًا إلا مِنَحٌ وفضائل يمنحها الله تعالى مَن يشاء مِن عباده، والله ذو الفضل العظيم.
وقد قدمنا بين يدي تحقيقه مباحث
(2)
:
أولًا: تمهيد في الجدل، ومناهج التأليف فيه، وأهم كتبه.
(1)
«العقود» (ص 13).
(2)
المبحث الثاني (التعريف بكتاب «التنبيه») كَتَبه محمد عزير شمس، وبقية المباحث كتبها عليُّ بن محمد العمران.
ثانيًا: التعريف بكتاب «تنبيه الرجل العاقل
…
» وفيه:
- قصة العثور على الكتاب.
- اسم الكتاب.
- تاريخ تأليفه.
- إثبات نسبته إلى المؤلف.
- منهج المؤلف فيه.
- إفادة العلماء منه.
ثالثًا: ترجمة برهان الدين النسفي صاحب «الفصول» .
رابعًا: التعريف بالكتاب المردود عليه «فصول في الجدل» وفيه:
- اسمه.
- إثبات نسبته لمؤلفه.
- شروح الكتاب.
- نُسَخه الخطية.
خامسًا: وصف النسخة الخطية لكتاب «تنبيه الرجل .... » .
سادسًا: منهج التحقيق.
سابعًا: نماذج من المخطوطات.
وكان العمل في تحقيق الكتاب مناصفة، فمن أول الكتاب إلى (ص 294)
(1)
من عمل محمد عزير شمس، ومن (ص 295) إلى آخره إضافة إلى الفهارس العلمية واللفظية من عمل علي بن محمد العمران. ولا
(1)
من الطبعة الأولى، و (ص 281) من الطبعة الثانية.
يفوتنا أن نسجّل جميل شكرنا للشيخ محمد أجمل الإصلاحي على ملاحظاته القيّمة وقراءاته الموفّقة.
فها هو هذا الكتاب اليوم بين يدي كل باحث عن العلم والتحقيق، موطَّأةً أكنافُه، ميسَّرة سُبُلُ الإفادة منه. فأين العقول الظَّمآى إلى العلم، والأذهان المتعطشة للتحقيق لتنهل وترتوي؟!
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كتبه
علي بن محمد العمران و محمد عزير شمس
28 ربيع الآخر 1425 هـ