الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة محبة الله تعالى
اعلم أن قول لا اله إلا الله تقتضي أن لا يحب سواه، فإن الإله هو الذي يطاع فلا يعصى محبةً له وخوفاً ورجاءً ومن تمام محبته محبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، فمن أحب شيئًا مما يكرهه الله أو كره شيئًا مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قوله: لا اله إلا الله، وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما أحبه الله، وما أحبه مما يكرهه الله، قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ). [محمد:28]
قال الحسن: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته.
وسئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: «إذا كان ما يبغضه عندك أمر من الصبر» .
وقال بشر بن السري: «ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يبغض حبيبك» .
وقال يحيى بن معاذ: «ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده» .
وقال أبو يعقوب النهرجوري: «كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة» (1).
وقال رويم: المحبة الموافقة في جميع الأحوال. وأنشد يقول:
ولو قال لي مت مت سمعًا وطاعة
…
وقلت لداعي الموت أهلاً ومرحبًا
(1) انظر كلمة الإخلاص- للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص21) بتصرف
وحقيقة محبة الله تعالى لا تأتي إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مجال للعبد في محبة الله إلا بالاتباع. ويشهد لهاذا المعنى قوله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله). [آل عمران:31].
ومن هنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا اله إلا الله إلا بشهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، فلا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله ما يحبه وما يكرهه باتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته ولهاذا قرن الله بين محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). [التوبة: 24].
وقد أكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في سنته: كقوله في حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمان: أَنْ يَكونَ الله ورسولُه أحبَّ إليهِ مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلاّ لله، وأنْ يَكرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ كما يكرَهُ أنْ يُقذَفَ في النَّار» (1).
(1) رواه البخاري - كتاب الإيمان- باب حَلاوَةِ الإِيمَان - (ج 1/ص11) ورواه مسلم
- كتاب الإيمان - باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان- (ج 1/ص48).
وفي الصحيحين أيضاً: عنْ أنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتى أكونَ أَحَبَّ إلَيهِ مِنْ والِدِهِ وَوَلَدهِ والنَّاس أَجْمَعين» (1).
ولما قال له عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنْتَ أحَبُّ إليَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إلَاّ مِنْ نَفْسي. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ:«لا وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» . فَقالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: فإنَّهُ الآن والله لأنْتَ أحَبُّ إليَّ من نَفْسِي. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الآنَ يا عُمَرُ» (2).
وقد ورد في الحديث أن من ثواب محبته صلى الله عليه وسلم الإجتماع معه في الآخرة: وذلك لما سأله رجل: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسُولَ الله؟ فقال له رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: حُبَّ الله وَرَسُولِهِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» (3).
وكفى بذلك ثواباً وأجراً لهذه المحبة، ولكن المحبة الصادقة تستلزم الاقتداء به والتأدب بآدابه، وتستلزم أيضاً محبة من يحبه ويواليه، وبغض من
(1) رواه البخاري - كتاب الإيمان- باب حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الإِيمَان-
(1/ 11). ورواه مسلم - كتاب الإيمان -باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة) - (ج 1/ 49).
(2)
رواه البخاري - كتاب الأيمان والنذور- باب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (ج 7/ص277).
(3)
رواه البخاري في مواضع متعددة منها في كتاب الأدب- باب عَلَامَةِ حُبِّ اللَّهِ عز وجل
(7/ 146). ورواه مسلم - كتاب البر والصلة والآداب - باب المرء مع من أحب- (8/ 42) حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
يبغضه ويعاديه، ولو كان أقرب قريب، فمن استكمل ذلك فقد صدق في هذه المحبة، ومن خالفه أو نقص شيئاً من ذلك نقصت محبته بقدر ذلك (1).
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ). [النساء: من الآية59].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ). [الأنفال:20].
…
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ). [محمد:33].
وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ). [آل عمران:32].
وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(2).
وقد رتب على طاعته صلى الله عليه وسلم جزيل الثواب:
فقال تعالى: (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النور: 56]
وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(3)
(1) انظر الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما - لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين -
(ص66) بتصرف.
(2)
سورة الحشر: من الآية: 7].
(3)
سورة آل عمران: الآية:132].