الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَنَّة أَحَد مَاتَ عَلَى الْكُفْر وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ مَا عَمِلَ. وحَديثُ أبي ذَرٍّ رضي الله عنه معناه: أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد وهاذا حق لا مِرْيَة فيه ليس فيه أنه لا يُعَذَبُ عليهما مع التوحيدِ.
ثانياً: الأحاديث التِي تُفِيدُ أنَّ مَنْ أتى بالشهادتين بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار، وهاذا قد حَمَلهُ بعضهم عَلَى تَحْرِيم خُلُوده فِيهَا لا أَصْل دُخُولهَا. أو أَنَّ الْمُرَاد النَّار الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ لا الطَّبَقَة الَّتِي أُفْرِدَتْ لِعُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ. أو أَنَّ الْمُرَاد بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار حُرْمَة جُمْلَته لأَنَّ النَّار لا تَأْكُل مَوَاضِع السُّجُود مِنْ الْمُسْلِم كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّم عَلَيْهَا ، وَكَذَا لِسَانه النَّاطِق بِالتَّوْحِيدِ. هاذا مُخْتَصَر جَامِع لِمَذْهَبِ أَهْل السنة من السلف والخلف. واللَّه تَعَالَى أعلم .. (1).
وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاء عَنْ الإِشْكَال أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى:
قالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أنَّ لا اله إلا الله سببٌ لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع وهاذا قول الحسن ووهب ابن منبه. (2).اهـ
(1) انظر شرح مسلم للإمام النووي-كتاب الايمان - (1/ 217). وانظر فتح الباري - كتاب العلم- (1/ 299) - وانظر كلمة الإخلاص - للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله (ص 9و10) - وانظر حديقة الأبرار شرح بهجة الأنوار لشيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي- رحمه الله تعالى- (ص415) مخطوط.
(2)
انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص9)
قيل للحسن (1): إن أناساً يقولون: من قال لا اله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال: لا اله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة (2).
وقيلَ لَوهبِ بِن مُنبِّهٍ: أليسَ لا اله إلا الله مفتاح الجنةِ؟ قال: بَلى، ولكنْ ليسَ مِفتاحٌ إلاّ لهُ أسنانٌ فإن جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فُتِحَ لك، وإلاّ لم يُفَتحْ لك. (3).
فائدة: قال المناوي: إنما كانت أبواب الجنة ثمانية لأن مفتاح الجنة شهادة أن لا اله إلا الله وكذلك المفتاح ثمانية أسنان: الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبر والصلة فلكون أنواع الأعمال ثمانية جعلت أبوابها ثمانية.
وإنما كانت أبواب النار سبعة لأن الأديان سبعة: واحد للرحمان وستة للشيطان فالتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية والدهرية والإبراهيمية والصنف السابع أهل التوحيد كالخوارج والمبتدعة والظلمة والمصرين على الكبائر فهؤلاء كلهم صنف فوافق عدة الأبواب عدة الأصناف ذكره السهيلي (4).
(1) هو الحسن بن يسار أبو سعيد البصري، كان جامعاً للعلم والعمل فقيهاً عابداً زاهداً، فصيحاً وسيماً سئل مرة أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا عنها مولانا الحسن فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا، وقال إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين / الحسن وابن سيرين. مات سنة (110هـ) وعمره (88 سنة)، انظر البداية والنهاية - لابن كثير (9/ 299).
(2)
انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص11)
(3)
أخرجه البخاري- كتاب الجنائز- باب في الجنائز، ومن كان آخرُ كلامِهِ لا اله إلا الله- (2/ 87)
(4)
انظر فيض القدير للمناوي - (ج3/ص439) ط دار الفكر.
قال السمرقندي رحمه الله تعالى: لا اله إلا الله مفتاح الجنة، ولكن المفتاح لا بدله من الأسنان حتى يفتح الباب، ومن أسنانه لسان ذاكر طاهر من الذنوب والغيبة، وقلب خاشع طاهر من الحسد والخيانة، وبطن طاهر من الحرام والشبهة، وجوارح مشغولة بالخدمة طاهرة عن المعاصي. (1). أهـ
وقال الحَسَن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددْتَ لهاذا اليوم؟ قال: شهادةَ أنْ لا اله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نعم العُدة لكن لـ «لا اله إلا الله» شروطاً، فإيَّاكَ وقَذْفَ المُحْصنات. (2).
ويدل على صحة هاذا القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص:
فقد أخرج البخاري ومسلم: عَنْ أَبِي أَيُّوب رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرَابِيّاً عَرَضَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ:«لَقَدْ وُفِّقَ أَوْ لَقَدْ هُدِيَ» قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ فَأَعَادَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ» (3).
(1) انظر تنبيه الغافلين للسمرقندي رحمه الله تعالى- (ص195) ط دار المعرفة.
(2)
انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص11)
(3)
رواه البخاري - كتاب الجنائز - باب وُجُوبِ الزَّكَاة - (ج2/ص133) ورواه مسلم -كتاب الايمان - باب بيان الإِيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة- (ج1/ 32) واللفظ لمسلم
وأخرج مسلم في صحيحه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجنَّةَ. قَالَ «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ. وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَتَصُومُ رَمَضَانَ» قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هاذا شَيْئاً أَبداً، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ. فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هاذا» (1).
وأخرج البخاري ومسلم: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: «لما تُوُفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم واستُخْلِفَ أَبو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ. قال عُمَرُ: يا أَبا بكر كَيْفَ تُقاتِلُ النّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرّتُ أَنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا اله إلا الله، فَمَنْ قَالَ لا اله إلا الله عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلَاّ بِحَقِّهِ وَحِسابُهُ عَلَى اللهِ» (2).
قال أَبو بكر رضي الله عنه: «واللهِ لأُقاتلنَّ مَنْ فرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ، واللهِ لَوْ مَنَعُوني عَناقاً. (3) كانُوا يُؤدُّونَها إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها. وعند مسلم: عِقَالاً (4)
(1) رواه مسلم -كتاب الايمان - باب بيان الإِيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة- (ج1/ص33)
(2)
رواه البخاري - كتاب استتابة المرتدين المعندين وقتالهم - باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نُسِبوا إِلى الردَّة- (ج8/ص64).ورواه مسلم -كتاب الإيمان - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله محمد رسول الله - (ج1/ص 38)
(3)
عَناقاً: وهي بفتح العين: الأنثى من ولد المعز.
(4)
عِقَالاً: وهو ما يشد به ظلف البعير بذراعه حال بروكه حتى لا يقوم فيشرد. (انظر حاشية مسلم)
قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فواللهِ ما هوَ إِلاّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقٌّ». (1).
ففهم عمر وجماعة من الصحابة: أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك فتوقفوا في قتال مانع الزكاة.
وفهم الصديق: أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله. وقال الزكاة حق المال.
وهاذا الذي فهمه الصديق: قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً غير واحد من الصحابة منهم: ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ الناسَ حتَّى يَشْهَدوا أَنْ لا اله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، ويُقِيموا الصلاةَ، ويُؤْتوا الزَّكاةَ. فإذا فَعَلوا ذلكَ عَصَموا مِنِّي دِماءَهُم وأموالَهُم إِلاّ بِحَقِّ الإِسلام، وحسابُهُم عَلَى الله» (2).
وقد دل على ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم)(3). وقوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين)(4). على أن الأخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض
(1) رواه البخاري - كتاب استتابة المرتدين المعندين وقتالهم - باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نُسِبوا إِلى الردَّة- (ج8/ص64).ورواه مسلم -كتاب الإيمان - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله محمد رسول الله - (ج1/ص 38)
(2)
رواه البخاري - كتاب الإيمان. باب (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ)(التوبة: 5) - (ج1/ص 14)
(3)
سورة التوبة: من الآية 5).
(4)
سورة التوبة: من الآية 11).
مع التوحيد، والتوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد. فلما قرر أبو بكر رضي الله عنه هاذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صواباً.
فاذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقًا بل يعاقب باخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة. (1).
وقالت طائفة تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة في أحاديث أخر: ففي بعضها: «من قال لا اله إلا الله خالِصاً مِن قَلبِه، أو نفسِه» (2).
وفي بعضها: «مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلُبُهُ» . (3).
وفي بعضها: «أَطاعَ بِهَا قَلْبَهُ، وذَلَّ بها لِسَانَهُ» . (4).
وفي بعضها: «يَرْجِعُ ذلِكَ إِلَى قَلْبٍ مُوقِنٍ» (5).
وهاذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين فتحققه بمعنى شهادة أن لا اله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حباً ورجاءً وخوفاً وطمعاً وتوكلاً واستعانةً وخضوعاً وإنابةً وطلباً. وتحققه بأن محمداً رسول الله وألا يعبد الله بغير ما شرعه الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر كلمة الإخلاص -للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص13) بتصرف
(2)
أخرجه البخاري في مواضع متعددة منها في:- كتاب العلم - باب الحِرصِ على الحَدِيث- (ج1/ص38).من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم-كتاب الإيمان- باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار- (1/ 44)
(4)
قال الهيثمي في المجمع - كتاب الإيمان - باب فِيمنْ شَهِدَ أَنْ لا اله إلا الله - (ج1/ص35): رواه الطبراني في الأَوسط، وفيه: عبدُ الرّحمان بن زيد بنِ أَسلمَ والأَكثر على تَضعيفه.
(5)
رواه ابن ماجه - كتاب الأدب- باب فضل لا اله إلا الله - (ج2/ص1246).
وتحقيق هاذا المعنى وإيضاحه: أن قول العبد لا اله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبةً وخوفاً ورجاًء وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقاً في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الآلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول لا اله إلا الله ونقصًا في توحيده وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهاذا كله من فروع الشرك.
ولهاذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله.
كما ورد إطلاق الشرك على الرياء وعلى الحلف بغير الله وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقى المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله.
ولهاذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم، ومن أتى حائضًا أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمرة في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة. ولهاذا قال السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك (1).
(1) انظر كلمة الإخلاص-للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى - (ص15) بتصرف
وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع. قَالَ تَعَالَى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ). [الفرقان 43]
قال ابن عباس: الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا هذه الآية.
وقيل: (اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) أي أطاع هواه.
وعن الحسن: لا يهوى شيئاً إلا اتبعه، والمعنى واحد. (1).
فدل هاذا: على أن كل من أحب شيئًا وأطاعه، وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله، فهو عبده، وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه.
ويشهد لذلك الحديث الصحيح: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ وعبدُ الدِّرهمِ وعبدُ الخَميصةِ (2): إن أعطِيَ رضيَ وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتَكَسَ (3)، وإذا شِيكَ فلا انتقَشَ (4)» (5).
(1) انظر تفسير القرطبي المسمى الجامع لأحكام القرآن-سورة الفرقان من الآية:43) (ج13/ 35)
(2)
الخميصة: الكساء المربع.
(3)
وانتكس: بالمهملة أي عاوده المرض، وقيل: إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى.
(4)
وإذا شيك: أي إذا دخلت فيه شوكة لم يجد من يخرجها بالمنقاش وهو معنى قوله: فلا انتقش، ويحتمل أن يريد لم يقدر الطبيب أن يخرجها، وفيه إشارة إلى الدعاء عليه بما يثبطه عن السعي والحركة، وسوغ الدعاء عليه كونه قصر عمله على جمع الدنيا واشتغل بها عن الذي أمر به من التشاغل بالواجبات والمندوبات، قال الطيبي: وإنما خص انتقاش الشوكة بالذكر لأنه أسهل ما يتصور من المعاونة، فإذا انتفى ذلك الأسهل انتفى ما فوقه بطريق الأولى. انظر الفتح، (11/ 306)
(5)
رواه البخاري في مواضع متعددة: منها في كتاب الجهاد والسير - باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّه- (3/ 294) وكتاب الرقاق- باب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَال- (7/ 224).
ويدل عليه أيضا: أن الله تعالى سمي طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان، كما قال تعالى:(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(1).
وقال تعالى حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام لأبيه: (يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحمان عَصِيّاً)(2).
فمن لم يتحقق بعبودية الرحمان وطاعته فانه يعبد الشيطان بطاعته له، ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمان، وهم الذين قال فيهم:(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)(3) فهم الذين حققوا: قول لا اله إلا الله، وأخلصوا في قولها، وصدّقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله محبة ورجاء وخشية وطاعة وتوكلاً، وهم الذين صدقوا في قول:«لا اله إلا الله» وهم عباد الله حقًا فأمّا من قال: «لا اله إلا الله» بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدى مِنَ الله) (4) و (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله) (5). [صّ: من الآية2].
(1) سورة يّس: الآية60).
(2)
سورة مريم: الآية44)
(3)
سورة الحجر: من الآية 42)
(4)
سورة القصص: من الآية50]
(5)
انظر كلمة الإخلاص- للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى (ص15) بتصرفٍ