الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرة المحبة الإتباع
الطاعة عن حب أولى وأفضل من الطاعة عن خوف وقهر. والإيمان بكلمة التوحيد والعمل بمقتضاها يمنح المسلم قوة في شخصيته وعزة في حياته، وسعادة وفلاحاً في الدنيا وَرُقيَّاً وفوزاً في الآخرة .. وقد حكى لنا القرآن الكريم قصة السحرة مع موسى وفرعون .. وكيف كان إيمانهم قوياً رغم أنه مُفاجئ .. إنه الحب الإلهى .. قال لهم فرعون:(فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى)[طه: من الآية71].
فكان ردهم عليه: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَالله خَيْرٌ وَأَبْقَى)(1).
وكيف نفسر سلوك الصحابي الذي كان يمسك بتمرات في يده .. فلما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ أَنَا يَا رَسُولَ الله إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فِي الْجَنَّةِ» فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» (2).
وكيف نُفسِّر سلوك أُمٍ يُنْعَى إليها أولادها الأربعة، وليس لها في الدنيا سواهم فتقول: الحمد لله الذي شرَّفني باستشهادهم!؟ (3).
(1) سورة طه: من الآية 72و73].
(2)
رواه البخاري - كتاب المغازي - باب غزوة أحد - (5/ 36) ورواه مسلم- كتاب الأمارة - باب ثبوت الجنة للشهيد- (6/ 43). حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
هي الخنساء رضي الله عنها.
إنها قوة الإيمان واستقرار كلمة التوحيد في القلب. فمتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب. وهاذا هو معنى الحديث القدسي، الذي أخرجه البخاري في صحيحه وفيه:«وَما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِها، ورِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِها» (1).
والمعنى: أن محبة الله إذا استغرق بها القلب واستولت عليه لم تنبعث الجوارح إلا إلى رضا الرب، وصارت النفس حينئذ مطمئنة بارادة مولاها عن مرادها وهواها (2).
كان داود الطائي يقول: «همك عطل عليَّ الهموم وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوبق (3) مني اللذات، وحال بيني وبين الشهوات فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب» (4).
قال صاحب الروض الفائق: للمحبة رجال ماتركوا في قلوبهم لغير محبوبهم مجال فما في الحب عضو ولا جارحةٍ إلا وعليه شواهد المحبة لائحة. فالألسن قد شغلها أنيس (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(5) والأسماع منصتة لاستماع كلام الحبيب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)(6)، والأبصار
(1) رواه البخاري -كتاب الرقاق- باب التَّوَاضُع- (ج 7/ص243) حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى-ص15) بتصرف
(3)
أي هلك.
(4)
انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى - (ص28)
(5)
سورة البقرة: من الآية152)
(6)
سورة البقرة: من الآية186)
شاخصة لانتظار (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(1)، والأبدان قائمة بوظيفة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(2) والقلوب مرتبطة برابطة (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(3) والأرواح ترتاح لأذكار (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ)(4). فما للعارف غفلة عن مشهوده ولا للعابد غفلة عن معبوده.
لما علمت بأن قلبي فارغ
…
ممن سواك ملأته بهواك
وملأت كلي منك حتى لم أدع
…
مني مكانا خالياً لسواك (5).
هاذا هو حال خواص المحبين الصادقين، فإنه من امتلأ قلبه من محبة الله لم يكن فيه فراغ لشيء من إرادات النفس والهوى، وإلى ذلك أشار القائل بقوله:
أروح قد ختمت على فؤادي
…
بحبك أن يحل به سواكا
فلو أني استطعت غضضت طرفي
…
فلم أنظر به حتى أراكا
أحبك لا ببعضي بل بكلي
…
وإن لم يبق حبك لي حراكا
وفي الأحباب مخصوص بوجد
…
وآخر يدعي معه اشتراكا
إذا اشتبكت دموع في خدود
…
تبين من بكا ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب وجدًا
…
وينطق بالهوى من قد تشاكا
(1) سورة القيامة:22 - 23).
(2)
سورة الفاتحة:5).
(3)
سورة المائدة: من الآية54).
(4)
سورة الواقعة: من الآية89).
(5)
انظر الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعلامة شعيب الحريفيش رحمه الله تعالى (ص 218).
فمتى بقي للمحب حظ من نفسه فما بيده من المحبة إلا الدعوى. إنما المحب من يفنى عن هوى نفسه كله، ويبقى بحبيبه فبي يسمع وبي يبصر (1).
كان أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى يقول في مناجاته: إلهي لست أعجب من حبي لك وأنا عبد حقير، وإنما أعجب من حبك لي وأنت ملك قدير.
وكان يحي بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى يقول في مناجاته: إلهي ليس العجب من عبد ذليل يحب رباً جليلاً! بل العجب من رب يحب عبداً ذليلاً (2).
وقيل كانت لعبد الله بن الحسين جارية أعجمية: قال: فكانت ذات ليلة نائمة فرأيتها قامت وتوضأت ثم قامت تصلي، فلما فرغت خرت ساجدة وهي تقول: سيدي بحبك لي إلا ما غفرت لي. فقلت لها: ويحك لا تقولي هكذا، ولكن قولي بحبي لك، فربما هو لا يحبك. قالت لي: يابطال لولا حبه لي لما أنامك وأوقفني بين يديه، وبحبه لي أخرجني من دار المشركين وكتبني في ديوان المؤمنين، فقلت لها: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى. قالت: يامولاي أسأت إلي. كان لي أجران فصار لي أجر واحد، ثم صرخت صرخة، وقالت: هاذا عتق مولاي الأصغر فكيف عتق مولاي الأكبر. ثم خرت ميتة (3).
(1) انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى - (ص24)
(2)
انظر الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعلامة شعيب الحريفيش رحمه الله تعالى- (ص 214)
(3)
انظر الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعلامة شعيب الحريفيش رحمه الله تعالى- (ص 214)
ورُؤيت زبيدة (1) في المنام، فقيل لها: ما فعل الله بك؟ فقالت: غفر لي بهؤلاء الكلمات الأربع: لا اله إلا الله أفني بها عمري، لا اله إلا الله أدخل بها قبري، لا اله إلا الله أخلو بها وحدي، لا اله إلا الله ألقى بها ربي (2).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها. من صدق في قول لاإله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج سواه، ولم يخش أحدًا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه.
ومع هاذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة (3).
وقد ذكر هذه الآثار عن السلف الصالح فقال رحمه الله تعالى:
قال زيد بن أسلم: إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك.
وقال الشعبي: إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب.
(1) زبيدة بنتُ جَعفر بن المنصور الهاشمية، زوجة هارون الرشيد.
(2)
انظر غاية المطلوب وأعظم المنة فبما يغفر الله به الذنوب ويوجب الجنة للحافظ ابن الديبع
رحمه الله تعالى - (ص 101)
(3)
انظر كلمة الإخلاص- للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص29) بتصرف
وتفسير هاذا الكلام: أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه، فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة ييسرله التوبة، وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار، ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى (1). أهـ
(1) انظر كلمة الإخلاص- للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص29) بتصرف
الكل في بحر حبه تاهوا
…
وقد تفانوا في سر معناه
وصححوا للعقد مخلصين له
…
بقولهم لا إله إلا هو
يا معشر الذاكرين كلكم
…
قولوا معى لا إله إلا هو
وراقبوا من يعمكم كرما
…
بفضله لا إله إلا هو
فالكون قد فاح نشره عبقا
…
بذكره لا إله إلا هو
والعرش تسبيحه له أبدا
…
سبحان من لا إله إلا هو
وكل ما في السماء من ملك
…
تسبيحه لا إله إلا هو
وكل ما في الجبال من عظم
…
تسبيحه لا إله إلا هو
وكل ما في الرياض من شجر
…
تسبيحه لا إله إلا هو
وكل ما في البحار من سمك
…
تسبيحه لا إله إلا هو
وكل ما في الوجود من بشر
…
تسبيحه لا إله إلا هو
وكل ما في الزمان من عجب
…
أعجبه لا إله إلا هو
وكل شيء تراه من حسن
…
أحسنه لا إله إلا هو
وكل شيء يلوح من ملح
…
زينته لا إله إلا هو
وكل أهل العلوم قد علموا
…
بأنه لا إله إلا هو
وكل أهل العقول قد فهموا
…
بأنه لا إله إلا هو
والإنس والجن كلهم شهدوا
…
بأنه لا إله إلا هو
والرعد والبرق إذ يسبحه
…
فقو له لا إله إلا هو
وكل من ضل عن طريق هدى
…
دليله لا إله إلا هو
وكل من يشتكي أذى سقم
…
شفاؤه لا إله إلا هو
وكل من أتاه بالذل مفتقراً
…
غناؤه لا إله إلا هو
ومن أتى يائسا ومنكسرا
…
فجبره لا إله إلا هو
يا غارقا في بحار غفلته
…
انهض وقل لا إله إلا هو
تعصيه جهرا وحلمه كرما
…
بستره لا إله إلا هو
يا قوم لا تغفلوا بجهلكم
…
عن ذكره لا إله إلا هو
كيف تنام العيون عن ملك
…
سبحانه لا إله إلا هو
تنسوه في الليل والنهار ولا
…
ينساكموا لا إله إلا هو
هو الإله العظيم قدرته
…
سبحانه لا إله إلا هو
يا فوز من مات وهو معتقد
…
يشهد أن لا إله إلا هو (1)
(1) انظر الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعلامة شعيب الحريفيش رحمه الله تعالى- (ص 277).