الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمان الرحيم
التوحيد أعظم النعم
اعلم أن التوحيد أعظم النعم وأكبرها، وأنفعها في الدنيا والآخرة، فعلى من أنعم الله عليه به أن يعرف قدر تلك النعمة، ويسعى في حفظها ورعايتها، ودوام الشكر عليها، وأن يجتهد في تقوية توحيده، بملازمة الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة.
واعلم أن للشهادتين أثراً عظيماً في تهذيب النفوس وتقويم الأخلاق، وتقوية الرابطة الاجتماعية.
فإن في شهادة «لا اله إلا الله» تحرير العقول من الأوهام، وتطهيراً للنفوس من أدران الشرك، وسمُوَّاً بها من حضيض العبودية لغير الله تعالى، ومن الانحطاط إلى رذيلة عبادة الأصنام والحيوان والإنسان. وبها جمعُ القلوب على معبود واحد، وتوجيه الوجوه إلى قبلة واحدة. ولهاذا التوحيد أثره الطيب في جمع القلوب وتعاون بنى الإنسان على الخير والصلاح.
كما أن شهادة «أن محمداً رسول الله» ، والإيمان برسالته صلى الله عليه وسلم وكتابه القويم تقوية للأخلاق، وإصلاحاً للنفوس، وأسوة حسنة في جميع الشئون.
فهاتان الكلمتان هما كنز المؤمن ورأس ماله، ومرجع سعادته في الدنيا والآخرة لمن تحقق بمقتضاهما، واستنار بسناهما فيما يلزمه في جانب
التوحيد. وفيما يلزمه من جانب الإتّبَاع لرسول الله الأكرم صلى الله عليه وسلم. فعلى قطب هاتين الشهادتين يدور صلاح الإنسان في الدارين (1).
…
فالإيمان بهما هو أصل الأصول وأنفس النفائس، وأعز الأشياء، وهو مع ذلك أشدها خطراً، وأشقها حفظاً، وأحوجها إلى حُسن التعهُّد والتفقد، وحُسن النظر والاحتياط، وكل عزيز ونفيس فعلى مثل ذلك يكون ويوجد. ولا يزال المؤمن الشفيق على دينه، المحتاج لإيمانه ويقينه سائلاً الله ومتضرعاً إليه: في أن يُثَبِّته على دينه وإيمانه، وأن لا يُزيغ قلبه بعد إذ هداه إلى توحيده ومعرفته، وأن يكون خائفاً من سلب ذلك وتزلزله. وقد كان بعض السلف يحلف بالله إنه ما أمِنَ أحدٌ على إيمانه أن يُسلَبه إلا سُلِبَه.
فالأمر الذي عليه المدار والتعويل والذي لا ينبغي لعاقلٍ من أهل الإيمان: أن يكون أعظم اهتماماً به وأشد حرصاً عليه وسعياً له من سلامة التوحيد وحفظ الإيمان حتى يموت ويخرج من الدنيا على ذلك بفضل الله وحسن تأييده وتثبيته؛ فإنه إن خرج من الدنيا على ذلك سلم من الشر كله وفاز بالخير كله دائماً أبداً. وإن خرج من الدنيا على خلاف ذلك خسر خسراناً مبيناً، وهلك هلاكاً مؤبداً والعياذ بالله!
…
ففقدُ التوحيد والإيمان هو الذي لا ينفع مع فقده شيء بحال كائناً ذلك الشيء ماكان، وإذا بقي مع العبد توحيدُه وإيمانه وسلما له، فليس يضرّه شيء ولو كان عاصياً مذنباً، فإما أن يغفر الله له، أو يعفو عنه، وإن عاقبه على ذنبه
(1) انظر مفتاح الجنة - للسيد أحمد مشهور بن طه الحداد - رحمه الله تعالى - (ص53 - 54) بتصرف.
كانت عقوبة منقضية غير مخلِّدة ولا مؤبدة؛ فإنه لا يخلّد في النار مؤمن، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال أدنى ذرّة من إيمان.
وقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يموتوا على الإيمان والإسلام، ووصف أنبياءه ورسله والصالحين من عباده: بأنهم يسألونه ذلك، ويدعونه به، ويتواصون به حرصاً عليه وإعظاماً له واغتباطاً به؛ فقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1).
وقال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). [البقرة:132].
وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(2).
وقال تعالى إخباراً عن المؤمنين من السحرة حين توعدهم فرعون لعنه الله: (وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَاّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)(3).الأعراف:126)
(1) سورة آل عمران: الآية: (102).
(2)
سورة يوسف: الآية101).
(3)
انظر الدعوة التامة والتذكرة العامة للإمام شيخ الإسلام الحبيب عبد الله بن علوي الحداد - رحمه الله تعالى - (ص205 - 206) بتصرفٍ.