الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: القيمة العلمية للتنقيح
تظهر قيمة الكتاب من خلال ثلاثة أمور:
1 -
متانة المادة العلمية التي يحويها.
2 -
مكانة المؤلف.
3 -
الإفادة منه.
وقد جمع كتاب "التنقيح" بين هذه الأمور الثلاثة، وبيان ذلك كما يلي: أولاً: متانة المادة العلمية.
إن الناظر في "التنقيح" يجده قائمًا على الرجوع إلى المصادر الأصلية العالية، ولا يكاد يوجد فيه شيء من الحشو أو ما تقل فائدته، بل ما تضمنه من معلومات هي الجوانب المهمة في الحكم على الحديث والاستدلال به.
فالمنقح اقتصر على المصادر المعتمدة في السنة النبوية، واعتمد على أقوال الأئمة المعتد بهم في هذا الفن.
ولم يجمع في كتابه كل ما هبّ ودبّ من الأسانيد والروايات، وكذلك لا نجده يشتغل بأقوال من هم ليسوا من أهل الفن.
وفي حالة ورود بعض المعلومات التي تحتاج إلى نظر نجده لا يتركها رحمه الله دون أن يحقق فيها ويحرر.
ومن هذا وذاك اكتسب هذا الكتاب متانة علمية عالية، ويمكن إجمال مزايا المادة العلمية لـ "التنقيح" فيما يلي:
1 -
أصالة المصادر وعلوها.
2 -
الاختصار غير المخل.
3 -
التحقيق والتحرير في المعلومات المنقولة.
ثانيًا: مكانة المؤلف العلمية.
الحافظ ابن عبد الهادي - كما سبق - قد أجمع العلماء على تمكنه في علم الحديث وتميزه فيه، وهذه المكانة كان لها أثر كبير في القيمة العلمية للكتاب، فالحافظ ابن عبد الهادي - فيما نحسب - كان موفقًا في التمييز بين الغث والثمين، وبين ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه، وكان رحمه الله دقيقًا في ما ينقله، وكان رحمه الله صاحب تحرير وتحري في ما يناقشه ويطرحه من مسائل كلية وجزئية، كما كان أئمة الحديث المتقدمين، ولهذا تجد أن كثيرًا من كلامه يضاهي كلامهم رحمهم الله تعالى جميعًا.
ومصداق ذلك أنك إذا وازنت بين الانتقادات التي وجهت إلى كتاب التنقيح وغيره من كتب التخريج - لا سيما السابقة له - وجدت أن ما وجه إلى التنقيح هو قليل جدًا بالنسبة لما وجه للكتب الأخرى، بل ستجد أن الكثير من تلك الانتقادات التي وجهت إلى غيره مأخوذة من "التنقيح"!!
ثالثًا: الإفادة منه.
إن الناظر في كتب أهل العلم بعد التنقيح يجدها قد أفادت من هذا الكتاب، بين مقل ومستكثر، ولا يكاد كتاب من الكتب المشاركة له في موضوعه إلا كان "التنقيح" من موارده، وهذه الإفادة كانت منذ زمن مبكر.
ولعل من أول من أفاد من "التنقيح" الحافظ الزيلعي في كتابه الشهير
"نصب الراية"، والحافظ الزيلعي معاصر لابن عبد الهادي، وتوفي بعده بأقل من عشرين سنة، فقد توفي سنة (762)، ونجد أن "التنقيح" كان من أهم مصادر الزيلعي في كتابه، لا سيما في مجال النقد، حتى قال الأستاذ / محمد عوامة في دراسته حول "نصب الراية" (ص: 166): (وقد أكثر - أي الزيلعي - من النقل عن ثلاثة مصادر في النقد والتعليل وهي " بيان الوهم والإيهام " لابن القطان (ت 628)، و" الإمام " لابن دقيق العيد (ت 702)، و"التنقيح" لابن عبد الهادي (ت 744).
وأقول - غير مبالغ ولا مسرف إن شاء الله -: لولا نصوص ابن القطان وابن دقيق وابن عبد الهادي في "نصب الراية" لفقد الكتاب نصف أهميته وقيمته العلمية) ا. هـ باختصار.
وقال في موضع آخر (ص: 182): (وابن عبد الهادي أحد أئمة هذا الشأن علمًا واطلاعًا ونقدًا وتمحيصًا - على قصر عمره - رحمه الله تعالى، ومما يدل على علو كعبه في هذا العلم أن الحافظ الزيلعي وابن عبد الهادي صنوان في التلمذة على شيوخ ذلك العصر، ومع هذا ترى الزيلعي يملأ كتابه من النقول النادرة الغالية عن ابن عبد الهادي رحمهما الله تعالى .... وأذكر هنا بما قلته فيما سبق من أن نصوص ابن دقيق العيد وابن القطان وابن عبد الهادي أفادت "نصب الراية" كثيرًا، ورفعت من قيمته العلمية كثيرًا، ولولاها لفقد نصف قيمته هذه، لبقائه حينئذ كتاب رواية وتخريج فقط) ا. هـ باختصار.
وهكذا كتب التخريج الأخرى كـ " البدر المنير " لابن الملقن، و"التلخيص" لابن حجر، كلها أفادت من "التنقيح".
ولم تقتصر الإفادة منه على الكتب المشاركة له في موضوعه، بل نجد حتى كتب الرجال قد أفادت منه، وكذا كتب المصطلح، وكذا كتب شروح
الأحاديث، وكتب الفقه.
ومن المستفيدين منه من ينص على اسمه صراحة، ومنهم من يبهم فيقول:(قال بعضهم) أو (قال بعض متأخري الحنابلة)، ومنهم من لا يشير إلى استفادته منه أصلاً.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن "التنقيح" قد كان سببًا في حفظ بعض نصوص العلماء التي فقدت مصادرها الأصلية، ومن ذلك ما فقد من أجزاء "المختارة" للضياء، فقد حفظ لنا "التنقيح" شيئًا من المعلومات الواردة في تلك الأجزاء، كما حفظ لنا الكثير من أقوال شيخيه ابن تيمية والمزي التي لا يعرف لها مصدر آخر، والحمد لله أولاً وآخرًا.
* * *