المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في أسماء المواضع - تهذيب الأسماء واللغات - جـ ٤

[النووي]

الفصل: ‌فصل في أسماء المواضع

‌فصل في أسماء المواضع

مأرب: مذكور في كتاب إحياء الموات: هو بهمزة ساكنة بعد الميم ثم راء مكسورة ثم باء موحدة، ويجوز تخفيف الهمزة وجعلها ألفا كما في رأس وشبهه.

المأزمان: المذكوران في صفة الحج هما بهمزة ساكنة بعد الميم الأولى وبعدها زاي مكسورة وهما مثنيان، واحدهما مأزم، وهو الذي ذكرته من كونه مهموزا، متفق عليه لا خلاف فيه بين أهل اللغة والحديث والضبط، لكن يجوز تخفيفها بقلب الهمزة ألفا، كما في رأس وشبهه، ولا يصح إنكار من أنكر على المتفقهين ترك الهمزة، ونسبهم إلى اللحن بل هو غالط، فإن تخفيف هذه الهمزة جائز باتفاق أهل العربية فمن همز فهو على الأصل، ومن لم يهمز فهو على التخفيف، فهما جائزان فصيحان، والمأزمان جبلان بين عرفات والمزدلفة بينهما طريق، هذا معناهما عند الفقهاء، فقولهم على طريق المأزمين أي: الطريق التي بينهما، وأما أهل اللغة فقالوا: المأزم الطريق الضيق بين الجبلين. وذكر الجوهري قولا آخر فقال: المأزم أيضا موضع الحرب، ومنه سمي الموضع الذي بين مزدلفة وعرفة مأزمين.

محسر: مذكور في صفة الحج هو بميم مضمومة ثم حاء مفتوحة ثم سين مشددة مكسورة ثم راء مهملات في صحيح مسلم في باب استحباب استدامة التلبية حتى يرمي جمرة العقبة عن ابن عباس: "أن وادي محسر من منى".

المحصب: المذكور في صفة الحج وهو الذي نزله النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من منى، وهو بميم مضمومة ثم حاء ثم صاد مشددة مهملتين مفتوحتين ثم باء موحدة، وهو اسم لمكان متسع بين مكة ومنى. قال صاحب المطالع: هو أقرب إلى منى، قال: وهو الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة، والمحصب أيضا موضع الجمار من منى، ولكن ليس هو المراد بالمحصب هنا.

قلت: وقد أوضحت حد المحصب في الروضة، وأنه ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقبرة منه، وقال: وسمي لاجتماع الحصى فيه بحمل السيل إليه فإنه موضع منهبط، وهو بقرب مكة.

وقول صاحب المطالع: أنه أقرب إلى منى ليس بصحيح. قال أصحابنا في كتب

ص: 148

المذهب: حد المحصب ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقبرة منه، قال: وسمي لاجتماع الحصباء فيه لأنه منهبط وتحمل السيل إليه الحصباء. وقال الأزرقي في حد المحصب من الحجون: مصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى حرمان مرتفعا عن بطن الوادي، فذلك كله المحصب، والحجون هو الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة على يمينك وأنت مصعد.

المدينة: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زادها الله تعالى فضلا وشرفا، ولها أسماء: المدينة وطيبة بفتح الطاء المهملة وإسكان الباء وبعدها باء موحدة، وطابة. وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل سمى المدينة طابة” قيل: سميت بذلك من الطيب، وهي الرائحة الحسنة، والطاب والطيب لغتان بمعنى واحد. وقيل: مأخوذة من الشيء الطيب لخلوصها من الشرك وطهارتها منه. وقيل: لطيبها لساكنيها لأمنهم ودعتهم فيها. وقيل: من طيب العيش بها، ويقال طاب لي الشيء أي: وافقني، ومن أسمائها الدار سميت بذلك لأمنها وللاستقرار بها، ومن أسمائها: يثرب، وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة” قال الترمذي: حديث حسن.

مرج الصفر: الموضع المعروف بقرب دمشق بينهما دون مرحلة. قال أبو الفتح الهمداني: الصفر هنا جمع صافر كشاهد وشهد، والصافر طير جبان، ومنه قولهم أجبن من صافر. والصافر: اللص ولا شيء أجبن منه لخوفه أن يفاجا على تلك الحال، والصافر أيضا كل من الطير، قال: فإن كان الصفر هنا من المعنى الأول فلأنه موضع مخافة تكون به اللصوص التي يصفر بعضها لبعض، وإن كان من الثاني فلأنه مكان خال يجتمع فيه الطير فيصفر.

مر: مذكور في أول صلاة المسافر من المهذب في قوله: قال عطاء: قلت لابن عباس: أقصر إلى مرّ، قال: لا، وهو بفتح الميم وتشديد الراء، ويقال له مر الظهران بفتح الظاء المعجمة وإسكان الهاء فمر قرية ذات نخل وثمار وزرع ومياه، والظهران: إسم للوادي، هكذا نقله الحازمي عن سنان، وهو على أميال من مكة إلى

ص: 149

جهة المدينة والشام. قال الحازمي: قال الواقدي: بين مكة ومر خمسة أميال. وقال صاحب المطالع: بينهما يريد يعني أربعة أميال. قال: وقال ابن وضاح: بينهما أحد وعشرون ميلا. وقيل: ستة عشر ميلا. قلت: من قال خمسة أو أربعة أميال أو نحوها فهو غلط وإنكار للحس، بل الصواب أحد القولين الآخرين، والله تعالى أعلم. وقوله: “أقصر إلى مر” يعني إذا سافرت من مكة إلى مر.

المروة: بفتح الميم بينتها في حرف الصاد مع الصفا.

المزدلفة: فيها مسجد. قال الأزرقي والماوردي في الأحكام السلطانية وغيره من أصحابنا: المزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الحران منها، وتسمى جمعا بفتح الجيم وإسكان الميم لاجتماع الناس بها، وسميت المزدلفة لازدلاف الناس إليها أي: اقترابهم. وقيل: لاجتماع الناس بها. وقيل: لاجتماع آدم وحواء. وقيل: لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي: ساعات. قال الأزرقي: في ذرع مسجدها تسع وخمسون ذراعا وشبر في مثله.

المسجد الأقصى: هو بيت المقدس باتفاق العلماء، وكذا نقل الاتفاق عليه الواحدي قالوا كلهم: وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام.

المسجد الحرام: زاده الله تعالى فضلا وشرفا. قال الأزرقي: في ذرع المسجد الحرام مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وذرعه طولا من باب بني جمح إلى باب بني هاشم الذي عنده العلم الأخضر مقابل دار العباس ابن عبد المطلب أربعمائة ذراع وأربعة أذرع مع جدرانه ثم يمر في بطن الحجر لاصقا بوجه الكعبة، وعرضه من باب دار الندوة إلى الجدار الذي يلي الوادي عند باب الصفا لاصقا بوجه الكعبة ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع.

قال الأزرقي: وأما عدد أساطين المسجد الحرام فمن شقه الشرقي مائة وثلاث أسطوانات، ومن شقه الغربي مائة أسطوانه وخمس أسطواناتن ومن شقه الشامي مائة وخمس وثلاثون أسطوانه، ومن شقه اليماني مائة واحد وأربعون أسطوانه، طول كل أسطوانه عشرة أذرع، وتدويرها ثلاثة أذرع، وبعضها يزيد على بعض في الطول، والغلظ من هذه الأساطين على الأبواب عشرون أسطوانه منها: على الأبواب التي بلي الوادي والصفا عشر، وعلى التي تلي باب بني جمح

ص: 150

أربع، وعلى الأبواب التي تلي المسعى ست، وذرع ما بين كل أسطوانتين من أساطينه ستة أذرع وثلاث عشرة أصبعا، وذرع ما بين الركن الأسود إلى مقام إبراهيم عليه السلام تسعة وعشرون ذراعا وتسع أصابع، وذرع ما بين جدار الكعبة من وسطها إلى المقام سبعة وعشرون ذراعا، وذرع ما بين شاذروان الكعبة والمقامات ستة وعشرون ذراعا ونصف، ومن الركن الشامي إلى المقام ثمانية وعشرون ذراعا، وتسع عشرة أصبعا من الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى حد حجرة زمزم ستة وثلاثون ذراعا ونصف، ومن الركن الأسود إلى رأس زمزم أربعون ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة إلى جدار المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة إلى الجدار الذي يلي باب بني جمح مائة وتسعة وتسعون ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة إلى الجدار الذي يلي الوادي مائة ذراع وأحد وأربعون ذراعا وثماني عشرة أصبعا، ومن وسط جدار الكعبة الذي يلي الحجر إلى الجدار الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعا وأربع عشرة أصبعا، ومن الركن الأسود إلى وسط باب الصفا مائة وخمسون ذراعا وست أصابع، ومن الركن الشامي إلى وسط باب بني شيبة مائتا ذراع وخمسة وأربعون ذراعا وخمس أصابعن ومن الركن الأسود إلى سقاية العباس وهو بيت الشراب خمسة وأربعون عشرة ذراعا، ومن الركن الأسود إلى الصفا مائتا ذراع واثنان وتسعون ذراعا وثماني عشرة أصبعا، ومن المقام إلى جدار المسجد الذي يلي المسعى مائة ذراع

وثمانية وثمانون ذراعان ومن المقام إلى الدار الذي يلي باب بني جمح مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعا، ومن المقام إلى الجدار الذي يلي دار الندوة مائتا ذراع وخمسة وأربعون ذراع، ومن المقام إلى الجدار الذي يلي الصفا مائة ذراع وأربعة وستون ذراعا ونصف ذراع، ومن المقام إلى جدار حجرة زمزم اثنان وعشرون ذراعا، ومن المقام إلى حرف زمزم أربعة وعشرون ذراعا وعشرون أصبعا.

قال: وللمسجد الحرام ثلاثة وعشرون بابا، فيها ثلاث وأربعون طاقا من ذلك الباب الأول الكبير الذي يقال له باب بني شيبة، وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف، وبهم كان يعرف في الجاهلية والإسلام عند أهل مكة فيه اسطوانتان وعليه ثلاث طاقات، والطاقات طولها عشرة

ص: 151

أذرع، ووجوهها منقوشة بالفسيفساء، وعلى الباب روشن ساج منقوش مزخرف بالزخرف، والذهب طول الروشن سبعة وعشرون ذراعا، وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن الروشن إلى الأرض سبعة عشر ذراعا، وما بين مصراعي الباب أربع وعشرون ذراعا، وفي عتبة الباب أربع مراقي داخلة ينزل بها في المسجد الحرام.

ثم ذكر باقي الأبواب مفصلة، قال: وذرع جدار المسجد الذي يلي باب المسعى، وهو الشرقي ثمانية عشر ذراعا في السماء، وطول الجدار الذي يلي الوادي وهو الشق اليماني في السماء اثنان وعشرون ذراعا، وطول الجدار الذي يلي باب بني جمح وهو الغربي اثنان وعشرون ذراعا ونصف، وطول الجدار الذي يلي دار الندوة وهو الشامي تسعة عشر ذراعا ونصف، وعدد شرافات المسجد الحرام مائتا شرافة واثنتان وسبعون شرافة ونصف شرافة، وعدد قناديله أربعمائة وخمسة وخمسون قنديلا، وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع، وستة وستون ذراعا ونصف ذراع.

وأعلم: أن المسجد الحرام ويراد به الكعبة فقط، وقد يراد به المسجد حولها معها، وقد يراد به مكة كلها مع الحرم حولها بكماله. وقد جاءت نصوص الشرع بهذه الأقسام الأربعة: فمن الأول قول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: من الآية144)، ومن الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: “صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام”، ومن الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام إلى آخره” ومن الرابع: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة: من الآية28) وأما قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: من الآية196) فقال العلماء من أصحابنا وغيرهم: حاضروه من كان منه لا تقصر فيها الصلاة.

ثم اختلف أصحابنا في أن هذه المسافة هل تعتبر من نفس مكة أو من طرف الحرم؟ والأصح من طرف الحرم، فتحصل من هذا خلاف في المراد بالمسجد الحرام هل هو كل الحرم وهو الأصح، أم مكة وحدها. وأما قوله تعالى:{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} (الحج: من الآية25) فحمله الشافعي رضي الله تعالى عنه وأصحابه ومن وافقهم على المسجد الحرام الذي حول الكعبة مع الكعبة، فقالوا: هذا يستوي فيه الناس، ولا يجوز بيعه ولا إجارته، وأما ما سواه من دور مكة وسائر بقاع الحرم

ص: 152

فيجوز بيعها وأجارتها، وحمله أبو حنيفة وأصحابه ومن وافقهم على جميع الحرم، فلم يجوزوا بيع شيء منه ولا إجارته، والمسألة مشهورة بالخلاف.

وأما قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} (الاسراء: من الآية1) فقال المفسرون: إن المراد به مكة، وكان الإسراء من بيت أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها، وليس ما ادعوه من الحرم بذلك.

قال الأزرقي: ومن باب المسجد الحرام، وهو الباب الكبير باب بني عبد شمس الذي يعرف اليوم ببني شيبة إلى أول الأميال، وموضعه على جبل الصفا. والميل الثاني الذي في حد جبل المغيرة، والميل طوله ثلاثة أذرع وهو من الأميال المروانية. وموضع الميل الثالث بين مأزمي منى. وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمس عشر ذراعا. وموضع الميل الخامس وراء قرن الثعالب بمائة ذراع. وموضع الميل السادس في جدار حائط محسر وبين جدار حائط محسر ووادي محسر خمسمائة ذراع، وخمس وأربعون ذراعا. وموضع الميل السابع دون مسجد مزدلفة بمائتي ذراع وسبعين ذراعا. وموضع الميل الثامن من حد الجبل دون مأزمي عرفة، وهو بحيال سقاية زبيدة والطريق بينه وبين سقاية زبيدة، وهو على يمينك وأنت متوجه إلى عرفات. وموضع الميل التاسع ما بين مأزمي عرفة بفم الشعب الذي يقال له شعب المبال الذي بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة ليلة المزدلفة. وموضع الميل العاشر حيال سقاية ابن برمك وبينهما طريق، وهو في حد الجبل جبل المنظر. وموضع الميل الحادي عشر في جدار الدكان الذي تدور حوله قبلة مسجد عرفة مسجد إبراهيم خليل الرحمن صلواته وسلامه على خليله، بينه وبين جدار المسجد خمسة وعشرون ذراعا. وموضع الميل الثاني عشر خلف الإمام حيث يقف عشية عرفة على قرن يقال له النابت بينه وبين موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أذرع، فما بين المسجد الحرام وبين موقف الإمام بعرفة بريد لا يزيد ولا ينقص، هذا كلام الأزرقي.

ص: 153

مسجد الخيف: مسجد عرفة الذي يقال له مجسد إبراهيم عليه السلام. قال الأزرقي: في ذرع ما بين مسجد مزدلفة إلى مسجد عرفة ثلاثة أميال وثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعة عشر ذراعا، قال: وذرع سعة مسجد عرفة من مقدمه إلى مؤخره مائة ذراع وثلاثة وستون ذراعا، ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر بين عرفة والطريق مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعا وله مائتا شرافة وثلاثة شرافات ونصف وله عشرة أبواب، ومن حد الحرم إلى مسجد عرفة ألف ذراع وستمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن نمرة وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، ومن تحت جبل عرفة غار أربعة في خمسة أذرع ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف وهو منزل الأئمة إلى اليوم، والغار داخل في حد دار الإمام، ومن الغار إلى مسجد عرفة ألفا ذراع وإحدى عشر ذراعا، ومن مسجد عرفة إلى موقف الإمام عشية عرفة ميل، يكون الميل خلف الإمام إذا وقف، وهو على حيال جبل المشاة.

المشعر الحرام: بفتح الميم كذا التلاوة في القرآن والرواية في الحديث، قال صاحب المطالع الأنوار: ويجوز كسر الميم لكنه لم يرو إلا بالفتح. وقد حكى الجوهري وغيره لغة الكسر ومعنى الحرام المحرم الذي يحرم فيه الصيد وغيره فإنه من الحرم، ويجوز أن يكون معناه ذو الحرمة. وأختلف فيه فالمعروف في كتب أصحابنا في المذهب: أن المشعر الحرام قزح وهو جبل معروف بالمزدلفة، والمعروف في كتب التفسير والحديث والأخبار والسير أنه المزدلفة كلها، وسمي مشعرًا لما فيه من الشعائر، وهي معالم الدين وطاعة الله تعالى، وثبت في صحيح البخاري في كتاب الحج في باب من قدم ضعفة أهله بليل: عن سالم بن عبد الله قال: “كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة ويذكرون الله تعالى” وهذا دليل على ما قاله أصحابنا.

مصر: البلد المعروفة فيها لغتان الصرف وتركه، والفصيح الذي جاء به القرآن ترك الصرف، ومما ذكر في مفاخرها إسلام السحرة، وكانوا خلائق في لحظة واحدة {قالوا آمنا برب العلمين} قوله

ص: 154

في باب مواقيت الحج من المهذب: “لما فتح المصران أتوا عمر رضي الله تعالى عنه يعني ليحد لهم ميقاتا” المصران: بكسر الميم والنون تثنية مصر، وهو البلد الكبير العظيم، والمراد بهما الكوفة والبصرة.

المقام: مقام إبراهيم خليل الله عليه السلام هو في المسجد الحرام، قبالة باب البيت وهو موضع معروف، هذا مراد الفقهاء بقولهم: يصلي ركعتي الطواف خلف المقام، وشبه ذلك من ألفاظهم.

وأما المفسرون: فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرًا منشرا، وقد قدمنا عن ابن عباس وابن عمرو بن العاصي في باب الحاء في المواضع: أنهما قالا “الحجر الأسود والمقام من الجنة”. قال أبو الوليد الأزرقي في ذرع المقام ذراع: قال: وهو مربع سعة أعلاه أربعة عشر أصبعا في أربعة عشر أصبعا، ومن أسفله مثل ذلك، وفي طرفيه من أعلاه وأسفله طوقان من ذهب، وما بين الطوقين من الحجر من المقام بارز، بلا ذهب عليه طوله من نواحيه، كلها تسع أصابع، وعرضه عشر أصابع عرضا في عشر أصابع طولا، وعرض حجر المقام من نواحيه إحدى وعشرون أصبعا ووسطه مربع، والقدمان داخلتان في الحجر تسع أصابع، ودخولهما منحرفتان، وبين القدمين من الحجر أصبعان، ووسطه قد استدق من التمسح به، والمقام في حوض من ساج مربع حوله رصاص، وعلى الحوض صفائح رصاص ملبس به، وعلى المقام صندوق ساج مسقف، ومن وراء المقام ملبس بساج في الأرض، في طرفيه سلسلتان يدخلان في أسفل الصندوق ويقفل عليهما فيهما قفلان، وهذا الموضع الذي فيه المقام اليوم هو الموضع الذي كان فيه في الجاهلية، ثم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، ولم يغير من موضعه إلا أنه جاء سيل في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقال له سيل أم نهشل؛ لأنه ذهب بأم نهشل بنت عبيدة بن أبي أحيحة فماتت فيه، فاحتمل ذلك السيل المقام من موضعه هذا، فذهب به إلى أسفل مكة فأتي به فربطوه في أستار الكعبة في وجهها، وكتبوا بذلك إلى عمر، فأقبل عمر رضي الله تعالى عنه من المدينة فزعا فدخل بعمرة في شهر رمضان وقد

ص: 155

غبي موضعه وعفاه السيل، فجمع عمر الناس وسألهم عن موضعه وتشاوروا عليه حتى اتفقوا على موضعه الذي كان فيه فجعل فيه، وعمل عمر الردم لمنع السيل، فلم يعله سيل بعد ذلك إلى الآن، وروى الأزرقي أن موضع المقام الذي هو فيه الآن هو موضعه في الجاهلية وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وكان ذهب به السيل في خلافة عمر فقدم عمر فرده إلى

موضعه بمحضر من الناس. وروي نحو هذا عن عروة ابن الزبير وآخرين: وبعث أمير المؤمنين المهدي ألف دينار لينصبوا بها المقام وكان قد انثلم، ثم أمر المتوكل أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب أحسن من ذلك العمل، فعمل في مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين فهو الذهب الذي عليه اليوم، وهو فوق الذي عمله المهدي، والله تعالى أعلم.

مكة: زادها الله تعالى شرفا وفضلا، هي أفضل الأرض عند الشافعي وجماعات من العلماء وبعدها المدينة وعند مالك المدينة أفضل ثم مكة وسنبين أدلة ذلك موضحة إن شاء الله تعالى في المجموع في شرح المهذب. قيل: سميت مكة لقلة مائها من قولهم امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه. وقيل: لأنها تمك الذنوب أي: تذهب بها. ولمكة أسماء: بكة بالباء وقد تقدمت في الباء وتقدم الخلاف في الفرق بينهما، والبلد الأمين، والبلدة، وأم القرى، وأم رحم: بضم الراء وإسكان الحاء، نقله الماوردي في الأحكام السلطانية عن مجاهد، وقال: سميت به لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون. وصلاح: بفتح الصاد وكسر الحاء مبني على الكسر كقطام وحذام ونظائرهما، حكاه مصعب الزبيري. قال الماوردي: لأمنها. والباسة: بالباء والسين المهملة. قال المارودي: لأنها تبس مَنْ ألحد فيها أي: تحطمه وتهلكه، ومنه قوله تعالى:{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} (الواقعة:5)، قال الماوردي وصاحب المطالع وغيرهما: ويروى الناسة بالنون. قال في المطالع: ويقال الناسة.

قال الماوردي: لأنها تنس من ألحد فيها أي: تطرده وتنفيه كذا قاله الماوردي. وقال الجوهري في صحاحه: قال الأصمعي: النس النبس يقال نس ينس وينس أي: يبس، وجاءنا بخبزة ناسة، ومنه قيل: لمكة الناسة لقلة مائها. وقال صاحب المطالع: ومن أسمائها: الحاطمة: لحطمها الملحدين، والرأس: مثل رأس الإنسان، وكوبى: باسم بقعة فيها، والعرش والقادس والمقدسة من

ص: 156

التقديس فهذه ستة عشر اسما.

وأعلم: أن كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى كما في أسماء الله تعالى وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نعلم بلدا أكثر أسماء من مكة والمدينة لكونهما أفضل الأرض، وذلك المقتضية للتسمية. قال الماوردي: ولم تكن مكة ذات منازل، وكانت قريش بعد جرهم، والعمالقة ينتجعون جبالها وأوديتها ولا يخرجون من حرمها انتسابا إلى الكعبة لاستيلائهم عليها، وتخصصها بالحرم لحلولهم فيه، ويرون أنهم سيكون لهم بذلك شأن كلما كثر فيهم العدد.

الملتزم: ذكروه في هذه الكتب، وقالوا: هو ما بين ركن الكعبة والباب يعنون: بين الركن الذي فيه الحجر الأسود وباب الكعبة وهذا متفق عليه. وقال الأزرقي: وذرعه أربعة أذرع وهو بضم الميم وإسكان اللام وفتح التاء والزاي سمي بذلك؛ لأن الناس يلتزمونه في الدعاء، ويقال له المدعى والمتعود بفتح الواو، وهو من المواضع التي يستجاب فيها الدعاء هناك، وهي مواضع ذكرتها في المناسك.

منى: بكسر الميم تصرف ولا تصرف، واقتصر ابن قتيبة في أدب الكاتب على أنها لا تصرف، واقتصر الجوهري في الصحاح على أن منى مذكر مصروف سميت بذلك لما تمنى فيها من الدماء أي: تراق وتصب، هذا هو المشهور الذي قاله الجماهير من أهل اللغة وغيرهم، ونقل الأزرقي وغيره أنها سميت بذلك؛ لأن آدم لما أراد مفارقة جبريل عليه السلام قال له: تمن، قال: أتمنى الجنة. وقيل: أنها من قولهم منى الله تعالى الشيء أي: قدره فسميت بذلك لما جعل الله تعالى من الشعائر فيها. قال الجوهري: قال يونس: امتنى القوم إذا أتوا منى.

وقال ابن الأعرابي: أمنى القوم وهي من حرم مكة زادها الله تعالى شرفا، وهي شعب ممدود بين جبلين أحدهما ثبير والآخر الضائع، وحدها من جهة الغرب ومن جهة مكة جمرة العقبة، ومن الشرق وجهة مزدلفة وعرفات بطن المسيل إذا هبطت من وادي محسر. وقال بعض المصنفين في هذا ذرع منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع ومائتا ذراع، ومن مكة إلى منى ثلاثة أميال. قال الأزرقي وأصحابنا: هي ما بين جمرة العقبة ووادي محسر. قال الأزرقي: ذرع ما بين جمرة العقبة ووادي محسر سبعة الآف ذراع ومائتا ذراع، قال: وعرض منى من مؤخر المسجد

ص: 157