المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها} - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ٤

[عثمان بن المكي التوزري]

فهرس الكتاب

- ‌{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها}

- ‌{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما}

- ‌{فصل في الاعتصار}

- ‌{فصل في العمرى وما يلحق بها}

- ‌{فصل في الإرفاق}

- ‌{فصل في حكم الحوز}

- ‌{فصل في الاسىتحقاق}

- ‌{فصل في العادية والوديعة والأمناء}

- ‌{فصل في القرض وهو السلف}

- ‌{فصل في العتق وما يتصل به}

- ‌ باب الرشد

- ‌{فصل في الوصية وما يجري مجراها}

- ‌{فصل في الإقرار}

- ‌فصل في حكم المديان*

- ‌فصل في الفلس*

- ‌باب في الضرر وسائر الجنايات*

- ‌فصل في ضرر الأشجار*

- ‌فصل في نسقط القيام بالضرر*

- ‌فصل في الغصب والتعدي*

- ‌فصل في الاغتصاب*

- ‌فصل في دعوى السرقة*

- ‌فصل في أحكام الدماء*

- ‌فصل في الجراحات*

- ‌باب التوارث والفرائض*

- ‌فصل في ذكر عدد الوارثين*

- ‌فصل في ذكر أحوال الميراث*

- ‌فصل في المقدار الذي يكون به الإرث*

- ‌فصل في ذكر حالات وجوب الميراث*

- ‌فصل في ذكر أهل الفرائض وأصولها*

- ‌فصل في ذكر حجب الإسقاط*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل إلى فرض*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل للتعصيب*

- ‌فصل في موانع الميراث*

الفصل: ‌{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها}

بسم الله الرحمن الرحيم

{وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم}

(ولما) فرغ الناظم رحمه الله تعالى من الكلام على المعاوضات وتوابعها شرع يتكلم على التبرعات ولواحقها فقال

{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها}

أي من الفصول الآتي بيانها. وابتدأ بالحبس الموقوف رقبته في الوجه الذي يعينه الواقف له لأنه أكثرها ثوابًا فالصدفة والهبة لاشتراك هذه الثلاثة في شرط الحيازة ثم اتبع الهبة بالاعتصار لأنه مخصوص بها عند الإطلاق ثم عطف على ذلك العمري وما ألحق بها من المنحة والاخدام ثم أفرد الإرفاق على حدة وكل ذلك من أنواع الهبة ثم أردفها بالحوز لمناسبته لما سبق من التبرعات لأنه شرط فيها ثم اتبعه بالاستحقاق لتعلق كثير من أحكامه بسبقية الحوز ثم ذكر بعد العارية والوديعة والأمناء فمناسبة العارية

ص: 2

لما سبق من التبرعات ظاهرة ومناسبة الوديعة للعارية في وقوع الضمان فيهما بموجباته واشتباه فصل الأمناء بهما في عدم الضمان بحكم الأمانة ثم الحق بذلك كله فصل القرض لاشتراكه مع أكثر فصول هذا الباب لانتفاع المقترض بما يقترضه من عين أو طعام ونحوهما كما ينتفع به مالكه كذا في الشارح. ولكل واحد من هذه المذكورات شرح يذكر في محله إن شاء الله تعالى (فأما) الحبس ويعبر عنه بالوقف والصدقة فأبحاثه ثلاثة (الأول) في معناه لغة واصطلاحًا (والثاني) في حكم التحبيس (والثالث) في حكمة مشروعيته (فأما) معناه في اللغة فهو المنع قال صاحب المصباح الحبس أي بفتح أوله وسكون ثانيه المنع وهو مصدر حبسته من باب ضرب ثم أطلق على الموضع وجمع على حبوس مثل فلس وفلوس وحبسته بمعنى وقفته فهو حبيس والجمع حبس مثل بريد وبرد وإسكان الثاني للتخفيف لغة ويستعمل الحبس في كل موقوف واحدًا كان أو جماعة وحبسته بالتثقيل مبالغة وأحبسته بالألف مثله فهو محبوس (وقال) وقفت الدار وقفًا حبستها في سبيل الله وشيء موقوف ووقف أيضًا تسمية بالمصدر ولجمع أوقاف مثل ثوب وأثواب ووقفت الرجل عن الشيء منعته عنه اهـ. (وفي الاصطلاح) عرفه الإمام ابن عرفة بقوله الوقف مصدرًا إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازمًا بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرًا واسمًا ما أعطيت منفعته الخ (فقوله) مدة وجوده مبني على أن الحبس لا يكون إلا مؤبدًا وإطلاق الحبس على غير المؤبد مجاز عنده كما صرح به في غير هذا فخرج بقوله مدة وجوده العارية والعمرى لأن المنفعة فيهما ليست مدة وجود ذلك الشيء بل العارية تنقضي بانقضاء مدتها والعمرى تنقضي بموت المعطى له (وخرج) بقوله لازمًا بقاؤه العبد المخدم ما دام حيًا يموت قبل موت سيده لأنه غير لازم بقاؤه في ملك معطيه لجواز بيعه برضى المعطي مع معطاه. وأما إن مات سيده قبله فإنه يبطل إخدامه ويرجع لورثة السيد كما في الحطاب. وقوله في ملك معطيه أي على المشهور ففي المقري وغيره وقف المساجد إسقاط إجماعًا كالعتق لا ملك لأحد فيها لقول الله تعالى وإن المساجد لله فلا تدعوا مع

ص: 3

الله أحدًا. ولأنها تقام فيها الجماعات والجمعة والجمعة لا تقام في المملوكات أما وقف غيرها فهل يسقط أصل ملكه أو لا يسقطه وهو ظاهر المذهب خلاف. وقوله ولو تقديرًا قال الاجهوري يحتمل ولو كان الملك تقديرًا ويحتمل ولو كان الإعطاء تقديرًا فالأول كقوله إن ملكت دار فلان فهي حبس. والثاني كقوله داري حبس على من سيكون وعلى هذا فالمراد بالتقدير التعليق. وقال عمر الفاسي قول ابن عرفة ولو تقديرًا كان الصواب إزالة ولو والله أعلم أهـ (قلت) ويوضح هذا قول الزرقاني عند قول المصنف والملك للواقف لا الغلة الخ فالمراد بالملك في جميع ذلك في شيء خاص وهو ما أشار له بقوله فله ولوارثه منع من يريد إصلاحه لا الملك الحقيقي اهـ (راما حكمه) فهو جائز عند أكثر العلماء فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس سبع حوائط وحبس عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعبد الله ابن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين دورا وحوائط واستشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا لم أصب أعجب إلي منه وأريد أن أتصدق به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس الأصل وسبل الثمرة (فكتب) هذا ما تصدق به عمر بن الخطاب صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث على الفقراء وذوي القربى وفي سبيل الله وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف (وقد) قيل لمالك إن شريحا كان لا يرى الحبس ويقول لا حبس عن فرائض الله تعالى فقال مالك تكلم شريح ببلدة ولم يرد المدينة فيرى آثار الأكابر من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم وهلم جرا إلى اليوم وما حبسوا من أموالهم لا يطعن فيها طاعن وهذه صدقات النبي صلى الله عليه وسلم سبع حوائط وينبغي للمرء أن لا يحكم إلا فيما أحاط به خبرا. وبهذا احتج مالك رحمه الله لما ناظر أبا يوسف بحضرة الرشيد فقال هذه أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقاته ينقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن فقال حينئذ أبو يوسف رحمه الله كان أبو حنيفة يقول إنها غير جائزة وأنا

ص: 4

أقول إنها جائزة فرجع في الحال عن قول أبي حنيفة رضي الله عنه إلى الجواز (وأما) حكمة مشروعيته فلتكثير الأجر وعموم النفع فهو من التبرعات المندوبة إذا كان على الوجه الشرعي (قال) الله تعالى وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا (وقد) نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جاربة أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له (قال) الغزالي وليس الصدقة الجارية إلا الوقف (واعلم) إن مسائل هذا الباب كلها ترجع إلى قسمين أركان ولواحق فأما الأركان فأربعة (الركن الأول) المحبس وشرطه إن لا يكون مكرهًا عليه. وأن يكون من أهل التبرع بما يريد تحبيسه فتدخل الزوجة والمريض في الثلث ويخرج المحجور عليه في القليل والكثير ولو أذن له حاجره كخروجهما فيما زاد على الثلث إلا إذا أجازه الزوج أو الوارث فأنه يلزم (فرع) لو حبس ذمي دارًا مثلًا على مسجد فإنه لا يصح لأن هذه الجهة يجب أن تخص بأفضل الأموال وأطيبها وأموال الكفار أبعد الأموال عن ذلك فيجب أن تنزه عنها المساجد كذا في ابن راشد نقلًا عن منتقي الباجي (الركن الثاني) الحبس وإليه أشار الناظم بقوله

(الحبس في الأصول جائز وفي

منوع العين بقصد السلف)

يعني أن تحبيس الأصول جائز وذلك كالأراضي والديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمقابر والطرقات والمصانع التي هي مجمع ماء المطر والآبار والقناطر لا ما كان كالمقطع فإنه لا يجوز تحبيسه لأنه لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه ولا يمكن خلفه فلا يبقى فيه حق للواقف كذا في المعيار هذا إذا كان الأصل غير شائع بل ولو كان شائعًا لا يقبل القسمة فإنه يجوز تحبيسه على القول المعمول به (قال) الزرقاني وعلى الصحة يجبر الواقف على البيع إذا طلبه شريكه ويجعل الواقف ثمن حصته في مثل وقفه وهل يجبر أم لا قولان اهـ وسيأتي تحبيس المشاع في كلام الناظم مشروحًا وكذلك

ص: 5

يجوز تحبيس الدنانير والدراهم لقصد السلف بشرط أن توضع تحت يد أمين بإشهاد على أن يسلفها لمن احتاج إليها بمن كان مليًا أما برهن أو حميل احتياطًا أو بلا شيء بحسب ما يراه الذي وضعت تحت يده (وقوله) الحبس بسكون الباء لغة كما مر. وقوله منوع العين من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العين المنوعة إلى ذهب وفضة (تنبيه) يشترط في صحة ما أريد تحبيسه أن يكون مملوكًا ذاتًا أو منفعة بان كان بكراء وسواء كانت مدة كرائه محدودة فإذا انقضت يرجع ملكًا لصاحبه أو كانت غير محدودة وهو ما كان على وجه الإنزال على القول المعمول به كما في البناني وغيره وأما الإنزال فإن كان على أصل حبس كما هو الغالب فلا يصح تحبيسه لأنه حبس والحبس لا يحبس وإن كان على أصل ملك كما يقع في بعض حوانيت السرقة وديار سكنى اليهود بتونس صح تحبيسه كما يصح تحبيس السلاطين إذا كان على وجوه البر وإلا فلا كتحبيس الفضولي لأنه ليس في مقابلة عوض ولو رضى المالك بخلاف البيع ثم قال

(ولا يصح في الطعام واختلف

في الحيوان والعروض من سلف)

يعني أن تحبيس الطعام غير صحيح لأن المنفعة فيه هي استهلاك عينه وما درج عليه الناظم في هذا الفرع ضعيف والمذهب جواز الحبس فيه وفي كل ما لا يعرف بعينه إذا غلب عليه لأنه يؤتى بمثله بخلاف المقطع المتقدم فإنه لا يمكن الإتيان بمثله، واختلف المتقدمون رحمهم الله تعالى في تحبيس الحيوان والعروض والمشهور الجواز (وقوله) واختلف بفتح اللام فعل ماض من بفتح الميم اسم موصول فاعله وجملة سلف أي تقدم صلته (والركن الثالث) المحبس عليه وشرطه أن يكون من أهل التملك وهو ما يجوز صرف منفعته له أو فيه فالأول أشار إليه الناظم بقوله

(وللكبار والصغار يعقد

وللجنين ولمن سيوجد)

يعني أنه يجوز الحبس على الإنسان مسلمًا كان أو كافرًا غير حربي كبيرًا كان أو صغيرًا غنيًا كان أو فقيرًا وعلى الجنين في بطن أمه وعلى من ليس بموجود أصلا كمن يولد

ص: 6

لزيد وزيد صغير فإنه يصح ويوقف لزومه والغلة إلى أن يولد فيعطاه ويلزم فإن آيس من الحمل أو مات في بطن أمه أو نزل ميتا بطل الحبس ورد لصاحبه ملكا. وقول بعض العلماء أن الحبس على الحمل لا يجوز لا يعول عليه لجواز الحبس على الأعقاب وأعقاب الأعقاب الذين لم يكونوا بمخلوقين في حين التحبيس فكيف لا يجوز على ما في البطن وقد خلق كذا في المتيطية (والثاني) وهو ما يجوز صرف الغلة فيه وذلك كالمساجد والطرقات لانتفاع المارة بها لا ما لا يجوز صرف الغلة فيه كالكنائس ومجتمعات اللهو فإنه لا يجوز الحبس عليه ولا يصح ففي المعيار (وسئل) أبو إسحاق إبراهيم ابن فتوح عن زاوية محبسة على فقراء الوقت وتعطلت منذ زمان لعدم أصحاب الطريقة وتهدمت ولم يبق منها إلا قاعتها فهل يجوز بيع تلك القاعة وصرف ثمنها فيما هو لله تعالى من سبل الخيرات أو تترك على حالها إلى قيام الساعة أو ترد على ورثة من حبسها وعقبة بعد ثبوت ذلك وقد شاع إن امرأة من بني فلان حبستها فترد الآن لمن بقي من عقبها لما في تلك الطريقة بعد موت أصحابها القائمين بها على الحقيقة من البدع والأمور الشنيعة التي لا تجوز شرعًا وتنسب لأصحابها الذين لم يبق منهم إلا أخبارهم فيكون التحبيس باطلا لبطلان ما حبس عليه إذ ليس تلك الطريقة في الوقت كطريقة أربابها الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الصفة ومن بعدهم رضي الله عنهم (فأجاب) والله الموفق إنه إذا كان ما حبست عليه مما لا يجوز شرعًا فاللازم على هذا بطلان التحبيس وإذا كان التحبيس باطلًا كان باقيًا على ملكه أعني على ملك المحبس وإذا كان كذلك ورث عنه ما لم يخرج على ملك مالكه اهـ والصفة على وزن غرفة جانب من المسجد النبوي كالمجنبة عندنا بتونس (والركن الرابع) الصيغة نحو حبست ووقفت والأنسب الجمع بينهما لقول بعضهم أن حبس لا يدل على التأبيد أو تصدقت إن قارنها ما يدل على التأبيد نحو هذا صدقة على الفقراء لا يباع ولا يوهب أو يغتلونه أو ينفعون بالسكنى فيه أو يكون على غير معين نحو هذا صدقة على فلان وعقبة ومثل الصيغة ما يدل عرفًا على إعطاء المنفعة كالتخلية بين الذات الموقوفة وبين الناس

ص: 7

كالمسجد يبني ويفتح للصلاة فيه وما أشبهه من كل ما كانت منفعته عامة ولا يشترط في الحبس التأبيد بل يصح ويلزم مدة تعيينه سنة مثلًا ثم يكون بعدها ملكًا كما لا يشترط في صحته التنجيز بل يصح فيه الأجل إذا جاء العام الفلاني فداري مثلا وقف على كذا فيلزم إذا جاء الأجل الذي عينه فإن حدث دين على الواقف في ذلك الأجل لم يضر إذا حيز على الواقف في الأجل وكانت منفعته لغيره ولا يصح فيه شرط الخيار بل يبطل الشرط إن وقع ويلزم الحبس ولا يحتاج في إبطاله إلى حكم حاكم كذا في الفائق ولا يشترط فيه صحته قبول مستحقه إذ لو كان شرطا لما صح على الفقراء ونحوهم ولتعذره من المساجد والمقابر والطرقات ونحوها إلا المعين الرشيد فإنه يشترط قبوله حقيقة كأن يقول قبلت أو رضيت ونحوهما كالإشار المفهمة أو حكمًا كما لو قبضه من يد المحبس وصار يتصرف فيه فإنه يجزيء عن اللفظ اتفاقًا ولو لقادر عليه لأن القبض الإنشائي يستلزم القبول عرفا بخلاف ما إذا كان الشيء المحبس تحت يد المحبس عليه كما لو كان عنده بكراء أو وديعة ونحوهما من كل عقد لا تبرع فيه فإنه لابد من القبول حقيقة في جميع التبرعات على القول المشهور المعمول به وقيل لا يلزمه ذلك مطلقًا فإن تمادى على السكوت ولم يصرح بالقبول والمسألة بحالها حتى حصل موت أو تفليس بطل الحبس على المشهور فإن رد المعين الرشيد ولم يقبله جعل حبسًا على غيره باجتهاد الحاكم على القول المعتمد وقيل يرجع ملكا لصاحبه وإن كان المعين غير رشيد فإن وليه يقبله له فإن لم يكن له ولي أقام الحاكم من يقبل له كما يأتي (ولما) فرغ من الكلام على القسم الأول من الباب شرع يتكلم عن القسم الثاني وهو اللواحق وفروعه كثيرة غير محصورة بحد ولا بعد فمنها التنصيص على غلة الحبس وقت التحبيس. ومنها إخلاء دار السكنى ليتم حوزها. ومنها الشروط التي تقع في الحبس. ومنها ألفاظ الحبس. ومنها الحوز ومن يصح قبضه ومن لا يصح. ومنها حكم تحبيس الجزء المشاع. ومنها حكم ما إذا ضاق الحبس على المحبس عليهم. ومنها بيع المحبس عليه الحبس وما يترتب عليه. ومنها بيع الحبس إذا صار لا ينتفع به فيما جعل له. ومنها قسمته للانتفاع وقد ذكرها الناظم على هذا الترتيب فقال

ص: 8

(ويجب النص على الثمار

والزرع حيث الحبس للصغار)

يعني أن من أراد تحبيس أشجار أو أرض وفيها ثمار أو زرع مأبور وكان المحبس عليه إذ ذلك صغيرا من أولاده بحيث يكون هو الحائز له فإنه يجب على الموثق من جهة الكمال تحصينا لما يكتبه أن ينبه المحبس على لزوم ضم الثمار أو الزرع للحبس ليكون نصا في التناول فيكتبه لتظهر الحيازة للصغار فيكون الحبس صحيحا لا نزاع فيه فإن لم ينص المحبس على أن الغلة الموجودة مع الحبس وغفل الموثق عن ذلك فإن الحبس يتناولها ويصح كذا في ابن رحال فإن شرطه المحبس لنفسه ومات قبل جذ الثمرة أو حصاد الزرع بطل الحبس ورجع ميراثا إن كانت الثمرة أو الزرع أكثر الحباسة كما لو تعددت الأماكن لأنه شغل الحبس بثمره وزرعه فلم تتم الحيازة التي هي شرط في صحته فيكون الموثق قد اخل بصناعته حيث بناها على عقد فاسد فيؤدي ذلك إلى الطعن فيه وإن كانت الثمرة أو الزرع أقل الحباسة كالثلث فأقل نفذ الحبس في الملك دون الثمرة على المشهور المعمول به وقيل يبطل فيما شغله قليلا كان أو كثيرا ويصح فيما لم يشغله قليلًا كان أو كثيرًا وإن كانت النصف بطل الحبس فيما شغله وصح فيما لم يشغله والله أعلم (ومفهوم) قوله للصغار أنه إذا حبس الأصول فقط على الكبار وحازوها بما فيها فإن حيازتهم تامة وإن كانت الثمرة لربها كما لو حبس عليهم دارًا فيها متاع له ويحوزونها وسيأتي إن الصغير إذا حاز لنفسه فحيازته تامة كالكبير هذا كله إذا كان الحبس على الصغار غير دار سكنى المحبس أما إذا كان دار سكناه فلا يجزئ الإشهاد عليهم كما لا يجزئ في حق الرشداء بل لابد من معاينة البينة لها فارغة خالية من شواغله وإلى هذا أشار الناظم بقوله

(ومن يحبس دار سكناه فلا

يصح إلا أن يعاين الخلا)

يعني أن من حبس دار سكناه على ولده الصغير فإن حوزها له لا يتم إلا إذا عاين الشهود فراغها من شواغله وأمتعته وإذا أراد سكناها فلا يسكنها إلا بعد عام من

ص: 9

خروجه منها وليكرها له وسيأتي حكم عدم كرائها له فإن رجع إليها قبل مضي العام أو لم يترك سكناها كلها أو جلها وإن بكراء حتى مات أو فلس بطل حبسها وترجع ميراثًا أو للغرماء وأما لو سكن الأقل وأكرى له الأكثر لصح الوقف في جميعها لأن الأقل يتبع الأكثر في الصحة والفساد ولو سكن النصف وأكرى النصف لبطل فيما سكن وصح فيما أكرى هذا حكم تحبيس دار سكناه على ولده الصغير وأما لو حبسها على ولده الكبير وسكن البعض فلا يبطل إلا ما سكن سواء كان قليلًا أو كثيرًا والهبة والصدفة مثل الحبس في جميع ما ذكر. ومفهوم دار سكناه أن غير دار سكناه إذا سكنها قبل انقضاء العام بكراء فإن الحبس لا يبطل وهو كذلك. وقوله يعاين فعل مضارع مبني للنائب والخلاء بفتح أوله معناه الفراغ نائب عن الفاعل مرفوع بضمة محذوفة مع الهمزة لضرورة الوزن ثم قال

(ونافذ تحبيس ما قد سكنه

بما كالاكتراء من بعد السنه)

(إنه كان ما حبس للكبار

ومثل ذاك في الهبات جار)

يعني أن من حبس دار سكناه على ولده الكبير أو وهبها له وخرج منها وحازها الولد بمعاينة البينة ثم أن المحبس رجع إلى سكناها بعد مضي عام من خروجه بكراء فإن تحبيسها أو هبتها باق على صحته ونفوذه بشرطين الرجوع بكراء وكبر الولد هذا ظاهر كلامه بناء على زيادة ما والكاف في قوله بما كالاكتراء والمشهور المعمول به خلافه وهو إنه إذا رجع إلى سكناها بعد العام فالحيازة تامة والحبس نافذ سواء كان رجوعه بكراء أو غير كراء وسواء كان الولد كبيرًا أو صغيرًا لحصول شهرة حبسيتها (وقوله) ونافذ الخ خبر مقدم وتحبيس مبتدأ مؤخر وهو مضاف وما اسم موصول واقع على العقار الذي وقع تحبيسه مضاف إليه وجملة قد سكنه صلته والمجروران في البيت متعلقان بسكنه (ولما) كان المحبس قد يشترط شروطًا في حبسه وإنها قد تكون جائزة شرعا وقد تكون غير جائزة فتنبني عليها أحكام صحة وفسادا أشار إليها الناظم بقوله

ص: 10

(وكل ما يشترط المحبس

من سائغ شرعا عليه الحبس)

(مثل التساوي ودخول الأسفل

وبيع حظ من بفقر ابتلى)

يعني أن كل اشتراط يشترطه المحبس مما هو جائز بالحكم الشرعي فإن الحبس يجري على ذلك الاشتراط. ومفهوم قوله من سائغ شرعا إنه إذا اشترط ما لا يسوغ لا يتبع ولو كان مختلفًا فيه وليس كذلك بل فيه تفصيل وهو إنه إذا كان مختلفًا فيه عمل به بعد الوقوع ولو كان لا يجوز ابتداء وإذا كان متفقًا على حرمته فإنه لا يجوز العمل به فتحصل من هذا إن الشروط التي تقع في التحبيس ونحوه ثلاثة أقسام جائز ومكروه وممنوع فمن الجائز اشتراط التساوي بين الذكور والإناث في الغلة وكذا اشتراط أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين أو العكس فإن أطلق حمل على التساوي (تنبيه) إنما يعمل بشرط التضعيف في حق الموجودين من المحبس عليهم وأما بعد انقطاعهم وصيرورة الحبس مرجعا فلا يعمل بشرطه ويجري الحبس على التساوي بين أهل المرجع قال الزرقاني لأن مرجعه ليس إنشاء الواقف وإنما حكم الشرع به عند انقطاع المحبس عليه اهـ هذا إذا سكت عن المرجع ولم يذكر إلا من حبس عليهم أولًا وشرط فيهم شرطه أما لو صرح بهم في حبسه لجرى فيهم شرطه كذا في البناني (ومنه) اشتراط إن من ابتلي بفقر من المحبس عليهم أو المحبس نفسه باع ولابد من إثبات الحاجة واليمين عليها وأنه لا مال له لا ظاهراً ولا باطنًا إلا أن يشترط المحبس أنه مصدق فيها بلا يمين فيعمل به (فرع) حيث أبيح بيع الحبس بالشرط هل يجوز للمحبس أن يشتريه أم لا خلاف والذي أفتى به ابن لبابه وغيره الجواز لأنه يعود إلى ملكه ويصير مالا له يفعل فيه ما أحب وقال أحمد بن بقي ذلك جائز إلا أن فيه علة العود في الصدقة وقاله غيره من أهل العلم كذا في إحباس يحي الحطاب نقلا عن المتيطية (ومنه) اشتراط دخول الأسفل من البنين مع الأعلى وكذلك يدخل إذا كان العطف بالواو فإن عطف بثم فلا يدخل (تنبيه)

ص: 11

قال الحطاب صرح علماؤنا فيما إذا وقف على الأولاد ثم على أولاد أولادهم فإن الأبناء لا يدخلون مع أبائهم قالوا فإن مات ولد من أولاده وله أولاد فإن أولاده يستحقون ما كان لأبيهم ويدخلون في الوقف مع أعمامهم ولا يقال أن أولاد الأولاد لا يدخلون في الوقف إلا بعد انقراض جميع الأولاد هذا هو الصحيح المعمول به وأفتى شيوخنا المتأخرون الذين أدركناهم من أهل مصر وغيرهم بأن قول الواقف الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى إنما يمنع من دخول الولد مع أبيه لا دخوله مع إغمامه ومن في طبقة أبيه فإذا صرح الواقف بدخول الأولاد فلا شك في دخولهم بعد الموت والله أعلم اهـ وقد نظمه صاحب العمل المطلق فقال

وإن يك الوقف على الأولاد

ثم بنيهم فبني الأحفاد

دخل فيه ولد الولد مع

أعمامه خلاف من ذاك منع

قال التسولي المراد بقوله ودخول الأسفل أي عدم دخول الأسفل لأنه لو لم يكن هذا مراده لكان الشرط من باب تحصيل الحاصل لأنه يدخل بلا شرط حيث كان العطف بالواو لا بثم اهـ بالمعنى (مسألة) حبس شخص حسبًا على أولاده ثم على أولادهم ثم على أولاد أولادهم أبدًا ما تناسلوا والطبقة العلياء تحجب الطبقة السفلى ثم مات احد أولاده وخلف أولادًا فهل يصير لأولاده أو لبقية طبقته وإذا قلتم إن من مات منهم فنصيبه لأولاده فمات ثاني وثالث ورابع وصار نصيب كل واحد لأولاده ثم انقرض أولاد الواقف كلهم وعاد الوقف لأولاد أولاده فهل يبقى كل أولاد على نصيب والدهم أو يستوون في الحبس على عدد رؤسهم فالجواب أنهم يستوون كأنهم أولاد رجل واحد على القول المعتمد وسواء كان العطف بثم كما هنا ولهذا وقع الخلاف أو كان العطف بالواو ويؤثر ذو الحاجة على غيره ما لم ينص الواقف على خلافه كان يقول رجع نصيبه لولده أو لولد ولده وإن سفل ونحو ذلك مما يشعر اختصاصه به اختص كل واحد منهم بما كان لأبيه اهـ من إحباس يحيى الحطاب باختصار (ومنه) اشتراطه لنفسه قدر الثلث من المساكن في الدار أو من الغلة فيما له غلة ودون الثلث أحسن

ص: 12

ثم يلحق بعد موته بالحبس (ومنه) اشتراطه اعتصار الحبس كما في وثائق القاضي الفشتالي ونقله ابن رحال في الشرح واقره وبه شاهدت الفتوى بالحاضرة (ومنه) اشتراط أن تسلط على الحبس حاكم بما لا يحل شرعا رجع إليه ملكا إن كان حيًا أو لورثته يوم المرجع ملكا. ومنه اشتراط التبديل والتغيير والإدخال والإخراج كما في الزرقاني وغيره (ومنه) إذا قال داري حبس على فلانة أم ولدي وعلى زوجتي فلانة فمن تزوجت منهما فلا حق لها فتزوجت واحدة منهما يرجع حظها للأخرى فإن طلقها الزوج أو مات عنها رجع حظها إليها بخلاف ما لو قال وقف بينكما ومن تزوجت فلا حق لها فإن من تزوجت منهما رجع حظها للورثة فإن طلقها أو مات عنها رجعت لما كانت تستحقه ولعل الفرق بينهما هو العطف في الأولى ولفظ بين في الثانية كذا في الزرقاني (ومن المكروه) اشتراط بيع الحبس إن وجد فيه ثمن رغبة واشتري غيره فإنه لا يجوز الإقدام عليه ابتداء ويمضي بعد الوقوع والنزول (ومنه) اشتراط إخراج البنات من الحبس مطلقًا أو إذا تزوجن إلى غير ذلك مما يفعله من لا يخاف الله فإنه لا يجوز ابتداء فإن وقع ونزل مضى على القول المعمول به وأما على القول المشهور فإنه حرام لأنه من عمل الجاهلية فيبطل الحبس وحيث جرى العمل بالمضي فلا يعدل عنه إلى غيره على مقتضى القاعدة في تعارض الأقوال (تنبيه) إذا تعارض اللفظ والمقصد هل المنظور إليه اللفظ أو المقصد خلاف والذي رجحه المحققون أن المنظور إليه المقصد لا اللفظ وعليه جواز صرف لفظ المحبس عن ظاهره (قال) الإمام العبدوسي إن ما يغلب على الظن أن لو كان المحبس حيا وعرض عليه لرضيه يجوز إحداثه في الحبس ونظمه مياره في تكميل المنهج المنتخب فقال

للقصد جاز فعل ما لو حضرا

موقفه رءاه أيضًا نظرًا

وقال صاحب العمل الفاسي

وروعي المقصد في الإحباس

لا اللفظ في عمل أهل فاس

ص: 13

ومنه كتب حبست تقرأ في

خزانة فأخرجت عن موقف

قال السلجماسي قال ابن رشد إتباع اللفظ دون المعنى خطأ صراح في الفتوى لأن الأحكام منوطة بمعاني الألفاظ دون ظواهرها لأنه يقود إلى الكفر وإلى اللعب في الدين ومنه قوله تعالى فاعبدوا ما شئتم من دونه فظاهره أمر ومعناه النهي والوعيد اهـ. وفي نوازل الأجهوري (وسئل) عن جعل الواقف لمن وقف عليه البيع للحاجة وشرط أن لا يبع إلا من شريكه في الوقف فهل له البيع من غير الشريك مع استقلاله بالوقف أو مع وجود الشريك المفلس (فأجاب) إذا جعل الواقف للموقف عليه البيع للحاجة وشرط أن لا يبيع إلا من شريكه في الوقف وتعذر البيع للشريك أما استقلالًا من احتياجه للوقف أو لفلس شريكه فإن له البيع لأجنبي حيث احتاج لأن غرض الواقف سد خلته كما هو ظاهر شرطه وشروط الواقفين وألفاظهم تحمل على مقاصدهم لا على ظاهرها والله أعلم اهـ فمراعات القصد قال بها كثير من الأندلسيين وجماعة من عمد الأفريقين كالإمام سحنون واللخمي والقابسي وتبعهم على ذلك البرزلي وجرى به عمل فاس كما علمت واستمر عمل تونس بصرف فواضل الأحباس بعضها في بعض ومن ذلك جواز أخد المدرس مرتبه من فواضل الأحباس لأنه من المصالح كما في المعيار ومما ينقل عن العالم الجليل النوازلي شيخ شيوخ شيوخنا أبي الفداء سيدي إسماعيل التميمي التونسي كبير أهل الشورى أنه حكم في نازلة رفعت إليه بمراعاة القصد وهي حبس شرط فيه محبسه أن الأنثى لا حق لها مع الذكور إلا إذا كانت عمياء فقيرة زمنة غير متزوجة ثم بعد وفاة المحبس قامت أنثى من أولاده وطلبت الدخول مع أخوتها في الحبس لفقرها وفقر زوجها وبنيها فمنعوها من الدخول محتجين بشرط المحبس ولما ثبت لديه فقر المرأة وفقر زوجها وبنيها الصغار ونظر للحالة التي هي عليها حكم رحمة الله تعالى بإدخالها مع أخواتها في الحبس لأن أباها لو كان حيا ورأى ابنته على تلك الحالة لرضي به واستحسنه وهو ظاهر لا خفاء فيه وقد كنت نظمت المسألة فقلت

ص: 14

ورفعت إلى التميمي نازله

في حبس منه الإناث نازله

إلا إذا كن بفقر وعمى

وعدم الزوج لهن لازما

وأثبتت إحدى البنات الفاقه

وزوجها مع بنيها فاقه

فدرها مع الذكور في الحبس

رعيا لقصد واقف وهو أمس

فاجمع الشورى على قضاه

فاعمل به تنج إن شاء الله

(ومما) يعتبر فيه القصد لا اللفظ ما يوجد في بعض رسوم الأحباس التي تأتي من القرى والبوادي من التخليط كقولهم في رسم الحبس حبس فلان على أولاده فلان وفلان وفلان وعلى أعقابهم وعلى أعقاب أعقاب أعقابهم فلو كان المراعي هو ظاهر اللفظ لسقط من الحبس أعقاب الأعقاب ولو روعي المقصد وهو المتعين لم يسقطوا وسمعت أنه وقع الحكم في حاضرة تونس بعدم سقوطهم وهو ظاهر لأن المحبس لأغراض عنده مع من لم يوجد من ذريته وإنما ذلك جهل من الموثق قال الهلالي في الدر النثير كتاب القرى والبوادي لا يوثق بكتب أكثرهم لجهلهم بأمر الوثيقة والفقه اهـ وقد يقع مثل ذلك من بعض كتاب الحاضر لما ذكر. ومن الممنوع اشتراط إصلاح الحبس على مستحقه فإن شرطه لا يتبع ولا يعمل به لأنه كراء بمجهول ويبطل الشرط ويصح الوقف لأن البطلان منصب على الشرط لا على الوقف بل مرمته تكون من غلته كما في الزرقاني وهذا ما تيسر ذكره من الشروط التي تقع في الأحباس وهو قليل من كثير إلا إن هذا القدر هو الذي سمحت به الهمة القاصرة. وقول الناظم عليه الحبس الضمير يعود على ما الواقعة على شرط وجملة يشترط المحبس صلة ما والعائد محذوف والتقدير وكل شرط يشترطه المحبس الخ (وقوله) وبيع حظ من بفقر الخ فبيع بالجر عطف على التساوي وهو مضاف وحظ التنوين مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله ومن فاعله وجملة ابتلي بفقر صلة من (ولما) كانت الألفاظ الواقعة من المحبس المعبر بها عن المحبس عليه قد تكون غير صريحة في تأدية المعنى المراد باعتبار من يستحق ومن لا يستحق لوجود الاحتمال فيها ولهذا

ص: 15

كانت مسائل الحبس صعبة جدا خصوصًا إذا كان الكاتب جاهلا بالفقه والتوثيق شرع الناظم في بيان بعض الألفاظ التي يستعملها المحبسون في أحباسهم غالبًا لتكون نصًا في المراد عند الفقهاء فيبنوا أحكامهم عليها عند الترافع فقال

(وحيث جاء مطلقا لفظ الولد

فولد الذكور داخل فقد)

(لا ولد الإناث إلا حيثما

بنت لصلب ذكرها تقدما)

(ومثله في ذا بني والعقب

وشامل ذريتي فينسحب)

يعني أن المحبس إذا قال هذه الدار مثلا حبس على ولدي بالإفراد أو على أولادي بالجمع دخل ولد الصلب ذكرًا كان أو أنثى واحدًا أو متعددًا ودخل أولاد الابن ذكورهم وإناثهم وأولاد ابن الابن ذكورهم وإناثهم وهكذا ولا يدخل في ذلك ولد البنت لأن لفظ الولد لا يشمل إلا ولد الابن ولا يدخل فيه ولد البنت على القول المشهور المعمول به. ومفهوم قوله وحيث جاء مطلقًا لفظ الولد إنه لو جاء مقيدا كما لو قال هذه الأرض مثلا حبس على ولدي فلان وفلانة وأولادهما لدخل ولد البنت وهو كذلك وهي المسألة التي استثناها الناظم بقوله إلا حيثما بنت لصلب ذكرها تقدما

فإنه يدخل في الحبس للتصريح بالبنت ثم بلفظ الولد المتصل بضمير من ذكر قبله من ولد وبنت في المثال وهو معنى قوله ذكرها تقدمًا وحيث دخل فلا يخرج إلا إذا انتهى لفظ الولد الملتبس بضميرها فإذا قال هذه الدار مثلًا حبس على أولادي فلان وفلان وفلانة وأولادهم فإنه يدخل مع أولاد الذكور أولاد البنات لا أولاد أولادهن إلا أن يقول وأولادهم وأولاد أولادهم وهكذا أو يقول وإن سفلوا أو فإذا انقرضوا كما هو الموجود في رسوم الأحباس غالبًا عند إرادة ذكر المرجع فإن الحبس يستمر على دخول أولاد الإناث إلى غير غاية وإنما غيته الانقراض لأن قول المحبس وهكذا أو فإذا انقرضوا بعد قوله ما تناسلوا قرينة على عدم الاقتصار بالوقف على من ذكر من العقب مكررًا كذا في نوازل أبي عبد الله محمد المجاصي نقلًا عن ابن علال قال

ص: 16

وبه العمل (قلت) وبقوله وقعت الفتوى بتونس (مسألة) لو قال المحبس في تحبيسه حبست كذا على ولدي فلان وفلان وترك آخرين من أولاده فهل يدخلون كمسألة الإيصاء أولا يدخلون فقال بعض المشارقة لا يدخلون والفرق بين المسألتين أن الوصية بالأولاد قد علم المقصود بها وهو القيام بهم وهو مظنة التعميم فالتسمية ليست للتخصيص وأما الوقف فالمقصود فيه صرف المنافع ويجوز قصرها على البعض دون البعض فيصح أن يقال للتسمية أثر كذا في نوازل ابن رشد اهـ. من الحطاب قلت وبهذا الفرق كما شاهدناه من أن الإدخال والإخراج في الأحباس يكون مقصودًا فلا منافاة بين هاته المسألة وبين ما تقدم في البيوع من أن الخاص إذا ذكر بعد العام فإنه لا يخصصه على الراجح (واعلم) أن لفظ حبس ووقف تارة يصدر من الواقف مبهمًا وتارة يصدر منه مفسرًا فإذا صدر مبهمًا كقوله داري حبس فلا خلاف إنها حبس مؤبد ولا ترجع ملكًا وتصرف عند مالك رحمه الله في الفقراء والمساكين إن لم يكن في الموضع عرف للوجوه التي توضع فيها الأحباس وإلا حملت عليه وعند ربيعة يسكنها قرابة المحبس وكذا إذا قال حبس على أولاد زيد أو على أعقابه أو على طلبة العلم ونحو ذلك من المبهمات فإنه يمضي أبدًا ويرجع بعد انقطاع الوجه الذي جعل فيه لمراجع الأحباس وإذا صدر مفسرًا كقوله داري حبس على فلان أو على أولاد فلان وسماهم فهل يكون مؤبدًا ولا يرجع ملكًا للمحبس وعليه إذا مات المحبس عليه رجعت حبسًا على أقرب الناس بالمحبس على سنن مراجع الأحباس فإن لم يكن له قرابة رجع للفقراء والمساكين وهذا هو القول المشهور أو ترجع ملكًا للمحبس أو لورثته أن مات كالعمري خلاف. وقول الناظم (ومثله في ذا بني والعقب) يعني أن مثل الولد في جميع ما تقدم لفظ ابني وعقبي أو أبنائي أو أعقابي وكذا نسلي وقوله (وشامل ذريتي فمنسحب) يعني أن لفظ الذرية شامل لولد البنت ومنسحب عليه في القول المشهور وقوله فمنسحب عطف تفسير على شامل ولهذا كان الصواب العطف بالواو وقوله مطلقًا بالتنوين حال من لفظ الولد وقوله فقد أي فحسب (فرع)

ص: 17

يجوز إقرار الورثة بحبسية عقار بإيديهم ويكون ذلك لازمًا لهم ولورثتهم على حسب ما أقروا به إلا أن يظهر كتاب الحبس ويكون فيه خلاف ما أقروا به من التعقيب والمرجع ونحوهما فإن إقرارهم ينتقض ويكون العمل بما في كتاب الحبس وإن شاركهم في الميراث أحد وأنكر ما أقروا به فلم ينفذ إقرارهم إلا في حصصهم فقط ويلزم المنكر اليمين أنه لا يعلم حبسيته وليس له رد اليمين لإنها لو ردت لردت على مدعي الحبس وأعقابهم ولا يحلف أحد عن أحد وأيضًا لو نكلوا عنها لم يبطل الحبس بنكولهم لبقاء حق العقب فإن اصطلحوا على أن يسلموا له منه نصف ما يصح له بالميراث فهو جائز وكان ذلك له مطلقًا ونصيبهم حبسا كذا في ابن راشد والأجهوري وغيرهما (ولما) كان الحوز شرطًا في صحة الحبس وغيره من سائر التبرعات إلا النحابة إذا انعقد عليها النكاح فإنها لا تفتقر إلى الحوز كما مر في بابه شرع الناظم في الكلام عليه فقال

(والحوز شرط صحة التحبيس

قبل حصول موت أو تفليس)

(لجائز القبض وفي المشهور

إلى الوصي القبض للمحجور)

يعني أن حوز الشيء المحبس بمعاينة البينة لا بالاعتراف شرط في صحة حبسيته بشرط أن يكون حوزه قبل موت المحبس أو تفليسه فإن لم يقع حوز أصلًا أو كان بعد الموت أو التفليس بطل الحبس. وظاهره أن التحويز وهو تمكين المعطي بكسر الطاء المعطى له من العطية غير شرط في صحتها وهو كذلك بخلاف الرهن كما تقدم في بابه (قال) أبو المودة خليل بن إسحاق وحيز أي الموهوب وإن بلا إذن وأجبر عليه الخ والحبس والهبة من باب واحد (وكيفية) الحوز رفع يد المحبس من التصرف في الملك ورد ذلك إلى يد المحبس عليه أو نائبه أو تخليته للناس كالمساجد والفقراء (تنبيه) زاد ابن الحاجب أن من جملة شروط الحوز أن لا يكون حال جنون المحبس ولا في حال مرضه فإن مرض أو جن بطل القبض أن اتصلا بالموت فإن صح

ص: 18

فله الطلب اهـ وحكم إحاطة الدين بالمال كحكم التفليس وأشار الناظم إلى هذين الشرطين في الصدقة بقوله (صدقة تجوز إلا مع مرض. موت وبالدين المحيط تعترض) فهما من باب واحد (قال) ابن رشيد في المقدمات فأما حكم من أحاط الدين بماله قبل التفليس فإنه لا يجوز له إتلاف شيء من ماله بغير عوض فيما لا يلزمه مما لم تجر العادة بفعله من هبة أو صدقة أو عتق وما أشبه ذلك قال وإنما قلنا فيما لا يلزمه مما لم تجر العادة بفعله من هبة أو صدقة أو عتق وما أشبه ذلك قال وإنما قلنا فيما لا يلزمه تحرزًا من نفقة على آبائه أو على أبنائه لأن ذلك مدخول للغرماء وتحرزًا أيضًا من نفقته على نفسه لأن ذلك واجب عليه ولكن يكون من غير سرف لأنه إذا كان بسرف يكون إتلافًا في غير معاوضة (ولما) تكلم على شروط صحة الحوز من يد المحبس أشار إلى شرط صحة حوز المحبس عليه بقوله لجائز القبض البيت يعني أنه يشترط في صحة حوز المحبس عليه أن يكون رشيدًا لا حجر عليه وهو معنى قوله لجائز القبض فإن كان غير رشيد فالقبض يكون للولي وصيًا كان أو غيره لا للمحجور على القول المشهور ومقابلة جواز القبض للمحجور وهو القول الراجح لأن المقصود إخراج العطية من اليد وقد خرجت وحيث كان هو القول الراجح فكان على الناظم أن ينبه عنه أو يقتصر عليه ويقول لجائز القبض وفي المختار. يصح للكبار والصغار. أو يذكر هنا قوله الآتي. ونافذ ما حازه الصغير. لنفسه أو بالغ محجور. ويكون حوز الرشيد من باب أولى والله تعالى أعلم (تنبيه) أن عقد المحبس عليه في الحبس كراء في دار أو أرض أو مزارعة أو مساقاة أو قبض مفاتيح الدار فذلك يغني عن الوقوف إليها ومعاينة نزول المحبس عليه فيها وكذلك الصدقة هذا هو القول المشهور المعمول به هذا كله إذا كان حوز العطية ممكنًا أما إذا كان غير ممكن فلا يكون شرطا في صحتها وإليه أشار الناظم بقوله

(ويكتفي بصحة الإشهاد

أن أعوز الحوز لعذر باد)

تضمن هذا البيت قول ابن سلمون وسئل ابن رشد فيمن تصدق على ابن له كبير بأملاك وأشهد الأب بتبتيل الصدقة والابن بقبولها ووقع القبض في بعضها بالمعاينة وبقي

ص: 19

سائرها لم يتطوف عليه ولا خرج إليه لكونه في قطر مخوف من العدو ولا يدخله أحدًا إلا على غرر ولم يعتمر ذلك أحد إلى أن مات الأب فقال إذا حال الخوف بين الوصول إلى موضع الأملاك المتصدق بها لحيازتها بالتطوف عليها اكتفي بالإشهاد ولم تبطل الصدقة إن مات المتصدق بها قبل إمكان الوصول إليها هذا معنى ما في المدونة وغيرها اهـ فإن زال المانع وأمكن الوصول إليها ولم يخرج لحوز ما بقي من الصدقة حتى مات المتصدق بطل حكم الباقي فقط ورجع ميراثًا وقول الناظم أعوز بالزاي فعل ماض مبني للنائب من العوز ومعناه العجز والحوز بالرفع نائب عن الفاعل والتقدير المحبس عليه أن أعجزه العذر الظاهر عن الحوز اكتفي عنه بصحة الإشهاد وقوله باد اسم فاعل بمعنى ظاهر ثم قال

(وينفذ التحبيس في جميع ما

محبس لقبضه قد قدما)

يعني أن من حبس ملكا من أملاكه على أحد وقدم من يحوزه له فحازه بالمعاينة فإن الحبس صحيح ولو كان المحبس عليه كبيرًا حاضرًا بخلافه في الهبة والصدقة فيصبح التقديم في حق الغائب فقط وقوله لقبضه متعلق بقدما وقوله

(والأخ للصغير حوزه وجب

مع اشتراك وبتقديم من أب)

قال في المتيطية ويجوز للأب أن يحبس بنيه الكبار والصغار حبسًا واحدًا ويقبض الكبير لنفسه ولأخوته الصغار بتقديم الأب على ذلك اهـ ومعنى وجب جاز وصح ولا يعني به ما قابل التحريم كذا في ميارة وكذلك لو حبس على أجنبي مع صغير أولاده فلابد من حوز الأجنبي لنفسه وللصغير أو يقبض للصغير إنسان آخر وسواء كان حوزه له بتوكيل من أبيه وهو الأولى أو بدون توكيل منه أما إذا أراد الأب أن يقبض لابنه الصغير ويقبض الكبير لنفسه فإنه يكون مبطلًا للحبس وإليه أشار الناظم بقوله

(والأب لا يقبض للصغير مع

كبيره والحبس أرث أن وقع)

ص: 20

(إلا إذا ما أمكن التلافي

وصحح الحوز بوجه كاف)

يعني أن الأب إذا قبض لابنه الصغير وقبض الكبير لنفسه فإن الحبس وما كان في معناه من التبرعات يبطل جميعه لاحظ الصغير فقط كما في الشارح بناء على أن حوز المشاع لا يصح وهو مذهب ابن القاسم وبه العمل في الرهن والتبرعات وإذا بطل فإنه يرجع ملكًا للمحبس يورث عنه إن مات إلا إذا تلوفي ذلك وتدورك قبل موت المحبس أو فلسه أو ما في معناهما بوجه يكفي في الحوز بأن يخرجه من يده ويقدم ابنه الكبير ليحوز لأخيه الصغير كما مر أو يقدم أجنبيًا يحوز له فإنه يجوز له ذلك ويصح الحبس كما يجوز له ذلك ابتداء وإليه أشار بقوله

(وإن يقدم غيره جاز وفي

جزء مشاع حكم تحبيس قفي)

يعني أن تحبيس حكم غير المشاع اتبع وارتكب في تحبيس الجزء المشاع على القول الذي بها لعمل (قال) ابن سلمون ويجوز تحبيس الجزء المشاع قال ابن حبيب فان كان مما ينقسم قسم فما أصاب الحبس من ذلك فهو على التحبيس وما كان من ذلك لا ينقسم بيع فما أصاب الحبس من الثمن اشترى به ما يكون حبسًا فيما سبيله فيه اهـ وقوله بيع أي جميع العقار صفقة إذا طلب الشريك ذلك وإلا بيع الجزء المحبس فقط وجعل في غيره كما تقدم (تنبيه) يصح الحبس وكذا الهبة والصدقة إذا سكن المحبس داره التي وقع تحبيس جزئها على الشياع مع المحبس عليه إذا كان رشيدًا أو أجنبيًا أما إذا كان غير رشيد فلا إلا إذا وقع التلافي كما مر وقوله

(ونافذ ما حازه الصغير

لنفسه أو بالغ محجور)

قد تقدم الكلام عليه ثم قال

(وبانسحاب نظر المحبس

للموت لا يثبت حكم الحبس)

يعني أن من حبس نخيلًا مثلًا على المساكين وكان يتولى أمره ولم يخرج من يده إلى أن مات أو فلس ونحوهما مما سبق من الموانع فهو ميراث على المشهور وكذا لو شرط

ص: 21

في حبسه أن النظر له فإنه لا يجوز لما فيه من التحجير ويجبر على جعل النظر لغيره قبل المانع وإلا بطل وهذا البيت تصريح بمفهوم قوله والحوز شرط صحة التحبيس قبل حدوث موت أو تفليس (تنبيهان) الأول إذا كان المحبس عليه محجورًا وقلنا أن الأب هو الذي يحوز له أو يوكل من يحوز له كما تقدم فإذا ثبت أن الأب يصرف الغلة في مصالح نفسه فإن ذلك لا يبطل به الحبس ويكون ثمن ما استغله دينا في ذمته كما يأتي في الهبة (الثاني) إذا وقع نزاع في الحوز وعدمه حتى حصل المانع قال ابن الفخار في مسألة تفهم من الجواب كما في المعيار إذا ثبت الحبس على وجهه قبل وفاته بشهر وكان صحيحًا وحازه المحبس عليه بسبب رشده في صحة المحبس وعاين الشهود الحيازة على حسب ما ذكرنا فهو نافذ ولا يلتفت إلى ما صار إليه من التضييع أو لا أي تضييع رسم الحبس ثم جدده بعد مدة لأنه قد صار صحيحًا آخرًا والذي أثبت أولًا أن المحبس لم يخرج عنه الحبس حتى توفي وهو بيده فاختلف أصحابنا في ذلك فحكى بعضهم أنه ينظر إلى أعدل البينتين ويقضى بها وقال بعضهم ينظر فإن كان الحبس بيد المحبس عليهم وقت الدعوى فالحبس نافذ. وقال بعضهم شهادة من شهد بالحوز أولى بالقبول والجواز إن كانت عادلة وإن كانت الأخرى أعدل لأن شهود الحيازة تثمر حكمًا وتوجب حقًا وشهادة الذين لم يشهدوا بالحيازة ينفون ذلك ومن أثبت شيئًا أولى ممن نفاه لأن الإثبات أحدث من النفي فمن ادعى حدوث شيء وأثبته أولى ممن نفاه هذا الذي تقرر عليه مذهب مالك وأصحابه وقال به حذاقهم وبه أقول ولاسيما في الأحباس دون الصدقات المبتولة لأن أهل الحديث يقولون بجواز الحبس دون حيازة وكثير من الفقهاء ولو صدق المحبس عليه الخصم ولم يعلم ما قالا إلا من قولهما لما يجب فسخه وينفذ الحبس لأن فيه حقوقًا لأهل المرجع ولا تسقط حقوقهم بتواطأ هذين على فسخه حتى يثبت ما يوجب فسخه بغير قولهما إذ في ذلك حق لغيرهما ومن أراد إبطاله فليأت بالبينة أهـ. وقول الناظم بانسحاب متعلق بلا يثبت ولام للموت بمعنى إلى والانسحاب معناه الاستمرار والبقاء. وقوله

ص: 22

(ومن لسكنى دار تحبيس سبق

تضيق عمن دونه فهو أحق)

معناه أن من حبس دار للسكنى على أولاده أو على غيرهم فسكنها بعضهم ولم يجد بعضهم فيها مسكنًا فإن الذي سبق لسكناها أحق بها (قال) يحيى الحطاب تنبيه فإذا استووا في الفقر والغنى والقرب ولم يكن يسعهم المكان للسكنى فبادر أحدهم قبل أن يكرى وسكنه فقال الباجي في المنتقى وروى عيسى وابن القاسم أن تساووا في الغنى والحاجة فمن سبق إلى سكناها منهم فهو أحق به وذلك أن المعاني المؤثرة في التقديم الحاجة والقرابة والحاجة مقدمة فإن تساووا في الحاجة والقرابة فمن بادر للسكنى فهو أحق به اهـ ولا كراء على الساكن لغيره فإن غاب الساكن غيبة انقطاع أو مات سكن غيره وعلى الساكن إصلاح المحل إذا لم يكن له حبس يصلح به من خراجه فإن امتنع من الإصلاح أخرج منه وأعطي لمن يصلحه من المستحقين فإن لم يوجد اكري بقدر الإصلاح ثم يرد إليه. ومفهوم قوله سكنى دار أن غير السكنى من الغلات لا فرق بين حاضر وغائب وغني وفقير إلا لشرط ويؤثر ذو الحاجة والقريب على غيره في القسمة بالاجتهاد (ومفهوم) قوله تضيق عمن دونه إنها إذا لم تضيق فلغير الساكن من المحبس عليهم السكنى معه وهو كذلك ما لم يتبين ضرره عند الحاكم (تنبيهات) الأول إنما يقدم الأسبق في السكنى إذا كان المحبس عليهم غير معينين أما إذا كانوا معينين بأسمائهم لم يستحق السكنى من سبق إليها منهم بل يكونون فيها بالسوية حاضرهم وغائبهم غنيهم وفقيرهم فإذا وسعتهم فالأمر ظاهر وإلا أكريت وقسم كراؤها بينهم على مقتضي نص المحبس ويحمل على التساوي إن أطلق فإن لم يكن رسم وتقارروا على شيء عمل به كما تقدم (الثاني) قال النفراوي نقلًا عن الأجهوري لو كان الموقوف غلة ثمرة ثم يموت بعض أهل الحبس قبل أخذ الثمرة ففي استحقاقه منها وعدم استحقاقه تفصيل محصله إن كان الموت بعد طيب الثمرة فحظ الميت لورثته اتفاقًا وإن كان قبل إبارها فلا شيء لوارثه اتفاقًا وإن كان بعد الآبار وقبل الطيب فخمسة أقوال الذي رجع إليه مالك منها إن تكون لمن بقي

ص: 23

من أهل الحبس وهذا في الوقف على معينين وأما لو كان على مثل بني زهرة أو الفقراء فلا يستحق أحد منه شيئًا إلا من كان موجودًا حين القسمة وكل من مات أو غاب قبلها غيبة انقطاع لا يعطي وارثه شيئا وأما من غاب ليرجع سريعًا فيوقف له نصيبه. على ما يظهر. ولو كان الوقف على نحو إمام أو مؤذن أو مدرس إذا أخل واحد منهم بشيء من العمل المطلوب منه شرعًا كالإمام يترك الإمامة مدة ولم يقم نائبًا أو المؤذن أو المدرس ثم يموت أو يعزل أو يستمر فهل يستحق شيئًا زمن إخلاله ويعطي ما يقابله عمله أو لا يعطي شيئًا اختلف رأي القوم في ذلك فالذي ارتضاه الونشريسي أنه يستحق كل واحد بقدر عمله والذي ارتضاه القرافي أنه لا يستحق شيئًا من المعلوم ولا في نظير ما عمل لأنه لم يصدق عليه أنه عمل ما طلب منه والذي يظهر الأول لأنه كالأجير يتبعض له العوض بتبعيض المنفعة وسواء كان الوقف خارجيًا أو هلاليًا أو يدل لما قلناه أيضًا فتوى بعض فضلاء المالكية والشافعية بأن من تقرر في وظيفة ثم مات أو عزل فإن له أو لورثته بقدر ما باشر ولا يعطي المقرر له بعده إلا من يوم مباشرته لا من يوم تقريره السابق على مباشرته وأما نحو القراء في سبع أو أجزاء يقصر الواحد منهم أحيانًا أو يموت فإن كانو معينين فهم كالإجراء لكل واحد ووراثه بقدر عمله وإلا لم يعط شيئًا والله أعلم (قلت) والذي رأيته في تونس أن أصحاب الوظايف يستحقون أرزاقهم من يوم تقرر ولا يتهم لا من يوم مباشرتهم. وفي أحباس يحي الحطاب وغيره أن ناظر ريع الوقف لا يقسم على المستحقين إلا كراء المدة التي مضت فلو أكرى مدة مستقبلة وتعجل قبض كرائها لم يجز له قسمه على الحاضرين خشية موت من أخذ فيؤدي إلى إعطاء من لا يستحق وحرمان غيره ممن يستحق أو طرو مستحق في تلك المدة فيحرم من حقه ولا يجوز له كراء الحبس بشرط نقد الكراء لأنه يوقف وفي وقفه تعرض لتلفه ولأن الكراء بالنقد أقل من غيره فيلزمه النقص من غير فائدة هذا إذا كان الوقف على معينين أو على خدمة المسجد أو المدرسين ونحوهم وأما على الفقراء فيجوز للأمن من ذلك اهـ (الثالث)

ص: 24

قال الأجهوري في نوازله. وسئل عن رجل وقف وقفًا على ذريته ونسله وعقبه من الذكور وشرط في وقفه إن من مات عن ذكر انتقل ما كان لوالده له وإن مات عن غير ولد يكون لمن بقي فهل إذا أراد أحد الورثة النزول عن حصته لبعض الذرية دون الجميع له ذلك ويكون النزول صحيح أم لا (فأجاب) نعم يصح النزول ويستمر بيد المفروغ له ما دام الفارغ حيًا والله أعلم ثم قال

(ومن يبيع ما عليه حبسًا

يرد مطلقًا ومع علم أسا)

(والخلف في المبتاع هل يعطي الكرا

واتفقوا مع علمه قبل الشرا)

(ويقتضي الثمن أن كان تلف

من فائد المبيع حتى ينتصف)

(وإن يمت من قبل لا شيء له

وليس يعدو حبس محله)

يعني أن المحبس عليه إذا باع الحبس فإن بيعه يفسخ وجوبًا سواء علم بحبسيته أو لم يعلم كان محتاجًا أو غيره محتاج إلا إذا جعل له المحبس البيع كما تقدم ثم إن كان بائعه غير عالم بحبسيته فلا أثم عليه وإن ثبت علمه قبل البيع فقد أساء ويزجره الحاكم عن ذلك بما يناسبه إلا إذا كان مضطرًا للنفقة وباع لها فلا زجر ولا عقاب ويرد البيع فقط فإذا اغتل المشتري هذا الحبس ثم فسخ البيع فإنه يرد الغلة على المشهور إذا كان عالمًا بالحبسية قبل الشراء أو بعده واستمر على استغلاله وإذا كان غير عالم بها إلى وقت الاستحقاق فلا يردها على القول المعمول به. وحيث وقع فسخ البيع فإن البائع يرد الثمن الذي قبضه من المشتري له فإن لم يقدر على رده بأن كان عديمًا وثبت عدمه ويحلف أنه لا مال له لا ظاهرًا ولا باطنًا فإن المشتري يمكن من غلة ذلك الحبس في مقابلة ثمنه إلى الخلاص فإن طالت حياة البائع حتى اقتضى المشترى جميع ثمنه فالغلة ترجع للبائع المحبس عليه وإن مات قبل أن يستكمل المشتري ما دفعه فإنه لا شيء له لان الحبس انتقل لغير بائعه بعد موته وكذا لو كان البائع أجنبيًا فإن المشتري يرجع عليه في ذمته إذ لا تصرف غلة حبس لغير من يستحقه هذا معنى قول الناظم (وليس

ص: 25

يعدو حبس محله) وقوله تلف بكسر اللام معناه هلك ومعنى يعدو يتجاوز ثم شرع في بيان حكم الحبس إذا عدمت منفعته المقصودة فقال

(وغير أصل عادم النفع صرف

ثمنه في مثله ثم وقف)

يعني أن الحبس إذا كان غير أصل كفرس للغزو فإنه يجوز بيعه إذا صار لا ينتفع به فيما جعل له ويجعل ثمنه في مثله ثم يكون حبسًا فإن نقص ثمنه عن مثله فإنه يعان به في مثله فإن نقص الثمن من مثل المبيع كلا أو بعضًا تصدق به (ومفهوم) قوله غير أصل أن الأصل لا يباع وإن خرب وهو كذلك على المشهور ومقابله يحكي الجواز بشرط أن يعوض بما هو أغبط للحبس وبه العمل ثم قال

(ولا تبت قسمة في حبس

وطالب قسمة نفع لم يسي)

يعني أن الحبس إذا كان على قوم بأعيانهم وطلب أحدهم قسمته على البت فإنه لا يجاب إلى مطلبه ولو وافقه شريكه على ذلك لأن قسمة البت نوع من البيع والحبس لا يباع كما علمت أما إذا طلب قسمته انتفاعًا فإنه يجاب إلى مطلبه لأنه جائز على القول المعمول به ونظمه صاحب العمل المطلق فقال

وقسموا الحبس للانتفاع

والاغتلال خشية الضياع

وحيث كان جائزًا لمصلحة فإنه يجبر على القسم انتفاعًا من امتنع منه وإن توارى أحدهم وتغيب وثبت ذلك عند القاضي وكل من يقبض له نصيبه ويشهد على ذلك كما في الدر النثير ويجري بينهم على ذلك إلى أن يحدث من الموت أو الولادة ما يغيره بزيادة أو نقصان فينتقض إذا لم يكن كل فرع تابعًا لأصله هذا إذا كان الحبس غير أصل شجر كالأرض البيضاء للزراعة ونحوها أما إذا كان أصول شجر فلا يجوز قسمها مطلقًا على المشهور وإنما يقتسمون الغلة في وقتها (تنبيه) إذا كان بعض الشيء حبسًا وبعضه ملكًا جازت قسمته على البت كما تقدم (وقوله) ولا تبت الخ لا نافية وتبت فعل مضارع مبني للنائب مرفوع بضمة في آخره وقسمة نائب عن الفاعل وقوله

ص: 26