المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في حكم المديان* - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ٤

[عثمان بن المكي التوزري]

فهرس الكتاب

- ‌{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها}

- ‌{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما}

- ‌{فصل في الاعتصار}

- ‌{فصل في العمرى وما يلحق بها}

- ‌{فصل في الإرفاق}

- ‌{فصل في حكم الحوز}

- ‌{فصل في الاسىتحقاق}

- ‌{فصل في العادية والوديعة والأمناء}

- ‌{فصل في القرض وهو السلف}

- ‌{فصل في العتق وما يتصل به}

- ‌ باب الرشد

- ‌{فصل في الوصية وما يجري مجراها}

- ‌{فصل في الإقرار}

- ‌فصل في حكم المديان*

- ‌فصل في الفلس*

- ‌باب في الضرر وسائر الجنايات*

- ‌فصل في ضرر الأشجار*

- ‌فصل في نسقط القيام بالضرر*

- ‌فصل في الغصب والتعدي*

- ‌فصل في الاغتصاب*

- ‌فصل في دعوى السرقة*

- ‌فصل في أحكام الدماء*

- ‌فصل في الجراحات*

- ‌باب التوارث والفرائض*

- ‌فصل في ذكر عدد الوارثين*

- ‌فصل في ذكر أحوال الميراث*

- ‌فصل في المقدار الذي يكون به الإرث*

- ‌فصل في ذكر حالات وجوب الميراث*

- ‌فصل في ذكر أهل الفرائض وأصولها*

- ‌فصل في ذكر حجب الإسقاط*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل إلى فرض*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل للتعصيب*

- ‌فصل في موانع الميراث*

الفصل: ‌فصل في حكم المديان*

يثبت ميل البائع للمشتري فالبيع صحيح ولا يمين على المشتري وإن ثبت ميل البائع له فإن المشتري يحلف أنه دفع الثمن للبائع وأنه أشترى اشتراء صحيحًا ويثبت البيع فإن نكل بطل البيع بمجرد نكوله لأنها يمين تهمة وليست تنقلب وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين وارث وغيره وهو كذلك وان اردت التوسع في المسألة فعليك بالشيخ ميارة على الزقاقية ففيه ما يشفي الغليل ويبري العليل إن شاء الله الملك الجليل ثم شرع يتكلم على حكم المدين فقال

*‌

‌فصل في حكم المديان*

وله حالات أولها قوله

(ومن عليه الدين أما موسر

فمطلة ظلم ولا يؤخر)

يعني أن المدين إذا كان موسرا في ظاهر الحال وهو من يلبس الثياب الفاخرة وله خدم ولا يعلم له أصول ولا عروض فإن مطلة وتلدده ظلم لقوله عليه الصلاة والسلام مطل الغني ظلم الحديث فإن من كانت حالته هذه لا يجوز تأخيره بل يسجن حتى يؤدي ما عليه من الدين إلا إذا وعد بالقضاء وسال التأخير كاليومين والثلاثة أو أكثر بحسب ما يراه الحاكم فإنه يؤخر إذا أعطى حميلا بالمال أو سال التأخير لثبوت فقره فإنه يؤخر بحميل بالوجه حيث كان غير ملد وأما الملد فسيأتي عند قوله والحبس للملد والمتهم وقوله بمطلة المطل بفتح أوله وسكون ثانيه التسويف (وثانيها) قوله

(أو معسر قضاؤه أضرار

فينبغي في شأنه الأنظار)

يعني أن المدين إذا كان غير معروف بالدنانير والدراهم ولكن له عروض وأصول يحتاج في بيعها إلى التوسعة في الزمان فإنه يوسع عليه باجتهاد الحكام بحسب قلة المال وكثرته وتبدل الأسواق لأن في القضاء عليه ببيعها اضرار عليه وظاهره أنه يؤخر بدون حميل وهو كذلك لأن سلعته تعقل عليه وتكون رهنا فيه وهو معنى قوله الآتي وسلعة المديان رهنا تجعل إذ هو تتمة ما هنا (وثالثها) قوله

ص: 101

(أو معدم وقد أبان معذرة

فواجب انظاره لميسرة)

يعني أن المدين إذا أدعى العدم وأثبت عذره بشهادة بينة لا مطعن فيها بأنه معدم وحلف معها واستظهر بها من أول الأمر لدى القاضي فإنه ينظر وجوبا إلى أن يحصل له اليسر فيؤدي ما عليه لقول الله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة الآية (ورابعها) قوله

(أو من على الأموال قد تقعدا

فالضرب فالسجن عليه سرمدا)

حتى يؤدي ما عليه قعدا يعني أن من كان معلوم الغنا وتقاعد عن أداء ما عليه من الدين لربه فإنه يحكم عليه بالضرب والسجن ولا يخرج منه أبدا ولو ابيضت عيناه حتى يؤدي ما عليه ولا يؤخذ منه حميل لأنه ظالم بمطلة إلا أن يلتزم الحميل بدفع المال في الحال إن عرف أنه من أهل الناض قاله القاضي عياض وليس للإمام أن يبيع كسبه كما يبيع على المفلس لأن المفلس قد ضرب على يديه ومنع من ماله وهذا ليس كذلك قاله ابن عبد السلام فإذا لم تكن له مكاسب ظاهرة وأدعى العدم وأتى ببينة تشهد له بذلك فلا تنفعه وإلى هذا أشار بقوله

(ولا التفات عند ذا لبينة

لما أدعى من عدم مبينة)

إلا إذا اثبتت البينة ضياع المال بسبب حرق أو سرقة أو غصب ونحو ذلك فإنها تقبل وقوله (وأن أتى بضامن فبالادا) يعني حالا كما تقدم عن عياض وقوله (حتى يؤدي ما عليه قعدا) هو غاية لقوله بالضرب والسجن كما وصلناه به وقوله مبينه في البيت قبله صفة لبينه (وخامسها) من لم يعلم حاله من يسر أو عسر وهو مجهول الحال وهو أما غير متهم بإخفاء ماله وإما متهم وبدا بالأول منهما فقال

(وحيثما يجهل من طلب

وقصد اختياره بما يجب)

(فحسبه مقدار نصف شهر

أن يكن الدين يسير القدر)

ص: 102

(والحبس في توسط شهران

وضعف ذين في الخطير الشأن)

(وحيث جاء قبل بالحميل

بالوجه ما للسجن من سبيل)

يعني أن المدين إذا جهل حاله هل هو معدم أو ملي فإنه يختبر بالسجن بقدر قلة المال وكثرته وتوسطه كما قال الناظم وليست الاجال المذكورة بأمر لازم لا بد منه بل لقضاة الحواضر وحكامها أن يجتهدوا في ذلك لبعدهم عن التهم هذا إن لم يأت بحميل بالوجه فإن أتى به فإنه يؤخر لإثبات فقره ولا يسجن فإن أنقض الأجل ولم يثبته حبس على نحو ما مر من التفصيل وقوله

(وسلعة المديان رهنا تجعل

وبيعها عليه لا يعجل)

(وحقه مع ذاك أن يؤخرا

بحسب المال لما القاضي يرى)

قد تقدم معنى هذين البيتين عند قوله أو معسر قضاؤه إضرار الخ وأشار بهما الناظم إلى قوله ابن رشد في نوازله أنه سئل عن رجل ترتب عليه دين حال وله سلعة يمكن بيعها بسرعة فطلب صاحب الدين أن تباع وطلب صاحبها أن لا تفوت عليه وتوضع رهنا ويؤجل أيامًا ينظر في الدين فقال أن من حقه أن يجعل السلعة رهنا ويؤجل في إحضار المال بقدر قلته وكثرته وما لا يكون فيه ضرر على واحد منهما على ما يؤديه إليه اجتهاد الحاكم في ذلك وهذا هو الذي جرى به الحكم ومضى عليه العمل وتدل عليه الروايات عن مالك وأصحابه أه وأشار إلى الثاني بقوله

(والحبس للملد والمتهم

إلى الأداء أو ثبوت العدم)

(وليس ينجيه من اعتقال

إلا حميل ضامن بالمال)

(وحبس من غاب على المال إلى

أدائه أو موته معتقلًا)

يعني أن المدين الملد المتهم بإخفاء المال على الغرماء وهو من كان ظاهره الغناء وجهل حال باطنه وأدعى الفقر فإنه لا يسمع منه ويسجن إلى الممات ولا ينجيه من السجن

ص: 103

إلا أداء ما عليه من الدين أو إثبات فقره وإذا طلب الخروج منه لإثبات فقره فيأتي بحميل بالمال كما قال الناظم على أحد قولين والمشهور التفصيل وهو أنه إذا سأل التأخير لثبوت فقره فبحميل بالوجه على القول الراجح وإذا وعد بالقضاء فيوجل بحميل بالمال اتفاقا لاعترافه بالقدرة على الأداء وإليه أشار الناظم فقال

(وغير أهل الوفر مهما قصدا

تأخيره وبالقضاء وعدا)

(مكن من ذاك بضامن وأن

لم يأت بالضامن بالمال سجن)

يعني أن المدين إذا كان غير معروف بالمال الكثير إذا طلب تأخيره ووعد بالقضاء فإنه يمكن من ذلك بضامن بالمال فإن لم يجده سجن كما مر وقوله والمتهم بفتح الهاء عطف تفسير على الملد عند ابن رشد إذ معناهما واحد وقوله العدم بفتح الدال ثم صرح بمفهوم قوله وغير أهل الوفو فقال

(ومن له وفر فليس يضمن

فإن قضى الحق وإلا يسجن)

يعني أن من كان معروفا بالمال الكثير فإنه لا يقبل منه ضامن ولا يؤخر بل يسجن إذا لم يحلف أنه لا مال له حاضر كما في البيت بعده وقد نبه الشيخ ميارة والتولي على ما وقع في تلك الأقسام من التداخل والإطناب وعدم الترتيب والإخلال ببعض القيود وهو أمر لا يخفى ولما قررت الفقه على ما ينبغي بعون الله نعالى تركت ذلك خشية التطويل والله الهادي إلى سواء السبيل وقوله

(وأوجب ابن زرب أن يحلفا

من كان باكتساب عين عرفا)

يعني أن القاضي أبا بكر بن زرب أوجب الحلف على من كان معروفا باكتساب العين بأن كان من التجار المعتبرين أو من أهل الصنائع المشهورين لأن الغالب عليهم حضور الدراهم والدنانير عندهم وهذه اليمين جارية على أيمان التهم والمعروف من المذهب توجهها من غير فرق بين تاجر وغيره وابن زرب وسط في ذلك فأوجبها على التجار

ص: 104

دون غيرهم وإذا حلف أنه لم يحضره في الوقف ما عرف به من الناض فحينئذ يؤخذ منه الرهن أو الضامن قال الشارح وعلى قوله العمل ثم قال

(ومحمل الناس على حال الملا

على الأصح وبه الحكم خلا)

يعني أن الناس محمولين على الغنا لا على الفقر وجرى به العمل وهذا مما قدم فيه الغالب على الأصل لأن الإنسان أصله أن يولد ولا شيء له لكن الغالب عليه التكسب والحرص على الدنيا ثم أخذ يتكلم على كيفية الشهادة بالعدم وما ينبني عليها فقال

(ويشهد الناس بضعف أو عدم

ولا غنى في الحالتين من قسم)

(بما اقتضاه الرسم لا اليقين

إذ لا يصح بت ذي اليمين)

(ومن نكوله عن الحلف بدا

فإنه يسجن بعد ابدا)

يعني أن المدين قد يشهد الشهود فيه بكونه ضعيف التجر قليل ذات اليد بهذه الحالة عرفوه وقد يشهدون فيه بكونه عديما لا يعلمون له مالا لا ظاهرا ولا باطنا وتقدم أن هذا يجب انظاره والشهادة في الوجهين المذكورين على ما يعلمه الشاهد على المعمول به لا على البت كما تقدم في الشهادات عند قوله

(وغالب الظن به الشهادة

بحيث لا يصح قطع عاده)

وحيث كانت على العلم فلا بد معها من يمين المشهود فيه وهل تكون اليمين على ما اقتضاه رسم الشهادة بأن يحلف على العلم لا على البت إذ قد يكون له مال لا يعلمه وهو ما درج عليه الناظم أو يحلف على البت ولا يجزئه الحلف على العلم قولان والراجح منهما الثاني وعليه فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو لا مال له لا ظاهر ولا خفي ولا يقول لا يعلم وإذا نكل عن هذه اليمين وامتنع منها فإنه يسجن ابدا حتى يؤدي ما عليه أو يحلف. والمراد بالحالتين حالة الضعف وحالة العدم وهما متغايران فحالة العدم ينبني عليها تسريحه وأنظاره كما مر وحالة الضعف ينبني عليها أخذ ذلك القليل من

ص: 105

يده بعد أن يترك له ما يعيش به هو ومن تجب عليه نفقته عرفا كما صرح به الناظم بعد في قوله وثبت للضعف حال دفعه

لغرمائه بقدر وسعه. وقوله بما اقتضاه باؤه بمعنى على متعلق بقسم واليقين بالخفض معطوف على ما واليمين بالجر نعت لذي ثم قال

(وحيث تم رسمه وعدما

كان عديما لأولاء الغرماء)

(إلا أن استفاد من بعد العدم

مالا فيطلبونه بالملتزم)

(وينبغي اعلان حال المعدم

في كل مشهد بأمر الحكم)

يعني أن الشهود إذا شهدوا بعدم المدين وتمت شهادتهم وحكم القاضي بعدمه بعد الأعذار للغرماء فسلموا شهادتهم أو عجزوا عن الطعن فيها ولم يكن لهم معارض في ذلك فإن هذا المدين يكون عديما لهؤلاء الغرماء الذين طلبوا تعديمه وحينئذ فلا يجب لهم قبله شيء إلا إذا استفاد بعد ذلك مالًا فإنهم يطلبونه بما التزم لهم به حيث قال في يمينه وأن وجده ليقضين ولا يجبر على التكسب إلا إذا عاملوه عليه بأن كان صاحب صنعة. وينبغي إعلام الناس بحال المعدم في المشاهد والأسواق بأمر الحاكم على ما جرى به العمل ليعلم الناس حاله فلا يعامله من أراد معاملته إلا على بصيرة من أمره وقوله في كل وبأمر الحكم بفتح الكاف أي الحاكم يتعلقان بإعلان وقوله

(ومثبت للضعف حال دفعه

لغرمائه بقدر وسعه)

معناه أن المدين إذا اثبت ضعف ماليته فإنه يؤدي لغرمائه على قدر وسعه بما يراه الحاكم وقد تقدم الكلام على هذا كما علمت وقوله ومثبت مبتدأ أول وحال مبتدأ ثان وبقدر وسعه بتثليث الواو أي قدرته وطاقته متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني وهو وخبره خبر المبتدأ الأول والضمائر كلها عائدة عليه والأخير هو الرابط وقوله

(وطالب تفتيش دار المعسر

ممتنع إسعافه في الأكثر)

ص: 106