المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها}

- ‌{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما}

- ‌{فصل في الاعتصار}

- ‌{فصل في العمرى وما يلحق بها}

- ‌{فصل في الإرفاق}

- ‌{فصل في حكم الحوز}

- ‌{فصل في الاسىتحقاق}

- ‌{فصل في العادية والوديعة والأمناء}

- ‌{فصل في القرض وهو السلف}

- ‌{فصل في العتق وما يتصل به}

- ‌ باب الرشد

- ‌{فصل في الوصية وما يجري مجراها}

- ‌{فصل في الإقرار}

- ‌فصل في حكم المديان*

- ‌فصل في الفلس*

- ‌باب في الضرر وسائر الجنايات*

- ‌فصل في ضرر الأشجار*

- ‌فصل في نسقط القيام بالضرر*

- ‌فصل في الغصب والتعدي*

- ‌فصل في الاغتصاب*

- ‌فصل في دعوى السرقة*

- ‌فصل في أحكام الدماء*

- ‌فصل في الجراحات*

- ‌باب التوارث والفرائض*

- ‌فصل في ذكر عدد الوارثين*

- ‌فصل في ذكر أحوال الميراث*

- ‌فصل في المقدار الذي يكون به الإرث*

- ‌فصل في ذكر حالات وجوب الميراث*

- ‌فصل في ذكر أهل الفرائض وأصولها*

- ‌فصل في ذكر حجب الإسقاط*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل إلى فرض*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل للتعصيب*

- ‌فصل في موانع الميراث*

الفصل: ‌ باب الرشد

الكتابة (قال) المواق قيل ثمانية لا يجوز التحمل بها الكتابة والصرف والقصاص والحدود والتعزير ومبيع بعينه وعمل أجير يعمل بنفقته وحمولة دابة بعينها أي حملها والله أعلم (ولما) ذكر باب التبرعات وما ألحق بها أعقبها بالكلام على‌

‌ باب الرشد

والأوصياء والحجر وما ذكر معها لا بينهما من المناسبة وهي شرطية الرشد فيها وعدم الحجر بصبا أو جنون أو تبذير أو فلس أو مرض مخوف أو نكاح في الزوجة أو رق أو ردة إلى غير ذلك من الموانع فقال

{باب الرشد}

{والأوصياء والحجر والوصية والإقرار والدين والفلس}

ذكر الناظم في هذه الترجمة مسائل متعددة من سعة أبواب مختلفة وفصل بعضها من بعض بالفصول وبدأ ببيان الرشد لأنه أشرفها فقال

(الرشد حفظ المال مع حسن النظر

وبعضهم له الصلاح معتبر)

يعني أن حقيقة الرشد هي حفظ المال بأن لا يصرفه مالكه بغير عوض بسفاهة وإن لا يصرفه في لذاته المحرمة والمكروهة والمباحة الخارجية عن المعتاد حتى يكون مبذرًا لماله في مصالح اللذات على حالة لا تليق بأمثاله مع حسن النظر فيه بالتنمية وهل من شرطه أيضًا أن يكون صالحًا في دينه أم لا خلاف والراجح عدم اشتراطه كما يأتي عند قوله

وصالح ليس يجيد النظرا

في المال أن خيف الضياع حجرا

وشارب الخمر إذا ما أثمرا

لما يلي من ماله لن يحجرا

وظاهر النظم أن شرط التنمية هو المذهب وليس كذلك بل القول الراجح الذي به الفتوى والقضاء هو أن الرشد حفظه المال فقط وهو ظاهر لا خفاء فيه والله أعلم (وقول) الناظم له أي معه وضميره يعود على ما ذكر من ذكر المال وحسن

ص: 71

النظر فيه ثم أخذ يتكلم على الأوصياء والحجر وهو المنع من التصرف وأركانه ثلاثة (الأول) المحجور وحجره إما أن يكون لغيره وهو العبد والمفلس والمرأة ذات الزوج فيما زاد على الثلث ومثلها المريض وأما أن يكون حجره لنفسه وهو من يخشى عليه إتلاف ماله ومظنة ذلك الصبا والجنون والتبذير ومن يخدع في البيوع (والثاني) الذي إليه الحجر وهو السيد في عبده والأب في ولده الآتي بيانه في الحياة وعند المماة يقيم له وصيًا (والثالث) كيفية العمل وإليه أشار النظام فقال

(والابن ما دام صغيرًا للأب

إلى البلوغ حجره فيما اجتبي)

(إن ظهر الرشد فلا قول لأب

وبالغ بالعكس حجره وجب)

(كذاك من أبوه حجرًا جددًا

عليه في فور البلوغ مشهدا)

(وبالغ وحاله قد جهلا

على الرشاد حمله وقبل لا)

(وإن يمت أب وقد وصى على

مستوجب حجرًا مضى ما فعلا)

يعني أن الابن ما دام صغيرًا وأبوه حي فإنه محجور لأبيه ولو كانت له قدرة على حفظ المال إذ لا رشد قبل البلوغ فإن بلغ النظر في حاله فإن ظهر رشده خرج من الولاية ولا قول لأبيه في ذلك وإن ظهر سفهه وجب استمرار حجره عليه ولا قول لابنه في ذلك كما أنه يستمر عليه الحجر إذا جدد عليه أبوه الحجر في فور بلوغه وأشهد على ذلك علانية وإلا فأفعاله ماضية على القول بعدم اعتبار الحال. وأما أن بلغ مجهول الحال بحيث لم يتبين رشده ولا سفهه فهل يحمل على الرشد فتمضي أفعاله أو على السفه فلا تمضي وهو المشهور قولان (وكذا) يستمر الحجر على مستوجبه إذا مات أبوه وكان قد أوصى عليه أو قدم عليه القاضي مقدمًا فلا يخرج من ولاية من هو وصي أبيه أو مقدم القاضي حتى يخرجه منها الوصي أو المقدم وأفعاله كلها مردودة وإن علم رشده ما لم يطلق من الحجر بشهادة البينة السالمة من الطعن ثم قال

ص: 72

(ويكتفي الوصي بالإشهاد

إذا رأى مخايل الرشاد)

يعني أن الوصي إذا رأى على محجوره علامات الرشد من المحافظة على المال خصوصًا إذا كانت له قدرة على التنمية كما إذا كانت له صنعة يأخذ عنها الأجر فلا يصرفه إلا في مصرفه الشرعي أو يستعمله في تجارة أو يبقيه تحت يده فله أن يرشده ويكتفي بالإشهاد على نفسه بأنه أطلقه من قيد الحجر ولم تبق عليه ولاية لأحد وهو مصدق في ثبوت رشده عنده ولا يحتاج إلى إقامة بينة هذا هو المشهور وقال بعضهم ينبغي أن لا يصدق الوصي في ذلك بل لابد من بينة تشهد للمحجور برشده لقلة الأمانات وكثرة الخيانات التي تقع من الأوصياء ويقتصر على قوله

(وفي ارتفاع الحجر مطلقًا يجب

إثبات موجب لترشيد طلب)

(ويسقط الإعذار في الترشيد

حيث وصيه من الشهود)

يعني أن المحجر إذا بلغ ذكرًا كان أو أنثى وقع تزوجها أولا إذا طلب ترشيد نفسه وأتى بمن يشهد له بحسن حاله وإنه ممن لا يخدع في بيع ولا ابتياع وممن يجب أن يرشد ويطلق من ثقاف الحجر فإن بينته تسمع فإذا حضر الوصي أو المقدم ووافق على ذلك ارتفع عليه الحجر فإن شهد له الوصي بالرشاد استغنيت بشهادته عن الإعذار إليه والأحوط في حقوق الأيتام أن يوكل القاضي من يعذر إليه في شهود الرشد لأن الوصي قد يريد الترشيد لغرض من الأغراض الدنيوية فيتواطأ مع محجوره على ذلك وقد شاهدنا كثيرًا من هذا وقول الناظم مطلقًا أي كان من مقدم القاضي أو الوصي أو الأب (ولما) فرغ من الكلام على ذي الأب والوصي شرع يتكلم على حكم المهمل وذكر فيه أربعة أقوال أشار إلى الأول منها بقول

(والبالغ الموصوف بالإهمال

معتبر بوصفه في الحال)

(فظاهر الرشد يجوز فعله

وفعل ذي السفه رد كله)

ص: 73

(وذاك مروي عن ابن القاسم

من غير تفصيل له ملائم)

قال ابن رشد ذهب ابن القاسم إلى أنه ينظر إلى حاله يوم بيعه وابتياعه فإن كان رشيدًا جازت أفعاله وإن كان سفيهًا لم يجز منها شيء من غير تفصيل بين أن يتصل سفهه أو لا يتصل اهـ وقول الناظم معتبر أي في حال تصرفه ثم فسر ذلك بقوله فظاهر الرشاد الخ وأشار إلى الثاني بقوله

(ومالك يجيز كل ما صدر

بعد البلوغ عنه من غير نظر)

قال ابن رشد قول مالك وكبار أصحابه أن أفعاله كلها بعد البلوغ جائزة نافذة رشيدًا كان أو سفيهًا معلنًا بالسفه أو غير معلن اتصل سفهه من حين بلوغه أو سفه بعد أن أنس من الرشد من غير تفصيل في شيء من ذلك اهـ قال القاضي الفشتالي هذا هو المشهور المعمول به ونحوه في باب بيع المولى عليه من مختصر المتيطية وذكر في المفيد القولين وقال في قول ابن القاسم ليس عليه عمل اهـ. والذي عليه عمل أهل قرطبة وأهل فاس قول ابن القاسم كما في المعيار وغيره بعد حكاية جرى العمل بالقولين (قلت) والذي عليه عمل تونس هو قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وهو المناسب لأهل هذا الزمان. وأشار إلى الثالث بقوله

(وعن مطرف أتى من أتصل

سفهه فلا يجوز ما فعل)

(وإن يكن سفه بعد الرشد

ففعله ليس له من رد)

(ما لم يبع من خادع فيمنع

وبالذي أفاته لا يتبع)

قال ابن رشد قول مطرف وابن الماجشون أنه إن كان متصل السفه من حين بلوغه فلا يجوز شيء من أفعاله وأما إن سفه بعد أن أنس منه الرشد فأفعاله جائزة عليه ولازمة له ما لم يكن بيعه بيع سفه وخديعة بينة مثل أن يبيع ثمن ألف دينار بمائة

ص: 74

دينار وما أشبه ذلك فلا يجوز ذلك عليه ولا يتبع بالثمن أن أفسده من غير تفصيل بين أن يكون معلنًا بالسفه أو غير معلن. وأشار إلى الرابع بقوله

(ومعلن السفه رد ابن الفرج

أفعاله والعكس في العكس اندرج)

قال ابن رشد قال أصبغ أنه إن كان معلنًا بالسفه فأفعاله غير جائزة وإن لم يكن معلنًا بالسفه فأفعاله جائزة اهـ ومراده بالعكس إن الذي لم يكن معلنًا وهو إما معلن بالرشد أو مجهول الحال وقول الناظم

(وفعل من يجهل بالإطلاق

حالته يجوز باتفاق)

(ويجعل القاضي بكل حال

على السفيه حاجرًا في المال)

يشير به إلى قول ابن رشد اتفق جميعهم أن أفعال من جهلت حالته ولم يعلم بسفه ولا رشد جائزة لا يرد منها شيء وكذلك اتفقوا على أن على الإمام أن يولي عليهم إذا ثبت سفهه وخشي ذهاب ماله اهـ وقول الناظم بالإطلاق معناه في جواز أفعال مجهول الحال سواء كانت بعوض أو تبرعًا (ولما) فرغ من الكلام على ما يخرج به الذكر من الحجر شرع في بيان ما تخرج به الأنثى إذا بلغت في حياة أبيها أو بعد موته وقد أوصى عليها أو تركها مهملة وقدم القاضي عليها أحدًا أو لم يقدم عليها فأشار إلى الأولى بقوله

(وإن تكن بنت وحاضت والأب

حي فليس الحجر عنها يذهب)

(إلا إذا نكحت ثم مضى

سبعة أعوام وذا به القضا)

(ما لم يجدد حجرها أثر البنا

أو سلم الرشد إذا تبينا)

يعني أن البنت إذا بلغت وكان أبوها حيا فإن حجره عليها لا يرتفع ببلوغها إلا بأحد سببين أحدهما أن تتزوج ويدخل بها زوجها وتمكث سبعة أعوام فحينئذ تخرج من ثقاف الحجر وبه القضاء ما لم يجدد عليها الحجر أثر البناء بها وأحرى قبله فإن جدده عليها فلا تخرج إلا بالترشيد. والأخر ظهور صلاح حالها وتبينه بالبينة وسلمه

ص: 75

الأب ووافق عليه فإنها ترشد وتخرج من الحجر وقوله أو سلم معطوف على قوله أو نكحت وأشار إلى الثانية والثالثة بقوله

(وحجر من وصى عليها ينسحب

حتى يزول حكمه بما يجب)

(العمل اليوم عليه ماضي

ومثله حجر وصي القاضي)

يعني أن البنت إذا مات أبوها وأوصى عليها في وقت يجوز له ذلك أو لم يوص عليها ولكن قدم القاضي عليها مقدمًا فإن الحجر ينسحب ويستمر عليها ولا تخرج منه إلا بالترشيد وهو المراد بقوله بما يجب وبهذا القول العمل وأشار إلى الرابعة بقوله

(وإن تكن ظاهرة الإهمال

فإنها مردودة الأفعال)

(إلا مع الوصول للتعنيس

أو مكث عام أثر التعريس)

(وقيل بل أفعالها تسوغ

إن هي حالة المحيض تبلغ)

(والسن في التعنيس من خمسينا

فيما به الحكم إلى الستينا)

يعني أن البنت إذا مات أبوها ولم يوص عليها ولم يقدم عليها القاضي مقدمًا ينظر في شؤونها وبقيت مهملة فإن أفعالها مردودة وسواء كانت بعوض أو بغير عوض حصل فيها غبن أم لا ولم يمض عليها شيء من ذلك إلا بأحد أمرين إما بلوغها سن التعنيس وهو أربعون سنة على ما به العمل وعمل أيضًا بالخمسين إلى الستين وعليه درج الناظم قال في العمل المطلق

وعملوا بأربعين عامًا

في حد ما تعنس اليتامى

ولابن عاصم من الخمسين

فيما به الحكم إلى الستينا

وفي المسألة أقوال أخر لا يتحملها هذا المختصر منها ثلاثون سنة وهو قول جيد (وأما) بمرور عام عليها أثر دخول الزوج بها هذا هو القول الذي به العمل وقيل أفعالها ماضية بمجرد بلوغها ثم قال

ص: 76

(وحيث رشد الوصي من حجر

ولاية النكاح تبقى بالنظر)

يعني أن الوصي إذا رشد محجورته فإن ولاية النكاح تبقى له عليها ولا تنتقل لغيره من الأولياء وقد تقدم الكلام على هاته المسألة في باب النكاح مستوفاة ثم ذكر حكم المحجور إذا مات وصيه فقال

(وليس للمحجور من تخلص

إلا بترشيد إذا مات الوصي)

(وبعضهم قد قال بالسراح

في حق من يعرف بالصلاح)

يعني أن الوصي إذا مات ولم يوص على محجوره ذكرًا كان أو أنثى ولم يقدم عليه القاضي مقدمًا وبقي مهملًا فالقول المشهور المعمول به أنه لا يخرج من الولاية إلا بترشيد وقيل يخرج منها بموت وصيه إذا كانت حالته في المال حسنة تدل على رشده وهذان القولان مبنيان على قول مالك وابن القاسم فمالك يراعي الولاية والأصل انسحابها حتى يرشد وهو القول الأول في النظم وابن القاسم يراعي حال المحجور من صلاح أو سفه ولا عبرة عنده بالولاية وهو القول الثاني. ونقل الحطاب عن البرزلي أنه إذا تصرف بعد موت وصيه فالذي به العمل أن تصرفه حينئذ كتصرفه قبل موته إلا أن يعرف فيه وجه الصواب اهـ وهذا العمل إنما هو على مذهب ابن القاسم وقد تقدم الكلام عليه (فرع) نقل الشارح عن ابن لب أن المهملة يموت وصيها إذا طالت المدة وتصرفت تصرف الرشيدات بطول المدة فهي على حكم الرشد في أفعالها على الصحيح من الأقوال في أفعال المهمل في مثل هذه النازلة قال ابن رحال هذه مسألة صحيحة لا شك فيه اهـ ثم قال

(والشأن الإكثار من الشهود

في عقدي التسفيه والترشيد)

(وليس يكفي فيهما العدلان

وفي مرد الرشد يكفيان)

يعني أن الذي جرى به العمل عند القضاة ومن ناب عنهم الإكثار من شهود التسفيه

ص: 77

والترشيد ولا يكفي في ذلك شهادة عدلين لأن السفه أو الرشد لا يخفى على الناس غالبًا فشهادة اثنين فقط ريبة هذا كله مع الإمكان فإن لم يمكن الاستكثار اكتفى بشهادتهما وهو الأصل (فرع) لو شهد بالرشد أربعة عدول فأكثر وشهد عدلان بسفيه من شهد فيه بالرشد وتعارضتا فتكون شهادة السفه أعمل لأنها علمت ما لم تعلمه الأخرى وإلى هذا أشار الناظم بقوله (وفي مرد الرشد يكفيان) والمراد بقول الناظم الشأن العمل ثم بين حكم إعطاء الوصي شيئًا من مال محجوره ليختبره به فقال

(وجاز للوصي فيمن حجرا

إعطاء بعض ماله مختبرا)

يعني أنه يجوز للوصي في حق من هو في حجره وتحت ولاية نظره أن يعطيه شيئًا من ماله بحسب مال المحجور وصنعته ليختبر تصرفه بذلك إذا رأى عليه علامات الرشاد التي توجب إطلاقه من الحجر فإن تلف ما دفعه له لم يضمن الوصي شيئًا من ذلك وظاهر النظم أنه يجوز للوصي الاختبار ولو قبل البلوغ وهو كذلك على رأي بعض العلماء لقول الله تعالى وابتلوا اليتامى وقال المازري الأشهر أنه بعد البلوغ اهـ وعليه فالآية محمولة على غير ظاهرها والله أعلم (فرع) إذا تصرف المحجور بعلم وليه وطال تصرفه فإن ما لحقه من الدين لزمه وتصرفه ماض قال البرزلي وبه العمل اهـ وأنظره مع ما تقدم (ثم) شرع يتكلم على المحجور إذا أتلف شيئًا من مال غيره هل يضمنه أم لا وإذا فوت شيئًا من ماله بعوض أو بدون عوض هل ينفذ أم لا فأشار إلى الأول منها فقال

(وكل ما أتلفه المحجور

فغرمه من ماله المشهور)

(إلا لمن طوعا إليه صرفه

وفي سوى مصلحة قد أتلفه)

يعني أن المحجور إذا أتلف شيئًا من مال غيره بحرق أو كسر أو أكل ونحو ذلك فإنه يلزمه غرمه في ماله إن كان له مال وإلا اتبع به دينًا في ذمته هذا هو المشهور إلا إذا سلطه عليه ربه باختياره وجعله فيما لا مصلحة له فيه فإنه لا يغرمه أما إن عدا

ص: 78

عليه بنفسه فإنه يغرمه صرفه في مصلحة أو غيرها أو سلطة عليه ربه وصرفه فيما لابد له منه فإنه يغرمه أيضًا وإن جهل الحال فإنه يحمل على أنه صرفه في غير ما لابد منه قال ابن رحال وأشار إلى الثاني بقوله

(وفعله بعوض لا يرتضى

وإن أجازه وصيه مضى)

(وفي التبرعات قد جرى العمل

بمنعه ولا يجاز إن فعل)

يعني أن ما فوته المحجور من ماله نفسه بعوض كالبيع فإنه يكون متوقفًا على إجازة وصيه فإن أمضاه مضى وإن رده رد. وأما ما فوته من ماله بغير عوض من هبة ونحوها فإنه يمنع من ذلك لأنه إنما حجر عليه خوفًا من إتلاف ماله وليس لوليه إجازة فعله لأنه سوء نظر فإن أجازه لم يمض ويغرمه إن فات وبه العمل وقوله

(وظاهر السفه جاز الحلما

من غير حجر فيه خلف علما)

(جواز فعله بأمر لازم

لمالك والمنع لابن القاسم)

الظاهر أنهما مكرران مع قوله المتقدم والبالغ الموصوف بالإهمال الأبيات ثم قال

(وبالذي على صغير مهمل

يقضي إذا صح بموجب جلي)

(وهو على حجته كالغائب

إلى بلوغه بحكم واجب)

(ويدفع الوصي كل ما يجب

من مال من في حجره مهما طلب)

يعني أن الصغير إذا كان مهملًا وثبت عليه حق بموجب صحيح ظاهر فإن القاضي يقدم له مقدمًا ويقضي عليه بأداء ما ثبت عليه من الحق ويبقى على حجته إلى أن يبلغ رشيدًا كالغائب وإن كان له وصي فإنه يدفع ما وجب على محجوره من مال المحجور المذكور إذا طولب به ويسجله في حسابه (وقوله) بالذي متعلق بيقضي وعلى صغير متعلق بمحذوف صلة الذي وفاعل صح ضمير عائد على الذي الواقع على الحق وبموجب متعلق بصح والمراد بالموجب البينة ثم قال

ص: 79

(ونظر الوصي في المشهور

منسحب على بني المحجور)

(ويعقد النكاح للإماء

والنص في عقد البنات جائي)

(وعقده قبل البلوغ جار

بجعله في البكر كالإجبار)

يعني أن الوصي على المحجور يكون وصيًا أيضًا على أولاد ذلك المحجور بطريق التبع على القول المشهور وعليه فإن نظره يكون منسحبًا عليهم فيعقد نكاح إيمائهم وبناتهم البالغات اللاتي لم يملكن أمر أنفسهن وإن كن ثبات كما جاء عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وقوله وعقده قبل البلوغ جار البيت يعني أن عقد الوصي نكاح إبكار محجور جبرًا قبل البلوغ يجير مجرى الإجبار الذي جعله الموصي للوصي في إبكار بناته وقد تقدم الكلام في باب النكاح على ما إذا لم يجعل له الأب في وصيته الإجبار فراجعه هناك (ثم) ذكر أربع مسائل. وهي الوصي إذا أراد عزل نفسه هل له ذلك أم لا. وإذا قبل الوصي الإيصاء هل له الرجوع بعد موت الوصي أم لا. وإذا امتنع الوصي من قبول الإيصاء بعد موت الوصي ثم أراد القبول هل له ذلك أم لا. وإذا أراد مقدم القاضي أن يوكل في حق محجوره هل له ذلك أم لا فأشار إلى الأولى بقوله

(والنقل للإيصاء غير معمل

إلا لعذر أو حلول أجل)

يعني أن الوصي إذا قبل الإيصاء بعد الموت لاسيما بعد التصرف في تركة الميت إذا أراد عزل نفسه من الإيصاء وجعله لغيره في حياته أو أراده القاضي فليس له ذلك إلا لعذر بين يمنعه من النظر في الإيصاء المذكور أو حلول أجل موته فللقاضي حينئذ أن يقدم من يراه صالحًا لذلك. وأما إذا أراد إسناد الإيصاء لغيره بعد موته فله ذلك ويكون وصي الوصي كالوصي في جميع ما تقدم عند الإطلاق. وأشار إلى الثانية بقوله

(ولا يرد العقد بعد أن قبل

إن مات موص ولعذر ينعزل)

ص: 80

يعني أن الوصي إذا قبل الإيصاء بعد موت الموصي أو قبل موته واستمر على القبول إلى الموت وأراد الرجوع عنه فليس له ذلك ولا ينعزل عنه إلا لموجب كما إذا حصل منه تفريط أو ظهرت منه خيانة أو وقعت بينه وبين محجوره مخاصمة لأن الخصام تنشأ عنه العداوة والعدو لا يكون وصيًا أو مقدمًا على عدوه كالحضانة فإنه ينعزل. وقوله بعد إن فأن بفتح الهمزة مصدرية أي بعد قبوله وإن بعدها بكسر الهمزة شرطية (وأشار) إلى الثالثة فقال

(ولا رجوع إن أبى تقدمه

من بعد أن مات الذي قد قدمه)

يعني أن الوصي إذا امتنع من قبول الإيصاء بعد موت الموصي ثم بعد ذلك ظهر له القبول فإنه لا يمكن منه وقوله أن الأولى بكسر الهمزة شرطية وأن الثانية بفتح الهمزة مصدرية. وأشار إلى الرابعة بقوله

(وكل من قدم من قاض فلا

يجوز أن يجعل منه بدلا)

(كذاك لا يجوز أن ينعزلا

إلا لعذر بين أن قبلا)

يعني أنه لا يجوز لمقدم القاضي على النظر في شؤون الأيتام أن يوكل غيره على أمور محجوره ولا يصح منه ذلك إلا بإذن القاضي هذا هو القول الذي به العمل بخلاف الوصي فإن أراد أن يوكل في حق محجوره فله ذلك بدون مشورة القاضي ولا يجعل لوكيل المحجور ولا لغيره ممن له النظر الإقرار وحصر الدعوى والإبراء العام. وحيث قبل من قدمه القاضي التقديم فلا يجوز له أن يعزل لنفسه عن التقديم أو يعزله القاضي عنه إلا لعذر كطرو فسق أو اختلال عقل ونحو ذلك ثم قال

(وصالح ليس يجيد النظرا

في المال أن خيف الضياع حجرا)

(وشارب الخمر إذا ما ثمرا

لم يلي من ماله لن يحجرا)

يعني أن من كان صالحًا في دينه غير أنه لا يحسن النظر في ماله فإنه يحجر عليه

ص: 81

وشارب الخمر إذا كان يثمر ما يلي من ماله وينميه فلا يحجر عليه وكلام الناظم في حق من لا حجر عليه فالأول يستأنف حجره والثاني يبقى على إطلاقه وقد تقدم إن تنمية المال ليست شرطًا وإنما يشترط حفظ المال لا غير وقوله ما بعد إذا زائدة ثم قال

(وللوصي جائز أن يتجرا

لكنه يضمن مهما غررا)

يعني أنه يجوز للوصي أن يتجر بمال اليتيم على أن الربح له والخسارة عليه وله أن يدفعه قراضًا لغيره من أهل الثقة والديانة ولا يتجر هو به مخافة أن يحابي نفسه فإن عمل به بنفسه بقراض مثله جاز وبأكثر رد إلى قراض مثله وكان الربح بينهما لا ضمان عليه في التلف إلا إذا وقع منه غرر كما إذا دفعه لغير أمين أو لمن لا تناله الأحكام ونحو ذلك فإنه يضمن. وقوله يتجرا بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه وألفه للإطلاق وفاعله ضمير يعود على الوصي وقوله غررا بالتشديد مبني للفاعل وفاعله ضمير مستتر يعود على الوصي أيضًا قال الشيخ مياره (فرع) في نوازل ابن الحاج للقاضي أن يفرض للوصي أجرة على نظره اهـ ثم قال

(وعندما يأنس رشد من حجر

يطلقه وماله له يذر)

(وحيث لم يفعل فقد تصدى

أن يضمن المال لأنه تعدى)

يعني أن الوصي إذا آنس وعلم من محجوره الرشد بالاختبار بشيء من المال فالمطلوب في حقه إن يرشده ويطلقه من ثقاف الحجر ويعطيه ماله ليخرج من عهدته فإن لم يفعل وضاع المال فإنه يضمنه إذا مر زمان يمكن دفع المال إليه وسواء كان تلفه ببينة أو بدون بينة لأنه عرض نفسه للضمان لتعديه بعدم ترشيده ودفع ماله إليه والأصل في هذا قول الله تعالى فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم الآية وقوله يأنس أي الوصي ورشده بالنصب مفعول بيأنس وهو مضاف ومن واقع على المحجور مضاف إليه وماله بالنصب مفعول مقدم بيذر أي يترك وله متعلق به ثم شرع يتكلم على الوصية فقال

ص: 82