الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يمنعه الشمس والريح إلا إذا اضطر إلى البناء واحتاج إليه فإنه لا يمنع منه لأن مصلحته مقدمة على مصلحة صاحب الأندر ثم قال
*
فصل في الغصب والتعدي*
قال القاضي عياض أخذ المال بغير حق على ضروب عشرة حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وجحد. وأسم الغصب يطلق على الجميع في اللغة (فالحرابة) كل ما أخذ بمكابرة ومدافعة. والغيلة ما أخذ بعد قتل صاحبه بحيلة ليأخذ ماله وحكمه حكم الحرابة. والغصب ما أخذه ذو القدرة والسلطان. والقهر نحو منه إلا إنه يكون من ذي القوة في جسمه للضعيف ومن الجماعة للواحد. والخيانة كل ما كان لآخذه قبله أي جهته أمانة أو يد. والسرقة ما أخذ على وجه الاختفاء. والاختلاس كل ما أخذ بحضرة صاحبه على غفلة وفر أخذه بسرعة والخديعة كل ما أخذ بحيلة كالتشبه بصاحب الحق وصاحب الوديعة والمتزي بزي الصلاح أي يلبس الأخضر وتطويل اللحية ونحوهما ليأخذ المال بذلك. والجحد إنكار ما تقرر بذمة الجاحد وأمانته وهو نوع من الخيانة، والتعدي ما أخذ بغير إذن صاحبه بحضرته أو مغيبه وقال الشاطبي الغصب عند الفقهاء هو التعدي على الرقاب والتعدي مختص بالتعدي على المنافع دون الرقاب فإذا قصد الغاصب تملك رقبة المغصوب فهو منهي عن ذلك إثم فيما فعل وهل يتقرر له عليها شبهة ملك بسبب ضمانه لها أم لا خلاف فإن قلنا إنه يتقرر عليها شبهة ملك كالذي في أيدي الكفار من أموال المسلمين كان داخلا تحت قوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان فكانت كل غلة وثمن يعلو أو يسفل أو حادث يحدث للغاصب وعليه بمقتضى الضمان كالاستحقاق والبيوع الفاسدة وإن قلنا أنه لا يتقرر عليه شبهة ملك بل المغصوب على ملك صاحبه فكل ما يحدث من غلة ومنفعة فعلى ملكه فهي له فلا بد للغاصب من غرمها لأنه قد غصبها أيضا وأما ما يحدث من نقص فعلى الغاصب بعدائه لأن نقص الشيء المغصوب إتلاف لبعض ذاته فيضمنه كما
يضمن المتعدي على المنافع لأن قيام الذات من جملة المنافع اهـ وإلى كون الغاصب ليس بذي شبة على المذهب ذهب الناظم كغيره من المصنفين فقال
(وغاصب يغرم ما استغله
…
من كل شيء ويرد أصله)
(حيث يرى بحاله فإن تلف
…
قوم والمثل بذي مثل ألف)
يعني إن من غصب شيئًا واستغله فإنه يرد الغلة التي استوفاها من الذوات المملوكة لغيره وصفة ردها أن يرد مثلها إن كانت مثلية معلومة القدر كأشجار جذ ثمارها وأغنام جز صوفا وإن جهل قدرها أو كانت مقومة فترد القيمة وكلام الناظم في رد الغلة مجمل وبيانه أن غلة نحو الدابة والدار والأرض وغيرها مما لا ينتفع به إلا بالاستعمال فلا تلزم غلته إلا باستعماله وأما لو عطل هذه المذكورات بأن لم يستعمل الدابة ولا زرع الأرض ولا أكرى الدار فلا يلزمه قراؤها في مدة استيلائه عليها (وأما) الغلة التي تنشأ من غير تحريك كثمر الشجر وصوف الغنم ولبن البقر فهذا يرده الغاصب من غير تردد (وأما) ربح المال المغصوب منه تاجرًا على القول المعتمد. وظاهر النظم لزوم رد الغاصب الغلة ولو كان المغصوب يحتاج إلى نفقة وليس كذلك بل إذا كان يحتاج إلى نفقة فإنما يرد الزائد منها على النفقة فإن لم يكن للشيء المغصوب غلة ضاعت النفقة على الغاصب ولا يرجع بها في الذات المغصوبة ولا ينظر إلى كونه أدى واجبا على المغصوب منه لأنه ظالم. وظاهره أيضا لزوم ورد الغلة ولو ذهبت الذات المغصوبة ولزم الغاصب قيمتها وفي المسألة قولان المعتمد منهما أن الغاصب لا يلزمه ردها إلا إذا ردت الذات المغصوبة كما لا يتبع بغلتها إذا فاتت ولزم الغاصب قيمتها لأن قيمتها تعتبر يوم الاستيلاء فقد كشف الغيب أنه أستعمل ملكه. وقوله ويرد أصله الخ معناه أنه يلزم الغاصب رد أصل الشيء المغصوب إن كان باقيًا على حاله حين الغصب فإن رده بحاله فلا شيء عليه لربه فإن تلف بيده غرم قيمته يوم الغصب وإن تغير بأمر
سماوي لا صنع لأحد فيه فريه مخير بين أخذه بنقصه أو تضمينه القيمة، وإن كان النقص بتعديه بفعله ولو خطأ كدابة غصبها فاستعملها فتعيبت في بدنها خير ربه أيضا في أخذه ناقصا مع أخذ قيمة نقصه وفي تركه للغاصب وأخذ قيمته يوم الغصب هذا هو المشهور ثم قال
(والقول للغاصب في دعوى التلف
…
وقدر مغصوب وما به أتصف)
يعني أن الغاصب والمغصوب منه إذا اختلفًا في تلف الشيء المغصوب فأدعى الغاصب تلفه وأدعى المغصوب منه عدم تلفه أو اختلفًا في قدره وكميته أو في صفته وكيفيته فالقول قول الغاصب بيمينه إذا أتى بما يشبه لأنه غارم ومدعي عليه فإن جاء بما لا يشبه صدق المغصوب منه مع يمينه فإن أتيا بما لا يشبه قضي بأوسط القيم هذا هو المشهور وقوله
(والغرم والضمان مع علم يجب
…
على الذي أنجر أليه ما غصب)
(بإرث أو من واهب أو بائع
…
كالمتعدي غاصب المنافع)
معناه أن من تملك شيئا مغصوبا بإرث أو بهبة أو بشراء مع علمه بأن من أنجر إليه منه كان غصب ذلك فإنه يتنزل منزلة الغاصب في جميع ما تقدم من رد الغلة والذات على التفصيل الذي ذكرناه هناك فإن لم يعلم بذلك فإن كان المستحق من يده مشتريا فلا يلزمه إلا رد الذات ولا يلزمه رد الغلة لأنه ذو شبهة كما يأتي ولا شيء عليه فيما هلك أو نقص بأمر سماوي وكذا الوارث والموهوب له من غير الغاصب فإن كان ذلك من الغاصب نفسه فلا غلة لهما كما في ابن رحال وغيره (ولما) ذكر بعض أحكام الغصب أفاد هنا في الشطر الأخير من البيت الثاني تعريف المتعدي مشبها له بالغاصب في الضمان. ويفترقان في أمور (منها) أن غاصب الرقاب لا يضمن الغلة إلا باستعمال الشيء المغصوب وغاصب المنافع يضمن الغلة مطلقا استعمل الشيء الذي أخذه من يد مالكه أو حبسه. ومنها أنه يضمن القيمة يوم تعديه ولا يضمن الأمر السماوي بخلاف
الغاصب فإنه يضمن القيمة يوم الاستيلاء ويضمن السماوي. ومنها إذا تعدى على منافع إبل ونحوها فحبسها عن أسواقها فإنه يضمن قيمتها إن شاء ربها وإن شاء ردها سالمة بخلاف الغاصب فإن ربها لا يخير إن جاء بها سالمة (ثم) أشار إلى مفهوم الغاصب والمتعدي وهو من حاز شيئًا بوجه شرعي من بيع ونحوه ولم يعلم بغصبه كما تقدم ثم استحق من يده وأنه لا يرد الغلة وله نظائر في عدم رد الغلة فقال
(وشبهة كالملك في ذا الشأن
…
لقوله الخراج بالضمان)
(ولا يكون الرد في استحقاق
…
وفاسد البيع على الإطلاق)
(والرد بالعيب ولا في السلعة
…
موجودة في فلس والشفعة)
يعني أن شبهة الملك كالملك في كونها توجب لمن حصلت له استحقاق الغلة وهو المراد بقوله في ذا الشأن أي الأمر الذي الكلام فيه وهو لمن تكون الغلة والدليل أن شبهة الملك كالملك قوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان والخراج الغلة ومعناه أن من كان ضمان الشيء منه إذا هلك فإن غلته له ولأجل كون الخراج بالضمان أن من أشترى شيئًا من غاصب ولم يعلم بغصبه كما مر ثم استحق من يده وأخذه ربه فلا يرد الغلة مع ذلك الشيء بل تبقى بعيدة كما إذا أشترى شيئا شراء فاسدًا وقد كان استغله ونقض البيع لفساده فلا يرد الغلة مطلقا سواء كان المبيع قائما بيد المشتري أو فات وغرم ثمنه أو قيمته (أو) وجد عيبا فيما أشتراه ورده على بائعه وقد استغله (أو) اشترى شيئا واستغله ولم يدفع ثمنه حتى فلس فجاء البائع فوجد ملكه قائما فأخذه في الثمن فإنه لا يرجع بالغلة على المفلس (أو) اشترى شقصا من جنان مثلًا واستغله ثم جاء شريك فأخذ ذلك الشقص بالشفقة فلا يرد الغلة فهذه مسائل خمسة لا ترد فيها الغلة إذا كان المبيع لا غلة فيه يوم البيع ولا يوم الرد واعتل فيما بين ذلك فإن كانت موجودة يوم البيع فهي أو عوضها للبائع على كل حال إلا إذا اشترطها المشتري كما تقدم في البيوع وإن كانت موجدة يوم رد الملك فقط فهي