المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما} - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ٤

[عثمان بن المكي التوزري]

فهرس الكتاب

- ‌{باب الحبس والهبة والصدقة وما يتصل بها}

- ‌{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما}

- ‌{فصل في الاعتصار}

- ‌{فصل في العمرى وما يلحق بها}

- ‌{فصل في الإرفاق}

- ‌{فصل في حكم الحوز}

- ‌{فصل في الاسىتحقاق}

- ‌{فصل في العادية والوديعة والأمناء}

- ‌{فصل في القرض وهو السلف}

- ‌{فصل في العتق وما يتصل به}

- ‌ باب الرشد

- ‌{فصل في الوصية وما يجري مجراها}

- ‌{فصل في الإقرار}

- ‌فصل في حكم المديان*

- ‌فصل في الفلس*

- ‌باب في الضرر وسائر الجنايات*

- ‌فصل في ضرر الأشجار*

- ‌فصل في نسقط القيام بالضرر*

- ‌فصل في الغصب والتعدي*

- ‌فصل في الاغتصاب*

- ‌فصل في دعوى السرقة*

- ‌فصل في أحكام الدماء*

- ‌فصل في الجراحات*

- ‌باب التوارث والفرائض*

- ‌فصل في ذكر عدد الوارثين*

- ‌فصل في ذكر أحوال الميراث*

- ‌فصل في المقدار الذي يكون به الإرث*

- ‌فصل في ذكر حالات وجوب الميراث*

- ‌فصل في ذكر أهل الفرائض وأصولها*

- ‌فصل في ذكر حجب الإسقاط*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل إلى فرض*

- ‌فصل في ذكر حجب النقل للتعصيب*

- ‌فصل في موانع الميراث*

الفصل: ‌{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما}

لم يسمي بحذف الهمزة للوزن (ولما) كان حكم الصدقة والهبة سواء إلا في أمرين أحدهما أن الصدقة لا تعتصر على الأصل والهبة تعتصر والأخر أن الصدقة لا يجوز استرجاعها بنحو الشراء بخلاف الهبة فلهذا جمعهما الناظم في فصل واحد فقال

{فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما}

أي من الفروع كالحوز ونحوه. وعرف الإمام ابن عرفة الهبة لغير ثواب والصدقة بقوله تمليك ذو منفعة لوجه المعطى بغير عوض والصدقة كذلك لوجه الله تعالى اهـ فاخرج بالتمليك العارية ونحوها ولوجه المعطى أخرج به الصدقة لأنها لوجه الله تعالى. وقوله بغير عوض اخرج به هبة الثواب ثم عرف هبة الثواب بقوله عطية قصد بها عوض مالي اهـ وهبة الثواب في الحقيقة بيع من البيوع (والأصل) فيهما الندب بلا خلاف قاله ابن راشد (قال) الله تعالى أن تبدوا الصدقات فنعمًا هي وأن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. وقال تعالى فأوف لنا الكيل وتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين. وقال عز وجل ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرا. وقال جل جلاله أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. وقال عليه الصلاة والسلام لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي لي كراع لقبلت (والحكمة) في مشروعية العطية الشاملة لهما هو أن كان القصد منها وجه الله العظيم فالله تعالى يجازيه عليها فتكون الحكمة التقرب إليه وما كان لصلة الرحم فكذلك أيضًا مع ما فيه من بقاء المودة (قال) عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا. وقال عليه الصلاة والسلام جبلت النفوس على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها الحديث (فالهدية) تخرج الإنسان من وصف البخل الذميم وتزكي نفس الكريم. وتدل على المروءة وتكسب الثناء الجميل والثواب الجزيل وقد رأينا في التواريخ ما يدل على مجد من كان متصفًا بالجود والكرم وعلى حطة من كان متصفًا بالبخل والوصم ومن لوازم الجود الشجاعة والصدق والعدل وصون العرض إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومن لوازم البخل

ص: 27

الجبن والكذب والخساسة وعدم صون العرض ونحوها من دناءة الأخلاق نعوذ بالله منها ومن أهلها (واعلم) أن أركان العطية أربعة المعطي وشروطه أن يكون من أهل التبرع كما مر تفصيله في الحبس. والمعطى له والشيء المعطى وإن مجهولًا لغير ثواب كمناب من دار أو تركة لم يعرف قدره ويلزمه أن ظهر خلاف ما يظنه أو دار بأثاثها والإيجاب والقبول باللفظ أو ما يقوم مقامه كما تقدم في الحبس أيضًا (ولما) كان تمام الصدقة والهبة متوقفًا على تحصيل شروطهما وانتفاء موانعهما أشار الناظم رحمه الله تعالى إلى ذلك بقوله

(صدقة تجوز إلا مع مرض

موت وبالدين المحيط تعترض)

يعني أن الصدقة تصح وتلزم إلا مع وجود مانع وهو أما مرض الموت أو دين محيط بماله فمن تصدق وهو مريض واستمر على مرضه الذي لا يقدر معه على التصرف بأن يكون ملازمًا للفراش إلى أن مات فإن الصدفة تبطل لحق الورثة في المال وتصير وصية تخرج من الثلث بعد أن كانت صدقة تخرج من رأس المال وتجري عليها أحكام الوصايا فإن كانت بالثلث فأقل لغير وارث نفذت بلا شرط الحوز وإن كانت بأكثر من الثلث أو لوارث توقف لزومها على إجازة الورثة فإن صح من مرضه ذلك صحة ظاهرة لزمت وصحت بشرط الحوز وكذلك تبطل الصدقة إذا كان المتصدق عليه دين محيط بماله لحق الغرماء فيه ولهم إجازة ما تصدق به ورده فإذا زادت قيمة الصدقة عن الدين وطلب الغرماء دينهم بيعت وما فضل عن الدين يكون للمتصدق عليه هذا إذا تحققت سبقية الدين على الصدقة أما إذا تحققت سبقية الصدقة على الدين صحت إن حيزت قبل حصول الدين أو جهل الحال هل تقدمت الحيازة عليه أو تأخرت وسواء كان المتصدق عليه صغيرًا أو كبيرًا. وأن جهل السابق منهما هل الصدقة أو الدين فإن حازها الرشيد أو أجنبي للمحجور أو حازها المحجور لنفسه حوزًا تامًا صحت وإن حازها الأب له بطلت ثم قال

ص: 28

(ولا رجوع بعد للمصدق

وملكها بغير إرث اتقي)

(كذاك ما وهب للأيتام

والفقراء وأولي الأرحام)

يعني أن من تصدق بصدقة فإنها تلزمه ولا رجوع له فيها بعد وقوعها لندم ونحوه ولو لم تحز. وقوله (وملكها بغير إرث اتقي) يعني أن يكره للمتصدق تملك ما تصدق به بالشراء ونحوه إما إذا رجعت إليه بميراث فإنه يجوز له ذلك بدون كراهة أو اشتراط اعتصارها من المتصدق عليه فله ذلك ولا يجوز للمتصدق عليه أن يبيعها إلا إذا أذن له المتصدق أو أسقط شرطه أو مات في حياة المتصدق عليه كان له التصرف التام فيها. ومثل الصدقة في كراهة الارتجاع ما كانت هبته لله تعالى أو ليتيم أو فقير أو ذي رحم كعمة وخالة أو خال أو بنت أخ ونحوهم من ذوي الأرحام فإن الواهب لمن ذكر يكره له أن يتملك ما وهبه لهم إلا بميراث ثم قال

(والأب حوزه لما تصدقا

به على محجوره لن يتقى)

يعني أن من تصدق على ولده الذي هو في ولايته وتحت نظره وأراد أن يحوز له فهو أمر جائز لا يتقى ولا يمنع وسواء كان المحجور عليه كبيرًا أو صغيرًا فإذا أنس منه الرشد بعد بلوغه إن كان صغيرًا ولم يقبض حتى مات الأب بطلت الصدقة (ولما) كان المتصدق عليه باعتبار جبر المتصدق على الحوز وعدم جبره عليه أن امتنع من تسليمه للمتصدق عليه يتنوع إلى ثلاثة أنواع وهي إما أن يكون معينًا وإما أن يكون غير معين وإما أن يكون غير معين أيضًا لكن انتقل إليه من معين فأشار الناظم إلى الأول بقوله

(وللمعينين بالحوز تصح

وجبره مهما أباه متضح)

يعني أن الصدقة إذا كانت على معين كزيد لا تتم إلا بالحوز قبل حصول المانع ويجبر على دفعها للمتصدق عليه إن امتنع منه لأنها تلزم بالقول وأشار إلى الثاني فقال

ص: 29

(وفي سوى المعينين يؤمر

بالحوز والخلف أتى هل يجبر)

يعني أن من تصدق على غير معين كالفقراء فإنه يؤمر بالحوز وفي جبره عليه وعدم جبره خلاف والمعتمد عدم الجبر وأشار إلى الثالث فقال

(والجبر محتوم بذي تعين

لصنفهم من جهة المعين)

يعني أن من تصدق بصدقة على معين كخالد ثم بعده للفقراء فمات خالد قبل الحوز فطلبه الفقراء بدفعها لهم فإنه يجبر عليه إن امتنع لانتقال الصدقة لهم من معين لأنه لما وجب القضاء للمعين وجب القضاء لهم أيضًا تبعًا له. وقوله بذي متعلق بمحتوم ولصنفهم متعلق بالجبر وضمير الجماعة يعود على غير المعينين والمعين اسم فعول ثم قال

(وللأب التقديم للكبير

لقبض ما يختص بالصغير)

يعني أن الأب إذا تصدق على ولديه الكبير الصغير فإنه يجوز له أن يقدم ابنه الرشيد لقبض نصيب ابنه الصغير أو البالغ السفيه وكذا له أن يقدم أجنبيًا لأن هاته المسألة نظيرة قوله السابق

والأخ للصغير قبضه وجب

مع اشتراك أو بتقديم من آب

ثم قال

(وحوز حاضر لغائب إذا

كانا شريكين بها قد أنفذا)

قال في المفيد ولو وهب رجل هبة لرجلين غائب وحاضر كان قبض الحاضر حيازة لهما فإن قبلها الغائب إذا قدم وإلا بطلت حصته ومن وهب لغائب وأشهد بها وأعلن بها وتخلى عنها صحت وقيل لا تصح حتى يخرجها إلى من تصح اهـ وقوله

(وما على البت لشخص عينا

فهو له ومن تعدى ضمنا)

(وغير ما يبت إذ يعين

رجوعه للملك ليس يحسن)

ص: 30

معناه أن من أخذ شيئًا من ماله وبتله صدقة به على معين سماه بلسانه أو نواه بقلبه جازمًا بذلك غير متردد فيه فلا يجوز له أن يتصدق به على آخر فإن فعل غرمه للمعين وأما إذا أراد أن يعطي شيئًا لمسكين لم يبتله لا بقول ولا بنية فإنه يكره له أن يرده إلى ماله كما يكره له أن يعطيه إلى غيره ثم قال

(وللأب القبض لما قد وهبا

ولده الصغير شرعا وجبا)

(إلا الذي يهب من نقديه

فشرطه الخروج من يديه)

(إلى أمين وعن الأمين

يغني اشتراه هبه بعد حين)

(وإن يكن موضع سكناه يهب

فإن الإخلاء له حكم وجب)

يعني أن الأب إذا وهب ملكًا لولده الصغير وكذا البالغ السفيه فإنه هو الذي يحوزه له ولا يبطله بقاؤه تحت يده إلا إذا وهب له ما لا يعرف بعينه كالنقدين فلا يكفي أن يكون هو الحائز له بل لابد من خروجه من يده إلى أمين أو يشتري له بذلك النقد أو بثمنه إن كان غير نقد كطعام شيئًا باسمه وسواء كان الشراء حين الهبة أو بعد حين قبل حصول المانع وكذا لا يحوز الأب لمحجوره دار سكناه بل لابد من خروجه منها وإخلائها من أمتعته وشواغله ويكريها للغير فحينئذ تصح الهبة ولو صرف الأب الغلة في مصالح نفسه على ما أفتى به الغبريني وابن عرفة وغيرهما وهو القول الأرجح وبه العمل وعليه فإن الغلة التي صرفها الأب في مصالح نفسه تكون دينًا في ذمته ولوده طلبه بها متى شاء وقول الناظم وجبا الخ معناه إذا لم يجد الأب غيره ممن يصلح للحوز لابنه أو المراد بالوجوب على جهة الكمال لا الوجوب المقابل للحرام لأنه يجوز له أن يوكل من يحوز لولده قريبًا كان أو أجنبيًا كما تقدم والله أعلم ثم قال

(ومن يصح قبضه وما قبض

معطاه مطلقًا لتفريط عرض)

ص: 31