الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة 13 [في بيان القسم الثاني: وهو الحديث الحسن]
ولما فرع المصنف من التكلم على الصحيح أخذ في التكلم على الحسن فقال "القسم الثاني الحسن" تقدم له أنه قسم الخطأ بي الحديث إلى ثلاثة أقسام ثانيهما الحسن.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إثبات الحسن اصطلاح للترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح ثم قد يكون متروكا هو أن يكون رواية متهما أو كثير الغلط وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب قال وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من صحاب القياس "وفيه" أي وفي هذا البحث المذكور فيه الحسن "ذكر شروط أهل السنن الأربعة" وشروط "أهل المسانيد وغيرهم" كأنه يريد أهل الأطراف.
"اختلفت أقوال الأئمة" من أهل الحديث "في حد الحديث الحسن فقال" في تعريفه "أبو سليمان الخطابي الحسن ما عرف مخرجه" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء قال الحافظ ابن حجر إنه فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون الحديث من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلد كقتاة في البصريين وأبي اسحق السبيعي في الكوفيين وعطاء في المكيين وأمثالهم فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة مثلا كان مخرجه معروفا وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا "واشتهر رجاله" أي كان رجال سنده مشهورين غير مستورين وعرفه الحافظ في النخبة بتعريف الصحيح وإنما فرق بينهما بخفة الضبط في رجال الحسن ومثله صنع المصنف في مختصره في علوم الحديث "وعليه مدار أكثر أهل الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء انتهى كلام الخطابي قال زين الدين: ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن قوله ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وعن حديث المدلس قبل أن يبين تدليسه" لا يخفي أن كلام ابن العربي الذي نقلناه آنفا دال على أنه خرج بذلك
القيد الشاذ.
"قال الشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد "ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل الصحيح في حد الحسن" على تعريف الخطابي قال الشيخ تقي الدين متأولا للخطابي "وكأنه" أي الخطابي "يريد ما لم يبلغ درجة الصحيح" قد أجاب عن هذا الشيخ أبو سعيد العلائي فقال إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف الحسن فقط أما وقد عرف الصحيح أولا ثم عرف الحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله عرف مخرجه واشتهر رجاله ما لم يبلغ درجة الصحيح ويعرف هذا من مجموع كلامه انتهى.
قلت: هذا هو الجواب الذي أشار إليه الشيخ تقي الدين آخرا لكنه أورد عليه الحافظ ابن حجر أنه على تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط انتهى.
قلت: ويقال للحافظ وكذلك تعريفك الحسن في النخبة وشرحها بقولك فإن خف الضبط أي قل مع بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح فحسن لذاته غير منضبط أيضا فإن خفة الضبط أمر مجهول ومثله تعريف المصنف له في مختصره والجواب بأنه مبني على العرف أو على المشهور غير نافع إذ لا عرف في مقدار خفة الضبط.
"قال الشيخ تاج الدين التبريزي في كلام الشيخ تقي الدين نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن ودخول الخاص" وهو الصحيح هنا في "حد العام" وهو الحسن هنا "أمر ضروري" لوجود العام في ضمن قيود الخاص ضرورة أن الخاص هو العام وزيادة "والتقييد بما يخرجه" أي الخاص "عنه" أي عن حد العام "مخل للحد" فإنه ليس ذلك حقيقة العام والخاص.
"قال زين الدين: وهو اعتراض متجه" قال الحافظ بن حجر بين الحسن والصحيح عموم وخصوص من توجه وذلك بين واضح لمن تدبره فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن انتهى.
"قلت: بل هو" أي تنظير التبريزي "اعتراض غير متجه" على ابن دقيق العيد "لأن العموم والخصوص إنما يقع على الحقيقة في الحدود الحقيقية المعرفة للذوات المركبة المشتملة على الأجناس والفصول وليس في الحديث الصحيح والحسن شيء من ذلك" قد عرفت مما سلف أن رسم الصحيح ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله
…
إلخ ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه إلى آخره فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين إنما اختلفت صفة خفته وخلافها فقد تغايرا تغاير الخاص والعام فكل صحيح حسن وزيادة كما أن كل إنسان حيوان وزيادة والعموم والخصوص يجري بين المفاهيم عرضية كانت أو ذاتية نعم رسم الترمذي للحسن على ما سنحققه مغاير لرسم الصحيح مغايرة ظاهرة فإنه لا يشترط فيه الاتصال الذي لا بد منه في الصحيح لعدم اشتراطه في رجال ما يشترط في رجال الصحيح فأما قول الحفاظ إن بينهما عموما وخصوصا من وجه فلا يتم على تقدير إرادة الحسن لذاته أو الحسن لغيره بل على الأول بينهما عموم وخصوص مطلق وعلى الثاني: بينهما تباين كما ستعرفه وقول المصنف "لأن لكل واحد منهما" أي من الصحيح والحسن "أمارة يجب العمل عندها وبعضها أقوى في الظن من الأخرى" صحيح لكنه لا ينافي كون أحدهما أخص من الآخر بل فيه الإقرار بأنه قد جمعهما وجوب العمل كما يجمع العام والخاص أمر يعمهما ثم يفترقان بأمر يختص به أحدهما "لا أن القوية" أي الإمارة القوية هي أمارة الصحيح "متركبة من الضعيفة" وهي أمارة الحسن "ومن أمر آخر" أي كما هو شأن الذاتيات مثل الإنسان والحيوان فإن الخاص مركب من الأعم بزيادة قيد الناطقية مثلا ويجاب بأنه قد حصل في مفهوم الرسمين من التغاير ما يحصل بين العام والخاص وأما كونه ذاتيا أو غير ذاتي فليس التغاير يختص بالذاتيات بل يقع بين المفاهيم وهو المراد هنا وقوله "فإن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين لم يتركب من الحديث الحسن المروي عن ابن اسحق ومن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين وأمثال ذلك" خارج عم محل النزاع إذ الكلام في رسم الصحيح والحسن ومفهومها لا في معروضها فهو انتقال من المعارض وهو الصحيح والحسن إلى المعروض وهو أفراد الأسانيد.
"وبالجملة فالحد الحقيقي" أي التام وهو الذي يجمع الجنس والفصل القريبين والناقص من الحد ما كان بالجنس البعيد والفصل القريب والرسم التام ما كان بالجنس القريب والخاصة والرسم الناقص ما كان بالخاصة وحدها أو بها وبالجنس البعيد "متعذر هنا" بل قد قيل إنه غير مقطوع به في مثل الحيوان الناطق الذي جزم به المناطقة بأنه حد حقيقي لجواز أنهما ليسا ذاتيين وعلى تجويز ذلك فيجوز أنهما غير قريبين "وإنما تفيد تمييز الاعتبارات المصطلح عليها بعضها من بعض" قد قدمنا لك هذا بعينه
في أو ل بحث الصحيح فتذكر "وذكر الحدود المحققة أمر أجنبي عن هذا الفن فال حاجة إلى التطويل فيه" قد عرفت قريبا أقسام التعريف الأربعة للحد والرسم إلا أن هاهنا بحثا وهو أن الرسوم يقال لها تعاريف كما يقال للحدود إذ تعريف الشيء هو الذي يلزم من تصوره تصور ذلك الشيء أو امتيازه عن كل ما عداه كما هو معروف في كتب الميزان الرسالة الشمسية وغيرها فالرسوم لا بد فيها من جنس قريب وخاصة وهو التام أو خاصة فقط أو مع الجنس البعيد وهو الناقص فإذا عرفت هذا عرفت أن العموم والخصوص يجري في الرسوم كما يجري في الحدود.
"وقال أبو عيسى الترمذي" وهو محمد بن سورة "في العلل التي في أواخر الجامع ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده وحقيقته" عنده "هو كل حديث يروى ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حسن" قلت: قد أورد على كلام الترمذي أنه لا حاجة إلى قوله ولا يكون شاذا إذ قوله ويروى من غير وجه يغني عنه وقال الحافظ ابن حجر ليس في كلامه تكرار والشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء تفرد به أو لم يتفرد كما سرح به الشافعي وقوله ويروي من غير وجه شرط زائد على ذلك وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا وحمل كلام الترمذي على الأول أولى لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد سيما في التعاريف انتهى.
"قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المواق" عبارة الزين ابن المواق معترضا على الترمذي "لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح" فإن شرائط الحسن هذه لا بد منها في الصحيح "فلا يكون" الحديث "صحيحا إلا وهو غير شاذ" كما عرفت في رسم الصحيح "ويكون رواته غير متهمين" لأنا قلنا في رسمه بنقل العدل الضابط والمتهم غير عدل "بل ثقات فظهر من هذا" الرسم الذي ذكره الترمذي للحسن "أن الحسن عند أبي عيسى صفى لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيه الصحيح قال" أبو عبد الله "فكل الصحيح عنده حسن وليس كل حسن عنده صحيحا" ظاهر كلامه أن الترمذي أتى بقيود الصحيح في رسم الحسن ولم يميزه بقيد يخصه به وإذا كان كذلك فقياسه أن يقول فكل صحيح حسن وكل حسن صحيح.
"قلت: هذا" أي القول بالأعمية والأخصية المطلقة "مثل كلام تاج الدين" التبريزي
"المقدم" وقد رده المصنف بما رددناه "وليس ما قاله" ابن الموإق "بلازم للترمذي" من اتحاد الصحيح والحسن "لأنه يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة".
قلت: كلامهم كلهم ومنهم المصنف في مختصره وقد نقلنا عبارته قاض بأنه لا يخالف الحسن الصحيح إلا بخفة ضبط رواته لا بضعف العدالة على أن في تحقق ضعف العدالة تأملا لا يخفي "وقوة الحفظ والإتقان" هذا صحيح وبهذا تعرف أن الحسن يتميز عن الصحيح بزيادة شروط في القيود ولا يخفي أن الحافظ ابن حجر والمصنف لم يفرقا بين الصحيح والحسن إلا بخفة ضبط الراوي فقط وزاد المصنف هنا الإتقان في شرائط رواة الصحيح ولم يذكره فيما مضى إلا أن يقال إن قولهم في حد الصحيح الضبط التام عبارة تفيد شرطية الإتقان "ما لا يشترط في رجال الحسن" حينئذ فالحسن يتميز عن الصحيح بزيادة قيود في شروط الصحيح وقد عرفت غير مرة أنه لم يفرق المصنف والحافظ ابن حجر بين الحسن والصحيح إلا بخفة ضبط الراوي لا غير.
"ولكن يعترض عليه" أي على الترمذي "كونه لم يورد ذلك" أي لم يورد ما يدل على اشتراطه بقوة رجال الصحيح عدالة وحفظا وإتقانا وقد يقال إذا لم يورد ذلك فبأي شيء عرف أنه يشترطه فأجاب بأنه "يمكن أن يجاب عنه بأنه مفهوم من عبارته حيث شرط في رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب لأن الثقة الحافظ لا يوصف في عرف المحدثين بأنه غير متهم بالكذب فقط لأن عدم التهمة بذلك قد يوصف بها الضعفاء" الذين ضعفوا بسوء الحفظ أو الغفلة أو نحو ذلك "وقد بين مراده بقوله بعد ذلك ويروي من غير وجه نحو ذلك يعني حتى ينجبر ما فيه من الضعف" فإنه لما خص رسم الحسن بهذا الاشتراط كان قرينة قوية على مراده في صفات رجاله وإلا لو حملنا صفة رجال الصحيح للزم من زيادة هذا القيد أن يكون الحسن أقوى من الصحيح والمعلوم خلافه على أنه لا يتم هذا إلا في القسم الثاني: من الحسن كما ستعرفه من كالم المصنف "وغرض الترمذي إفهام مراده لا التحديد المنطقي فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود" من دعوى العموم والخصوص وقد عرفت ما فيه.
"وأورد الشيخ زين الدين على كلام الترمذي هذا سؤلا متجها" وذلك أنه شرط في الحديث أن يروي من غير وجه "وهو أنه قد حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد
كحديث إسرائيل" بن يونس بن أبي اسحق السبيعي "عن يوسف بن أبي بردة" بن أبي موسى الأشعري "عن أبيه" أبي بردة "عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك قال" الترمذي "فيه" بعد روايته له "حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف عن أبي برده ولا يعرف في هذا إلا حديث عائشة" فوصفه بالحسن مع تصريحه بأنه لا يعرف هذا الباب غيره فدل على أنه لم يأتي من وجه آخر فكان نقضا لما رسم به الحسن.
"وأجاب الشيخ أو الفتح اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير ما كان روايته في درجة المستور" ويأتي تعريفه "ومن لم تثبت عدالته" ولا يخفي أن هذا زيادة قيد لم صرح به الترمذي "وأكثر ما في الباب من أن الترمذي عرف الحسن بنوع منه لا بكل أنواعه" والنوع الذي قد عرفه وهو ما كان في رواته مستور ومن لم تثبت عدالته وحديث عائشة هذا ليس فيه مستور ولا من لم تثبت عدالته.
"قلت: أظن أن أبا الفتح يريد أن الغرابة في الحديث إنما هي في رواية يوسف له عن أبيه عن عائشة ولم يتابع يوسف على هذا أحج ويوسف ثقة بغير خلاف" وإذا كان كذلك فلا يشترط أن يأتي من وجه آخر "وأما إسرائيل فمختلف فيه" فلا بد بالنظر إليه من إتيان الحديث من وجه آخر وهذا مبني على أن مراده أي أبي الفتح اليعمري بقوله ومن لم تثبت عدالته لم يتفق على عدالته ليقابله المصنف بقوله مختلف فيه "لكنه لم ينفرد" إسرائيل "بالحديث عن يوسف" حتى يلزم أنه حديث فيه من لم تثبت عدالته ولم يرو من وجه آخر بل قد رواه عن يوسف غير إسرائيل إذا عرفت هذا "فالحديث حسن" أي من هذا النوع من الحسن "بالنظر إلى رواية إسرائيل ويغره من الضعفاء" لأنه قد وجد في رواته من لم تثبت عدالته وقد روي من وجه آخر عن جماعة من الضعفاء "عن يوسف" فهو من هذا النوع أعني الحسن الذي عرفه المصنف لاجتماع الشرائط فيه "وغريب بالنظر إلى تفرد يوسف بروايته عن أبيه عن عائشة" فيتم وصفه بالحسن والغرابة لوجودهما فيه.
واعلم أن إسرائيل اعتمده الشيخان في الأصول وقال الذهبي في الميزان1 هو في الثبت كالأسطوانة فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعفه وقال أحمد بن حنبل ثقة
1 1/20/- 209//820.
وكان يتعجب من حفظه وقال الحافظ ابن حجر في التقريب1ثقة تكلم فيه بلا حجة وأما يوسف بن أبي برده فقال مقبول ولم يذكر فيه قدحا ولا ذكره الذهبي في الميزان لأنه ليس على شرطه.
"وقال ابن الجوزي2 في العلل المتناهية وفي الموضوعات" كتاب ابن الجوزي "الحديث الذي فيه ضعف قريب3 محتمل4 هو الحديث الحسن بشرط الترمذي" الذي عرفته في التحسين.
"وقال ابن الصلاح: وقد أمعنت النظر" في القاموس أمعن في الأمر أبعد وعبارته قد أمعنت النظر في ذلك والبحث "جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي" كأنه من تنقيح الشعر تهذيبه "واتضح أن الحديث الحسن" في اصطلاحهم في كلامهم "قسمان أحدهما الذي لا تخلو رجال إسناده من مستور" فسر الحافظ ابن حجر في التقريب المستور بقوله بأنه من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق قال وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال وفي شرح ملاقاري للنخبة وشرحها لابن حجر أن المستور الذي لم يتحقق عدالته ولا جرحه وقال السخاوي المستور الذي لم ينقل فيه جرح ولا تعديل وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما وفي حاشية تلميذه أن الراوي إذا لم يسم كرجل سمي مبهما وإن ذكر مع عدم تمييز فهو المهمل وإن لم يتميز ولم يرو عنه إلا واحد فمجهول وإلا فمستور انتهى ويأتي
1 1/64/460.
2 ابن الجوزي هو: الإمام العلامة الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الصديقي الحنبلي الواعظ حصل له من الخطوة في الوعظ ملم يحصل لأحد قط. قال الذهبي: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه مات سنة 597. له ترجمة في: البداية والنهاية 13/28، والعبر 4/297.
3 ضعف قريب: أي ذاتي أو نسبي فهو شامل للحسن لذاته والحسن لغيره أما الحسن لذاته فهو ضعيف بالنسبة للصحيح وأما الحسن لغيره فهو ضعيف أصالة وإنما جاء الحسن مما عضده فاحتمل الضعف لوجود العاضد.
ومعنى قربه: أنه غير شديد الضعف ومعنى شدة ضعفه عدم تأثيره في الاحتجاج به. حاشية الأجهوري ص 24.
4 محتمل: بضم الميم الأولى وفتح الثانية أي مغتفر أي لم يؤثر في الاحتجاج وذكره بعد قريب توكيد له. حاشية الأجهوري ص 24.
للمصنف كلام ف المستور غير هذا "لم تتحقق أهليته غير أنه لي مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر من هـ الكذب في الحديث ولا" متهم "بسبب آخر مفسق" هذا في الراوي "و" في المروي "يكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن يروي مثله أو نحوه من وجه آخر" والمثل ما يساويه في لفظه أو معناه والنحو ما يقاربه في معناه "أو أكثر حتى" يكون قد "اعتضد بمتابعة من تابع راوية على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر مثله فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل" قال الحافظ ابن حجر إن المعرف عند الترمذي هو حديث مستور.
قلت: وهذا كما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن وليس هو نفي التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور بل يشترك فيه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالخطأ والغلط وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهو أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب ولا يكون الإسناد شاذا وأن يروي مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا وليس كلها في المرتبة على حد سواء بل بعضهم أقوى من بعض ومما قوي هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا بل أطلق ذلك ولهذا وصف كثيرا من الأحاديث المتقطعة بكونها حسانا.
ثم قال فمن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرضيت من نفسك ومالك بنعلين"، قالت: نعم، الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن1 وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأبي حدرد وذكر جماعة غيرهم وعاصم بن عبيد الله قد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه وقد حسن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم.
1 الترمذي 1113، وأحمد 3/445، والبيهقي 7/138، وابن عساكر 7/127.
ومثال ما حسنه وهو من رواية الضعيف الموصوف بالخطأ والغلط ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس عن مجالد بن أبي الوداك عن أبي سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت آية المائدة سألت رسول لله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه ليتيم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أهر يقوه
…
"، الحديث فقال هذا حديث حسن1.
قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حديث أنس وغيره.
ثم قال ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه ما رواه من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا حديث حسن2.
قلت: والمسعودي اسمه عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد بعد أن اختلط وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضهما عند المصنف أيضا ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثني بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بربده عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين"، قال هذا حديث حسن3 وقد قال بعض أهل العلم لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة.
قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روي هذا بصيغة العنعنة وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود وغيره.
ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد ما رواه من طريق عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال
1 البخاري 5/167، ومسلم في: الصيد: حديث 33، وابن ماجة 3195. وأبو داود في: الأشربة: ب 7.
2الترمذي في: الصلاة: ب 152. حديث: 364. وأحمد 4/253.
3 الترمذي 982. والنسائي 4/6. وابن ماجة 1452. وأحمد 5/357، 360.
لعمر في العباس رضي الله عنه: "إن عم الرجل صنو أبيه" وكان عمر تكلم في صدقته وقال هذا حديث حسن1.
قلت: أبو البختري اسمه سعيد بن فيروز ولم يسمع من علي رضي الله عنه فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث بريدة وغيره.
وأمثلة ذلك عنده كثيرة ثم ساق الحافظ منها شطرا صالحا وذكر تصريح الترمذي بوصفه لأحاديث بالحسن مع تصريحه بانقطاعها فإنه قال في محلات هذا حديث حسن وليس إسناده بمتصل ثم قال الحافظ وذلك مصير منه إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية وإذا تقرر ذلك كان من رأيه أي الترمذي أن جميع ذلك إذا اعتضد بمجيئه من أوده أخر نزل منزلة الحسن احتمل أن لا يوافقه غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه ما إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكون حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده فيه. انتهى.
قلت: وبه تعرف عدم ورود ما أورده بدر الدين ابن جماعة على ابن الصلاح أنه يلزم حيث نزل كلام الترمذي على هذا القسم دخول المرسل والمنقطع في رسم الحسن عند الترمذي إذا كان في رجالهما مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر لما عرفت من التزامه دخول ذلك في رسم الحسن إذا روي من وجه آخر حسن لأنه لا يشترط الاتصال في الحسن وهو شرط في الصحيح اتفاقا وتعرف أيضا أن الحسن على اصطلاحه غير الحسن على اصطلاح الحافظ ابن حجر والمصنف كما أشرنا إلى ذلك.
"القسم الثاني": من الحسن "أن يكون رواية من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لا يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به منكرا قال" أي ابن الصلاح "ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا أو منكرا سلامته" نائب يعتبر "من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني: ينزل كلام الخطابي" حيث قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله كما نقله عنه المصنف آنفا "قال" أي ابن الصلاح "فهذا كلام جامع لما تفرق في كلام من
1 الترمذي في: المناقب ب 28. ومسلم في: الزكاة حديث 11. وأحمد 1/94.
بلغنا كلامه في ذلك قال وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن" بتعريفه الماضي "وذكر الخطابي" فيما مضى من كلامه "النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه مشكل أو أنه غفل عن البعض" أي غفل كل واحد من الترمذي والخطابي عما تركه "وذهل انتهى كلام ابن الصلاح في تعريف الحسن".
قال الحافظ ابن حجر بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثالثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف وأما الذي سكت عنه وهو حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه عنده ليس من قبيل الحسن فقد صرح بأن رواية المجهول م قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل والمستور قسم من المجهول وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا بل المعروف عنده هو حديث المستور على ما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن.
"قال" أي ابن الصلاح "ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من تصرفات الحاكم وهو لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم فهو إذا اختلاف في العبارة انتهى".
واعلم أنه تحصل من الأبحاث السابقة أن الحسن قسمان:
حسن لذاته وهو الذي قصد الخطابي تعريفه والذي عرفه الحافظ ابن حجر في النخبة والمصنف في مختصره فإنهما رسما الصحيح برسمه المعروف ثم قال فإن خف الضبط فهو حسن لذاته وظاهر كلامهما أنه لا يفارق الصحيح إلا بخفة الضبط لا غير ولذا قال ابن الصلاح: إن رجاله رجال الصحيح لكنهم يقصرون عنهم في الحفظ والإتقان وهذا هو الذي يقال إنه أعم من الصحيح مطلقا والصحيح أخص منه وهذا القسم يشترط فيه الاتصال ولذا نقل المصنف عن البعض أن قول الخطابي ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وهذا هو القسم الثاني: الذي ذكره ابن الصلاح فيما نقله عنه المصنف ونزل عليه كلام الخطابي وهذا القسم لم يتعرض له الترمذي إذ ليس من اصطلاحه وهو الذي أدرجه بعض المحدثين في الصحيح والقسم الثاني: هو ما وقع عليه اصطلاح الترمذي وهو الذي لم يشترط فيه الاتصال ولا عدم تدليس راوية ولا وصفة بالغلط والخطأ ولا عدم ضعفه ولا عدم سماع الراوي من شيخه بعد
الاختلاط كم قررناه كله بأمثلته عن كلامه وإنما اشترط أن يروي من غير وجه نحو ذلك فهذا يوصف بالحسن عند الترمذي وهو بهذا الرسم مباين للصحيح لا يلاقيه بعموم ولا خصوص مباين للحسن أيضا المعنى الأول.
قلت: ومن هنا تعرف أن كلام ابن المواق غير صحيح حيث زعم أن كل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا بل هما عنده متباينان إن كان رأي ابن المواق في الصحيح رأي الجمهور وإنما هذا العموم والخصوص يجري في الحسن لذاته الذي رسمه الخطابي وغيره وتعرف أن قول المصنف فيما سلف إن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن غير صحيح فإن الترمذي لم يشترط في رجال الحسن إلا عدم التهمة بالكذب ولم يشترط عدالة ولا إتقانا لا قويا ولا ضعيفا وكيف يشترطهما وقد جعل من أقسام الحسن رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ورواية من روي عمن سمع عن المختلط ما سمعه منه اختلاطه وكيف وهو لا يخلو رجال إسناده عن مستور والمستور من لم يوثق وإنما هذه القيود التي ذكرها المصنف قيود الحسن لذاته فسافر ذهنه الشريف من أحد الحسنين إلى الآخر فوصف ما هو حسن بالغير بصفة ما هو حسن بالذات.
تنبيه عرف المصنف الحسن في مختصره بقوله فإن خف وكان له من جنسه تابع أو شاهد فالحسن وعرفه الحافظ ابن حجر في النخبة1 بقوله فإن خف الضبط فهو الحسن لذاته وقد عرفت مما قدمناه أن الحسن لذاته لا يحتاج إلى شاهد وتابع وهذا هو الحسن لذاته الذي عرفه الخطابي.
والثاني: وهو الذي يحتاج إلى شاهد وتابع هو الحسن لغيره وهذا هو الذي أراده الترمذي وحملوا عليه عبارة الترمذي فإذا عرفت هذا عرفت أن المصنف رحمه الله خلط التعريفين فأخذ خفة الضبط من رسم الحسن لذاته وأخذ اعتبار الشاهد والتابع من رسم الحسن لغيره فإن الحسن للغير لا يلاحظ فيه خفة ضبط رواته بل يقبل مع حصول ضعف الراوي أو غلطه كما لا يلاحظ الشاهد أو التابع في رسم الحسن لذاته فرسم المصنف غير صحيح على التقديرين ولا يقال هذا اصطلاح له لأنه بصدد بيان اصطلاح أئمة الحديث.
1 ص 33.
"فإن قيل هل يجوز العمل بما حكم الترمذي بتحسينه وتصحيحه" لإخفاء أن الكلام في تحسين الترمذي فذكر تصحيحه استطراد لأجل العلة المذكورة "فإن ابن حزم قد زعم أنه" أي الترمذي "مجهول" والمجهول لا يعتبر تحسينه ولا تصحيحه "وأن الحفاظ قد يعترضونه في بعض ما يحسنه أو يصححه" ويثبتون أنه يصحح حديث من لم يجتمع فيه صفات رواة الصحيح ويحسن حديث من ليس حديثه بحسن "مثل حديث الصلح جائز بين السملين فإنه رواه" الترمذي1 "من طريق كثير" بالمثلثة "ابن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني ثم صححه وهذا الرجل" يعني كثيرا "متروك بالمرة ولم ينقل له توثيق عن أحد من أهل الحديث بل قال الشافعي وأبو داود إنه ركن من أركان الكذب وقال ابن حبان له رواية عن أبيه عن جده نسخة موضوعة" قال الذهبي في ترجمته في الميزان2 قال ابن معين ليس بشيء وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال أبو حاتم ليس بالمتين وقال النسائي ليس بثقة.
"وقال الذهبي" في الميزان "وأما الترمذي فروى له حديث: "الصلح جائز يبن المسلين" وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي انتهى كلامه في الميزان في ترجمة كثير بين عبد الله المذكور قلنا قد قال الذهبي" في الميزان "في ترجمة الترمذي إنه حافظ علم ثقة مجمع عليه ولا الثقات إلى قول أبي بكر محمد بن حزم فيه إنه مجهول فإنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع ولا" كتاب "العلل التي له انتهى كلامه".
وقال الذهبي في التذكرة قال ابن حبان3 في كتاب الثقات كان الترمذي ممن جمع وصنف وحفظ وقال أبو سعيد الإدريسي كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول مات البخاري ولم يخلف بخرسان مثل أبي سعيد في العلم والحفظ والورع والزهد بكى حتى عمي وصار ضريرا سنين.
1 رقم 1352. وأبو داود 3594. وابن ماجة 2352. وأحمد 2/366.
2 3/407/6943.
3 ابن حبان هو: الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي صاحب التصانيف ولي قضاء سمرقند وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار عالما بالنجوم والطب وفنون العلم مات سنة 354. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/295. وشذرات الذهب 3/16. والنجوم الزاهرة 3/342.
وقال فيها أيضا قال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي الجامع يريد كتاب الترمذي على أربعة أقسام قسم مقطوع بصحته وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا وقسم أخرجه الصدر وأبان عن علته وقسم رابع أبان عنه فقال ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء وقال فيها قال الترمذي صنفت كتابي هذا وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به ومن كان في بيته هذا الكتاب يعني الجماع فكأنما في بيته نبي يتكلم. انتهى.
"وفيه" أي في كلام الذهبي "ما يدل على جواز الاعتماد على تصحيح الترمذي وتحسينه لانعقاد الإجماع" الذي حكاه الذهبي "على ثقته وحفظه في الجملة ولكنه لما ندر منه الغلط الفاحش استحسنوا اجتناب ما صحح أو حسن" ولما كان ظاهر كلام الذهبي التدافع وأنه لا يقبل تصحيح الترمذي ولا تحسينه ودفعه المصنف بقوله "وأما قول الذهبي أن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه فلعله يريد لا يعتمدون على تصحيحه فيما روي عن كثير بن عبد الله كما ذلك موجود في بعض النسخ" أي من الميزان "وقد قال ابن كثير الحافظ في إرشاده وقد نوقش الترمذي في تصحيح هذا الحديث" ففي عبارته إرشاد إلي أن المناقشة في تصحيح هذا الحديث بخصوصه لا في كل ما صححه.
"قلت: هذا خطأ نادر والعصمة مرتفعة من الأئمة الحفاظ والعلماء وقد نص مسلم أنه ربما أخرج الحديث في صحيحه من طريق ضعيف لعلوه والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من ريق العدول ولكن بإسناد نازل روي هذا النووي في شرح مسلم عن مسلم تنصيصا" عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري فقال مسلم إنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد روي الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى "وكذا الترمذي يحتمل أنه صحح هذا الحديث لثبوته من غير طريق كثير بن عبد الله المزني هذا فالحديث روي من غير طريق" أي من طرق كثيرة "وقد رواه الحاكم أبو عبد الله في مستدركه من طريق كثير بن زيد المدني عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعا" في الميزان كثير بن زيد الأسامي المدني قال أبو زرعة صدوق فيه ليس وقال النسائي ضعيف والوليد بن
رباح بالراء والموحدة آخره مهملة قال في التقريب صدوق ولم يذكره الذهبي في الميزان.
"وقال الحاكم: صحيح على شرطهما" ولكن كثير بن زيد لم يخرجا له "وهو مقرون بعبد الله بن الحسين المصيصي" نسبة إلى مصيصة بمهملتين بينهما مثناة تحتية بزنة سفينة ولا تشدد بلد الشام كما في القاموس قال في الميزان في ترجمة عبد الله بن الحسين المصيصي قال ابن حبان يسرق الأخبار ويقلبها ولا يحتج بما انفرد به فقول المصنف "وهو ثقة" عجيب فلم يوثقه أحد في الميزان ولا ذكره الحافظ في التقريب "وأخرج الحاكم له شاهدين عن أنس وعائشة رواهما من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري" في الميزان عبد العزيز بن عبد الرحمن النابلسي عن خصيف اتهمه أحمد وقال النسائي ليس بثقة وضرب أحمد على حديثه عن خصيف بالمعجمة فصاد مهملة مصغر في التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ خلط بأخرى رمي بالإرجاء وفي الميزان إنه ضعفه أحمد وقال مرة ليس بقوي وقال ابن معين صالح وقال مرة ثقة.
إذا عرفت هذا فقد وقع للمصنف سبق قلم يجعله عبد العزيز جزريا وهو نابلسي وإنما الجزري خصوف ثم قد عرفت أن المصنف أراد حمل تصحيح الترمذي لحديث كثير على ما قاله مسلم إذا روى الحديث عن ضعيف فهو لعلوه هو ثابت عن العدول بنزول وهذه الطرق الثلاث التي ساقها المصنف كلها لا تخلو عن مقال فلم يثبت حديث كثير عن العدول حتى يكون صحيحا على نحو ما قاله المصنف بل غابة ما تفيده هذه الطرق أن تصيره حسنا لغيره على رأي الترمذي على أنه لا يصح ذلك هنا على رأيه لأنه إما جعل حديث المستور أو الضعيف أو أحد الخمسة التي ذكرناها حسنا لغيره إذا روي من طرق وأما حديث من قال فيه الأئمة إنه ركن من أركان الكذب فلا ينطبق عليه ما قاله الترمذي من أنه حسن لغيره وحينئذ فلا يتم أن حديث كثير صحيح ولا حسن على القولين.
إذا عرف هذا فلم يبق عذر للترمذي في تصحيحه لحديث كثير بن عبد الله إلا قول المصنف إن هذا خطأ نادر وإن العصمة مرتفعة عن الحفاظ والعلماء وأما هذه التكلفات التي أراد بها المصنف ترويج ما وقع من تصحيح الترمذي لحديث كثير فإنها لم تفد ما دندن حوله وقد نسبه إلى غيره بقوله "ذكر ذلك الإمام الحافظ تقي الدين في
كتابه الإلمام" لا شك في إمامة الشيخ تقي الدين فإن كان ما ذكره المصنف كله عنه ففيه ما سمعته من نصوص أئمة الحديثة في رجال ما ساقه من الأحاديث وأنه لا يتم معها صحة تصحيح حديث كثير ولا تحسينه.
"وذكر الحافظ ابن كثير الشافعي في إرشاده أن أبا داود روى الحديث عن أبي هريرة بإسناد حسن هذا كله مع شهادة القرآن بذلك في قوله "والصلح خير" وفي قوله "أو إصلاح بين الناس" لكن عرفت أن الشواهد على تنفع في حديث من جزم بكذبه إنما تنفع فيما ذكرناه من أنواع الحسن لغيره وكأنه استشعر المصنف أنه يقال فإذا أثبت الحديث من طريق حفاظ لا مغمز فيهم فلم اختار الترمذي إيراده من طريق كثير فقال "وأما اختيار الترمذي لإسناد الحديث من طريق كثير بن عبد الله فيحتمل وجهين أحدهما أنه لم يرد بالسماع من غير طريقه وقد عرفت قوته وصحته" من طرق "بالوجادة والإجازة ومذاكرة الشيوخ" لا يخفى أن المصنف قد اجتهد في البحث عن طرقه فذكر تلك الطرق التي لم تنهض على صحته ولا حسنه "وثانيهما أن يكون قد رواه من طرق كثيرة في كل منها فقال فاكتفى بإيراد أحدهما كما قد صح عن مسلم أنه كان يفعله" يريد ما تقدم من نصه لكنه قال إنه لا يفعل ذلك إلا والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من رواية العدول ولم يتم هذا في حديث كثير كما عرفت "وكما صح عن أبي داود أيضا أنه كان يفعله بل قد صح عن البخاري مثل ذلك ولكنه قليل فأنه قد روى نادرا في الصحيح عمن ضعفه في تاريخه" فيه ما سلف.
"ومما يدل على ذلك" أي على أن حديث كثير ثابت من غير طريقه "أن الترمذي قد روى حديث التكبير في صلاة العيدين من طريق كثير بن عبد الله هذا وحسنه" لفظ الترمذي1 ثنا مسلم بن عمرو وأبو عمر المدني ثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الأخرى خمسا قبل القراءة وفي الباب عن عائشة وابن عمر وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى يعني الترمذي حديث جد كثير حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم: واسمه عمرو بن عوف المزني والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب
1 في: الجمعة ب 34. حديث 536.
النبي صلى الله عليه وسلم: وغيرهم وهكذا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى في المدينة نحو هذه الصلاة وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد واسحق انتهى "ولم يصححه فلو كان تصحيحه لحديث الصلح اعتمادا على كثير بن عبد الله لصحح حديثه في صلاة العيدين ولكنه حسن حديثه في صلاة العيد لقصور شواهده عن مرتبة الصحة" لا يخفى أنه ذكر الترمذي لحديث كثير شواهد عن ثلاثة من الصحابة وأنه عمل أهل المدينة وأنه ذهب غليه أربعة من أئمة المذاهب فهذه الشواهد حسنة وإن كنا عرفناك أنه لا يتم تحسين حديث من قيل إنه كذاب "وصحح حديثه" أي كثير "في الصلح لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة".
اعلم أنه تطابق الأئمة الثلاثة الذهبي وابن كثير والمصنف على أن الترمذي صحح حديث كثير في الصلح وراجعت الترمذي فرأيت فيه ما لفظه بابا ما جاء في الصلح حدثنا الحسن بن علي الخلال ثنا أبو عامر العقدي ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلين إلا صلحا حرما حلالا أو أحل حراما والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" انتهى. بلفظه ولم يتبعه بحرف واحد من تصحيح ولا تحسين بل قال عقبه باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه ولا نسخة التي راجعناها ظاهرة الصحة فلينظر غيرها من أراد ذلك.
ثم أنه لم يذكر الترمذي لحديث الصلح هذا شاهدا واحدا وذكر لحديث في تكبير العيد ما عرفت من الشواهد التي حسنه لأجلها وتحسينه له مع كثرة شواهده مما يدلك ذلك أنه لم يصحح حديثه في الصلح أصلا لأنه لم يأت له بشاهد وأما قول المصنف لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة فقد عرفت أنه نقل المصنف ثلاثة شواهد لا يخلو واحد منها عن القدح فأيمرتبة صحة ترقي حديث الصلح يرتفع بها بل حديثه في تكبير العيد له شواهد أكثر مما سقناها من كلامه فلو صحح للشواهد لصححه لأجلها على أنه لم يمجعل حديث كثير في التكبير حسنا مطلقا بل قال إنه أحسن شيء روي في الباب على أن كلام المصنف هاهنا يناقض ما سلف له تقريبا من التصريح بأنه ضعيف بالمرة أي شديد الضعف مردود وذلك كأن يكون راويه متهما بالكذب فإن حديثه لا يعتد به ولا ترفعه الشواهد إلى درجة المقبول وسبق كلامه في كثير وأنه من أركان الكذب فتدبر.
"والعجب أن ابن النحوي ذكر في خلاصته" أي خلافة البدر المنير "عن البيهقي أن الترمذي قال سألت البخاري عنه يعني حديث كثير بن عبد الله في صلاة العيد فقال ليس في الباب شيء أصح منه".
قلت: بل العجب أن الحافظ ابن حجر قال في تلخيص الجبير بعد ذكره لحديث عمرو بن عوف في تكبير صلاة العيد إنه قال البخاري والترمذي إنه أصح شيء في هذا الباب انتهى وقد قدمنا لك لفظ الترمذي وأنه قال أحسن شيء في هذا الباب لا أصح ولم ينقل عن البخاري تصحيحه.
"وقال ابن دقيق العيد في الإلمام في هذا الحديث في صلاة العيد إن البيهقي روى عن الترمذي عن البخاري أنه صحيح لكن ابن دقيق العيد رواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم عزاه إلى الترمذي وعقبه برواية البيهقي" التي قال فيها إنه قال البخاري إنه صحيح ومحل التعجب أن المنقول عن البخاري إنما هو تصحيح رواية كثير ابن عبد الله ونقل البيهقي عن الترمذي إنما هي في رواية كثير وهي التي
أخرجها الترمذي فاتفق الشيخ تقي الدين وهما أحدهما نقل كلام البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه صحح رواية عمرو بن شعيب الثانية عزوه حديث عمرو بن شعيب إلى الترمذي ولم يرو الترمذي في تكبير العيد إلا حديث كثير ابن عبد الله "ورواية عمرو بن شعيب منسوبة إلى أبي داود وأحمد وابن ماجه في كثير من كتب الأحكام المستخرجة من الكتب الستة ولم يضفها أحد إلى الترمذي وكذلك هي غير موجودة في جامع الترمذي من طريق عمرو ابن شعيب والله أعلم" إنما هي عنده من طريق كثير بن عبد الله كما عرفت.
واعلم أني راجعت سنن الحافظ أبي بكر البيهقي فرأيت فيه ما لفظه بعد سياقه لحديث كثير بن عبد الله قال أبو عيسى الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول وقال حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا انتهى بلفظه فعرفت أن البخاري صحح الحديثين حديث عمرو بن شعيب وحديث كثير بن عبد الله لأن قوله وقال يريد به البخاري لأن السياق فيه إلا أنه قال في حديث كثير أنه أصح شيء في الباب وقال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح.
وبعد هذا فلا عجب في نقل ابن دقيق العيد عن البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه قال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح فإنه نقل صحيح لا عجب فيه ولا وهم وإنما العجب من المصنف حيث ظن أن كلام الترمذي في نقله عن البخاري ليس في روايته بتصحيح رواية كثير بن عبد الله بل لرواية عمرو بن شعيب ولو تأمل لفظ ابن دقيق العيد الذي نقله لعلم أنه غير اللفظ الذي قاله البخاري في رواية كثير يعين وقد نقله المصنف قريبا فإن لفظها في رواية كثير إنها أصح شيء في الباب ولفظه في تصحيح رواية عمرو ابن شعيب أنه صحيح وهذا هو اللفظ نقله ابن دقيق العيد فلو تأمل العبارتين لعلم اختلاف اللفظين.
نعم عزو ابن دقيق العيد لرواية عمرو بن شعيب إلى الترمذي وهم بلا شك إن صح أنه عزاه إليه فإنا راجعنا سنن الترمذي في باب التكبير من صلاة العيد فلم نجد فيه إلا رواية كثير بن عبد الله.
نعم كلامه الذي نقله عن البخاري ونقله عنه البيهقي لم نجده في جامع الترمذي وكأنه ثبت عنه في غير جامعه فإنه ليس في جامعه على ما رأيناه إلا قوله بعد سياقه لرواية كثير وهو أحسن شيء في هذا الباب ويف النسخة الأخرى أنه قال حسن صحيح ولم ينقل عن البخاري فيه شيئا وقد ذكر أن نسخ الترمذي كثيرة الاختلاف فتراجع نسخه.
ثم أنه قال الحاكم: في رواية عمرو بن شعيب وكذلك ما روي عن عائشة وابن عمر وعبد العزيز وأبي هريرة أن طرقها كلها فاسدة وتقال ابن رشد في نهاية المجتهد إنما صاروا يريد في تكبير العيدين إلى الأخذ بأقاويل الصاحبة لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيها شيء انتهى.
قلت: والمصنف قد ذكر رواية أبي هريرة وأنه قال الحاكم: إنها صحيحه على شرطهما ثم ذكر الرواية عن أنس وعائشة وقد عرفت أن الحاكم ذكر أن طرق تلك الأحاديث فاسدة وساق منها حديث أبي هريرة فعارض ما نقله عنه المصنف وإنما قال الحاكم: إن طرقها كلها فاسدة لأن في حديث عائشة ابن لهيعة قال الطحاوي في معاني الآثار ثنا ابن الجارود قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أبي واقد الليثي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: صلى بالناس يوم الفطر والأضحى وكبر في الأولى سبعا وقرأ سورة ق والقرآن
المجيد وفي الثانية خمسا وقرأ اقتربت وله طرق أخرى ساقها الطحاوي كلها تدور على ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف ولأنه اضطرب فيه فتارة يرويه عن عقيل وتارة عن خالد بن يزيد عن شهاب ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وأبي واقد.
وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الطحاوي أيضا قال حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا عبدوس العطار عن الفرح بن فضالة عن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: في تكبير العيد في الركعة الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ثم قال الطحاوي إنما تدور على عبد الله بن عامر وهو عندهم ضعيف وإنما أصل الحديث عن عمر نفسه.
وأما حديث عمرو بن شعيب فإنه يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس هو عندهم بالذي يحتج به هذا كلام الطحاوي.
قلت: عرفت ما نقله البيهقي عن البخاري من أن حديث عمرو بن شعيب صحيح ونقله ابن دقيق العيد ونقله المصنف أيضا ويفه هذا الراوي الذي قال الطحاوي إنه لا يحتج به عندهم ورأيت في ترجمته في الميزان فقال عبد الله بن عبد الرحمن أبو يعلي الطائفي الثقفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال لابن معين صويلح وقال مرة ضعيف وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وكذا قال أبو حاتم قال ابن عدي أما سائر أحاديثه يعني عمرو بن شعيب فهي مستقيمة فهو ممن يكتب حديثه قال ثم خلط من بعده انتهى كلام الذهبي ثم قال الطحاوي ثم هذا أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وذلك عندهم ليس بسماع.
وأما حديث أبي هريرة فقال الطحاوي ثنا أبو بكرة ثنا روح ثنا مالك وصخر بن جويرة ونافع فأما مالك فالإمام المعروف ونافع مثله وصخر بن جويرة وثقة أحمد وجماعة وقال أبن معين صالح وقال أبو داود تكلم فيه وأما روح فهو ابن عبادة القيسي فقيه حافظ مشهور من علماء أهل البصرة تكلم فيه القواريري بلا حجة حدث عن مالك سماعا وأخرج له الستة أفاد هذا الحافظ الذهبي في الميزان وأما أبو بكرة فشيخ الطحاوي لا أعرف له ترجمة إلا أنه يعتمده الطحاوي كثيرا.
إذا عرفت هذا فأحسن الأحاديث في تكبير العيدين حديث أبي هريرة لما عرفت من رجال إسناده وتكون الأحاديث الأخر شواهد له فيقوي القول بهذه الصفة في
التكبير ولعل بهذه الشواهد ينهض الدليل على ذلك ولو نقل المصنف رحمه الله هذه الشواهد لحديث كثير لقللت من التهجين على الترمذي في تصحيحه حديثه إن صح أنه صححه "فهذا الكلام انسحب من ذكر شروط الترمذي في التحسين والعمل بما حسنه".
اعمل أنه يظهر من كلام المصنف أنه يعمل بما حسنه الترمذي وقد عرفت مما سقناه عن الحافظ ابن حجر أنه حسن الترمذي أحاديث فيها ضعفاء وفيها من رواية المدلسين ومن كثر غلطة وغير ذلك فكيف يعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة وقد نقل الحافظ عن الخطيب أنه قال أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به قال الحافظ أيضا وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل الغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام أن هذا القسم لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو طاهر القرآن وهذا حسن قوي رائق ما أظن منصفا يأباه ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به لأنه أخرج حديث خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك وقال في كتاب العلم بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم هذا حديث حسن وإنما لم يقل لهذا الحديث صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه فقال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة انتهى فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك لكن في كل من المثالين نظر لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما أنهما جاءا من وجه آخر كما تقدم تقريره لكن محل بحثنا هنا هل يلزم من الوصف بالحسن الحكم له بالحاجة أم لا بل يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميل انتهى كلامه.
"وقد اختلف الناس في العمل بالحسن مطلقا" أي على رأي الجمهور وعلى رأي الترمذي "بعد تسليم حسنه فذهب البخاري إلى أن الحديث الحسن لا يعمل به في التحريم والتحليل واختاره القاضي أبو بكر بن العربي في عارضته" أي في كتابه المسمى بعارضة الأحوذي شرح الترمذي "والجمهور على خلافها والحجة مع الجمهور فإن راوي الحسن ممن تشمله أدلة وجوب قبول الآحاد" لأنه من أخبار الآحاد فيقبل خبره وإذا قيل عمل به "فإنه لا بد أن يكون راويه مظنون العدالة مظنون الصدق" ومن
ظن عدالته وصدقه وجب قبول خبره ولما ذكر أنه لا بد وأن يكون راوي الحسن مظنون العدالة والصدق أشكل عليه اصطلاح الترمذي فأورده ودفعه بقوله.
"فإن قلت: إنما شرط الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب ولا منفرد بالحديث" فإنه معنى قول الترمذي في حقيقة الحسن ولا يكون الحديث شاذا "وغير المتهم أعم من أن يكون ثقة مخبورا أو مستورا أو مجهولا فإن كان مجهولا وتابعه مجهول مثله لم يكن في الحديث حجة" فيلزم قبول المستور والمجهول وأن يكون حديثهما حسنا إذا توبعا ولو بمثلهما.
قلت: ولا يخفى عليك أن المصنف قد قدم أن الترمذي يشترط في رواة الحسن قوة الحفظ والإتقان وإنما يجعلها في رجال الصحيح أقوى وحينئذ فلا يرد السؤال بعد ذلك التقرير وإن كان ما قدمه عنه غير صحيح.
"قلت: الجواب أنه قد عرف من المحدثين أن مذهبهم رد المجهول وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك" لا يقال قد قررت أنه أفاد كلامه عموم قبول المجهول فقال "فهو من عموم المفهوم وفيه خلاف" فكيف يعمل به مع ما علم من مذهب المحدثين "فلو كان" كلام الترمذي "لفظا عاما" عموم المنطوق "وجب المصير إلى الخاص" وهو ما عرف من عرفهم "فيكف بالمفهوم" وحينئذ فلا يفيد كلام الترمذي قبول المجهول ولكنه يبقى عليه أنه يفيد قبول المستور فقال المصنف "فأما المستور فإنه مظنون العدالة ولو لم يكن كذلك لم يتميز منه المجهول".
قدمنا لك تفسير المستور من كلام ملا علي قاري في شرح شرح النخبة وقال الحافظ ابن حجر في مراتب الرواة في خطبة التقريب السابعة من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بمستور أو مجهول الحال انتهى فظاهره أن المستور هو المجهول حاله والمصنف قال هو مظنون العدالة "لكنه غير مخبور خبرة توجب سكون النفس الذي يسميه كثير من المحدثين علما" وهو الظن القوي "وقد ورد تسميته بالعلم كثيرا في مثل قوله تعالى" حكاية عن أخوة يوسف حيث حكوا لأبيهم أن أخاهم سرق {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] فإنهم لم يعلموا سرقته لصواع الملك قطعا بل ظنوه لما وجد في متاعه فسموه علما وهذا كلام صحيح لكنه لا يناسبه قول الحافظ ابن حجر إن المستور من لم يوثق فمن أين حصل لنا ظن عدالته حتى نطلقها عليه وتحصل له م يطلق عليه لفظ العلم في كتاب ابن الصلاح قسمة المجهول إلى
مجهول العدالة ظاهرا وباطنا وروايته غير مقبولة عند الجماهير ثم قال الثاني: المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول يريد بالأول المجهول العدالة ظاهرا وباطنا وهو قول بعض الشافعية وبه قطع الإمام سليمان بن أيوب الرازي قال لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي إلى آخر كلامه وكلام المصنف قاض بأن المستور عدل يحصل بخبره ظن ضعيف بخلاف الظن الحاصل عن العدل المحققة عدالته فإنه يحصل على خبرة ظن قوي يطلق عليه العلم وكلام الحافظ ابن حجر أنه لم يوثق وكلام ابن الصلاح أنه العدل في الظاهر.
قلت: ولا يخفي أن العدالة إنما تعرف ظاهرا بالمحافظة على خصالها وأما الباطن فلا يعلمه إلا الله تعالى فهذا اضطراب في تفسير المستور ينبغي تحقيقه.
واعلم أن الذي في كتب الأصول رسم العدالة باجتناب كبائر المقبحات وما فيه خسة والإتيان بالواجبات ولم يذكروا باطنه ولا ظاهره قالوا واختلف في رواية المجهول ويطلق عندهم على مجهول العدالة أو الضبط أو النسب أو الاسم ونقلوا عن الحنفية وآخرين قبوله واستدلوا على أن الأصل في دار الإسلام هو الإسلام والأصل في المسلم هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وهو قياس من الشكل الأول ينتج أن الأصل هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وحينئذ فال مجهول بل كل مسلم عدل ورد يمنع الكبرى مسندا بأن الأصل هو الغالب والفسق في المسلمين أغلب من الإيمان لقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وغير ذلك ولأنه الشاهد في كل عصر والفرد المجهول يجب حمله على الأعم الأغلب ولهذا يرد من غلب سهوه على حفظه اتفاقا ورجحوا المجاز على الاشتراك لغلبته فغلبه الفسق مظنة للفسق وحكم المظنة حكم المثنة بل ضبط الشارع الأحكام بالمظنة ويأتي بقية الكالم على المسألة في محلها وإنما هذا تنبيه على أن الذي ذكره المصنف من أن المستور هو العدل عدالة تفيد ظنا قويا وأن خبره احسن وأن العدل في رواة الصحيح يشترط قوة عدالته بحيث يفيد ظنا قويا يسمى علما شيء تفرد به لم يذكره أئمة الأصول كما انفرد ابن الصلاح بقوله إن عدالة المستور ظاهرة وعدالة غيره ظاهرة وباطنة وذكر الرافعي
في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجح فيها إلى أقوال المزكين. 1هـ.
فعلى هذا كان يلزم أن يقال في رسم الصحيح ما رواه العدل ظاهرا أو باطنا أو ما رواه قوي العدالة كما ألزمناهما أنه كان يتعين أن يقال في رسم الصحيح بالنسبة إلى قيد الضبط تام الضبط كما أتى به الحافظ في النخبة وتابعه المصنف في مختصره واحترزوا به عمن خف ضبطه وهو راوي الحسن كما عرفناك وأما العدالة فإنهم جعلوا عدالة راوي الحسن لذاته والصحيح شيئا واحدا وهنا خالفوا ذلك فجعل المصنف المستور العدل الذي يفيد خبره ظنا غير قوي وابن الصلاح جعله العدل ظاهرا لا باطنا نعم لأهل الحديث كلام في المجهول كثير يأتي تحقيقه.
"وقد ورد" إطلاق "المستور في عبارات أصحابنا والمراد به العدل كما استعمل ذلك أهل الحديث قال شيخ أحمد بن محمد الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي إنها أربعة أحدها أن يكون الراوي عدلا مستورا هذا لفظه ولم أعلم أحدا اعترضه من أهل الشروح على الجوهرة" لا يخفى أنه إذا كان مستورا بمعنى عدل عندهم يكون قوله مستورا بعد قوله عدلا تكريرا ولا يخفى أيضا أن أهل الأصول من قبل الشيخ أحمد ومن بعده لا يجعلون كون العدل مستورا شرطا في الرواية بل الكتب الأصولية متطابقة على شرطية العدالة في الراوي ورسموا العدالة بما عرفت وجعل المستور شرطا يلزم منه أن كامل العدالة ليس من شروط الرواية ولعله يقول إنه يدخل بالأولى "فالمستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدالتهم أو المشهور شهرة تقري من التواتر".
اعلم لفظ ابن الصلاح في المستور أنه المجهول الذي جهات عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور هذا لفظه ثم قال وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته باطنا وقرر الزين كلام ابن الصلاح وقال مراد ابن الصلاح ببعض أئمتنا هو البغوي فهذا لفظه بحروفه في التهذيب وتبعه عليه الرافعي انتهى كلام زين الدين.
والمصنف قال إن المستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدا التهم أو المشهور شهرة تقرب من التواتر فعلى كلامه لا بد أن تكون عدالته أمرا بين الأمرين وهذا غير كلام ابن الصلاح ومن تبعه ومن تقدمه في تفسير المستور وتقدم أن الحافظ ابن حجر قال إن المستور من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق فلا أدري من أين
جاء هذا التفسير الذي آتى به المصنف للمستور وزعم أنه اصطلاح المحدثين ثم هذه الرتبة التي ذكرها رتبة مجهولة فهذا كلامه في عدالة المستور أي من حيث العدالة وأما من حيث حفظه فقال "أو من قصر عن الحفاظ في مرتبة الإتقان والضبط العظيم" يريد أن المستور إما مستور العدالة فهو الذي فسره قريبا أو مستور الحفظ وهو الذي لا يبلغ ربة الإتقان والضبط وهو الذي خف ضبطه المذكور في تعريف الحسن لذاته.
قلت: ولا خفاء أن هذا خلط لشرائط الحسن لذاته والحسن لغيره فإن الحسن لذاته هو من خف ضبط رواته كما سلف والسحن ليغره قد يكون راويه ضعيفا موضوعا لسوء الحفظ كرواية الترمذي عن عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وحسن الترمذي حديثه وروى عن مجالد وحسن حديثه وقد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وروى عن عبيد بن معقب وهو ضعيف جدا اتفق أئمة النقل على تضعيفه وقد قدمنا هذا وزيادة عليه فيما حققناه لك من أن الحسن عند الترمذي شرطه أن لا يتهم راويه بالكذب ولا ينفرد بالحديث.
"ونحن" أيها الزيدية "نوافقهم" أي المحدثين "في الطرفين معا" في قبول المستور وقبول لم يبلغ درجة المتقنين في الضبط "أما الطرف الأول" وهو الموافقة من الزيديدة في قبول المستور "فقد ثبت نص الجوهرة" حيث جعل من شروط قبول الراوي كونه عدلا مستورا قل إلا أنه لا يعزب عنك أن صاحب الجوهرة جعل ذلك شرطا للراوي مطلقا سواء كان من رواة الصحيح أو الحسن وأهل الحديث على رأي المصنف جعلوه شرطا للحسن غلا أنه لا يضر هذا فقد حصلت الموافقة في شرط الأعم "التي هي مدرس الزيدية" في عصر المصنف "على ذلك" يتعلق بنص "مع أنه مما لا يختلف فيه الأصحاب" من الزيدية "فإن كتبنا الأصولية مشحونة بقبول كل من رجح حفظه على سهوه" وهذا هو المراد لمن لمي يبلغ مرتبة أهل الأنفان في الحفظ والضبط إلا أن كلامه في عدالة المستور هذا من القسم الثاني: وهو عدم بلوغ رتبة المتقنين في الضبط.
"واختلف أصحابنا إذا استويا فذهب المنصور بالله إلى أنه لا يجوز طرح حديثه وأن طريق قبوله الاجتهاد ذكره" أي المنصور بالله "في الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة" تقدم الكلام على هذا أول الكتاب كما تقدم على قوله "وذهب عبد الله بن زيد إلى قبوله وهذا كله يدل على قبول من حديثه حسن والله أعلم" عند الفريقين الزيدية والمحدثين قد عرفت ما كررناه وقررناه أن الحسن قسمان: حسن لذاته وحسن لغيره
وأن الحسن عند الترمذي الذي يصف به أحاديث كتابه أو غالبها من القسم الثاني.
وقال الحافظ ابن حجر إنه نقل ابن الصلاح وغر واحد الاتفاق على أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة وهو القسم الذي ذكره الخطابي وقد علمت أن القسم الذي ذكره هو الحسن لذاته قال وأما الحسن الذي ذكره الترمذي بجميع أنواعه فإنه يظهر له أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني: قال فإن الترمذي يطلق الحسن على الضعيف والمنقطع إذا اعتضده قال فلا يتجه إطلاق الاحتجاج به جميعه ويؤيد هذا قول الخطيب أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به وقد صرح أبو الحسن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام بأن هذا القسم لا يعمل به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن إلى آخر ما قدمناه من كلامه قريبا هذا من كلام الحافظ على نكته على كتاب ابن الصلاح ثم قال ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به أنه أخرج حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذلك وقد قدمنا ذلك.
"وقد نص أهل الحديث في مراتب التعديل على أن صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار به ونصوا أيضا في مراتب التجريح على أن الضعيف بمرة والمردود والمتروك وغير ذلك من العبارات فبان لك أن الضعيف يكتب حديثه للاعتبار به بخلاف الضعيف عندهم هو صالح الحديث" أخذ المصنف من قول الأئمة إن صالح الحديث وضعيفه يكتب حديثه أن صالح الحديث هو ضعيف الحديث لاشتراكهما بالحكم بكتب حديثهما وفي كتاب ابن الصلاح الرابعة أي من مراتب التعديل إذ قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار فجعل هذه المرتبة الرابعة للتعديل وقال مراتب التجريح أولهما إذ قالوا لين الحديث قال ابن أبي حاتم إذا جاءوا بان لين الحديث فإنه يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا الثانية قال ابن أبي حاتم إذا قولوا ضعيف ليس بالقوي فهو بمنزلة الأولى في كتب حديثه إلا أنه دون الثانية وإذا قالوا ضعيف الحدي فهو دون لاثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به انتهى فعرفت من كلامه أن صالح الحديث من هو في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وأن قولهم ضعيف ليس بقوي
هو ثاني مراتب التضعيف وقولهم ضعيف الحديث هو ثالثها تكتب أحاديثهم للاعتبار وإن لم يصرح بكتب حديث من هو في هذه المرتبة لكنه صرح بأنه لا يطرح حديثه وأنه يعتبر به اعتبار بكتابته وبالجملة فقد جمع بين أهل المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وبين أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح للاعتبار بأحاديثهم وعدم الإطراح لها لكنها وإن جمعها ما ذكر فهي متفاوتة كما ذكره فقول المصنف إن الضعيف عندهم هو صالح الحديث غير صحيح لأن صالح الحديث من المعدلين ومن أهل مراتب التعديل بخلاف الضعيف على أقسامه الثلاثة إن جعلنا اللين منه وأنه مجروح للتضعيف وكونه جمع بينه وبين صالح الحديث كتب حديث كل منهما لا يلزم منه اتحادهما فقد قالوا في أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح إنه يكتب حديثهم فإن كان الضعيف هو صالح الحديث لكونه يكتب حديثه فالضعيف من أهل مراتب التعديل كما قال المصنف "وأنه" أي الضعيف "في المرتبة الرابعة من مراتب العدول كما سيأتي" فيلزم أنه ليس للتجريح إلا مرتبة واحدة وهي مرتبة المتروك والكذاب ونحوهما وهو خلاف صريح كلامهم فيما يأتي ثم المراتب مختلفة كما عرفت "فكيف برجال الحسن؟! " قد عرفت أن رجال الحسن لذاته ليسوا بضعفاء بل هم خفيفوا الضبط فهم الذي ينبغي أن يقال فيهم عند ذكر ضعفاء الرواة فكيف لا يقبل رجال الحسن وأما رجال الحسن لغيره ففيهم الضعفاء وأهل سوء الحفظ فلا يقال عند قبول ضعفاء الرواة فكيف برجال الحسن إذ هم من ضعفاء الرواة ليسوا قسما من غيرهم.
قلت: ثم لا يخفى بعد هذا كله أن كتب الحديث للاعتبار ليس دليلا على قبول رواته والعمل بروايتهم في السياق من العمل بالحسن.
وقال ابن حجر الهيثمي في كتابه الفهرسة في ترجمة الترمذي ما لفظه اتفق الفقهاء كلهم على الاحتجاج بالحسن وعليه جمهور المحدثين والاصوليين بل قال البغوي أكثر الأحكام إنما ثبتت بالحسن ووافقه الخطابي وهو قسمان أحدهما حسن لذاته وهو أن يشتهر رواته بالصدق لكنهم لم يصلوا في الحفظ والإتقان إلى رتبة رواة الصحيح وثانيهما حسن لغيره وهو أن يكون في الإسناد مستور لم تتحقق أهليته غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب ولا ينسب إلى مفسق آخر واعتضد بمنابع أو شاهد وقد قال النووي إمام زمانه في هذه الصناعة في بعض
أحاديث ذكرها وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعض بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره ويحمل ذلك على ما ضعفه ناشي عن سوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس مع كون رواته من أهل الصدق والديانة أما الضعف بنحو كذبه أو شذوذه فلا يجبره شيء والحاصل أن ما حسنه لذاته يحتج به مطلقا وما حسنه لغيره إن كثرت طرقه احتج به وإلا فلا وقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعف حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا1 مع كثرة طرقه نعم كثرة طرقه القاصرة عن جبر بعضها لبعض ترقيه عن درجة المنكر الذي لا يعمل به في الفضائل ولا غيرها إلى رتبة الضعف الذي يجوز العمل به في الفضائل إجماعا انتهى وهو كلام حسن.
واعلم أن ابن الصلاح رسم الضعيف من الحديث بقوله كل حديث لم تجتمع في صفات الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف.
"وقد يرتقون" أي الضعفاء "إلى أرفع من مرتبة الضعف ولذا قالوا في ترجمة سفيان الثوير المجمع على ثقته وأمانته ونصحه لله ورسوله وللمسلمين إنه كان يدلس عن الضعفاء" في الميزان سيفان بن سعيد الثوري الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء ولكن له نقد وذوق ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين انتهى.
"فهؤلاء هم الضعفاء في عرف المحدثين الذي حديثهم منجبر بالشواهد ونحوها ويجب العمل به" قد عرفت أنهم جعلوا مراتب الجرح أربعا فقالوا في ثلاث منها أنه يكتب حديث أهلها للاعتبار وقالوا في الرابعة وهو من أطلقوا عليه متروك إنه لا يكتب حديثه فعلى كلام المصنف أنه لا يترك إلا من قالوا فيه كذاب ونحوه على أنه يأتي له في إطلاقهم كذاب ونحوه بحث فعلى تقريره الضعفاء ليسوا بمجاريح ولذا قال "ولو كان سفيان يدلس عن المجروحين لكان مجروحا ولما أصفق" بالصاد المهملة ففاء فقاف أي اجمع "الثقات على الاحتجاج بحديثه" وقد قال الذهبي الحجة الثبت بالاتفاق "وهم يعرفون ذلك" أي أنه لا يدلس عن المجروحين بل إنما يدلس عن الضعفاء والضعفاء ليسوا بمجاريح هذا تقرير مراد المصنف.
1 العلل المتناهية 1/114. وجامع بيان العلم 1/43. وابن عساكر 2/394. وشرف أصحاب الحديث 29.
قلت: ولا يعزب عنك أنه سيأتي لهم وقد أشرنا إليه أن ألفاظ التجريح أربع ثانيها ضعيف ليس بقوي ثالثها ضعيف الحديث فهاتان صيغتان في التجريح فكيف يقول هذا ضعيف وليس بمجروح هل هذا إلا تناقض نعم هؤلاء مجاريح غير كذا بين كما قال الذهبي إن سفيان كان يدلس عن الضعفاء ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين فالقياس على ما تفيده هذه العبارات أن يقال إن الضعفاء غير الكذابين يقلون ويقبل من يدلس عنهم وإن كانوا مجاريح فهو جرح لا يخرجون به عن الاعتبار وحاصله أنا نناقش المصنف في قوله إن سفيان لا يدلس عن المجروحين مع تصريحهم أنه يدلس عن الضعفاء والضعفاء مجاريح ولذا أثبت الذهبي تدليسه عن الضعفاء ونفي تدليسه عن الكذابين فهو يدلس عن ضعفاء مجاريح غير كذابين.
"ولكن قليل المعرفة باصطلاحهم في عباراتهم لا يعرف ذلك" أي لا يعرف أنهم يقبلون بعض الضعفاء بل يظن أن كل ضعيف فإن حديثه مردود "ولهذا يتجه" بتوجه "على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث ويمعن النظر فيها" لئلا يغلط عليهم إذا جهل اصطلاحاتهم فإن علوم الحديث تعرفه بذلك "فتأمل ذلك فإنه مفيد جدا" أي محقق مبالغ فيه كما في القاموس ووجه نفعه أنه إذا لم يعرف علوم الحديث واصطلاحهم أئمته غلط عليهم فبمعرفته لاصطلاحهم الذي أودعوه علوم الحديث لا يحصل له الغلط.
"وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل فقال إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قبل" لتقويه "وإلا لم يقبل" لضعفه بالانفراد "وأما المجهول فليس يقوي حديثه بمتابعة مثله" أي بمتابعة مجهول مثله قال ابن الصلاح: إن المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من راو واحد ثم مثل بجماعة.
"وقد ذكر ابن الصلاح نحو هذا الكلام فقال ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك" أي مجيئه من وجوه.
قلت: قد مثل ذلك بحديث ابن عمر في سد الأبواب إلا باب علي كرم الله وجهه وهو في مسند أحمد من رواية أحمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن عمرو ابن راشد عن ابن عمر وفيه ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة أحب
إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لا يما مع ما له من الشواهد وله شاهد من حديث ابن عمر أيضا أورده النسائي في الخصائص بسند صحصح عن ابن اسحق عن العلاء ابن عرار فذكره والعلاء وثقة ابن معين ورواه ابن أبي عاصم من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي اسحق سألت ابن عمر فذكره وأخرجه أحمد من حديث سعد بن مالك.
قال الحافظ ابن حجر بإسناد حسن قال وأما ادعاه ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة فدعوى عرية عن البرهان وقد أخرج النسائي في الخصائص حديث سعد وفيه أيضا حديث زيد بن أرقم بإسناد صحيح وأخرج أيضا حديث ابن عباس وقال وسد الأبواب غير باب علي رضي الله عنه قال فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره في حديث طويل وأخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين وأخرجهما الترمذي لكنه قال في حديث ابن عباس بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد عن ابراهيم بن المختار عن شعبة عن أبى بلخ عن عمرو بن ميمون عنه غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه.
وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم والطبراني روياه من طريق مسكن بن بكير عن شعبة وهي أصح من طريق الترمذي وأبو بلخ وثقة يحيى بن معين وأبو حاتم وقال البخاري فيه نظر انتهى ويشهد له حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك"، رواه الترمذي1 وقد ادعى أن هذا الحديث يعارض حديث أبي سعيد المخرج في الصحيحين2 "لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت وإلا خوخة أبي بكر" ولكنها دعوى غير صحيحه لأن الجمع ممكن بأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد ورد بيان سببه في حديث مرسل أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسنده عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأذن لأحد أن يمر من المسجد أو يجلس فيه وهو جنب إلا علي رضي الله عنه لأن بيته كان في المسجد أي مع بيوت
1 في: المناقب: ب 20.
2 البخاري 1/126. ومسلم في: فضائل الصحابة حديث 2. وأحمد 1/270.
النبي صلى الله عليه وسلم: فكان يحتاج إلى استطراق المسجد وحديث أي بكر فيما يتعلق بالخوخ فلا تعارض ولا وضع أفاد هذا الحافظ ابن حجر في نكته.
فهذا الحديث قد كان في رواته ضعف بسوء الحفظ فجاء من طرق كثيرة أزال ذلك الضعف وبه تعرف ما في قول ابن حجر الهيثمي إنه استقر الأمر على ضعف حديث يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك1 فإنه قال إنه أستقر الأمر على أنه حديث ضعيف.
وقد يكون ضعف الرواة بما قاله ابن الصلاح ونقبله عفه المصنف بقوله "بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ واريه مع كونه من أهل الصدف والديانة فإذا رأينا ما رواه" أي الحديث الذي رواه "قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظ ولم يختل فيه ضبطه له" وقد حققناه بالمثال وهذا كلام حسن "وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر قال" أي ابن الصلاح.
"ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك" أن بمجيئه من طرق لقوة الضعف في الراوي وتقاعد هذا الجابر عن جبره أي عن جبر ضعفه فتسميته جابرا مجاز وإلا فإنه لم يجبر هذا الضعف "كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب" فإن الجابر لا يقوى على زوال تلك التهمة ومثلوا ذلك بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء وفي لفظ بعثه فقيها عالما2 قال النووي إنه اتفق الحفاظ على ضعفه وإن كثرت طرقه بعد أن قال إنه روى عن علي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم بطرق كثيرات بروايات متنوعات قاله النووي في صدر الأربعينية التي جمعها وسماها دعائم الإسلام.
"أو كون الحديث شاذا" أي أن الجابر يتقاعد هن زلل الضعف عن حديث نشأ ضعفه من اتهام رواته بالكذب أو من كونه حديثا شاذا ويأتي بيان الشاذ "انتهى كلامه" أي ابن الصلاح "وسيأتي أنه ليس يشترط في الشاذ الذي أشار إليه إلا أن لا يكون راويه في مرتبة الثقات الإثبات من رجال الصحيح ولا في مرتبة من دونهم من رجال الحسن كما
1 سبق تخريجه.
2 سبق تخريجه.
سيأتي واضحا" ذكر ابن الصلاح كلام الأئمة في الشاذ وتعقبه ثم قال فيقول إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردوعا وإن كان لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هذا أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه انتهى فمراده هنا بالشاذ الذي لا ينجبر هو الأول من القسمين "فهذا بذلك على أن رجال الحسن مرتفعون عن مرتبة المجاهيل والضعفاء بمرة انتهى" فكلام ابن الصلاح في الشاذ دل على أن رتبة رجال الحسن ليسوا من المجاهيل ولا الضعفاء.
قلت: قد قدمنا لك أن الحسن لذاته ليس رجاله ضعفاء ولا مجاهيل والحسن لغيره في رجاله الضعفاء وغيرهم كما حققناه لك بالأمثلة والتنصيص على ذلك فالمصنف رحمه الله خلط اعتبارهم لصفات الحسن لذاته بصفات الحسن لغيره كما نبهناك عليه مرارا "وقد نصوا على ذلك في علوم الحديث فجعلوا الضعيف غير المجهول" قد قدمنا لك كلام ابن الصلاح في المجهول وأنه قسمان قال والمجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد ذكر هذا عن الخطيب البغدادي إلا أنه قال ابن الصلاح: إن في رجال البخاري أحاديث عن قوم ليس لهم إلا راو واحد.
"وممن ذكره وين الدين في قسم الضعيف من التبصرة ولكن يلزم هذا من قبول المنفرد من رجال الحسن" لأنهم إذا قالوا بأن الشاذ هو من ينفرد وليس في مرتبة رجال الصحيح ولا الحسن وأنه يرد لزم أنه إذا انفرد من هو من رجال الحسن أن يقبل "ولا يجب مراعاة متابعة غيره" قلت: هذا ملتزم عندهم في الحسن لذاته فإنهم لم يعتبروا في رسمه إلا خفة ضبط رواته كما عرفت فإنهم قالوا فإن خف الضبط فالحسن لذاته وبكثرة طرق يصح فلم يجعلوا متابعة غيره له إلا شرطا لصحته لا لحسنه وأما الحسن لغيره فقد عرفناك مرارا أنه لا يصير حسنا إلا بمتابعة غيره "وهذا لازم على قواعد الفقهاء والأصوليين ودفع هذا من المحدثين غير جيد والله أعلم".
قلت: قد عرفناك غير مرة أن المحدثين لا يدفعون هذا ولا أدري كيف التبس على المصنف مع إمامته في كل فن.
"قال ابن الصلاح: وهذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه
من النفائس العزيزة واعلم أن رجال الحسن متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأتت له طرق أخرى فلك أن تحكم بصحته" هذا ذكروه في الحسن لذاته هذا عندهم هو الصحيح لغيره وقد حققه في النخبة وشرحها ولفظ ابن الصلاح1 إذا كان الراوي متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروى مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحة انتهى.
واعلم أنه لا بد من تقييد عبارة المصنف وابن الصلاح بخفة ضبط من اشتهر بالصدق ليكون من قسم الحسن وإلا كان من الصحيح لذاته فإن رجال الصحيح لذاته هم المشهورون بالصدق والعدالة "كحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة2 قال ابن الصلاح" بعد سياقه لما ساقه المصنف "محمد بن عمرو ابن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم بسوء حفظه" في الميزان أن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني الليثي شيخ مشهور حسن الحديث مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قد أخرج له الشيخان متابعة قال يحيى القطان أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث "ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته" قال أبن عدي روى عنه مالك في الموطأ وغيره وأرجو أنه لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال النسائي ليس به بأس ذكر ذلك كله الذهبي في الميزان "فحديثه من هذه الجهة حسن" لأنه لم يتفق على إتقانه في الحفظ فهو ممن خف ضبطه "فلما انضم ذلك كونه" أي حديث السواك "مرويا من طرق أخرى" لفظ ابن الصلاح من أوجه أخر مثلها عبارة الزين نقلا عنه "زال ذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظ وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحقق بدرجة الصحيح"
قلت: كأنه مجرد مثال وإلا فهذا الحديث أخرجه الشيخان بلفظه من حديث أبي هريرة رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث ابن عيينة وهذا لفظ عندهما من المتفق عليه وسينبه المصنف على ذلك.
1 علوم الحديث ص 47.
2 البخاري 2/5. ومسلم في: الطهارة ب 15. حديث 42. وأبو داود 46، 47. وأحمد1/221.
"قال زين الدين: وقد أخذ ابن الصلاح كلامه هذا" الذي سلف قريبا "من الترمذي فإنه قال بعد إخراجه" من هذا الوجه "حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي صحيح قال" الترمذي "وحديث أبي سلمة إنما صح لأنه قد روى من غير وجه" لفظ الزين وحديث أبي هريرة عوض أبي سلمة "قلت: قول إن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل لأن متن الحديث صحيح متفق عليه من طريق الأعرج عن أبي هريرة" كما قدمنا لك قريبا.
واعلم أن كلام المصنف هذا إشارة إلى فائدة مهمة ذكرها ابن حجر في فهرسته فقال فائدة مهمة عزيزة النقل كثيرة الجدوى والنفع وهي من المقرر عندهم أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن الاجتماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى فلا تنافي بين قولهم هذا حديث صحيح لأن مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعا لعدم استلزام الصحة لكل فرد فرد من أسانيد ذلك الحديث فعلم أن التقييد بصحة السند ليس صريحا في صحة المتن ولا ضعفه بل هو على الاحتمال فهو دون الحكم بالصحة أو الحسن للمتن إذ لا احتمال حينئذ وبهذا تعرف قول المصنف رحمه الله "وإنما انفرد محمد بن عمرو برواية الحديث من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فلم يتابع على الإسناد فلم يصح الإسناد وإنما توبع على الحديث فصح ولذا قال زين الدين: وليس المراد بالمتابعة كونه رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير محمد بن عمرو ولكن متابعة شيخه أبي سلمة عليه عن أبي هريرة فقد تابع أبا سلمة عليه عن أبى هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أو سعيد وعطاء مولى أم حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج" ولما كانت المتابعة نوعين أشار إليهما بقوله "والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي لكلام عليه في فصل المتابعات والشواهد" إن شاء الله تعالى.
* * *