الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 23 [في بيان الحديث المرفوع]
"المرفوع" قدم على ما بعده لشرفه بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم وهو من أنواع علوم الحديث جعله ابن الصلاح النوع السادس.
"اختلف في حد المرفوع فالمشهور أنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قولا له أو فعلا" قلت: أو تقريرا أو هما كما قررناه في حواشي شرح غاية السول "سواء أصافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما سواء اتصل إسناده أم لا فعلى هذا" التفسير "يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل" والمعلق أيضا لعدم اشتراط الاتصال.
"وقال" أبو بكر "الخطيب" البغدادي: المرفوع "هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله فعلى هذا" حيث خصص الصحابي "لا يدخل فيه مراسيل التابعين ومن بعدهم".
قال الحافظ ابن حجر مقتضاه يعني كلام الخطيب أن يكون في السياق إدراجها وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثم قال والحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال فمن لازم ذلك إن الموقوف إذا اتصل سنده قد يسمى مسندا ففيالحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند المتصل إلا في غلبة الاستعمال ثم نقل كلام ابن عبد البر والحاكم ثم قال بعد ذلك والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم إن المسند عندهم من سمع النبي
صلى الله عليه وسلم: بسند ظاهره الاتصال فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا مسلما أو في حال كفره وأعلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم: ومن لم يسمع يخرج المرسل وبسند يخرج ما كان بلا سند كقول القائل من المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من قبيل المعلق وظهور الاتصال يخرج المنقطع لكن يدخل فيه ما كان فيه انقطاع فهو كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا.
ومن رأي مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت عبارته والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه فلم يشترط حقيقة الاتصال بل اكتفى بظهور ذلك كما قلت: هـ تفقها ولله الحمد وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السالمة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك والله أعلم انتهى.
"قال ابن الصلاح1: ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل" انتهى كلام ابن الصلاح في هذا النوع وقد ذكر في النوع الرابع من تفريعات النوع الثامن قوله "ومن المرفوع قولهم عن الصحابي: يرفع الحديث أو يبلغ به" كحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش2 "أو ينميه" بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم كحديث مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة3 قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك وهذا هو معنى نميت الحديث إلى فلان إذا أسندته إليه "أو رواية رفع" أي مرفوع بلا خلاف كما صرح به النووي وهو تفسير لرفع الحديث.
"قال ابن الصلاح: حكم ذلك" أي قولهم عن الصحابي يرفع الحديث "عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا" إلا أنه ليس في كلام ابن الصلاح لفظ رفع بل لفظ أو رواية بالتنوين ليس بعدها لفظ.
قال الحافظ ابن حجر وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا وكذا قوله:
1 علوم الحديث ص 66.
2 مسلم 1451، وأحمد 2/243.
3 المشكاة 898، وفتح الباري 2/224.
رواه وعبارة الزين في نظمه:
وقولهم يرفعه يبلغ به
…
رواية ينميه رفع فانتبه
وقد ذكر ابن الصلاح أمثلة ذلك "قال زين الدين1: وإن قيلت هذه الألفاظ عن التابعي فمرسل بخلاف قول التابعي من السنة ففيه خلاف كما يأتي" هذا كلام ابن الصلاح فإنه قال بعد قوله صريحا قلت: وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم.
تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر إن من أغرب المرفوع سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع مع القرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس أيما عبد حج به أهله ثم عتق فعليه حجة أخرى الحديث رواه ابن أبي شيبة2 من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان إن ظاهره الرفع آخذه من نهي ابن عباس عن إضافة القول إليه فكأنه قال لا تضيفوه إلي أضيفوه إلى الشارع لكن يعكر عليه أمثلة البخاري رواه3 من طريق السفر سعيد بن محمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا عني ما أقول لكم واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولون قال ابن عباس قال ابن عباس وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أمثلة يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أمثلة يزيدوا فيه أهله ينقصوه انتهى.
قلت: بل الظاهر مع أمثلة ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أمثلة يطلب عرض ما حديث به مع كثرة تحديثه ويزيد كلام ابن القطان قوة أمثلة هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع والله أعلم ثم قال تنبيهات قد يقال ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها إلى يرفعه وما يذكر معها قال الحافظ المنذري يشبه أمثلة يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يشك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث.
1 فتح المغيث 1/64.
2 البيهقي 4/325، والخطيب 8/209.
3 في: مناقب الأنصار: ب 27.
قلت: وإنما ذكر الصحابي كالمثال وإلا فهو جار حق من بعده ولا فرق ويحتمل أمثلة يكون من صنع ذلك لطلب التخفيف وإيثار الاختصار ويحتمل أمثلة يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يجزم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بل كنى عنه تحرزا بأيتهما ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه ولم يذكر ما إذا قال الصحابي عن النبي يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل ومثاله الحديث الذي رواه الدار وردي عن عمر بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعه: "إن المؤمن عندي له كل خير يحمدني وأنا انزع نفسه من بين جنبيه" حديث حسن رواه أهل الصدق أخرجه الدارمي في مسنده1 وهو من الأحاديث الإلهية وقد افردها جمع بالجمع انتهى.
* * *
1 النسائي في: الجنائز: ب 13. وأحمد 1/297.