المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة: 27 [في بيان المقطوع] - توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار - جـ ١

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌مسألة 2 [في بيان مراد أهل الحديث بقولهم: هذا حديث صحيح]

- ‌مسألة 3 [من علوم الحديث: في معرفة أصح الأسانيد]

- ‌مسألة 4 [في ذكر أول من صنف في جمع الصحيح]

- ‌مسألة 6 [في عدد أحاديث الصحيحين]

- ‌مسألة 7 [في بيان الصحيح الزائد على ما في البخاري ومسلم]

- ‌مسألة 8 [في المستخرجات]

- ‌مسألة:9 [في بيان مراتب الصحيح]

- ‌مسألة 10 [في إمكان التصحيح في كل عصر ومن كل إمام]

- ‌مسألة:11 [في بيان حكم ما أسنده الشيخان أو علقاه]

- ‌مسألة 12 [في أخذ الحديث من الكتب]

- ‌مسألة 13 [في بيان القسم الثاني: وهو الحديث الحسن]

- ‌مسألة 14 [في بيان شرط أبي داود]

- ‌مسألة: 15 [في بيان شرط النسائي]

- ‌مسألة: 16 [في بيان شرط ابن ماجه]

- ‌مسألة: 17 [في الكلام على جامع الترمذي]

- ‌مسألة: 18 [في ذكر شرط المسانيد]

- ‌مسألة: 19 [في الكلام على الأطراف]

- ‌مسألة: 20 [في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه]

- ‌مسألة:21 [في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن]

- ‌مسألة: 22 [في بيان القسم الثالث: وهو الحديث الضعيف]

- ‌مسألة: 23 [في بيان الحديث المرفوع]

- ‌مسألة: 24 [في بيان المسند من أنواع الحديث]

- ‌مسألة: 25 [في بيان المتصل والموصول من أنواع الحديث]

- ‌مسألة:26 [في بيان الموقوف]

- ‌مسألة: 27 [في بيان المقطوع]

- ‌مسألة: 28 [في بيان المرسل]

- ‌مسألة: 29 [في بيان اختلاف العلماء في قبول المرسل]

- ‌مسألة: 30 [في فوائد تتعلق بالمرسل]

- ‌مسألة: 31 [في بيان المنقطع والمعضل]

- ‌مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها]

- ‌مسألة:33 [في بيان اختلاف العلماء في قول الراوي أن فلانا قال]

- ‌مسألة:34 [في حكم تعارض الوصل والإرسال]

- ‌مسألة:35 [في بيان التدليس]

- ‌مسألة:36 [في بيان الشاذ]

الفصل: ‌مسألة: 27 [في بيان المقطوع]

‌مسألة: 27 [في بيان المقطوع]

"المقطوع هو قول التابعي وفعله قال ابن الصلاح1: ويقال في جمعه مقاطيع ومقاطع" يعني كالمسانيد والمساند والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعند الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك "قال وجدت التعبير بالمقطوع عن المتقطع في كلام الشافعي وأبي القسام الطبراني قال زين الدين: ووجدته أو في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن الدارقطني2 قال ابن الصلاح: وقد حكى عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي واستبعده ابن الصلاح قال زين الدين: القائل بذلك هو الحافظ أبو بكر احمد بن هرون البردعي" بموحدة مفتوحة فراء ساكنة وإهمال الدال والعين نسبة إلى بردعة بلدة في أقصى بلاد أذربيجان بينهما وبين بردعة اثنا عشر ميلا "حكاه في جزء لطيف له" انتهى.

* *

1 علوم الحديث ص 42.

2 لكن قد يعتذر للشافعي أنه قال ذلك قبل استقرار الاصطلاح وأما الطبراني فإطلاقه ذلك يعتبر تجوزا عن الاصطلاح. تيسير مصطلح الحديث ص 99.

ص: 241

"فروع"

سبعة حسن إيرادهما بعد كل من المرفوع والموقوف.

"مسألة من السنة" هذا الفرع الأول وهو "قول صحابي من السنة كذا محمول على أنه مسند مرفوع" وادعى البيهقي انه لا خلاف بين أهل النقل في ذلك وسبقه إلى دعواه شيخه الحاكم في المستدرك وذلك "لأن الظاهر انه لا يريد إلا سنة صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الزيدية ذكره المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة كقول علي ابن أبي طالب عليه السلام من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود في رواية ابن داسة" بالمهملتين أحد رواة سنن أبي داود "وابن الأعرابي" أحد رواتها أو إمام حافظ أثنى عليه الذهبي.

وقال القاضي أبو الطيب هو ظاهر مذهب الشافعي لأنه احتج على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس على جنازة وقراءته بها وجوه وقال إنما فعلت ليعلموا أنها سنة وجزم ابن السمعاني أنه مذهب الشافعي وقال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم سنة الخمرين وأعلم انهم وان قالوا بأنه لا يريد بها الصحابي إلا سنته صلى الله عليه وسلم لكنهم قال لا يضاف اللفظ إلى فإنه نهى أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وقالوا لا يضاف حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود والترمذي بلفظه حذف السلام سنة1 فلا يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حذف السلام سنة قال الزين في تخرج الأحياء لا يعزو اللفظ إلى صلى الله عليه وسلم وإلا فقول الصحابي السنة كذا له حكم المرفوع على الصحيح.

"وخالف بعضهم في ذلك منهم أبو بكر الصيرفي" من الشافعية "وأبو الحسن الكرخي" من الحنفية "وغيرهما" كابن حزم الظاهري بل حكاه إمام الحرمين عن المحققين ذكره في البرهان وجزم جماعة من أئمة الشافعية بأنه الجديد من مذهب الشافعية ذكر ابن القشيري وابن فورك وغيرهما وجزموا بأنه كان يقول في القديم إنه مرفوع وحكوا تردده في الجديد لكنه نص في الأم وهو من الكتب الجديدة على أنه

1 أبو داود 1004، والترمذي في: الصلاة ب 107. وأحمد 2/532.

ص: 242

مرفوع فإنه قال في بابا عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضاحك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولا ن من السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في كتبا الأم في قول سعيد بن المسيب لأبي الزناد سنة وقد سئل سعيد عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما فقال له أبو الزناد سنة قال سنة قال الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة إن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم: قال الحفاظ ابن حجر وحينئذ فله قولا ن في الجديد قلت: ويحتمل أنه إنما جزم في الأول لما كان القائل صحابيا قال في الثاني: يشبه لما كان القائل تابعيا.

هذا ودليل المخالفين إن لفظ السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم: وسنة غيره كما قال صلى الله عليه وسلم: "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين" 1 وفي الحديث: "من سن سنة حسنة كان له أجرها" 2 جوابه أن الأظهر انهم لا يريدون إلا سنته صلى الله عليه وسلم وذلك لأمرين الأول أنه المتبادر إلى الفهم فالحمل عليه أولى الثاني: إن سنته صلى الله عليه وسلم أصل وسنة الخلفاء تبع لسنته والأظهر من مراد الصحابي إنما هو بيان الشريعة ونقلها فإسناد ما قصد نقله إلى الأصل أولى من إسناده إلى الفرع بالحمل عليه سيما إن كان قائل ذلك أحد الخلفاء الأربعة إذ يبعد إن يرد من طريقتي كذا وقد كانوا يصرحون بما يقولونه رأيا أو اجتهادا كقول أبى بكر أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله الحديث واستدل أيضا لهذا القول بما في البخاري3 أن الحجاج سأل سالما: كيف نصنع في الموقف يوم عرفة؟ قال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة قال أبو عمر: صدق قال الزهري: فقلت: لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: وهل يتبعون في ذلك إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

وأما استدلال ابن حزم على ما ذهب إليه بما في البخاري4 من حديث أبى عمر أنه قال: بحسبكم سنة نبيكم إن حُبِسَ أحدكم عن الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم

1 أبو داود 4607، والترمذي 2676، والدارمي 1/44، وأحمد 4/126.

2 الترمذي 2675، وابن ماجة 207. والدارمي 1/131، وأحمد 4/362.

3 البخاري في: الحج: ب 89.

4 في: المختصر: ب 2، 4.

ص: 243

حل من كل شيء حيث يحج قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا قال ابن حزم لا خلاف بين أحد من الأئمة أنه صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا ولا بالمروة بل حيث كان بالحديبية وان هذا الذي ذكره ابن عمر لم يقع منه صلى الله عليه وسلم قط فلا يخفى أنه لم يرد من السنة الفعل منه صلى الله عليه ةآله وسلم بل لفظ سنة نبيكم تعم الفعل والقول والتقرير فكونه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما ذكره ابن عمر لم يبطل كونه لم يقله أو لم يقرره والحاصل أن ما أثبته ابن عمر أعم مما نفاه ابن حزم.

إذا عرفت هذا فقول الصحابي سنة النبي صلى الله عليه وسلم: مضيفا لها إليه مرفوع عند الجماهير قطعا إلا عند ابن حزم.

وقال البلقيني1 في محاسن الاصطلاح أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا قال: فأبعدها مثل قول ابن عباس: الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2 ودونها قول عمرو بن العاص: لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد كذا3 ودونها قول عمر لعقبة بن عامر: أصبت السنة4 إذ الأول ابعد احتمال والثاني: اقرب احتمالا والثالث: لا إضافة فيه قلت: وينظر فإنه لا فرق بين الأول والثاني: إلا زيادة التكبير من ابن عباس.

تنبيه: لم يذكر المصنف إن حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان الرفع وذلك مثل قول ابن مسعود من أتى ساحرا الحديث5 ومثله قول أبى هريرة ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله6 وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم7 وقول عمار رضي

1 البلقيني هو: الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير الكناني الشافعي انتهت إليه رياسة المذهب الشافعي والإفتاء وولي قضاء الشام. مات سنة 805. له ترجمة في: إنباه الغمر 2/245. والضوء اللامع 6/85، وشذرات الذهب 7/51.

2 مسلم 1242.

3 أبو داود 2219، وابن ماجة 2063. والدارقطني 2/419- 420.

4 أبو داود 338، والنسائي في: الغسل: ب 27. والدارمي 1/190. والبيهقي 1/231.

5 سبق تخريجه.

6 مسلم في: النكاح: حديث 110، وأحمد 2/61. والبيهقي 7/262.

7 مسلم 2/125. وأحمد 2/410.

ص: 244

الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم1 فهذا كله له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز التأثيم على ما ظهر من القواعد والأول اظهر وبه جزم ابن عبد البر وادعى الإجماع عليه وجزم به الحاكم في علوم الحديث وفخر الدين الرازي في المحصول وهذا كله فما ينسبه الصحابي إلى سقته صلى الله عليه وسلم.

"وأما التابعي إذا قال ذلك" أي من السنة كذا "فقيل موقوف متصل لأنهم قد يعنون بذلك سنة الخلفاء" فلا يجزم بأنهم أرادوا منته صلى الله عليه وسلم لأنه جزم مع الاحتمال "وربما كثر ذلك فيهم حتى لا يكون غيره راجحا وهذا جديد قول الشافعي وصححه النووي" واعلم انه على قول من يقول بأن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع فهو محتمل لأقسام السنة الثلاثة القول والفعل والتقرير كما أشرنا إليه في الجواب عن دليل ابن حزم وإذا كان محتملا فإذا عارضه قول أو فعل أو تقرير غير محتمل فهو مقدم على قوله من السنة لعدم احتماله بخلافها.

"مسألة أمرنا ونهينا" مغير الصيغة "إذا قال الصحابي امرنا أو نهينا" أو قال أوجب أو حرم أو أبيح وبالجملة يأتي بشيء من الأحكام بصيغة ما لم يسم فاعله "من نوع المرفوع والمسند عند المنصور بالله وقاضي القضاة والشيخ أبى عبد الله والشيخ الحسن" الرصاص "وحفيده أحمد" بن محمد بن الحسن "وكذلك عند أصحاب الحديث" إلا أن المنصور بالله قال فرق بين أمرنا وأوجب قال إن الأول حجة وشرط للثاني إن لا يكون للاجتهاد فيه مسرح لجواز إن يرى الوجوب بطريق الاجتهاد والجمهور على أنه حجة مطلقا "قال الزين عن ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل العلم لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر البيهقي إجماع أهل النقل على أنه مرفوع.

"وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي" وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وعلل ذلك بكونه مترددا بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أو إلى القرآن أو الأمة بعض الأمة أو القياس أو الاستنباط قال وهذه الاحتمالات تمنع من الجزم بكونه مرفوعا وأجيب بأنها احتمالات بعيدة وعلى التنزل فما من القرآن مرفوع

1 الترمذي 686، والنسائي 4/153. وابن ماجة 1645.

ص: 245

لأن الصحابة إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأمر الأمة لا يمكن الحمل عليه لأنهم يأمرون أنفسهم وبضع الأمة إن أراد من الصحابة فبعيد لأن قوله ليس حجة على غيره وإن أراد الخلفاء بخصوصهم فكذلك لأن الصحابي مأمور بتبليغ الشريعة فيحمل على من صدر عنه الشرع وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأما حمله على القياس فبعيد كحمله على الاستنباط فإنه لا يتبادر ذلك لسامع.

واعلم أنه قال ابن الأثير في مقدمات جامع الأصول إن الخلاف فيما إذا كان قائل ذلك من الصحابة غير أبى بكر أما إذا قاله أبو بكر فيكون مرفوعا قطعا لأن غير النبي لا يأمر ولا ينهاه لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم: ووجب على الأمة امتثال أمره.

"قال الزين وجزم به أبو بكر الصيرفي في الدلائل" يحتمل أنه جزم بمثل قول الإسماعيلي أو بمثل قول الجمهور وقر به من الأول أنه به حزم "وذلك مثل" حديث "أمر بلال إن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" أخرجه البخاري وغيره1 وكذلك قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم2 "قال ابن الصلاح: ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده" إذ المتبادر منه أن الآمر الرسول مطلقا.

تنبيه: قول الصحابي أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم3 وما أسبه لأبين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المرفوع وقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت" هو كقوله: أمرني الله تعالى وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية بأكل القرا يقولون يثرب"، الحديث4 لأنه لا آمر له صلى الله عليه وسلم إلا الله سبحانه وتعالى.

"وأما إذا قال ذلك التابعي ففيه وجهان وهو كقوله من السنة سواء" وقد تقدم تحقيقه.

1 البخاري في: الأذان ب 1-3، ومسلم في: الصلاة حديث: 2-3-5-وأحمد 3/101.

2 مسلم في: الحيض: حديث 67، وأحمد 6/187.

3 البخاري في: الأذان ب 115. ومسلم في: الصلاة حديث 27-30. وأحمد 2/236.

4 البخاري في: المدينة ب 2، ومسلم في: الحج: حديث 488، وأحمد 2/237.

ص: 246

"مسألة امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زين الدين: وأما إذا صرح" أي الصحابي "بالآمر فقال امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم فيه" أي في كونه مرفوعا "خلافا إلا ما حكاه ابن الصباغ في العدة" وحكاه أيضا شيخه أبو الطيب الطبري "عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم" قال إذ يحتمل إن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر.

قلت: إن عملنا يمثل هذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي وبطلت الرواية بالمعنى وهي أكثر الروايات بل قيل لم تتواتر رواية باللفظ إلا في حديثين ولا شك إن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي وان لم يكن كذلك في نفس الأمر ثم هذا الاحتمال الذي استدل به لداود يجري في الخبر إذ يحتمل أنه ظن ما ليس بخير خيرا فلا وجه لتخصيص الأمر "وهو ضعيف مردود" بما عرفته "قال زين الدين: إلا أن يريدوا" أي داود من وافقه "أنه ليس بحجة الوجوب ويدل تعليله" أي ابن الصباغ "للقائلين بذلك بان من الناس من يقول المندوب مأمور به ومنهم من يقول المباح مأمور به أيضا" وهذه المسألة مبسوطة في أصل الفقه.

"قال زين الدين: فإذا كان ذلك مرادهم كان له وجه" قلت: قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبار بأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم بصيغة إنشاء وهي افعلوا كذا فهو كما لو قال الصحابي قال صلى الله عليه وسلم افعلوا ولفظ افعلوا الأصل فيه الإيجاب عند الجمهور كما عرف فلا وجه لتأويل كلام داود إلا أن يكون مذهبه في الأصول أن الأمر ليس للإيجاب فبحث آخر على أن افعلوا ونحوه ليس بحجة في الإيجاب هذا كله فيما كان ذلك من الصحابي.

"فإذا قال التابعي أمرنا هل يكون مرسلا ففيه احتمالان للغزالي وجزم ابن السباغ في الشامل أنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك ابن المسيب وجهين" كأنه خص سعيدا من التابعين لأنه قد عرف منه أنه لا يقول ذلك إلا مرفوعا "وأما إذا قال الصحابي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بحذف المفعول "فلم يذكرها أهل الحديث" ولا كثير من أهل الأصول وذكرها في الفصول وجعلها مرتبة ثالثة بعد مرتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض عليه بأنها ليست مرتبة غير مرتبة غير مرتبة قال فإن الأمر

ص: 247

والنهي قول فإذا أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بصيغة الفاعل فهو إسناد للقول قطعا.

"واختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة إلى حمل ذلك على الاتصال وسماع الصحابي منه عليه السلام وقال المنصور بالله لا نحكم له بذلك ونجوز أنه ثبت له ذلك بسماع" فيتم الاتصال "أو بواسطة ثقة" فيكون مرسلا وإذا عرفت ان قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قال صلى الله عليه وسلم كما سلف فهو محتمل كما قاله المنصور بخلاف أمرنا.

"وقال الشيخ أحمد" الرصاص "يحمل على ثبوته" أي ثبوت رفعه "عنده" عند التابعي "بطرق قاطع من سماع أو تواتر" إذ حسن الظن يقضي بذلك إلا أنه لا يحتاج إلى القطع لأن المرسل متفق على جوازه وإن لم يتفق على حجيته ولا يشترط فيه الجزم بل الذي يحصل بالظن.

إذا عرفت هذا فقوله أمرنا كقوله قال لنا افعلوا وهو قول فإذا عارضه أرجح منه قدم عليه وإلا فهر قول مقدم على الفعل والتقرير وأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دونه لاحتماله الارسال احتمالا قويا فإذا عارضه أمرنا فهو أرجح.

تنبيه: أما إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتب الأصول أن الظاهر عند الأئمة من أهل البيت والمعتزلة بعض الأشعرية سماعه منه صلى الله عليه وسلم أي فيكون مرفوعا لأنه سمعه بغير واسطة ذكر ذلك في الفصول إلا أنه لم يستدل له على قاعدته في عدم ذكر أدلة الأقوال ولا يخفى أن معنى ظهور اللفظ في المعنى الذي دل عليه أنه الموضوع له أو الذي قامت عليه واضحة فلا بد من تقديم مقدمة لمدعي ظهور لفظ قال في المشافهة والسماع هي أنه موضوع للسماع ولا يستعمل في غيره إلا مجازا والمعلوم لغة أن قال موضوع لنسبة القول إلى فاعلة أعم من إن يكون السماع منه بلا واسطة أو معها فانه لا خلاف انه يصح إن يقول القائل قال زيد كذا وان لم يسمعه منه وإنما كان معرفته انه قاله بالواسطة كما يقال قال الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر احتماله للأمرين لا ظهوره في أحدهما ولذا أريد المشافهة والسماع قال قال لنا وقال لي.

ص: 248

"مسألة كنا نفعل ونحوه إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا فإما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم متفق عليه1 فالذي اختاره المنصور بالله في الصفوة به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وصححه الأصوليون مثل الشيخ أحمد في الجوهرة والفقيه علي بن عبد الله" أي ابن أبي الخير شارح المختصر لابن الحاجب "وغيرهما والرازي والآمدي وأتباعهما قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه الاعتماد" ووجه ذلك قوله "لأن ذلك يشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقرهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها" أي وجوه السنن "أقواله وأفعاله وتقريراته وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه" هكذا في شرح زين الدين نقلا عن ابن الصلاح وعبارته في كتابه فإنها أنواع منها أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعله ومنها تقريراته وسكوته عن الإنكار بعد إطلاعه فقوله وسكوته عطف على تقريره بتقدير وهي سكوته بيان الحقيقة التقرير وأنه عدم إنكار لم علمه من قول أو فعل أو تقرير صدرت من غيره وقرف صلى الله عليه وسلم بها ولا بد من زيادة فيه أنه لم يكن قد سبق عنه إنكارها وعلم منه ذلك لئلا يدخل فيه سكوته عن مرور ذمي إلى كنيسة كما عرف في الأصول.

"قال" أي ابن الصلاح "وبلغني عن البرقاني" تقدم أنه بفتح الموحدة وكسرها نسبة إلى برقانة قري بخوارزم وقرية بجرجان وهو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد سمع من خلائق منهم أبو بكر الإسماعيلي أخذ عنه بجرجان ومن جماعة بهراة ونيسابور ودمشق ومصر وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين وأخذ عنه البيهقي والخطيب وجماعة "أنه سأل الإسماعيلي" هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد ابن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته ولد سنة سبع وسبعين ومائتين سمع من أئمة ومنه أئمة منهم الحاكم والترمذي وغيرهما وله معجم مروي وصنف الصحيح وأشياء كثيرة وله مستخرج على البخاري بديع قال الحاكم: كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء

1 البخاري في: النكاح: ب96، ومسلم في: الطلاق: حديث 26- 28" وأحمد 3/309.

ص: 249

وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء بلا خلاف بين علماء الفريقين مات غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة عن أربع وتسعين سنة "عن ذلك" عن مثل قول الصحابي كنا نفعل "فأنكر كونه من المرفوع" قال البقاعي أي أنكر هذا الإطلاق فإن لفظ مرفوع إذا أطلق انصرف إلى كونه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحا ولو سأله ما حكم هذا قال حكمه الرفع قال فيحمل عليه ابن الصلاح كلام الخطيب من أنه يريد ليس مرفوعا لفظا وهو مثل ما تقدم من قولهم من السنة كذا فكأنه حينئذ موافق ليسس بمخالف.

"قال زين الدين: أما إذا كان في القصة اطلاعه" أي النبي صلى الله عليه وسلم: "فحكمه الرفع إجماعا" لأنه يعلم منه تقريره له وبه تعرف أنه أراد بقوله في أول المسألة فأما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلع عليه "وأما إذا لم يكن ذلك مقيدا بوقت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر المنصور بالله أن ذلك ليس بمرفوع" لعدم العلم بتقريره صلى الله عليه وسلم له "ولكنه يفيد الإجماع فيكون حجة وكذا قال صحاب الجوهرة" لكن لا بد أن يعلم أن هذا الفعل الذي ذكره الصحابي وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ لا إجماع في عصره صلى الله عليه وسلم كما علم في الأصول وكما يأتي في قوله والإجماع من بعده ثم غايته أن يكون إجماعا سكوتيا لأنه معلوم عادة عدم إجماع الأمة على فعل معين فالمراد كان أكثرهم أو بعضهم يفعل والآخرون مقرون لهم فيكون إجماعا سكوتيا وفي كونه حجة نزاع في الأصول.

"وقال" المنصور بالله "أيضا إن قولهم كانوا يفعلون مثال هذا في إفادة الرفع في زمانه والإجماع من بعده وقال أهل الحديث ليس في حكم المرفوع قاله زين الدين" حكاية عن أهل الحديث أيضا "وجزم به" أي بعدم رفعه "الخطيب وابن الصلاح وجعلاه" إذا لم يقيد بعصره صلى الله عليه وسلم "موقوفا وهو مقتضى كلام البيضاوي1" فإنه جعله موقوفا "وخالف كثير من الأصوليين" بل من أهل الحديث كما في منظومة زين الدين وشرحها "منهم الرازي والجويني والسيف الآمدي" فجعلوا منهم

1 البيضاوي هو: عبد الله بن عمر بن محمد أبو الخير قاضي القضاة ناصر الدين البيضاوي كان إماما علامة عارفا بالفقه والتفسير صالحا متعبدا زاهدا مات سنة 685. له ترجمة في: البداية والنهاية 13/309، وشذرات الذهب 5/392، ومرآة الجنان 4/220.

ص: 250

ذلك من قبيل المرفوع وإن لم يقيده بعصره صلى الله عليه وسلم.

"وقال به أيضا كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى وقال ابن الصباغ في العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في السرقة في الشيء التافه1" في القاموس تفه كفرح تفها وتفوها قل وحقر والحديث أخرجه اسحق بن راهويه كما في فتح الباري.

واعلم أن حاصل ما قيل في المسألة أنه موقوف جزما والثاني: التفصيل إن أضافه إلى زمن الوحي فمرفوع عند الجمهور وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف.

قال الحافظ ابن حجر وبقي مذاهب الأول أنه مرفوع مطلقا قلت: وهو رأي الحاكم والجويني ومن ذكر قال وهو الذي اعتمده الشيخان في كتابيهما وأكثر منه البخاري ومذهب ثالث وهو التفصيل بين أن يكون الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا.

وبه قطع الشيخ أبو اسحق الشيرازي وزاد ابن السمعاني في كتاب القواطع فقال إذا قال الصحابي كانوا يفعلون كذا أو أضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم: وكان مما لا يخفي مثله فيحمل على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم: ويكون شرعا وإن كان مثله يخفي فإن تكرر حمل أيضا على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى ومذهب آخر هو إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فهو موقوف حكاه القرطبي.

وفي شرح المهذب للنووي وظاهر استعمال كثير من المحدثين وأصحابنا في كتب الفقه أنه مرفوع مطلقا سواء أضافه أو لم يضفه وهذا قوي لأن الظاهر من قوله كنا نفعل أو كانوا يفعلون الاحتجاج به على وجه يحتج به ولا يكون ذلك إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغه انتهى.

قال الحافظ ابن حجر ولم يتعرض الشيخ ولا ابن الصلاح لقوله ما كنا نرى بالأمر والفلاني بأسا وكذلك جميع العبارات المصدرة بالنفي وذلك موجود في عباراتهم وحكمه حكم ما تقدم انتهى.

"واختلفوا في قول المغيرة ابن شعبة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله

1 البخاري في: الشهادات: ب 13.

ص: 251

وسلم يقرعون بابه بالأظافير" أخرجه الحاكم في علوم الحديث1 "فقال الحاكم: هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب في" كتابه "الجامع بين آداب الراوي والسامع مثل ذلك" أي مثل كلام الحاكم إلا أنه أي الخطيب رواه من حديث أنس والظاهر أنهم كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وقيل لأن بابه لم يكن له حلق يقرع بها.

"قال ابن الصلاح: بل هو مرفوع وهو بذلك أحرى" أي هو أحق بأن يكون مرفوعا من قولهم كنا نفعل "لكونه جرى بإطلاعه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخفى عليه" قرع بابه "قال الحاكم: معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع" لأنه قد عد قوله كنا نفعل مرفوعا فهذا أحرى منه.

"قلت: الصواب ما ذكره الحاكم والخطيب" من الحكم يوقفه "وقد وهم ابن الصلاح في إلزام الحاكم" حيث قال والحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع "فإنه" أي الحاكم "إنما جعل قول الصحابي كنا نفعل مرفوعا" وهو الذي وقع بسببه إلزام ابن الصلاح "لأنه" أي قولهم كنا نفعل "ظاهر في قصد الصحابة إلى الاحتجاج بذلك" وإلا لم يكن لذكره فائدة في مقام الاحتجاج به "والظن بالصحابي أنه لا يعتقد أن ذلك حجة إلا أن يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم" لعلمه ب مجرد فعلهم من حيث هو فعلهم ليس بحجة "والظن به" أي الصحابي "أيضا أنه لا يوهم الغير ذلك" أنه حجة "وليس بصحيح" الظاهر أن يقول وليس بحجة فإنه إن فعل ذلك "فيكون قد غر من سمعه من المسلمين في أمور الدين" والظن في الصحابة خلاف هذا.

قلت: ولا يخفى أن هذا يشمل ما قيده الصحابي بعصره صلى الله عليه وسلم وما لم يفيده.

"وأما قرع الصحابة لباب النبي صلى الله عليه وسلم: بالأظافير فليس فيه تعليق لذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم" كأنه يريد ليس فيه تعليق حكم ولكنه لما استشعر أن فيه حكما هو جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فدفعه بقوله "وأما الظن لاطلاع النبي صلى الله عليه وسلم: على ذلك وتقريره عليه فيدل على جواز

1 ص 19. ذكر النوع الخامس.

ص: 252

قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فلا يؤخذ" جواز ذلك "من مجرد هذا الحديث" فلذا قال لا تعليق له بالنبي صلى الله عليه وسلم: لأنه لا دلالة على علمه بالقرع وتقريره "لأن القرع بالأظافير خفي الصوت فإذا اتفق مرات يسيره فيحتمل أن لا يسمعه لا فباله على مهم من أمور الدين أو نومه أو غير ذلك".

قلت: لا يخفى بعد هذا أن العبارة تفيد أنه كان ذلك عادة لهم فيبعد أن لا يطلع على ذلك مع تكرره وقد كان فيه بيته يفلي ثوبه ويعلف داجنه ويقم منزله ثم أنهم لا يقرعونه إلا ليشعروه بأنهم في الباب "بل ليس في الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك وهو في البيت فلعلهم كانوا يخفون القرع أدبا مع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم" ولا يخفى بعد هذا التأويل "وإن كان حاضرا" في بيته "استأذنوا فقد كان أنس يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذن لمن أراد أن يدخل عليه" يقال عليه إنه كان يقع هذا تارة وهذا تارة فإنه قد يغيب الخادم أحيانا ويكون تارة داخل المنزل فيقرعون الباب ليخرج فيستأذن لهم "بل يحتمل أن ذلك فعل في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم: عن المدينة".

الظاهر من حديث المغيرة الإخبار عن توقيرهم النبي صلى الله عليه وسلم: أو تأديبهم معه ولا يكون ذلك إلا وهو في منزله "وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا وكان الدق قويا بحيث أن العادة تقضي برجحان سماعه" لا خفاء أن قرب منزله من الباب يقصي بسماعه القرع بالأظافير ولو كان القرع لا يسمع لما فعلوه ولا لنسائه كما تأوله وقد كان منزله صلى الله عليه وسلم لاصقا بالأرض فيسمع منه خفق نعال من مرفضلا عن قرعه بابه بأدنى قارع لبعد أن يستمر اتفاق ذلك أي الذي دل عليه كان يقرع كما قدمناه "وهو غائب" إذ الوارد إلى منزله وهو غائب قليل وحينئذ فلا يتم التأويل بأنه كان يفعل ذلك وهو غائب بل وهو حاضر فيتم الاستدلال فدفعه بقوله "وبعد أن يتفق ذلك كثيرا وهو في البيت وهو لا يسمع" يقال عليه ومن أين أنه كان لا يسمع ليس في حديث المغيرة ذلك بل إنما قرعوا ليسمع ويدل لسماعه قوله "فقد كان بيته صلى الله عليه وسلم صغيرا في نفسه وإن كان كبيرا في قدره" لكبر قدر ساكنه صلى الله عليه وسلم.

ولما كان ظاهر كانوا يفعلون الاستمرار كما علم في الأصول وقد نفاه بقوله ولو كان مستمرا دفع ذلك بقوله "ولفظه كان لا تقتضي ذلك" وكأنه يريد لفظه كان يفعل

ص: 253

وإلا فلفظ كان لا يفيد الاستمرار إلا إذا كان خبرها مضارعا لا مطلق كان "فقد يطلق على التكرار اليسير الذي لا يحصل معه الظن" أي ظن اطلاعه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا يخفى أن الأصل في كان يفعل الدلالة على الاستمرار وقد يخرج عنه للقرينة كما تفيده عبارة المصنف حيث قال فقد تطلق وأتى بقد ظاهر كلامه أن المراد استمرار القرع والحديث إنما سيق لبيان أنها كانت عادتهم قرعه بالأظافير في إتيانهم إليه صلى الله عليه وسلم ولا تعرض فيه لكثرة القرع نفسه أو قلت: هـ بل إنما يكون بحسب الحاجة حتى يسمع بقرعة أو أكثر "مع أن الحديث صحيح المعنى لمن أراد أن يحتج به على مثل ذلك" أي على جواز قرع أبواب المسلمين من غير إذن منهم لكن لا يخفى أنه لا يتم الاحتجاج إلا مع علمه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا حجة في مجرد فعلهم وأما قوله "لموافقته" أي الحديث المذكور "لإجماع المسلمين المعلوم والله أعلم" فهو خروج إلى الاستدلال بالإجماع في عصره ولا إجماع فيه وكأه يريد أنه معلوم أن أهل المدينة كانوا يقرعون الأبواب بعضهم على بعض وعلمه صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم وتقريره معلوم فهو رجوع إلى الاستدلال بتقريره صلى الله عليه وسلم بالإجماع.

"قلت: وقد ذكر بعض أصحابنا" تقدم عن المنصور وصاحب الجوهرة أنهما يقولان "إن قول الصحابي كنا نفعل ظاهر في دعوى الإجماع أيضا" أي كما هو الظاهر في الرفع "وذكره في الجوهرة وغيرها لأنه يقتضى بمفهومه أنهم فعلوا ذلك كلهم أو فعله بعضهم على وجه يعلمه الباقون ولم ينكروا" فكان إجماعا سكوتيا "وليس" ما قالاه "بجيد لأن هذه العبارة قد تطلق كثيرا إذا فعل ذلك كثير منهم" أو فعله بعضهم على وجه يظهر "وسكت الباقون وغن سكتوا عن غير علم بذلك" ولا يكون إجماعا سكوتيا إلا إذا علموا ومن أين يعلم أن كل واحد علم ذلك وقد قدمنا قريبا من هذا وبحثنا في حجية الإجماع السكوتي في الدراية حاشية الغاية بما يضمحل به القول بأنه حجة.

"وأما إذا قال الصحابي أوجب علينا أو حضر" بالبناء المجهول "أو نحوها" كأبيح لنا "فلم يذكرها أهل الحديث" وقد قدمنا ذكرها "وذكرها أصحابنا في خواص الصحابة وقالوا إنها تحمل على الرفع إلا أن المنصور بالله شرط في ذلك أن يكون مما لا مساغ للاجتهاد فيها حكاه عنه في الجوهرة" وإن كان الظاهر أنه مرفوع والاجتهاد احتمال مرجوح.

ص: 254

وهاهنا فوائد يحسن ذكرها:

الأولى: قول الصحابي كنا نرى كذا ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قولنا كنا نقول أو نفعل لأنها من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا أو استنباطا.

الثانية: قول الصحابي كان يقال كذا قال الحافظ المنذري اختلفوا هل يحلق بالمرفوع أو بالموقوف قال والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم:

قال الحافظ ابن حجر ومما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال كان يقال: "صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر"، ورواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم1 فدل على أنها عندهم من صبغ الرفع والله أعلم.

الثالثة: أنه لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات بل يلحق به النفي كقولهم كانوا لا يفعلون كذا ومنه قول عائشة كانوا لا يقطعون في الشيء التافه وتقدم2.

"مسألة" هذا الفرع الثالث "تفسير الصحابي" أي للقرآن "اختلف أهل العلم في تفسير الصحابي فذكر زني الدين وابن الصلاح أنه إن كان" أي تفسير الصحابي "في ذكر أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع وإلا فهو موقوف وجعل" أي كل واحد منهما "هذا هو القول المعتمد" وإليه ذهب الخطيب وأبو منصور البغدادي وتبعهما ابن الصلاح والزين.

"وأشار ابن الصلاح إلى الخلاف ولم يعين القائل بأن مطلق تفسير الصحابي مرفوع قال الزين وهو" أي القائل يرفع تفسير الصحابي مطلقا "الحاكم وعزاه إلى الشيخين" فإنه قال في المستدرك ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند "قال ابن الصلاح: تعقبا للحاكم إنما ذلك في تفسير متعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي إلى أو نحو ذلك" قال كقول جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته من ديرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية3

1 ابن ماجة 1666. والنسائي 1/316. والبيهقي 4/244.

2 سبق تخريجه.

3 علوم الحديث ص 20: ذكر النوع الخامس.

ص: 255

قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر الخلاف والحق أن ضابط ما يعتبره الصحابي إن كان مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا منقول عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه أشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع وأما إذا فسر الآية بحكم شرعي فيحتمل أن يكون مستفادا من النبي صلى الله عليه وسلم: أو عن القواعد فلا تجزم برفعه وكذا إذا قسر مفردا فقد يكون نفلا عن اللسان فلا تجزم برفعه وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي1 وابن مردويه في تفسيره المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين إلا أنه يستثنى من ذلك إذا كان المفسر له من الصحابة ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان ربما قال له بعض أصحابه حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تحدثنا عن الصحيفة.

"مسألة: قال" هذا هو الفرع الرابع وهو بحث ذكره زين الدين في بيتين من ألفيته2 وهما قوله:

وما رواه عن أبي هريرة

محمد وعنه أهل البصرة

كرر قال بعد فالخطيب

روى به الرفع وذا عجيب

"ما رواه أهل البصرة عن أبي هريرة قال قال ثم ساق كلاما بعد هذا" بعد القول المكرر "ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما كرر لفظ قال بعد ذكر أبي هريرة" لفظ زين الدين بعد البيتين أي وما رواه أهل البصرة عن محمد بن سيرين3

1 أبو جعفر الطحاوي هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي المصري الطحاوي الحنفي قال ابن يونس كان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف بعده مثله مات سنة 321. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/174، ووفيات الأعيان 1/53. وشذرات الذهب 2/288.

2 1/99/118-119.

3 محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر البصري. قال ابن سعد: ثقة مأمون عال رفيع فقيه إمام كثير العلم والورع مات سنة 110. له ترجمة في: تاريخ بغداد 5/331. وشذرات الذهب 1/128. ووفيات الأعيان 1/453.

ص: 256

عن أبي هريرة قال قال فذكر حديثا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كرر لفظ قال بعد أبي هريرة فإن الخطيب روى من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه" 1 وهذا يبين قول المصنف "فإن الخطيب روى في الكفاية عن موسى بن هرون أنه قال إذا قال حماد بن زيد والبصريون قال قال فهو مرفوع قال الخطيب قلت: للبرقاني أحسب أن موسى عني بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة قال كذا نحسب قال الخطيب ويحقق قول موسى ما قال محمد بن سيرين كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع" فتبين بهذا إن فاعل قال الثانية هو النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن هذا من حذف الفاعل ولا يجيزه النحاة وإن علم أنه معين كما هنا.

"قال زين الدين: ووقع في الصحيح من ذلك ما رواه البخاري في المناقب حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد" بن زيد "عن أيوب" السختياني "عن محمد" بن سييرين "عن أبي هريرة قال: "أسلم وغفار...." الحديث2" تمامه: "وشيء من مزينة وجهينة خير عند الله من تميم وهوازن وغطفان""وهو عند مسلم من رواية ابن علبة عن أيوب" أي عن محمد بن أبي هريرة "مصرح فيه بالرفع ووقع من ذلك في سنن النسائي الكبرى من رواية ابن علية عن أيوب عن ابن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه" ورواه الخطيب في الكفاية3 من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده إلى حماد بن زيد عن أيوب" أي هن محمد بن أبي هريرة وقد قدمناه قريبا.

* * *

1 البخاري 1/121. وأبو داود في الصلاة ب 20 وأحمد 2/312، 468.

2 مسلم في: فضائل الصحابة حديث 190، 194. والترمذي 3952. وأحمد 2/468.

3 ص 418.

ص: 257