الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 18 [في ذكر شرط المسانيد]
"شرط المسانيد" جمع مسند والمعروف في التصريف جمع مفعل على مفاعل ولكن جمعه مع الياء شائع قال زين الدين: في ألفيته في هذا البحث:
ودونها في رتبة ما جعلا
…
على المسانيد فيدعى الجفلى
بفتح الجيم والفاء معا مقصور وهي الدعوى العامة للطعام فإن الدعوة له عند العرب قسمين الجفلى وهي العامة التقوى وهي الخاصة "واعلم أن المسانيد دون السنن في القوة وأبعد منها عن رتبة الصحة" ولذا قال الزين ودونها أي دون السنن في الرتبة وفسر الزين الرتبة بالصحة كما قاله المصنف ووجهه أن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصحابي جميعه فيجمع الضعيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب فإن مؤلفه لا يورده لإثبات دعواه في الترجمة إلا الحديث المقبول وسيشير المصنف إلى هذا ولا خفاء أن عبارتهما تفيد أن السنن كلها بعيدة عن رتبة الصحة والذي قرره قريبا خلاف هذا وكأنه من باب التغليب.
قلت: إلا أنه لإخفاء أن في المسانيد حسانا بل فيها صحيح وحسن بعضه قد يكون أرجح من أحاديث السنن فالتحقيق أنه لا يتم ترجيح مجموع من السنن على مجموع من المسانيد كمسند أحمد مثلا على مجموع من السنن كسنن أبي داود وإنما يتم ترجيح أفراد على أفراد كحديث معين من السنن على حديث من أحاديث المسند أو عشرة على عشرة أو نحو ذلك.
وإذا عرفت هذا فينبغي أن يحمل كلامهم على أن أغلب أحاديث السنن أرفع رتبة من أغلب أحاديث المسانيد إلا أن فيه بعد هذا بحثا وهو أنها تقل الفائدة في هذا الترجيح عند العمل فإنه إذا تعارض مثلا حديث من مسند أحمد وحديث من سنن ابن ماجه وقد علم أن فيه ضعيفا كثيرا وعلم أن في مسند أحمد حسنا فلا ترجيح
لحديث ابن ماجه لجواز أنه من الأحاديث الضعيفة وجواز أن حديث المسند من الحسان فيتوقف العمل على البحث فعرفت أنه لم يأت الترجيح الجملي بفائدة.
ولا يقال فائدته أن يحمل الفرد المتنازع فيه على الأعم الأغلب كما عرف في الأصول والأغلب في أحاديث ابن ماجه الحسن وفي أحاديث مسند أحمد الضعيف لأنا نقول مثل هذا لا يكفي في إثبات الأحكام الشرعية إنما يجري ذلك في الأبحاث اللفظية كقولهم إذا تعارض الاشتراك والمجاز حمل اللفظ على المجاز لأنه الأغلب ولا يقال الأحكام اللفظية ترتب عليها أيضا أحكام شرعية فإذا كفى ذلك هنالك فليكف هنا فيكون هذا فائدة الترجيح الجملي لأنا نقول هذا لا يطرد.
واعلم أني قلت: هذا بحثا مني وبعد أعوام رأيت البقاعي قد نبه على هذا فقال بعد بيان كلام الزين والتفرقة بين السنن والمسانيد ما لفظه وليس ذلك من مسلم طردا ولا عكسا فإنه قد ينتقي صاحب المسند فلا يذكر إلا مقبولا كما صنع الإمام أحمد فإنه قال انتقيته من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث فما كان ينبغي أن يمثل به لما دون السنن وانه قال أي الزين إن في مسند أحمد الموضوع وقد هي شيخنا ذلك وصنف كتابا في المسند وكذا البزار انتقى مسنده وإذا ذكر ضعيفا بين حاله في بعض الأحايين وربما اعتذر عن إيراده بأنه ما وجد في الباب غيره أو بغير ذلك وكذا اسحق بن راهويه يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي إذا عرفت هذا عرفت أنه يتعين تأويل كلامهم بما قررناه.
"وشرط أهلها" أي أهل المسانيد "أن يفردوا حديث كل صحابي على حدة" بكسر المهملة الأولى يقال هذا على حدته وعلى وحده أي توحده أي يأتون بحديث كل صحابي على انفراد "من غير نظر إلى الأبواب" التي تلائم الحديث كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب "ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله" القاعدة: تقديم كل على أجمع: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} لأن كلا وجميعا هنا تأكيد لحديث وأن لم يساقا مساقه في اللفظ وكأنه لذلك اغتفر الترتيب ولا فرق بين جميع وأجمع "سواء رواه من يحتج به أو لا فقصدهم حصر جميع ما روى عنه" ومن هنا ضعفت رتبته عن رتبة السنن.
"كمسند أبي داود الطيالسي" هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل البصري سمع ابن عون وشعبة بطبقتهم وعنه أحمد بن حنبل وغيره من أهل
طبقته قال الفلاس ما رأيت أحفظ منه وقال ابن مهدي كان هو أصدق الناس قال الذهبي قلت: كان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث مات سنة أربع ومائتين وكان من أبناء الثمانين "ويقال إنه أول مسند صنف" قال البقاعي الذي حمل قائل هذا القول عليه تقدم عصر أبي داود على أعصار من يصنف المسانيد وظن أنه الذي صنفه وليس كذلك فإنه ليس من تصنيف أبي داود وإنما جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين جمع فيه ما رواه يونس ابن حبيب خاصة عن أبي داود قال ويشبه هذا مسند الشافعي فإنه ليس من تصنيفه وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من الأم وسمعه عليه. انتهى.
"ومثل مسند أحمد بن حنبل" فإنه من أجمع المسانيد للحديث وهو إمام الحفاظ وعلم الزهاد أفردت ترجمته في مصنفات.
"و" مسند "أبي بكر بن أبي شيبة" قال في حقه الذهبي الحافظ الكبير العديم النظير الثبت التحرير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف وغير ذلك سمع من ابن المبارك وابن عيينه وطبقتهم وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وعوالم قال الخطيب كان أبو بكر متقنا حافظا صنف المسند والأحكام والتفسير مات سنة خمس وثلاثين ومائتين.
"و" مسند "أبي بكر البزار" بفتح الموحدة فزاي مشددة هذا هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل.
"و" مسند "أبي القاسم البغوي" قال الذهبي هو الحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز مولده في رمضان سنة أربع عشر ومائتين سمع علي بن المديني وأحمد بن حنبل وخلقا كبيرا أزيد من ثلاثمائة شيخ وجمع وصنف معجم الصحابة والجعديات وطال عمره وتفرد في الدنيا.
"وغيرهم ومن أوسعها مسند بقي" بالموحدة فمثناة تحتية بزنة تقي ابن مخلد بالخاء المعجمة آخره مهملة بزنة مقتل قال فيه الذهبي الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرطبي صاحب المسند الكبير والتفسير الجليل الذي قال فيه ابن حزم ما صنف تيسير مثله أصلا مولده في رمضان سنة إحدى ومائتين قال وكان إماما علامة مجتهدا لا يقلد أحدا قدوة ثقة حجة صالحا عابدا مجتهدا أواها منيبا عديم النظير في زمانه قال أبو الوليد القرطبي ملأ بقاع الأندلس حديثا وعن بقي قال:
لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال وكان مجاب الدعوة وقيل إنه كان يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة وسرد الصوم وحضر سبعين غزوة مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين.
"ومسند الحافظ البارع أبي الحسين بن محمد الماسرخسي" قال الذهبي هو الحافظ البارع أبو علي كذا في التذكرة وفي نسخ التنقيح أبو الحسين ولعله غلط الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي النيسابوري صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف جزء وثلثمائة جزء وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل وخرج على صحيح البخاري كتابا وعلى صحيح مسلم وأدركته المنية ودفن علم كثير بدفنه مولده سنة ثمان وتسعين ومائتين ومات في تاسع رجب سنة خمس وستين وثلثمائة "قال الذهبي فرغ مهذبا معللا في ثلاثة آلاف جزء" قد سمعت قول الذهبي إنه ألف جزء وثلثمائة جزء.
"وهذه المسانيد الكبار هي التي يذكر فيها طرق الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح" والسنن "تسهيلا على الطالبين" ثم اختصرت الصحاح بحذف أسانيدها وجمع متونها ثم ضمت إليها السنن كل ذلك تسهيلا للطالبين ثم مراده بالصحاح ما يشمل السنن.
"قال زين الدين: وقد وعد ابن الصلاح مسند الدارمي في جملة المسانيد فوهم في ذلك لأنه مرتب على الأبواب لا على المسانيد" قال الذهبي في حق الدرامي هو الإمام الحافظ شمس الإسلام بسمرقند أبو عبد الله بن عبد الرحمن صاحب المسند العالي ثم قال وله المسند وكتاب الجامع وأثنى عليه وسمي كتابه مسندا كما سماه ابن الصلاح وكأنه سماه مؤلفه بالمسند وإن لم يكن على ترتيب المسانيد قال الحافظ ابن حجر اشتهر تسميته بالمسند كما سمي البخاري كتابه بالمسند الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمعطلة والمنقطعة والمقطوعة قال هو ليس دون السنن في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير انتهى.