الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 31 [في بيان المنقطع والمعضل]
"المنقطع والمعضل" جمعهما المصنف لتقاربهما وإلا فهما نوعان مستقلان جعلهما ابن الصلاح كل نوع على حدة والمعضل بالضاد المعجمة مفتوحة اسم مفعول مأخوذ من أعضله بمعنى أعياه "اختلفوا في صورتيهما" على أقوال في المنقطع.
الأول: "قال زين الدين: وابن الصلاح" لو قدمه لكان أولى "فالمشهور أن المنقطع ماسقط من رواته راو واحد غير الصحابي انتهى" إذ لو كان الساقط الصحابي لكان مرسلا واعلم أنهم يعلون الحديث بالانقطاع وتارة يضعفون به الإسناد ذكره زين الدين ولم يذكره ابن الصلاح نعم في: كلامه ما يفيد في الجملة.
والثاني: قوله: "وحكى الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه" أي المنقطع "ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد وإن كان" الساقط "أكثر من واحد" اثنان فصاعدا وهي عبارة الزين "في موضع واحد سمي معضلا وإلا يكن" أكثر من واحد "فمنقطع في موضعين" هذا ظاهر العبارة وليس هذا المفاد هو المراد بل المراد وإلا يكن الساقط هو المتصف بأنه أكثر من واحد في موضع واحد بل كان في موضعين مختلفين مفترقين فهو منقطع في موضعين كما تدل له عبارة الزين فإنه قال: أما إذا سقط واحد من بين رجلين ثم سقط من موضع آخر من الإسناد واحد آخر فهو منقطع في موضعين ثم قال: ولم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه وإذا كان الانقطاع بأكثر من اثنين قيل منقطع بثلاثة أو أربعة أو نحوهما.
"ويسمى المعضل أيضا منقطعا فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا" إذ قد شرط فيه سقوط راو غير صحابي والمعضل شرط فيه سقوط أكثر من واحد في موضع واحد فقد صدق على ما سقط فيه أكثر من واحد أنه سقط فيه الواحد، فكل ما سقط أكثر من واحد فهو منقطع ومعضل وأما ما لم يسقط فيه غير واحد فهو منقطع
لا غير فعلى هذا كان ينبغي أن يرسم المنقطع بأنه: ما سقط من رواته راو أو أكثر سواء كان على جهة التوالي أو لا.
"قال الزين" بعد كلام الحاكم "فقول الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعا" اعلم أن الحاكم ذكر في النوع التاسع من أنواع علوم الحديث أن المنقطع ثلاثة أنواع ثم قال: مثال نوع منها ثم ساق حديثا فيه عن أبي العلاء وهو ابن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث1 ثم قال هذا الإسناد مثل نوع من المنقطع للجهالة بالرجلين بين أبي العلاء بن الشخير وشداد بن أوس ثم قال وشواهده في الحديث كثيرة.
ثم قال وقد يروي الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع ثم ساق حديثا فيه حدثنا شيخ عن أبي هريرة وذكر حديث: "يأتي على الناس زمان بخير الرجل
…
"، الحديث قد قدمناه2 ثم قال وقد يسمى ذلك الرجل في رواية فإذا هو أبو عمرو والجدلي قال فهذا النوع من المنقطع الذي لا يقف عليه إلا الحافظ المتبحر الفهم.
والنوع الثالث: من المستفيض المنقطع الذي يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي ثم ذكر مثاله فهذا كلام الحاكم في جعل الأنواع الثلاثة من المنقطع وابن الصلاح نقل كلام الحاكم وجعل نوعين من المنقطع وهما ما سقط منه راو وهو ثالث أنواع الحاكم والثاني: الإسناد الذي يذكر بعض رواته بلفظ منهم نحو رجل أو شيخ أو نحوهما وذكر مثاله وأدرج الأول في الثاني3.
إذا عرفت هذا فالمصنف لم يذكر إلا نوعا واحدا مما ذكره الحاكم وابن الصلاح ذكر نوعين وأدخل الأول في الثاني: وقد تقدم للمصنف أن الإسناد الذي فيه عن رجل أو شيخ من المنقطع عند الحاكم ومن المتصل الذي في إسناده مجهول عند غيره واختاره فلهذا حذفه هنا وبني على دخول الأول في الثاني: فأسقطهما وإنما ذكرت هذا لئلا
1 معرفة علوم الحديث ص 27.
2 سبق تخريجه.
3 معرفة علوم الحديث ص 76، 81.
يهم الناظر أن المصنف فاته ما ذكره ابن الصلاح وأن ابن الصلاح فاته ما ذكره الحاكم وقد نقلا عنه بعض كلامه.
الثالث: من صور المنقطع ما أفاده قوله "وقال ابن عبد البر1 المنقطع ما لم يتصل إسناده والمرسل مخصوص بالتابعي" أي أنه ما قال التابعي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سلف "فالمنقطع أعم" لأنه يصدق على المرسل أنه لم يتصل إسناده "والمرسل بعض صور المنقطع" لما عرفت.
الرابع قوله "قال ابن الصلاح2: عن بعضهم إن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان".
هذا لفظ ابن الصلاح وتثنية خبر كلاهما جائز والأولى إفراده كما في قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33] وقول الشاعر:
كلانا غني عن أخيه حياته
…
ونحن إذا متنا أشد تغانيا
"لكل مالم يتصل إسناده قال وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته3" فهذه أربعة رسوم للمنقطع.
قال الحافظ ابن الحجر وفات المصنف يعني ابن الصلاح من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الإمام أبو الحسن الكيا الهراسي في تعليقه فإنه ذكر فيه أن اصطلاح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ذكر إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل قال ابن الصلاح: هذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو كبسه انتهى.
قلت: وكأه لما كان من كيسه ترك ذكره هنا.
"قال ابن الصلاح4: ومن المعضل قسم ثان وهو أن يروى تابع التابعي عن التابعي حديثا مرقوفا على التابعي وهو معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: بسند متصل".
1 التمهيد 1/21.
2 علوم الحديث ص80.
3 ص21.
4 علوم الحديث ص 83.
اعلم أن هذا ليس لفظ ابن الصلاح وإنما هو لفظ زين الدين فإنه قال في ألفيته1:
والمعضل الساقط منه اثنان
…
فصاعدا ومنه قسم ثاني
ثم قال في شرحه ومن المعضل قسم ثاني إلى آخره وأما ابن الصلاح فإنه نقله عن الحاكم ولفظه وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثا موقوفا عليه وهو حديث مسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل ثم ذكر مثاله ثم قال قلت: هذا جيد حسن انتهى.
فكان يحسن من المصنف أن يقول قال زين الدين: ومن المعضل قسم ثان لأنه عبارته ثم يحسن تطبيق قوله ابن الصلاح هذا جيد حسن عليه تطبيقا حسنا وأما تطبيقه على قوله قال ابن الصلاح: ومن المعضل ثم يقول "قال ابن الصلاح: وهذا جيد حسن" فإن تطبيقه عليه غير جيد وما كان يحسن من الزين والمصنف عدم التنبيه بأن ذلك من كلام الحاكم وإنما استحسنه ابن الصلاح واستجاده "لأن هذا الانقطاع بواحد" هو الذي بين تابع التابعي والتابعي "مضموما إلى القف على التابعي يشتمل على" تفسير "الانقطاع باثنين" هما "الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى" لأنه قد سقط فيه اثنان على الولاء ثم ورد مسندا متصلا ولا أدري ما وجه الأولوية2 فإن هذا قد ذهب إعضاله بإتيانه من طريق مسندا متصلا والقسم الأول لم يأت إلا معضلا فهو أولى بالإعضال من هذا الذي زال إعضاله في رواته.
"قال" ابن الصلاح: "والمحدثون يقولون معضل بفتح الضاد وهو من حيث الاشتقاق مشكل وقد بحثت عنه فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد" قلت: تعقبه السخاوي بأن أعضل بمعنى مستغلق لازم وإنما المتعدي أعضل بمعنى أعيا فإشكال المأخذ باق غير مندفع قال فالأولى أنه من أعضله بمعنى أعياه ففي القاموس عضل عليه ضيق وبه الأمر اشتد كأعضل وأعضله وتعضلا لداء الأطباء وأعضلهم فكأن
1 فتح المغيث 1/75/134.
2 وجه الأولوية أن الذي سقط منه اثنان غير الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم يقال له معضل فالذي سقط منه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصل لأنه منشأ الأحكام والصحابي الملتقى عنه تلك الأحكام قد أدرك من الإعياء مالم يدركه الآخر فكان باستحقاق اسم الإعضال أولى. أنظر حاشية الأجهوري ص 59.
المحدث أعضله وأعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه "ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى" كأنه يريد أنه لم يأت إلا بفتح الضاد فلا التفات إلى غيره قال الشيخ زكرياء واعلم أن معضل يقال للمشكل أيضا هو بكسر الضاد أو بفتحها على أنه مشترك انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر إنه اعترض على ابن الصلاح مغلطاي بناء على ما فهمه من كلامه أن مراده نفي جواز استعمال معضل بكسر الضاد فقال كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس غريبا وليس كذلك لأن صاحب المغرب حكاه في الأفعال عضل الشيء عضلا أعوج يعني فهو معضل.
قلت: لم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لم يوجد منه معضل بفتح الضاد لأن معضل بكسر الضاد من رباعي قاصر والكلام إنما هو في رباعي متعد وعضل يدل عليه لأن فعيلا بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي وقد فسر أعضل بمستغلق بفتح اللام فتبين أنه رباعي متعد وذلك يقتضي صحة قولنا معضل بفتح الضاد وهو المقصود هكذا قرره شيخنا شيخ الإسلام انتهى.
فائدة قال الحافظ ابن حجر قد وجدت التعبير بالمعضل في كلام جماعة من الأئمة فيما لم يسقط منه شيء البته فمن ذلك ما قاله محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات صالح الهرابى حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن إبن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيمر بالمربض في البيت فيسلم عليه ولا يقف قال الذهلي هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة رضي الله عنها ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ذكر والوهم فيما ترى من ابن لهيعة ثم ساق أمثلة من كلام الأئمة في ذلك ثم قال فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين أو يكون المعضل الذي عرف به المصنف يريد إبن الصلاح وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد وهذا الذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد يعنون به المستغلق الشديد وبالجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا.
واعلم أنه الحافظ ابن حجر أن إبن الصلاح لم يذكر حكم المنقطع كما ذكر حكم المرسل قلت: وكذلك المصنف قال وقد قال إبن السمعاني من منع من قبول المراسيل فهو أشد منعا لقبول النقطعات ومن قبل المراسيل اختلفوا.
قلت: وعلى هذا مذهب من يفرق بين المرسل والمنقطع أما يسمى الجميع مرسلا على ما سبق تحريره فلأنه نقل عن الجوز جاني أنه قال في مقدمة كتابه في المطبوعات المعضل أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع أسوأ حالا من المرسل والمرسل لا تقوم به حجة قلت: إنما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد فأما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال انتهى.
* * *