المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها] - توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار - جـ ١

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌مسألة 2 [في بيان مراد أهل الحديث بقولهم: هذا حديث صحيح]

- ‌مسألة 3 [من علوم الحديث: في معرفة أصح الأسانيد]

- ‌مسألة 4 [في ذكر أول من صنف في جمع الصحيح]

- ‌مسألة 6 [في عدد أحاديث الصحيحين]

- ‌مسألة 7 [في بيان الصحيح الزائد على ما في البخاري ومسلم]

- ‌مسألة 8 [في المستخرجات]

- ‌مسألة:9 [في بيان مراتب الصحيح]

- ‌مسألة 10 [في إمكان التصحيح في كل عصر ومن كل إمام]

- ‌مسألة:11 [في بيان حكم ما أسنده الشيخان أو علقاه]

- ‌مسألة 12 [في أخذ الحديث من الكتب]

- ‌مسألة 13 [في بيان القسم الثاني: وهو الحديث الحسن]

- ‌مسألة 14 [في بيان شرط أبي داود]

- ‌مسألة: 15 [في بيان شرط النسائي]

- ‌مسألة: 16 [في بيان شرط ابن ماجه]

- ‌مسألة: 17 [في الكلام على جامع الترمذي]

- ‌مسألة: 18 [في ذكر شرط المسانيد]

- ‌مسألة: 19 [في الكلام على الأطراف]

- ‌مسألة: 20 [في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه]

- ‌مسألة:21 [في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن]

- ‌مسألة: 22 [في بيان القسم الثالث: وهو الحديث الضعيف]

- ‌مسألة: 23 [في بيان الحديث المرفوع]

- ‌مسألة: 24 [في بيان المسند من أنواع الحديث]

- ‌مسألة: 25 [في بيان المتصل والموصول من أنواع الحديث]

- ‌مسألة:26 [في بيان الموقوف]

- ‌مسألة: 27 [في بيان المقطوع]

- ‌مسألة: 28 [في بيان المرسل]

- ‌مسألة: 29 [في بيان اختلاف العلماء في قبول المرسل]

- ‌مسألة: 30 [في فوائد تتعلق بالمرسل]

- ‌مسألة: 31 [في بيان المنقطع والمعضل]

- ‌مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها]

- ‌مسألة:33 [في بيان اختلاف العلماء في قول الراوي أن فلانا قال]

- ‌مسألة:34 [في حكم تعارض الوصل والإرسال]

- ‌مسألة:35 [في بيان التدليس]

- ‌مسألة:36 [في بيان الشاذ]

الفصل: ‌مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها]

‌مسألة: 32 [في بيان العنعنة وحكمها]

"العنعنة هي مصدر عنعن الحديث" أي مصدر جعلى مأخوذ من لفظ عن فلان كأخذهم حولق وحوقل من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وسبحل من قول سبحان الله.

"إذا رواه بلفظة عن من غير بيان" من الراوي "للتحديث والسماع1" إذ لو صرح بهما كان العمدة ما صرح به.

"واختلفوا في حكمها" أي العنعنة على قولين:

الأول: الاتصال كما قال "فالذي عليه العمل وهو الصحيح الذي ذهب إليه الجماهير من أئمة العلم أنه" أي الحديث المروى بعن "من قبيل الإسناد المتصل بشرط سلامة الراوي من التدليس وشرط ثبوت ملاقاة الراوي لمن روى عنه بالعنعنة" زاد ابن عبد البر شرطا ثالثا لقبوله كما يأتي.

"قال ابن الصلاح2: وكاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك قال الزين" في شرح ألفيته3 "لا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه" قلت: لفظه أي ابن عبد البر في مقدمة التمهيد4 اعلم وفقك الله تعالى أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهي عدالة المخبرين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء التدليس.

1 أنظر فتح المغيث للسخاوي 1/189.

2 علوم الحديث ص 83.

3 1/78.

4 1/12-14.

ص: 299

ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل العلم انتهى ذكره البرماوي في شرح ألفيته في الأصول فعرفت منه أنه إنما ذكر الإجماع على قبوله قال الحافظ ابن حجر ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل قال ولذلك قال ابن الصلاح: كاد انتهى قلت: إذا كان لا يلزم من القبول الاتصال فلا وجه لكاد بل لا وجه للتأيد بكلام ابن عبد البر على الاتصال على أن في النفس شيئا من قول الحافظ لا تلازم فإن غير المتصل لا يقبل لجواز الانقطاع ونحوه فليتأمل ثم بعد كتب هذا رأيت في حاشية البقاعي فقال إنه يلزم من ذلك أي من قبوله أن يكون متصلا كما ذكرناه ولله الحمد.

"وادعى أبو عمر الداني" القارئ المشهور الحافظ وهو بالدال المهملة نسبة إلى دانية مدنية من مدن الأندلس "إجماع أهل النقل على ذلك لكنه اشترط أن يكون معروفا بالرواية عنه" نقل هذا عن الداني ابن الصلاح قال الحافظ ابن حجر إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فالعجب كيف نزل عن النقل إلى الداني. انتهى.

قلت: ولو نقل كلام الحاكم لكان صريحا فيما ادعاه من الإجماع على الاتصال قلت: عبارة الحاكم بلفظها العنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل وكذا قال الخطيب إلا أن عبارته بلفظ أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس عن فلان صحيح معمول به إذا كان لقيه وسمع منه انتهى وكلامه مثل كلام ابن عبد البر لا مثل كلام الحاكم وقال الزين بعد نقل كلام الداني "لكن قد يظهر عدم اتصاله بوجه آخر كما في الإرسال الخفي كما سيأتي" فهذا استدراك لكونه قد لا يطرد اتصال الحديث المعنعن وإن جمع الشروط إلا أنه نادر والحمل على الاتصال هو الأصل.

"وما ذكرناه من اشتراط ثبوت اللقاء" يبين الراوي ومن عنعن عنه "هو مذهب علي بن المديني والبخاري وغيرهما من أئمة أهل العلم وأنكر مسلم في خطبة صحيحه اشتراط ذلك وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن الشايع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك كونهما في عصر واحد".

قلت: ولننقل لفظ مسلم في ذلك قال في مقدمة صحيحه وقد ادعى بعض

ص: 300

منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأحاديث وتسقيمها بقول لو اضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لا ماتته ولا إخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه إلى أن قال وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام عن الحكاية عن قوله والأخبار عن سوء رويته أن كل إسناد بحديث فيه عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنا لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث أن الحجة عنده لا تقوم بحديث جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم أنهما اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا أو تشافها بالحديث بينهما أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما أو تلاقيهما مرة في دهرهما فما فوقها ثم قال وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم والأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة راو عن مثله وجائز ممكن لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية به ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه ولم يسمع منه شيئا وأما والأمر مبهم على ما فسرنا فالرواية على السماع أبدا انتهى وقد طال في التهجين على من شرط اللقاء.

قال النووي في شرحه وقد أنكر المحققون ما ذهب إليه مسلم وقالوا إنه ضعيف والذي رده هو الصحيح المختار الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما.

قلت: ومن هنا تعرف أن الخلاف بين البخاري ومسلم في شرطية اللقاء وعدمه إنما هو في الحديث المعنعن فاكتفي مسلم بإمكان اللقاء وإنه لا يقول الثقة عن فلان إلا وقد لاقاه وإن لم نعلم ملاقاته إياه والبخاري يقول إنه لا بد من تحقق اللقاء ولو مرة وقد أورد عليه مسلم إيرادات وأطال الكلام ثم لا يعزب عنك أنه قد سبق ترجيح البخاري على مسلم بأنه يشترط اللقاء ومسلم يكتفي بإمكانه ومشترط التحقيق أولى من مشترط الإمكان ولا يخفى أن هذا شرط في مسألة من مسائل طرق الرواية هي رواية العنعنة والرواية في الصحيحين بها قليلة فلا يتم ترجيح جميع ما في

ص: 301

الكتاب ببعض مسائل رواياته وغاية هذا أن تكون رواية البخاري بالعنعنة أصح من رواية مسلم بها فتذكر ما سلف فأنا لم نورد هذا هنالك.

"قال ابن الصلاح: وفيما قال مسلم نظر" هو ما سمعته من كلام النووي.

واعلم أنهم هنا لم يستدلوا لما ذهب إليه البخاري وغيره من شرطية اللقاء ولا لما ذهب إليه مسلم من عدمه وما كان يحسن إهمال الدليل مع نقل الأقاويل وإلا كان تقليدا محضا وقد استدل ابن حجر لكلام البخاري فقال والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال فلو لم يكن مدلسا وحدث عن بعض عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه لأنه وإن كان غير مدلس فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم فاشترط أن يثبت أنه لقيه وسمع منه ليحمل ما يرويه منه على السماع لأنه لو لم يحمل على السماع لكان مدلسا والفرض السلامة من التدليس فتبين رجحان مذهبه.

وقال الحافظ أيضا وإذا ثبت اللقاء ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك قال وأما احتجاج مسلم على فساد ذلك بأن لنا أحاديث اتفق الأئمة على صحتها ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة ولم يأت في خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه فلا يلزم من ذلك عنده نفيه في نفس الأمر. انتهى.

قلت: هذا الاستدلال ذكره مسلم في مقدمة صحيحه وكذلك ألزم البخاري أنه إذا ثبت اللقاء ولو مرة وروى أحاديث يعلم أنه لا يتسع لها زمن اللقاء أن يحملها على السماع فالتزم الحافظ ابن حجر ذلك.

قلت: وفي كلامه أبحاث.

الأول: أن الدلالة العقلية دلت على أنه لا يتسع زمن اللقاء لما رواه عنه ويقول يحمل على السماع فإنه لا يخفى أن افتقار الفعل والقول إلى زمن يتسع لوقوعهما فيه أمر ضروري مخالفته دالة على كذب مدعيه.

البحث الثاني: أن قول الحافظ فلا يلزم من ذلك عنده أي عند البخاري نفيه في نفس الأمر غير دافع لما قاله مسلم لأن ما في نفس الأمر لا تكليف به وإلا فكل ظاهر يجوز خلافه في نفس الأمر والخطاب متعلق بالظاهر في التكاليف لا بما في نفس الأمر ألا ترى أن من عدل ثقة يجوز أنه غير عدل في نفس الأمر بل يجوز أنه

ص: 302

غير مسلم مع أنا مكلفون بقبول تعديل الثقة وكذلك ما صححه الثقة يجوز أنه موضوع في نفس الأمر وبالجملة ما في نفس الأمر لا تكليف به.

البحث الثالث: استدلال الحافظ ابن حجر للبخاري على شرطية اللقاء بتجويز أهل عصره للإرسال غير ناهض على الشرطية للقاء لأن هذا التجويز لا يرفع الأصل في إخبار الثقة وأنه محمول على اتصال السماع مع معاصرته لمن يروى عنه وإمكان اللقاء وإذ قد قبل البخاري عنعنة من ثبت له اللقاء ولو مرة مع احتمال أن بعض ما رواه لم يسمعه فقد حمله على السماع مع الاحتمال فليجزه مع احتمال الإرسال مع أنه احتمال بعيد واحتمال عجم السماع أقرب فيما يرويه السامع ويكثر في روايته مع حقارة زمن اللقاء.

وإذا عرفت هذا فمذهب مسلم لا يخلو عن القوة لمن أنصف وقد قال أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام اعمل أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان فكل ذلك محمول على السماع منه انتهى.

قلت: ولا يخفى أن قد قدمنا عنه خلاف هذا في حديث المعازف فتذكره.

الثاني من الأقوال في العنعنة: ما أفاده قوله "قال الزين وذهب بعضهم إلى أن الإسناد المعنعن من قبيل المرسل والمنقطع" أي فلا يحتج به ونقل عن النووي أنه قال هذا المذهب مردود بإجماع السلف.

"قلت: وهذا هو اختيار أبي طالب في عنعنة الصحابي وكذلك قال الشيخ الحسن الرصاص قال المنصور بالله هو يحتمل الاتصال والإرسال وكلامهم" أي الثلاثة "كله إنما رسموه في حق الصحابي فإن قلت: وما الفرق بين الصحابي وغيره قلت: الفرق أنه لم يثبت عن الصحابي أن ذلك يفيد السماع" قلت: لا يخفى ركة هذا الجواب فإن الصحابي ليس له عرف في روايته بل تارة يقول سمعت وتارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال البقاعي الفرق احتمال كون غير الصحابي ليس بثقة بخلاف الصحابة فكلهم عدول فهو مقبول بأي عبارة أتى لأنه دائر بين كونه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: أو من صحابيي وكونه سمعه من بعض التابعين بعيد جدا فلا يؤثر فيه هذا الاحتمال بخلاف غير الصحابي كالتابعي فإنه يحتمل احتمالا قريبا قويا أن يكون سمع معنعنة أو

ص: 303

متونه من غير صحابي وأن يكون من سمعه من غير ثقة انتهى بمعناه فهذا هو الفرق وقد عبر البقاعي بالقبول بناء على أنه لازم للاتصال.

قلت: والأحسن التفصيل فمن علم ملازمته له صلى الله عليه وسلم فروايته محمولة على السماع بأي عبارة أديت وإن كان من غير الملازمين فيحتمل الأمرين فقد كان عمر وهو من خواص الصحابة يتناوب النزول إلى مقامة صلى الله عليه وسلم هو وجار له فينزل عمر يوما ويأتي جاره بما استفاده ذلك اليوم وينزل جاره يوما فيأتي عمر بما استفاده ذلك اليوم كما هو مصرح به في صحيح البخاري وغيره في قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد قال أبو هريرة إنه كان يشغل أصحابه الصفق في الأسواق والأعمال في مزارعهم أي يشغلهم عن ملازمته صلى الله عليه وسلم وكان أبو هريرة لا يشغله شيء عن ذلك فالاحتمال الذي قاله المنصور بالله بالنظر إلى الطرق الأخير مما ذكرناه أقرب قال البرماوي إنه جرى البيضاوي والهندي على تصحيح الاتصال فيما إذا كانت العنعنة بين الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم.

"وأما من ثبت عنه أنه" أي المعنعن "يفيد السماع" كلمة من بيانية الضمير عنه "من جماهير المحدثين فإنه يكون مفيدا لذلك في حقه مثلما أن المتأخرين لما استعملوا العنعنة في الأجازة وصار ذلك عرفا لهم لم نحكم فيها بالسماع في حقهم" إذا عرفت أنه قد صار عرفا لهم "فالحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية" كما برهن على هذا في الأصول الفقيه "ولا ينبغي أن يكون في هذا اختلاف" بعد ثبوت العرف فيه "وإنما الخلاف في حق من لم يثبت عنه نقل" أي عرف "في ذلك من الصحابة والتابعين والفقهاء والأصوليين والقليل من المحدثين" قال الحافظ ابن حجر على كلام ابن الصلاح ما لفظه حاصل كلام المصنف أن للفظ عن ثلاثة أحوال:

أحدها: أنها بمنزلة حدثنا أو خبرنا بالشرط السابق.

الثاني: أنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت من مدلس وهاتان الحالتان مختصة بالمتقدمين.

وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة فهي بمنزلة أخبرنا لكنه إخبار جملى كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه هي

الحالة الثالثة.

ص: 304

إلا أن الفرق بينها وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والأجازة لكون السماع أرجح وبقي حالة أخرى لهذه اللفظة وهي خفية جدا لم ينبه أحد عليها في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سباق قصة سواء أدركها الناقل أن لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف فيقدر مثال ذلك ما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه قال حدثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو اسحق عن أبيه عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه لم يرد أبو اسحق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص وما أشبه ذلك لأنه لا يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله ثم ذكر أمثلة لذلك ثم قال وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة انتهى.

* * *

ص: 305