الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله الذي مَنَّ على المسلمين بإنزال القرآن الكريم، وتكفل بحفظه في الصدور والسطور إلى يوم الدين، وجعل من تتمة حفظه حفظ سنة سيد المرسلين.
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذي أوكل الله إليه تبيان ما أراده من التنزيل الحكيم، بقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل: 44] فقام صلى الله عليه وسلم مبينا له بأقواله، وأفعاله، وتقريراته، بأسلوب واضح مبين.
والرضَا عن الصحابة الذين تلقوا السنة النبوية عن النبي الكريم، فوعوها، ونقلوها للمسلمين كما سمعوها، خالصة من شوائب التحريف والتبديل.
والرحمة والمغفرة للسلف الصالح الذين تناقلوا السنة المطهرة جيلا عن جيل، ووضعوا لسلامة نقلها وروايتها قواعد وضوابط دقيقة لتخليصها من تحريف المبطلين.
والجزاء الخيِّر لمن خَلَفَ السلف من علماء المسلمين الذين تلقوا قواعد رواية السنة وضوابطها عن السلف، فهذبوها ورتبوها وجمعوها في مصنفات مستقلة، سميت فيما بعد بـ "علم مصطلح الحديث"1.
1 يطلق على هذا العلم أيضا "علم الحديث دراية" و"علوم الحديث" و"أصول الحديث".
أما بعد: فعندما كُلِّفت منذ سنوات بتدريس علم "مصطلح الحديث" في كلية الشريعة، بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وكان المقرر تدريس كتاب "علوم الحديث" لابن الصلاح، ثم قررت الجامعة مختصَرَهُ: كتاب "التقريب" للنووي، وجدت مع الطلبة بعض الصعوبات في تدريس هذين الكتابين -على جلالتهما، وغزارة فوائدهما- دراسة نظامية. فمن هذه الصعوبات التطويل في بعض الأبحاث، لا سيما في كتاب ابن الصلاح1. ومنها الاختصار في البعض الآخر، لا سيما في كتاب النووي2، ومنها صعوبة العبارة، ومنها عدم تكامل بعض الأبحاث3، وذلك كترك التعريف مثلا، أو إغفال المثال، أو عدم الفائدة من هذا البحث، أو ذاك، أو عدم التعريج على ذكر أشهر المصنفات، وما أشبه ذلك، ووجدت غيرهما من كتب الأقدمين في هذا الفن كذلك، بل إن بعض تلك الكتب غير شامل لجميع علوم الحديث، وبعضها غير مهذب ولا مرتب، وعذرهم في ذلك هو إما وضوح الأمور التي تركوها بالنسبة لهم، أو الحاجة لتطويل بعض الأبحاث، بالنسبة لزمنهم، أو غير ذلك مما نعرفه أو لا نعرفه.
فرأيت أن أضع بين أيدي الطلبة في كليات الشريعة كتابا سهلا في مصطلح الحديث وعلومه، ييسر عليهم فهم قواعد هذا الفن
1 كبحث "معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه" فقد استغرق 46 صفحة.
2 كبحث "الضعيف" مثلا؛ إذ لم يتجاوز تسع عشرة كلمة.
3 مثال ذلك اقتصار النووي في بحث المقلوب على ما يلي: "المقلوب: هو نحو حديث مشهور عن سالم، جعل عن نافع ليرغب فيه، وقلب أهل بغداد على البخاري مائة حديث؛ امتحانا، فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله".
ومصطلحاته، وذلك بتقسيم كل بحث إلى فقرات مرقمة متسلسلة، مبتدئا بتعريفه، ثم بمثاله، ثم بأقسامه مثلا
…
مختتما بفقرة "أشهر المصنفات فيه" كل ذلك بعبارة سهلة، وأسلوب علمي واضح، ليس فيه تعقيد ولا غموض. ولم أعرج على كثير من الخلافات والأقوال وبسط المسائل؛ مراعاة للحصص الزمنية القليلة المخصصة لهذا العلم في كليات الشريعة، وكليات الدراسات الإسلامية.
وسميته "تيسير مصطلح الحديث" ولست أرى أن هذا الكتاب يغني عن كتب العلماء الأقدمين في هذا الفن، إنما قصدت أن يكون مفتاحا لها، ومذكرا بما فيها، وميسرا للوصول إلى فهم معانيها. وتظل كتب الأئمة والعلماء الأقدمين مرجعا للعلماء والمتخصصين في هذا الفن، ومَعِينًا فَيَّاضًا ينهلون منه.
ولا يفوتني أن أذكر أنه صدرت في الآونة الأخيرة كتب لبعض الباحثين، فيها الفوائد الغزيرة، لا سيما الرد على شبه المستشرقين والمنحرفين، لكن بعضها مطول، وبعضها مختصرا جدا، وبعضها غير مستوعب، فأردت أن يكون كتابي هذا وسطا بين التطويل والاختصار، ومستوعبا لجميع الأبحاث.
والجديد في كتابي هذا هو:
1-
التقسيم؛ أي تقسيم كل بحث إلى فقرات مرقمة، مما يسهل على الطالب فهمه1.
1 لقد استفدت في موضوع تقسيم البحث على فقرات من كبار أساتذتي؛ كالأستاذ مصطفى الزرقا في كتابه "الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد" والأستاذ الدكتور معروف الدواليبي في كتابه "أصول الفقه"، والأستاذ الدكتور محمد زكي عبد البر، في مذكرة وضعها لنا -عندما كنا طلابا في كلية الشريعة بجامعة دمشق- على كتاب الهداية للمرغيناني، فكان لهذا التقسيم المبتكر أعظم الأثر في فهم تلك العلوم بسهولة ويسر بعد أن كنا نعاني كثيرا في فهمها واستيعابها.
2-
التكامل في كل بحث، من حيث الهيكل العام للبحث، من ذكر التعريف، والمثال، و
…
إلخ
3-
الاستيعاب لجميع أبحاث المصطلح ما أمكن بشكل مختصر.
أما من حيث التبويب والترتيب فقد استفدت من طريقة الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، فإنه خير ترتيب توصل إليه رحمه الله وكان جل اعتمادي في المادة العلمية على "علوم الحديث" لابن الصلاح، ومختصره "التقريب" للنووي، وشرحه "التدريب" للسيوطي.
وجعلت الكتاب من مقدمة، وأربعة أبواب:
الباب الأول: في الخبر1.
والباب الثاني: في الجرح والتعديل.
والباب الثالث: في الرواية وأصولها.
والباب الرابع: في الإسناد، ومعرفة الرواة.
وإنني إذ أقدم هذا الجهد المتواضع لأبنائنا الطلبة، اعترف بعجزي وتقصيري في إعطاء هذا العلم حقه، ولا أبرئ نفسي من الزلل والخطأ، فالرجاء ممن يطلع فيه على زلة وخطأ أن ينبهني عليه مشكورا؛ لعلي أتداركه. وأرجو الله تعالى أن ينفع به الطلبة والمشتغلين بالحديث، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم. إنه سبحانه سميع مجيب.
1 وأريد بـ "الخبر" ما يعم الحديث وغيره.