الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: الإسناد وما يتعلق به
الفصل الأول: لطائف الإسناد
المبحث الأول: الإسناد العالي والنازل
1-
تمهيد:
الإسناد خصيصة فاضلة لهذه الأمة، وليست لغيرها من الأمم السابقة، وهو سنة بالغة مؤكدة، فعلى المسلم أن يعتمد عليه في نقل الأحاديث والأخبار. قال ابن المبارك:"الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" وقال الثوري: "الإسناد سلاح المؤمن" كما أن طلب العلو فيه سنة أيضا، قال أحمد بن حنبل:"طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف"؛ لأن أصحاب عبد الله بن مسعود كانوا يرحلون من الكوفة إلى المدينة، فيتعلمون من عمر، ويسمعون منه، ولذلك استحبت الرحلة في طلب الحديث. ولقد رحل غير واحد من الصحابة في طلب علو الإسناد، منهم أبو أيوب، وجابر رضي الله عنهما.
2-
تعريفه:
أ- لغة:
العالي: اسم فاعل من "العلو" ضد النزول، والنازل: اسم فاعل من "النزول" ضد العلو.
ب- اصطلاحا:
1-
الإسناد العالي: هو الذي قل عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يَرِدُ به ذلك الحديث بعدد أكثر.
2-
الإسناد النازل: هو الذي كثر عدد رجاله بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعدد أقل.
3-
أقسام العلوِّ:
يقسم العلوُّ إلى خمسة أقسام، واحد منها علوٌّ مطلق، والباقي علوٌّ نسبي. وهي:
أ- القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف: وهذا هو العلوُّ المطلق، وهو أجلُّ أقسام العلوِّ.
ب- القرب من إمام من أئمة الحديث: وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثل القرب من الأعمش، أو ابن جريج، أو مالك، أو غيرهم، مع الصحة ونظافة الإسناد أيضا.
جـ- القرب بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الستة، أو غيرها من الكتب المعتمدة:
وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة، والأبدال، والمساواة، والمصافحة.
1-
فالموافقة: وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه بعدد أقل مما لو روى من طريقه عنه.
مثاله: ما قاله ابن حجر في شرح النخبة "روى البخاري عن قتيبة، عن مالك حديثا، فلو رويناه من طريقه1
1 أي من طريق البخاري.
كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، ولو روينا ذلك لحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج1، عن قتيبة مثلا. لكان بيننا وبين قتيبة فيه سبعة، فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه، مع علو الإسناد على الإسناد إليه"2.
2-
البدل: هو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، بعدد أقل مما لو روى من طريقه عنه.
مثاله: ما قاله ابن حجر: "كأن يقع لنا ذلك الإسناد بعينه، من طريق أخرى إلى القعنبي3، عن مالك، فيكون القعنبي فيه بدلا من قتيبة".
3-
المساواة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره، مع إسناد أحد المصنفين.
مثاله: ما قاله ابن حجر: "كأن يروي النسائي مثلا حديثا، يقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد عشر نفسا، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر، بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد عشر نفسا، فنساوي النسائي من حيث العدد".
1 هو أحد شيوخ البخاري.
2 شرح النخبة ص61.
3 القعنبي هو شيخ شيخ البخاري.
4-
المصافحة: هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره، مع إسناد تلميذ أحد المصنفين.
وسميت مصافحة؛ لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا.
د- العلو بتقدم وفاة الراوي: ومثاله ما قاله النووي: "فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي، عن الحاكم، أعلى من أن أرويه عن ثلاثة، عن أبي بكر بن خلف، عن الحاكم؛ لتقدم وفاة البيهقي، عن ابن خلف"1.
هـ- العلو بتقديم السماع: أي بتقدم السماع من الشيخ. فمن سمع منه متقدما كان أعلى ممن سمع منه بعده.
مثاله: أن يسمع شخصان من شيخ، وسماع أحدهما منذ ستين سنة مثلا، والآخر منذ أربعين سنة، وتساوى العدد إليهما، فالأول أعلى من الثاني، ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف.
4-
أقسام النزول:
أقسام النزول خمسة، وتعرف من ضدها، فكل قسم من أقسام العلو ضد قسم من أقسام النزول.
1 التقريب بشرح التدريب ج2، ص168، هذا وقد توفي البيهقي سنة 458هـ، وتوفي ابن خلف سنة 487هـ.
5-
هل العلو أفضل أم النزول؟:
أ- العلو أفضل من النزول على الصحيح الذي قاله الجمهور؛ لأنه يبعد كثرة احتمال الخلل عن الحديث، والنزول مرغوب عنه. قال ابن المديني:"النزول شؤم"، وهذا إذا تساوى الإسنادان في القوة.
ب- ويكون النزول أفضل إذا تميز الإسناد النازل بفائدة1.
6-
أشهر المصنفات فيه:
لا توجد مصنفات خاصة بالأسانيد العالية أو النازلة بشكل عام، لكن أفرد العلماء بالتصنيف أجزاء أطلقوا عليها اسم "الثلاثيات"، ويعنون بها الأحاديث التي فيها بين المصنف وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص فقط، وفي ذلك إشارة إلى اهتمام العلماء بالأسانيد العوالي، فمن تلك الثلاثيات:
أ- ثلاثيات البخاري، لابن حجر.
ب- ثلاثيات أحمد بن حنبل، للسفاريني.
1 كأن يكون رجاله أوثق من رجال الإسناد العالي أو أحفظ أو أفقه.