الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: صفة رواية الحديث
1
1-
المراد بهذه التسمية:
المراد بهذا العنوان: بيان الكيفية التي يروى بها الحديث، والآداب التي ينبغي التحلي بها، وما يتعلق بذلك، وقد تقدم شيء من ذلك في المباحث السابقة، وإليك ما بقي:
2-
هل يجوز رواية الراوي من كتابه إذا لم يحفظ ما فيه؟:
هذا أمر اختلف فيه العلماء، فمنهم من شدد فأفرط، ومنهم من تساهل ففرط، ومنهم من اعتدل فتوسط.
أ- فأما المتشددون: فقالوا: "لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه"، روي ذلك عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي بكر الصيدلاني الشافعي.
ب- وأما المتساهلون: فقوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولها، منهم: ابن لهيعة.
ج- وأما المعتدلون المتوسطون: "وهم الجمهور" فقالوا: إذا قام الراوي في التحمل والمقابلة بما تقدم من الشروط، جازت الرواية من الكتاب، وإن غاب عنه الكتاب، إذا كان الغالب على الظن سلامته من التغيير والتبديل، لا سيما إن كان ممن لا يخفي عليه التغيير غالبا.
3-
حكم رواية الضرير الذي لا يحفظ ما سمعه:
1 سأبحث هذا الموضوع باختصار أيضا؛ لأن بعض جزئياته كانت ضرورية في عصر الرواية؛ أما في هذه الأزمان فتعد دراستها من باب دراسة تاريخ الرواية، وهي لازمة لذوي الاختصاص في هذا الفن.
إذا استعان الضرير الذي لا يحفظ ما سمعه بثقة في كتابة الحديث الذي سمعه، وضبطه، والمحافظة على الكتاب، واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير، صحت روايته عند الأكثر، ويكون كالبصير الأمي الذي لا يحفظ.
4-
رواية الحديث بالمعنى، وشروطها:
اختلف السلف في رواية الحديث بالمعنى، فمنهم من منعها، ومنهم من جوزها.
أ- فمنعها فريق من أصحاب الحديث والفقه والأصول، منهم ابن سيرين، وأبو بكر الرازي.
ب- وأجازها جمهور السلف والخلف من المحدثين، وأصحاب الفقه والأصول، منهم الأئمة الأربعة، لكن إذا قطع الراوي بأداء المعنى.
ثم إن من أجاز الرواية بالمعنى، اشترط لها شروطا، وهي:
1-
أن يكون الراوي عالما بالألفاظ ومقاصدها.
2-
أن يكون خبيرا بما يحيل معانيها.
هذا كله في غير المصنفات، أما الكتب المصنفة فلا يجوز رواية شيء منها بالمعنى، وتغيير الألفاظ التي فيها، وإن كان بمعناها؛ لأن جواز الرواية بالمعنى كان للضرورة إذا غابت عن الراوي كلمة من الكلمات، أما بعد تثبيت الأحاديث في الكتب فليس هناك ضرورة لرواية ما فيها بالمعنى.
هذا وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول بعد روايته الحديث: "أو كما قال" أو "نحوه" أو "شبهه".
5-
اللحن في الحديث، وسببه:
اللحن في الحديث، أي الخطأ في قراءته، وأبرز أسباب اللحن:
أ- عدم تعلم النحو واللغة: فعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، فقد روى الخطيب عن حماد بن سلمة قال: مثل الذي يطلب الحديث، ولا يعرف النحو، مثل الحمار، عليه مخلاة لا شعير فيها1.
ب- الأخذ من الكتب والصحف، وعدم التلقي عن الشيوخ: مر بنا أن لتلقي الحديث وتحمله عن الشيوخ طرقًا بعضها أقوى من بعض، وأن أقوى تلك الطرق السماع من لفظ الشيخ، أو القراءة عليه، فعلى المشتغل بالحديث أن يتلقى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفواه أهل المعرفة والتحقيق، حتى يسلم من التصحيف والخطأ، ولا يليق بطالب الحديث أن يعمد إلى الكتب والصحف، فيأخذ منها، ويروي عنها، ويجعلها شيوخه، فإنه بذلك تكثر أخطاؤه وتصحيفاته، لذا قال العلماء قديما:"لا تأخذ القرآن من مصحفيٍّ، ولا الحديث من صحفيٍّ"2.
1 تدريب الراوي ج2، ص106.
2 المصحفي الذي يأخذ القرآن من المصحف، ولا يتلقى القرآن عن القراء والشيوخ. والصحفي هو الذي يأخذ الحديث من الصحف، ولا يتلقاه عن الشيوخ.
وقال في القاموس 3/ 166: "والصحفي: من يخطئ في قراءة الصحيفة".
غريب الحديث:
1-
تعريفه:
أ- لغة: الغريب في اللغة، هو البعيد عن أقاربه، والمراد به هنا الألفاظ التي خفي معناها. قال صاحب القاموس:"غرب ككرم: غمض وخفي"1.
ب- اصطلاحا: هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم؛ لقلة استعمالها2.
2-
أهميته وصعوبته:
وهو فن مهم جدًّا، يقبح جهله بأهل الحديث، لكن الخوض فيه صعب، فليتحرَّ خائضه، وليتقِّ الله أن يقدم على تفسير كلام نبيه صلى الله عليه وسلم بمجرد الظنون، وكان السلف يتثبتون فيه أشد التثبت.
3-
أجود تفسيره:
وأجود تفسيره ما جاء مفسرا في رواية أخرى، مثل: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في صلاة المريض: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"3.
وقد فسر قوله: "على جنب" حديث علي رضي الله عنه، ولفظه:"على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه"4.
1 القاموس ج1، ص115.
2 علوم الحديث، ص272.
3 البخاري، كتاب تقصير الصلاة: 2/ 587، حديث 1117.
4 سنن الدارقطني.
4-
أشهر المصنفات فيه:
أ- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام.
ب- النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير؛ وهو أجود كتب الغريب.
جـ- الدر النثير، للسيوطي، وهو تلخيص للنهاية.
د- الفائق، للزمخشري.