الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: صفة من تقبل روايته وما يتعلق بذلك من الجرح والتعديل
الفصل الأول: في الراوي، وشروط قبوله
…
الباب الثاني: صفة من تقبل روايته وما يتعلق بذلك من الجرح والتعديل
الفصل الأول: في الرواي، وشروط قبوله
1-
مقدمة تمهيدية:
بما أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلنا عن طريق الرواة، فهم الركيزة الأولى في معرفة صحة الحديث، أو عدم صحته، لذلك اهتم علماء الحديث بالرواة، وشرطوا لقبول روايتهم شروطا دقيقة محكمة تدل على بُعْدِ نظرهم وسداد تفكيرهم، وجودة طريقتهم.
وهذه الشروط التي اشترطوها في الراوي، والشروط الأخرى التي اشترطوها لقبول الحديث والأخبار، لم تتوصل إليها أي ملة من الملل، حتى في هذا العصر الذي يصفه أصحابه بالمنهجية والدقة؛ فإنهم لم يشترطوا في نقلة الأخبار الشروط التي اشترطها علماء المصطلح في الراوي، بل ولا أقل منها، فبعض الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء الرسمية لا يوثق بها، ولا يركن إلى صدقها، وذلك بسبب رواتها المجهولين:
وما آفة الأخبار إلا رواتها
وكثيرا ما يظهر عدم صحة تلك الأخبار بعد مدة، بعد قليل.
2-
شروط قبول الراوي:
أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط في الراوي شرطان أساسيان، هما:
أ- العدالة: ويعنون بها: أن يكون الراوي: مسلما، بالغا، عاقلا، سليما من أسباب الفسق، سليما من خوارم المروءة.
ب- الضبط: ويعنون به: أن يكون الراوي: غير مخالف الثقات، ولا سيئ الحفظ، ولا فاحش الغلط، ولا مغفلا، ولا كثير الأوهام.
3-
بم تثبت العدالة؟:
تثبت العدالة بأحد أمرين:
أ- إما بتنصيص معدِّلين عليها، أي أن ينص علماء التعديل أو واحد منهم عليها.
ب- وإما بالاستفاضة والشهرة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم، وشاع الثناء عليه كفاه ذلك، ولا يحتاج بعد ذلك إلى معدِّل ينص عليها، وذلك مثل الأئمة المشهورين، كالأئمة الأربعة، والسفيانين، والأوزاعي، وغيرهم.
4-
مذهب الحافظ ابن عبد البر في ثبوت العدالة:
رَأْيُ ابن عبد البر أن كل حامل علم معروف العناية به، محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه، واحتج بحديث:"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"1. وقوله هذا غير مرضِيٍّ عند
1 رواه ابن عدي في الكامل وغيره، وقال العراقي: له طرق كلها ضعيفة لا يثبت منها شيء، وقد حسنه بعض العلماء لكثرة طرقه. وانظر التفاصيل في التدريب ج1، ص302-303.
العلماء؛ لأن الحديث لم يصح، وعلى فرض صحته، فإن معناه "ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله"؛ بدليل أنه يوجد من يحمل هذا العلم وهو غير عدل.
5-
كيف يعرف ضبط الراوي؟:
يعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات المتقنين في الرواية؛ فإن وافقهم في روايتهم غالبا فهو ضابط، ولا تضر مخالفته النادرة لهم، فإن كثرت مخالفته لهم اختل ضبطه، ولم يُحْتَجَّ به.
6-
هل يقبل الجرح والتعديل من غير بيان سببه؟:
أ- أما التعديل فيقبل مِنْ غير ذكر سببه على الصحيح المشهور؛ لأن أسبابه كثيرة يصعب حصرها؛ إذ يحتاج المعدل أن يقول مثلا: لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، أو يقول: هو يفعل كذا، ويفعل كذا، وهكذا
…
ب- أما الجرح فلا يقبل إلا مفسرا؛ لأنه لا يصعب ذكره، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح، فقد يجرح أحدهم بما ليس بجارح. قال ابن الصلاح: "وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله، وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده، مثل البخاري ومسلم وغيرهما، ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم، كعكرمة، وعمرو بن مرزوق، واحتج مسلم بسويد بن سعيد، وجماعة اشتهر الطعن فيهم، وهكذا
فعل أبو داود. وذلك دالٌّ على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه"1.
7-
هل يثبت الجرح والتعديل بقولِ واحدٍ؟:
أ- الصحيح أنه يثبت الجرح والتعديل بقولِ واحدٍ.
ب- وقيل: لا بد من اثنين، وهذا القول غير معتمد.
8-
اجتماع الجرح والتعديل في راوٍ واحد:
إذا اجتمع في راوٍ واحد الجرح والتعديل.
أ- فالمعتمد أنه يقدم الجرح إذا كان مفسَّرًا.
ب- وقيل: إن زاد عدد المعدلين على عدد الجارحين قدم التعديل، وهو قول ضعيف غير معتمد.
9-
حكم رواية العدل عن شخص:
أ- رواية العدل عن شخص لا تعد تعديلا له عند الأكثرين، وهو الصحيح، وقيل: هو تعديل.
ب- وعمل العالم وفتياه على وفق حديث ليس حكما بصحته، وليست مخالفته له قدحا في صحته، ولا في رواته.
وقيل: بل هو حكم بصحته، وصححه الآمدي وغيره من الأصوليين، وفي المسألة كلام طويل.
1 علوم الحديث ص96 باختصار يسير.
10-
حكم رواية التائب من الفسق:
أ- تقبل رواية التائب من الفسق.
ب- ولا تقبل رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك زجرا له ولغيره.
11-
حكم رواية من أخذ على التحديث أجرًا:
أ- لا تقبل روايته عند البعض؛ كأحمد، وإسحاق، وأبي حاتم.
ب- وتقبل عند البعض الآخر؛ كأبي نعيم الفضل بن دكين.
ج- وأفتى أبو إسحاق الشيرازي لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التحديث بجواز أخذ الأجر.
12-
حكم رواية من عرف بالتساهل، أو بقبول التلقين، أو كثرة السهو:
أ- لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه، أو إسماعه؛ كمن لا يبالي بالنوم وقت السماع، أو يحدث من أصل غير مقابل.
ب- ولا تقبل رواية من عرف بقبول التلقين في الحديث، بأن يلقن الشيء، فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه.
ج- ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في روايته.
13-
حكم رواية من حدَّث ونَسِيَ:
أ- تعريف من حدث ونسي:
هو ألا يذكر الشيخ رواية ما حدث به تلميذه عنه.
ب- حكم روايته:
1-
الرد: إن نفاه نفيا جازما، بأن قال: ما رويته، أو هو يكذب علي، ونحو ذلك.
2-
القبول: إن تردد في نفيه، كأن يقول: لا أعرفه، أو لا أذكره، ونحو ذلك.
ج- هل يعد ردُّ الحديث قادحا في واحد منهما؟
لا يعد رد الحديث قادحا في واحد منهما؛ لأنه ليس أحدهما أولى بالطعن من الآخر.
د- مثاله:
ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد" قال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثني به ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل، فلقيت سهيلا، فسألته عنه، فلم يعرفه، فقلت: حدثني ربيعة عنك بكذا، فصار سهيل بعد ذلك يقول: حدثني عبد العزيز، عن ربيعة، عني أني حدثته عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بكذا
…
هـ- أشهر المصنفات فيه:
كتاب "أخبار من حدث ونسي" للخطيب البغدادي.