الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقد الْعَدَالَة بالملكة الْمَذْكُورَة
وَالْحَاصِل أَن تَفْسِير الْعَدَالَة بالملكة الْمَذْكُورَة لَيْسَ مَعْنَاهَا لُغَة وَلَا أَتَى عَن الشَّارِع حرف وَاحِد بِمَا يفيدها وَالله تَعَالَى قَالَ فِي الشُّهُود {وَأشْهدُوا ذَوي عدل} {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَهُوَ كالتفسير للعدل والمرضي من تسكن النَّفس إِلَى خَبره ويرضى بِهِ الْقلب وَلَا يضطرب من من خَبره ويرتاب وَمِنْه {تِجَارَة عَن ترَاض}
وَفِي كَلَام الْوَصِيّ رضي الله عنه حَدثنِي رجال مرضيون وأرضاهم عمر وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (إِذا أَتَاكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فأنكحوه)
فالعدل من اطْمَأَن الْقلب إِلَى خَبره وسكنت النَّفس إِلَى مَا رَوَاهُ
وَأما القَوْل بِأَنَّهُ من لَو هَذِه الملكة الَّتِي هِيَ كَيْفيَّة راسخة تصدر عَنْهَا الْأَفْعَال بسهولة يمْتَنع بهَا عَن اقتراف كل فَرد من أَفْرَاد الْكَبَائِر وصغائر الخسة كسرقة لقْمَة والتطفيف بِحَبَّة تَمْرَة والرذائل الْجَائِزَة كالبول فِي الطرقات وَأكل غير السوقي فِيهِ فَهَذَا تَشْدِيد فِي الْعَدَالَة
لَا يتم إِلَّا فِي حق المعصومين وأفراد من خلص الْمُؤمنِينَ بل قد جَاءَ فِي الْأَحَادِيث أَن كل بني آدم خطاؤون وَخير الْخَطَّائِينَ التوابون) وَأَنه مَا من نَبِي إِلَّا عصى أَو هم بِمَعْصِيَة فَمَا ظَنك عَمَّن سواهُم وَحُصُول هَذِه الملكة فِي كل راو من رُوَاة الحَدِيث عَزِيز الْحُصُول لَا يكَاد يَقع
وَمن طالع تراجم الروَاة علم ذَلِك وَأَنه لَيْسَ الْعدْل إِلَّا من قَارب وسدد وَغلب خَيره شَره وَفِي الحَدِيث (الْمُؤمن واه) أَي واه لدينِهِ
بِالذنُوبِ راقع لَهُ بِالتَّوْبَةِ فالسعيد من مَاتَ على رقعه أخرجه الْبَزَّار وَإِن كَانَ فِيهِ ضعف فَهُوَ منجبر بِحَدِيث (لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم) وَهُوَ حَدِيث
صَحِيح فالمؤمن المرضي الْعدْل لَا بُد مقارفته لشَيْء من الذُّنُوب لَكِن غَالب حَاله السَّلامَة وَيَأْتِي عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه قَول حسن فِي الْعَدَالَة
وَهَذَا بحث لغَوِيّ لَا يُقَلّد فِيهِ أهل الْأُصُول وَإِن تطابقوا عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا يَقُوله الأول ثمَّ يُتَابِعه عَلَيْهِ الآخر من غير نظر
إِذا عرفت مَا أسلفناه وَقد عرفت نقل الْإِجْمَاع عَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم فِي قبُول خبر المبتدع كَمَا قَالَ الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه عبد الله بن حَمْزَة رضي الله عنه إِن من تصفح آثَارهم واقتص أخبارهم عرف أَنهم لما صَارُوا أحزابا وَتَفَرَّقُوا فرقا وانْتهى الْأَمر بَينهم إِلَى الْقَتْل والقتال كَانَ بَعضهم يروي عَن بعض من غير مناكرة بَينهم فِي ذَلِك بل اعْتِمَاد أحدهم على رِوَايَة من يُخَالِفهُ
كاعتماده على رِوَايَة من يوافقهم
وَمثله قَالَ الشَّيْخ أَحْمد الرصاص فِي كتاب الْجَوْهَرَة إِن الْفِتْنَة لما وَقعت بَينهم كَانَ بَعضهم يحدث عَن بعض من غير مناكرة ويسند الرجل إِلَى من يُخَالِفهُ كَمَا يسند إِلَى من يُوَافقهُ
علمت أَن ذَلِك يسْتَلْزم الْإِجْمَاع على أَن مدَار قبُول الرِّوَايَة ظن صدق الرَّاوِي لَا عَدَالَته المفسرة بِحَدّ الْحَافِظ وَغَيره
قَالَ ابْن الصّلاح كتب الْأَئِمَّة طافحة بالرواية عَن المبتدعة غير الدعاة
قلت مَا ذَاك إِلَّا لكَون الابتداع غير مخل بِالْعَدَالَةِ قطعا بل هُوَ مخل بهَا لكنه دَار الْقبُول على ظن الصدْق وَذَلِكَ لأدلة
الأول أَن خبر المبتدع يُفِيد الظَّن وَالْعَمَل بِالظَّنِّ حسن
عقلا
الثَّانِي أَن فِي مخالفتهم مضرَّة مطنونة وَدفع الضَّرَر المظنون عَن النَّفس وَاجِب
الثَّالِث إِمَّا أَن يحصل بخبرهم الرجحان أَو لَا إِن حصل فإمَّا أَن يعْمل بِهِ أَو بالمرجوح أَو يُسَاوِي بَينهمَا وَقد علمت أَن تَرْجِيح الْمَرْجُوح على الرَّاجِح أَو الْمُسَاوَاة بَينهمَا فِي التَّرْجِيح قَبِيح عقلا فَوَجَبَ الْعَمَل بالراجح إِذا عرفت أَنه يُفِيد الظَّن وَأَنه يجب الْعَمَل بِالظَّنِّ عقلا
الْأَدِلَّة على وجوب الْعَمَل بِهِ شرعا كَثِيرَة
الْآيَة الأولى قَوْله تَعَالَى {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف} وَهُوَ عَام فِي كل مَا جَاءَ عَن الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ من كَلَامه أَو كَلَام رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَسَوَاء كَانَ مَعْلُوما أَو مظنونا فَكل خبر عَن الله تَعَالَى أَو عَن رَسُوله حصل الظَّن بِهِ فقد صدق عَلَيْهِ أَنه جَاءَنَا عَن الله تَعَالَى
الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة} فَهَذَا عَام فِيمَا أَتَانَا عَن الله تَعَالَى وَالْآيَة وَإِن كَانَت خطابا لأهل الْكتاب فَهِيَ فِي حَقنا كَذَلِك وَتَقْرِير الْحجَّة بهَا كَمَا سلف
الثَّالِثَة قَوْله {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} الْآيَة
وتقريرها كَمَا سلف وَالْخَبَر المظنون عَن الرَّسُول قد أَتَانَا عَنهُ فَيجب الْعَمَل بِهِ والأدلة من هَذَا النَّوْع وَاسِعَة جدا أَو ناهضة على الْمُدَّعِي وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عليه وسلم (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُم) فَيجب فِي تعرف مَا أَتَانَا الله تَعَالَى وأمرنا بِأَخْذِهِ بذل الوسع فِي ذَلِك بِحَسب الطَّاقَة كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَهنا رتب ثَلَاث
الأولى أَن يعلم اللَّفْظ الْوَارِد عَن الشَّارِع وَالْمعْنَى وَهَذَا يكون كثيرا فِي الْقُرْآن وَالسّنة المتواترة
الثَّانِيَة أَن يعلم اللَّفْظ ويظن الْمَعْنى وَذَلِكَ أَيْضا يكون فِي الْقُرْآن كثيرا والمتواتر من السّنة
الثَّالِثَة أَن يظنّ اللَّفْظ وَالْمعْنَى أَو يعلم الْمَعْنى ويظن اللَّفْظ وَكِلَاهُمَا فِي السّنة